الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الامر بالأمر بالفعل

 

كان الكلام فيما لو شك في وجوب القضاء في الشبهة الحكمية ومر انه ليس الشك في صدق عنوان الموضوع او عدم صدقه كالفوت او عدم الاتيان، لان الشبهة الحكمية فرض فيها التحقق من الموضوع يعني ان الفوت او عدم الاتيان محرز وانما الشك في الوجوب في الباب له القضاء ام ليس القضاء.

ومر ان جملة من الاعلام تمسكوا بالاستصحاب ومما يساعد الاستصحاب والوحدة العرفية هو كون الأدلة الأولية في ذلك الباب دالة على ان المركب في الجملة ذو مراتب فلما تدل الأدلة عليها يهيئ الاستظهار العرفي ويعضد الاستصحاب العرفي في الوحدة العرفية وان هذا القيد ليس قيدا مزيلا للمركب وأصله وهذا كما مر بنا فيما لو لم يكن الوقت اخذ كعنوان الهوية للمركب ففي هذه الموارد يختلف الحديث. اما في غيره مما يكون قيدا فالادلة الأولية في الجملة او بعض الأدلة الثانوية في بعض الموارد المعلومة الدالة على تعدد المراتب في المركب ففي الموارد المشكوكة يمكن تصوير تسويغ الاستصحاب بقاء الوجوب.

بالنسبة الى الشبهة الموضوعية فتارة يشك في لزوم القضاء وشكه ليس مبتدأ بعد الوقت بل شكه داخل الوقت. فالوظيفة العقلية هي الاتيان بالمركب والأداء. ولو فرط في هذه الوظيفة العقلية فالعقل أيضا يلزمه بالقضاء لان الشبهة الموضوعية تعني بعد الفراغ عن وجوب القضاء من جهة التنظير الحكمي يعني بعد الفراغ عن وجوب القضاء عند حصول الفوت. بعد الفراغ عن هذه الكبرى يشك في الصغرى فان كان الشك في داخل الوقت فلابد حينئذ من جريان قاعدة الاشتغال.

اما لو كان الشك مبتدأ بعد الوقت فقاعدة الشك حائل لدينا او ان الشك هل هو شك في صحة الموجود او اصل الوجود كما فرغ بين قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز ان الفراغ في اصل الوجود او صحة الموجود و التجاوز في اصل وجود الجزء فلو شك في اصل وجود المركب الصلاتي برمتها فمورد قاعدة الفراغ. فنفترض انه لا تجري قاعدة الفراغ او التجاوز بنحو او آخر فما اللازم؟ هل اللازم هو البراءة او الاستصحاب او الاشتغال؟ فقالوا ان استصحاب عدم الاتيان لا يحرز موضوع القضاء اثباتا باعتبار ان الشارع جعل ضابطة اثباتية للزوم القضاء عنوان الفوت وهو عنوان وجودي لا يحرز باستصحاب العدم وتقريبا هذا قول مشهور المعاصرين او متاخري الاعصار وفي نفسه متين.

هذا تمام الكلام في مبحث المضيق والموسع والقضاء والأداء وفيه فروع فقهية متعددة على هذه المراحل ولكن تم الكلام في الجهة الأصولية فيها.

 

المبحث الآخر من الأوامر مبحث الامر بالامر بالشيء كما في قضية الصلاة وعبادات الصبي ان الاولياء امروا ان يأمروا صباياهم بالعبادات، فهل الامر بالامر بالصلاة والعبادات بمنزلة امر الشارع بعبادات الصبي؟ اذا امر الشارع بالشيء فبالتالي يستفاد مشروعيته. مبحث عبادات الصبي مبحث في نفسه مفصل وقاعدة مفصلة سنشير اليها فهرسيا.

قبل الخوض في هذه القاعدة الفقهي الكلام في الجهة الكلية الأصولية انه هل الامر بالامر بالشيء امر بالشيء ام لا؟

كما قرر ان هذا محتمل لعدة صور:

تارة غرض الشارع بالفعل فالامر الأول والوسيط ليس الا وسيطا فكانما موصل الى امر الشارع وليس هناك موضوعية لآمرية الآباء لصبيانهم بل الموضوعية وصول الامر لهم. يعبر عنه في علم القانون بتعبير المصطلح ان المخاطب كثيرا ما ليس لديه قابلية ان يتلقى الامر مباشرة من الآمر فللآمر ان يجعل وسطاء لايصال الأوامر فهذا الوسيط دوره مكمل الايصال باعتبار ان المأمور الثاني ليس له قابلية التخاطب فيخاطبه بالواسطة مثل ما كان المخاطب الثاني والمأمور الثاني ابكم واخرص بينما وليه يترجم له فكانما الوسيط ترجمان وقناة الايصال. هذه صورة محتملة في الامر بعبادات الصبي ان الاولياء ليس دورهم الا كالرواة والوسطاء.

