الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/الموسع والمضيق

 

تعدد المطلوب بمعنى المراتب وامكانيته

كان الكلام في الموسع والمضيق والقيد الزماني وانجر الكلام في بحث عام وهو أنه كيف نصوّر التقييد ولا تقييد وهذا عمدة الاشكال من الميرزا النائيني ان التقييد يعني الارتباط وكيف يتصور الارتباط واللا ارتباط؟

لكن كما مر أن التقييد بلحاظ أصل المرتبة العليا الأولية الكاملة واللاتقييد بلحاظ الجامع بلحاظ المراتب.

التنظير بمبحث الصحيح والأعم

هذا البحث بعينه أثاره الاصوليون في مبحث الصحيح والاعم انه كيف نتصور الجامع على الصحيح وكيف نتصور الجامع علي الاعم؟ وهناك المعضلة نفس هذه انه كيف يتصور التبادل وخروج ودخول ذاتيات معينة وذكروا تصويرات عديدة وحلول عقلية تكوينية واعتبارية متعددة. من ثم مبحث الصحيح والاعم مبحث مركزي لمباحث كثيرة أصولية والصناعية الفقهية.

الحاصل هو ان المرتبة العليا لها الارتباط بالقيد والجامع للمراتب أمر آخر متصور وليس مرتبطا بالقيد وبالتالي نفس الكلام الذي بحث في الجامع على الصحيح والاعم يذكر هنا وليس من شيء ممتنع او متناقض بل هي نوع من الفذلكة تم تصويرها هناك.

التنظير بالجزء المستحب

بعين هذه المعضلة هي الإشكالية التي عنونها المرحوم الاصفهاني في تصوير الجزء او الشرط المستحب وقال أن الجزء او الشرط يعني الارتباط والمستحب يعني يرخص في تركها. لكنه كيف يمكن فرض الارتباط وجواز الترك؟ الكلام نفس الكلام. من ثم المرحوم الاصفهاني وجملة من تلاميذه يؤولون الأجزاء المستحبة او الشرائط المستحبة لا بالجزئية او الشرطية بل بمطلوب في ظرف مطلوب آخر مثلا فليس من باب الارتباط.

لكن يجاب عنه بأن الصلاة هي تزداد ثوابا وكمالا بالعطر الطيب او اللباس النظيف. فنفس الكلام هنا أنه كيف يمكن الارتباط وجواز الترك او كيف يمكن تبادل الذاتيات والكلام نفس الكلام في الصحيح والاعم والجواب هو الجواب.

إمكانية تعدد المطلوب بمعنى المراتب

اذا الصحيح ان تعدد المطلوب والارتباط واللا ارتباط قابل للتصوير لأن القيد هو في المرتبة العليا ليس قيدا بلحاظ الجامع في المراتب. لذلك بعض التصويرات في جامع الصحيح قالوا ان المراد من الجامع هو الأركان وتصويرات أخرى والاجوبة الأخرى التي ذكروا هناك.

اذا الصحيح ان القيدية لا تنافي تعدد المطلوب أي تعدد المراتب.

إمكانية تعدد المراتب ثبوتا بالمعنيين ملاكا وحكما

فمن ثم إن الموارد التي يرد فيها الدليل على القضاء فيما لو كان القيد زمانا فيها دلالة على أن الزمان قيد للمرتبة الكاملة والا أصل الجامع الطبيعي يشمل مراتب فقد قيد الزمان. هذا بلحاظ الثبوت والملاك.

حتى أنه يتصور ثبوتا في قالب الحكم وجوبا بلحاظ المراتب. مثلا الميرزا النائيني ومدرسته وجل تلاميذه منهم السيد الخوئي يقولون أن الصلاة مع الوضوء والصلاة مع التيمم امران وحكمان وقالبان وإن كانا ملاكا واحدا. لأنه ان كان مع قيد الوضوء والطهارة المائية فلوحة حديدية غير قابلة للتبعض ومع انفكاكها عن الماء الى الطهارة الترابية يكون لوحة جديدة وباب آخر وقالب جديد وإن كان ملاكا واحدا لكن قالبان متعددان.

لكن على مبنانا هما عرفا وتكوينا شيء واحد ذو مراتب. فالميرزا النائيني ومدرسته يتعاطون مع هذه المراتب انها امران وواجبان ووجوبان وان كان ملاكا واحد. ربما يسميه الميرزا النائيني من باب متمم الجعل لكنه متمم الجعل الطولي.

اقصد ان هذا القالب الذي يقرره الميرزا النائيني ومدرسته ليس ممتنعا لكنه ليس مستساغ في التقنين العرفي والعقلائي ولا حاجة لما قاله الميرزا بل هو حكم واحد ذو مراتب. بالتالي ثبوتا وحدة الملاك وثبوتا قالب واحد ولو ذو مراتب.

