45/11/06
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/الواجب الموسع والمضيق
خلاصة مما سبق
مر بنا انه في التقييد في المركبات ورفع الشارع يده عن القيد في جملة من الحالات والموارد سواء بالادلة الخاصة او الأدلة العامة دال على ان المركب ذو مراتب وان قيدية القيد بلحاظ المرتبة الكاملة العليا لا بلحاظ اصل الجامع في المراتب.
هذا مبحث كلي مهيمن على أبواب وابحاث كثيرة لسنا الان في صدده لكن نذهب الى تطبيق في باب الموسع والمضيق او القضاء والأداء.
فنقول: ان اصل ورود الامر بالقضاء دال على ان الملاك ذو مراتب وان حقيقة الجعل في القضاء والأداء هو جعل واحد ثبوتا وان القيد من قبيل بقية القيود اذا تعذرت وامتنعت يبقى الحكم بالوجوب.
يبقى الكلام في الاثبات فمر بنا انه عندنا ادلة عامة وادلة خاصة وان الأدلة الخاصة على نمطين انه اذا لم يكن لدليل القيد اطلاق او عموم يبقى دليل المركب ودليل العام فعلى القاعدة يجب القضاء حينئذ تمسكا باطلاق الامر بالمركب وهذا سواء في قيد الزمان او قيد آخر.
اما اذا لم يكن لدليل المركب اطلاق او كان للتقييد أيضا اطلاق فهل يمكن تثبيت الامر بالمركب بعد الوقت؟ فهنا فيه إشكالية واجمال في كيفية بنية الظهور وبناء الظهور. فصرنا في صدد شرح بنية الظهور في في المتصل والمنفصل.
بنية الظهور في الخاص المنفصل والمتصل والفرق بينهما
فجملة من الاعلام كالمرحوم النائيني قالوا ان اصل الانفصال والاتصال لا فرق بينهما وهذا مبحث كبروي ويستثمر في هذا المبحث بحث القضاء والأداء والموسع والمضيق والا هو مبحث كبروي وكلي يستثمر في أبواب عديدة باب العام والخاص وباب التعارض وانقلاب النسبة وغيرها. فبنى الميرزا النائيني ان المنفصل يغير ظهور العام كالمتصل ولكن المشهور بنوا على ان المنفصل بنية الظهور فيه تختلف عن المتصل. في الحجية النهائية قد يكونان سواء لكن في بنية الظهور ومراتبها تختلفان.
هذا المبحث حساس ومهم واشير اليه فهرسيا. طبعا بحثه بشكل مركز في باب العام والخاص في اجمال الخاص المنفصل هل يسري اجماله الى العام او المطلق بناء على التفكيك والتغاير بين المنفصل والمتصل.
حدود الانفصال
المشهور علاوة على ذلك وذكره صاحب الكفاية بنوا على ان بعض أنماط المتصل كالمنفصل وليس المراد من المنفصل ما ذكر في مجلس آخر وما ذكر في مورد خطاب آخر بل حتى لو كان في نفس المجلس بفاصل فقرة يعتبر منفصلا. في نفس الرواية ونفس السورة بفاصل فقرات يعتبر منفصلا. بل اكثر من هذا لو كان في سطر وسطر بحيث يكون سياق الكلام في جملات كما لو كان جملة العام في سطر وينفصل بجملة او جملات من المتصل. هذا عند علماء البلاغة ومشهور علماء الأصول. بل اكثر من ذلك لو كان التخصيص بكلمة «الا» كثير من البلاغيين والاصوليين يعتبرونها كالمنفصل فاذا دائرته وسيعة تبدأ عند البعض حتى من السطر الواحد اذا كان الاستثناء بكلمة «الا» وأشار اليه صاحب الكفاية في العام والخاص واستصحاب العدم الازلي.
هذا بحث مهم صغرويا انه ما هو الحدود لبدايات التخصيص والتقييد المنفصلين وهذا بحث مهم في علم البيان والبلاغة. مثلا الان حدد صغرويا او تنظيريا من اين؟
الفرق بين الانفصال والاتصال
ان الظهور منظومة عناصر
فما الفرق بين المنفصل والمتصل؟ اصل المبحث يعتمد على نظرية بنيوية في علم البلاغة والعلوم العربية وعلم الأصول وهي تقول ان الظهور منظومة عناصر. مثل الجدار والاعمدة والآجر والسقف في البناء. الظهور أيضا مبنى كل عنصر فيه له تأثير. مرحلة الدلالة التصورية لها تأثير والاستعمالية لها تأثير والتفهيمية لها تأثير والجدية أيضا كذلك والجدية الثانية والثالثة والضمنية والالتزامية والمطابقية كذلك لها تأثير. فالظهور عبارة عن نظام ومنظومة وحلقات تتبع بعضها البعض واذا ترفع حلقة معينة يختل النظام. فالظهور عناصر عديدة كالقرائن الحالية واللفظية والسياقية وهلم جرا الى ان يصل المطلب الى المنفصل والمتصل.