طبعا هذه الصورة قد تقترب من الصورة الأخرى ان يقال ان لكل من المقامين غرض للشارع يعني أن أمر الشارع الاولياء بأمر الصبية بالعبادات له غرض في المقامين. فآمرية الاولياء لها موضوعية وأيضا الغرض النهائي موجود في فعل الصبي. مثلا امر الشارع الفقهاء والعلماء ان يبلغوا احكام الدين والغرض النهائي هو وصول احكام الدين الى عموم المكلفين لكن للفقهاء دور مثل ما يقال في علم الأصول في مبحث القطع ان العلم والقطع المأخوذ على نحو جزء الموضوع وكالطريق المأخوذ على نحو جزء الموضوع. لا هو طريق محض ولا هو موضوعي محض.

اقسام للقطع فيه قطع طريقي محض وفيه موضوعي محض وفيه طريقي على نحو الموضوعية وفيه موضوعي على نحو جزء الموضوع. صور عديدة.

بالضبط هذا البحث تقريبا فهنا دور الفقهاء إيصال او الرواة وصحيح ولكن هذا الدور ليس طريقيا محضا بل طريقي على نحو الموضوعية يعني ان المكلفين لا يعرفون الاحكام من السحر او القياس او الشعبذة او التنجيم فهذه كلها طرق غير صحيحة. انما يتلقون الاحكام في الشبهة الحكمية من هذا الطريق.

بلا تشبيه في الأنبياء والاوصياء ان الشارع جعلهم وسطاء وهم تراجم وحي الله ولهم موضوعية وغيرهم لا يمكن له ان يترجمه. «ابلغكم رسالات ربي» يعني طريقي على نحو الموضوعية.

ولايتهم أيضا لها دور وهي موضوعي على نحو الصفتي. كلا الجانبين فيهم موجود. من ثم الولاية شرط الصحة وليس إيصال محض.

فاذا لدينا قطع طريقي او امارة طريقية لكنه جزء الموضوع وليس تمام الموضوع. هذا النمط الثاني متصور ان كلا من الامرين له دور. الامر الأول والمأمور الأول والمأمور الثاني.

تارة الآمر يريد ان يعطي الدور للوسيط وليس الغرض الان الفعل الصادر من المأمور الثاني الصبي او غير الصبي. بل هدفه تفعيل آمرية الوسيط ونشاط موقعية ولاية الوسيط وإدارة الوسيط. شبيه بالأوامر الامتحانية. «قال يا بني اني أرى في المنام اني اذبحك» والرؤية امر بالذبح وهو في الحقيقة ليس غرض الشارع وانما الهدف هو نفس الامتحان «نودي ان قد صدقت الرؤيا» بل قيل انه عدة مرات امر الحديد ان لا تفعل في إسماعيل شيئا. فاذا الموضوعية ليس في نفس الفعل بل الموضوعية في نفس هذه الوساطة.

فهنا في بعض الأبواب الفقهية بين من قبل العترة ان الغرض ليس في الأفعال. مثلا في باب الحدود نفس تشريع هذه الحدود والترهيب بها ونشرها غرض التشريع والا في إقامة الحدود وضع طرق مانعة عن ان تقام هذه الحدود الا في صورة الانفساخ الأخلاقي المفرط من الفجار. مثلا لا يقبل الشارع ثلاثة شهود بل يحد الثلاثة ان لم يأت الرابع وفيه تشددات من الشارع. فالشارع يضع نوعا من التشددات كانما المصلحة في نفس كون الجهاز الرادع هناك للفجار عن الانفلات الأخلاقي المفرط. كي لا تكون الفاحشة مرض اجتماعي في السطح المعلن من الاجتماع. هذا هو غرض الشارع. طبعا لا ينافي زوايا أخرى في البين.

اذا الصورة محتملة لعدة محتملات. الامر بالامر بالشيء فيا ترى اذا كان هكذا فما هو الاصل العملي؟ الأصل الاولي يتبع الأبواب والقرائن لا يمكن القول بقول مطلق وان كان الاعلام يقولون اما الصورة الأولى او الثانية والثالثة يحتاج الى القرائن وهذا صحيح اجمالا. المصلحة في الثالثة في الامتحان وهو شبيه الامر الامتحاني ويحتاج الى مؤونة اكثر والا ظاهر الأوامر اما الصورة الأولى او الثانية. بالتالي في الفعل غرض وحكمة ويبقى ان الوسيط هل دور او لا.

هذا البحث له صلة وطيدة ببحث حجية الخبر الواحد. وسنرى ان هناك غرض باعتراف كل الاعلام ان الأدلة القرانية والروائية والسيرة والأدلة العقلية التي استدل بها في حجية خبر الواحد المفاد الأصلي في تلك الأدلة ليس حجية خبر الواحد. بل بعد اللتيا والتي قربوا ان مفاد تلك الأدلة حجية خبر الواحد.