عدم دخالة المنفصل في بنية الظهور كالمتصل
بلا شك ان المنفصل لا يكون دخيلا في القرائن الدخيلة في البنية الأولية للظهور. العجيب ان الميرزا النائيني مع انه يعتبر المنفصيل كالمتصل في البنية لا فقط في الحجية هو نفسه يؤسس نظرية أصولية في علم الالفاظ جيدة ومتينة وبلوره بشكل جيد في انه ما هو الغرض من ان الشارع يعبر بالعام ولا يريد العام بعمومه ثم يأتي بخاص متصل وليس بنحو النسخ؟ ما هو الحكمة والفلسفة في علم القانون؟ طبعا هو بلوره بشكل جيد والا هو موجود في كلمات الاصوليون وهو يقول لكي نتمسك في الظاهر بالعام عند الشك في مصاديق الخاص او في اصل التخصيص. يعني بحسب الظاهر ان العموم له مفادان؛ مفاد ثبوتي في الجعل ومفاد اثباتي انك تتمسك بالعموم كلما شككت. هذه النظرية القويمة لا تتم الا ان نعتبر المنفصل غير المتصل.
لذلك صاحب الكفاية وغيره من الاعلام ذكروا ان المنفصل وان خدش وكسر حجية العام او المطلق او المحكوم والمفسر والقرائن المنفصلة وان كسرت حجية العام لكنها لا تكسر اصل بنية الظهور وتبقي على حاله. مثل اختلاف الظهور الاستعمالي مع الظهور التصوري لكن يبقى الظهور التصوري على حاله. وفيه فوائد كثيرة في علم البلاغة والدلالة. التفهيمي أيضا وان خالف الاستعمالي لقرائن لكن لا يزعزع بنية الظهور الاستعمالي ولها ثمرات. وهلم جرا الى الجدي وان طابق فهو مطابق وان خالف التفهيمي لا يزعزع الظهور التفهيمي لان اصل أساس الجدي متولدة من التفهيمي. فقد تكون هذه الدلالات متوافقة وقد تكون متخالفة وتخالفها لا يزعزع البنية الظهورية.
من ثم يقولون انه عندنا قرائن تصورية وقرائن استعمالية وتفهيمية وجدية وللجدية مراتب وقرائن للدلالة الالتزامية وقرائن للدلالة التضمنية وقرائن متصلة وقرائن منفصلة. اذا الظهور خطوة خطوة ولبنة لبنة هندسته لا تزعزع وعلى حالها. هذا هو الصحيح.
النتيجة من هذا البحث
فالتفصيل الأول الذي مر بنا امس بين المتصل والمنفصل جيد لكن لابد من تتميمه بالتفصيل الثاني انه نلاحظ التقييد هل له اطلاق او لا.
اجمالا اصل القيدية في المركبات لابد ان نلاحظها قيدية المرتبة وقيدية الجامع مثلا معروف عند مشهور طبقات كثير من الفقهاء ان الطهور ركن ركين في الصلاة ومن ثم تسقط عند فاقد الطهورين لكن الصحيح بحسب الروايات التي ورد في الغريق والمتوحل جملة منها واضحة صريحة انه ما كان متوضئا. لذلك الغريق والمتوحل ليس له طهور وليس له تيمم مع ذلك بكيفية الصلاة بل لو كان الانسان في آخر لحظاته ولا متطهرا فالواجب عليه ان يصلي ولو ايماء حتى اذا لم يستطيع بكل أجزاء الصلاة لا اقل لكل ركعة يأتي بالتسبيحات الأربعة فقط. يعني هذا حتى درجة من الصلاة ويبدأ بتكبيرة الاحرام ويأتي بالتسبيحات الأربعة فيسلم فصارت صلاة رباعية. مما يدل على ان اصل الصلاة بالاعداد وهي الركن الركين اما بقية الأركان ليست اركانا بقول مطلق. هذا محل فتوى المشهور. انه راعى رباعية الركعات لكن كل ركعة بتسبيحة «سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله الكبر» فيعتبر صلاة. فلا تسقط الصلاة بحال بهذا المعنى.