هذا الامر ما اثرناها في الدورتين السابقتين لكن سنثيره في هذه الدورة وهذا يعطي شيئا كثيرا في منهاج التعامل مع علم الحديث. ان الغرض الأصلي من آية النبأ وآية الكتمان والسوال وطوائف الروايات كلهم يعترفون ان المفاد الأصلي ليس حجية خبر الواحد. بل الغرض الأصلي هو حصول العلم العرفي بالتراكم. حتى في فتوى الفقهاء. حجية ادلة فتوى الفقهاء الغرض الكبير فيها هو حصول الجهاز المرجعي وليس فقيها واحدا. الغرض هو حصول طبقة الفقهاء لإشعاع نور علم اهل البيت وليس الغرض الأصلي واحدا لا شريك له. هذا اعتراف الاعلام في ادلة حجية خبر الواحد ان الغرض الأصلي لا يوفر للشارع الا بالمجموع وحصول العلم العرفي.

اذا كيف بالخبر الواحد؟ باللتيا والتي والتقريبات تتم حجيته. يعني ان الأصل الاولي ليس هو الرواة والطريق الواحد كما قال به الشيخ المفيد و السيد المرتضى وكذلك الطوسي لان الشيخ الطوسي يجمع بين المبنيين. مبنى المفيد واستاذه صحيح لكن خبر الواحد من باب مستشفى الطوارى وشبيه بالاصل العملي. اذا الأدلة أصلا في صدد تراكم الطرق والاخبار والقرائن.

أصلا حجية الخبر الصحيح مأخوذة من التراكم واصله هو التراكم وهويته وابوه هو التراكم لا الأصل. هذا هو مسلك المشهور والصدوق والكليني والطوسي الى ابن ادريس حتى الشهيد الأول والمحقق الحلي في الشرائع. ثم اتى مدرسة مدرسة السيد احمد بن طاوس في خبر الواحد. تمسك بخبر الواحد تماما. هذه النكتة عجيبة. اصل الأدلة هو التراكم واثبات خبر الواحد يحتاج الى الأدلة. هذه من الغفلات العجيبة التي تحورت تحورات خاطئة في العلم الديني. فيصير تفريط في التراث والعلوم الدينية.

الان بالنسبة الى خصوص عبادات الصبي وهو مبحث قاعدة مهمة طويلة في انشاءات الصبي ومعاملات الصبي وهل كلامه كالعدم او ليس كالعدم فنفس القاعدة لها جهات عديدة لسنا في صدده. الان الكلام في خصوص عبادات الصبي.

الشهيد الأول يقرب مشروعية عبادات الصبي وصاحب الجواهر في نفس الجواهر الأول بنى عليه وفي النصف الاخر عدل الى ما بنوا عليه متاخروا الاعصار. ففيه جماعة من متاخرين ربما تقريبا المتقدمين وظاهرا السيد محسن الحكيم في حقائق الأصول يبنى عليه ان الأصل الاولي للعمومات والأدلة شاملة للصبي حتى للرضيع. الأصل الأولي عمومها لعموم المكلفين. هذا تقريب مريح جدا.

كما ورد عندنا ان الرضيع يستحب ان يحج به ويعتمر به. هو الرضيع يحج لا الولي. يعني هذا الحج ليس حجا للولي بل الحج يسند الى الصبي. من الغفلات الغير المتوقعة من صاحب الجواهر في وضوء الطواف للرضيع افترض ان الولي يتوضؤ او هذا الوضوء للولي لا للصبي وهذه غفلة. والا يوقع الولي الوضوء بالصبي. الحج فيه عبادات كلها. فاذا العبادة تسند الى الصبي ومطلوبة ولو بالاعانة من الولي. شبيه نفس المبحث الذي نكون فيه يعني ان فعل النبي نيابيا مكمل لفعل الصبي. طبعا في الحج الطواف بالصبي يغاير الطواف عن الصبي. كما في المغمى عليه. يوقف به غير يوقف عنه. يوقف به يسند اليه ولو بالاعانة من الولي. فالاثار الحج الكامل يسند الى الرضيع فكيف بك في الصبي.

فالصحيح اذا ان العمومات الأولية لو كنا نحن واياها شاملة للصبي حتى الرضيع. غاية الامر غير المميز او الرضيع يكون دور الولي مكملا في اصدار الفعل او مكمل في إيصال الخطاب من الشارع اليه. فيكون من قبيل القسم الثاني. هذا ما يبين نكتة مهمة شبيهة بالافعال الحسبية يعني ان الفعل في نفسه فيه كمال او فيه مفسدة والشارع يبغض صدوره حتى من النائم في بعض الأحيان. فعلى ولي النائم او صديق النائم او المجنون ممانعة صدور الفعل اذا كان مبغوضا من الشارع. مثل مجنون على وشك ان يقتل آخر فالشارع ينهى عنه. فهنا للولي او الجار او الصديق ممانعة صدور الفعل من النواهي او العكس في الأوامر.

البحث مهم ولطيف بغض النظر عن الصبي ويفيد في أبواب كثيرة حتى في قاعدة الحسبة.