النقطة الأخيرة في الاثبات:
هل يبنى على ان القضاء تابع للاداء اثباتا ام لا؟ طبعا هذا ثمرته في اصل وجوب القضاء عندما نشك في وجوب القضاء مثل زكاة الفطرة لو خرج من يوم العيد ولم يعزلها او صلاة آيات الزلزلة. المهم تارة الشك في اصل وجوب القضاء هل يجب ام لا؟ هل يجب قضاء الصيام المنذور وطبعا فيه نصوص في وجوبه لكن الكلام في مقتضى القاعدة. هذا الشك في الشبهة الحكمية والشك الكلي.
فرض آخر للبحث لو شك في وجوب القضاء من جهة الشبهة الموضوعية هل يجب القضاء ام لا؟ مثلا شك انه قد اتى بالاداء ام لم يأت؟ فاذا تارة بلحاظ الشبهة الحكمية وتارت بلحاظ الشبهة الموضوعية. الشبهة الموضوعية تعني بعد الفراغ عن اصل وجوب القضاء ام الشبهة الحكمية فيشك في وجوب القضاء ودليل وجوب القضاء. حتى في رمي الجمرات في بعض صوره واعمال منى هل يجب القضاء ام لا؟
يمكن ان يتمسك بالبرائة فنشك في الوجوب نجري البرائة وقد يتمسك بالاستصحاب وربما في المستمسك مال اليه وكذلك ربما صاحب الجواهر انه يمكن التمسك بالاستصحاب. فاذا كان الاستصحاب يجري اذا رأى العرف ان الواجب هو هو وان مجرد قيد زال.
هذه نكتة ان القيد سواء الزماني او غير الزماني ربما يكون ركنيا وربما لا يكو ن ركنيا في الشيء. مثلا الوقوف بعرفة يوم التاسع اخذ قيد الزمان فيه. لو لم ترد ادلة خاصة على الوقوف الاضطراري او على إجزاء الوقوف عند الشبهة الموضوعية مع العامة لكان الامر مشكلا لانه عنون الوقوف بعرفة بيوم العرفة. يعني تاسوعية العرفة اخذت كانما طابع اصلي للوقوف وهوية اصلية له. هنا القيد لا يمكن ان نقول انه ليس في اصل الجامع وانما هو قيد في المرتبة العليا. لان هنا الزمان اخذ هوية للشيء. مثل شهر رمضان أصلا في طبيعته وهويته هوية للصيام. طبعا ورد الدليل في القضاء والكلام فيما لو لم يرد دليل على القضا. ففي جملة من الموارد بغض النظر عن الدليل الخاص اذا كان الزمان طابع هوية للواجب حتى الاستصحاب عند العرف مشكل. صيام شهر الرمضان غير صيام شهر غير رمضان. فمن ثم هنا لا يمكن القول بالاستصحاب. اما في موارد مثل نذر الصيام ان الوقت قيد والا الصيام المنذور هو موجود وعرفا يمكن استصحاب الوجوب. المقصود اجمالا ذكرنا هذا المطلب في بحث الصلاة وغيرها انه لا مانع من اجراء الاستصحاب في الشبهة الحكمية. والمشهور أيضا تمسكوا به. فالاستصحاب مقدم على البراءة مع فرض وحدة المتيقن و المشكوك عند العرف. لان القيد ليس ركنيا.
الحج اشهر معلومات. لا يمكن ان تجيء بالحج في شعبان. هنا طابع هوية. لا يمكن الحج في المحرم. العمرة بحث آخر. اما موارد أخرى مثل نذر الصيام في يوم الخميس بحث آخر. اذا الزمان على نحوين بلحاظ الشبهة الحكمية.
اما بلحاظ الشبهة الموضوعية فذكرت صور.
تارة يشك في داخل الوقت انه اتى بالصلاة ام لم يأت ويفرط في اداءها فهنا بنوا على وجوب القضاء. في خصوص الصلاة اليومية وجملة من الأبواب العبادية ان الشارع اخذ عنوان الفوت موضوعا للقضاء. فاذا شككنا قالوا استصحاب العدم لا يحرز هذا العنوان الوجودي والفوت.
هنا تساؤل: في هذه الأبواب العبادية ان الشارع اخذ عنوان الفوت اثباتا هل هذا كاشف عن انه في الثبوت هناك حكمان او حكم واحد ممتد؟ الملاك واحد ومراتب من الملاك بلا شك. لكن هل هذا يدفع ما بنينا على ان القضاء والأداء حكم واحد ثبوتا؟ ان شاء الله نتعرض غدا.