تعدد المراتب اثباتا

لكنه اثباتا هل نحتاج الى الادلة الاثباتية او لا؟ بعبارة أخرى هنا بحث مهم. ليس الكلام في قيد الزمان لان قيد الزمان وتبعية القضاء عن الأداء مثال عن هذا البحث الكلي. حينئذ يصل الكلام الى النقطة الثالثة وهي ثمرة عملية إحرازية ابتلائية.

النقطة الثالثة هي أنه اثباتا هل نبني على ان الأصل لزوم القضاء كقيد وكمثال؟ يعني نبني على ان الأصل في الواجبات اذا صار هناك خلل في أحد القيود كالعجز و الضرر هل نبني على ان الوجوب باق إثباتا؟ هل الأصل بقاء الواجب والوجوب؟ في قاعدة الميسور سواء من جهة العسر او من جهة الضرر وفي موارد العذر الثانوي من الخطأ او الضرر والنسيان هل الأصل بقاء الوجوب ام لا؟

الأصل بحسب الأدلة الاجتهادية لا الأصل العملي سبق ان مر ان الأدلة الأولية الدالة على الأركان تدل على المراتب اجمالا ولا تدل عليها تفصيلا. لكن وجود الركنية ووجود أدلة الركنية في أي مركب دليل اجمالي على المراتب لكن تحتاج الى التتمة تفصيلا إما التتمة من الأدلة الاجتهادية الخاصة او التتمة من القواعد الثانوية الست. والا لا يمكن ان نجزم بالمراتب.

أما الأدلة الخاصة طبعا إذا كان فيها دلالة على حصر الأركان فلها دلالة التزامية على ان غيرها مع التعذر والضرر وغيرها لا يضر بمطلوبية الجامع. هذا دليل خاص في الاعتبار تفصيلا.

وان لم تكن دلالة وشككنا ان القيد ركني او غير ركني ومعنى ركنيته أنه قيد الجامع وليس قيد المرتبة العليا والان تعذر فماذا هي الوظيفة؟

تفصيل صاحب الكفاية اثباتا

هنا فصل صاحب الكفاية وغيره قبله في الأدلة الخاصة وأعطوا ضابطة عامة في الأدلة الخاصة من انه ان كان القيد متصلا فيلزم سقوط الواجب والوجوب مع التعذر وان كان القيد منفصلا فيمكن التمسك بالاطلاقات العامة في طبيعة الواجب.

التفصيل الثاني اثباتا

هناك تفصيل آخر إن كان القيد منفصلا ودليله لا اطلاق له والدليل العام للمركب له اطلاق ففي موارد التعذر دليل القيد لا شمول له لان المفروض انه لا اطلاق في الخاص او ما هو كالخاص وهو قيد. فلا اطلاق لتقييد الامر بالصلاة فيقوى على تقييده فقط في حالة التمكن والقدرة لا في حال العجز والضرر والنسيان او الخطأ او الجهل والحالات الثانوية الست. هذا تفصيل مرتب. تتمسك باطلاق الدليل العام للمركب فيكون دليل القيد قاصرا ويتمسك به في حالة التمكن فقط والحالات الأولية اما الحالات الثانوية لا اطلاق لدليل القيد او الخاص.

هذا التفصيل الثاني يختلف عن التفصيل الأول ان التفصيل الأول فقط في الانفصال والاتصال ولم يلاحظ الاطلاق في دليل القيد بينما التفصيل الثاني لاحظ عدم اطلاق القيد واطلاق العام. طبعا هي صور قد يكون كلاهما لا اطلاق لهما وقد يكون لهما اطلاق وقد يكون لدليل العام اطلاق لا العكس وقد يكون لدليل الخاص اطلاق لا العكس.

اجمالا هذا التفصيل الثاني يريد ان يفصل في خصوص صورة كون القيد منفصلا وليس له اطلاق ودليل العام للمركب له اطلاق فهذا تفصيل مرتب.

دراسة هذين التفصيلين:

طبعا كل هذا بحث بحسب الأدلة الخاصة الأولية. وكما تعلمون في نفس الدليل الخاص كالادلة الخاصة بالصلاة أن هذه الأدلة الخاصة بالصلاة الدليل منها للمركب عام والدليل منها للقيد ليس عاما او يكون عاما. هذا تفصيل في الدليل الخاص. فبحوث نسبية وتسميات نسبية بمعنى ان العموم درجات كما ان الخصوص درجات. هذه الاستعمالات يجب ان نلتفت اليها في الأدلة وتركيب الأدلة والموازنة عليها. فهذا كله بحسب الضوابط الأولية بحسب الأدلة الخاصة والا تدخل الضوابط الأخرى مثل ان الفريضة لا تنقض بالسنة. هذه قاعدة تعتبر اما واصلا لقاعدة لا تعاد. اكثر عمومية وشمولا من قاعدة لا تعاد. وقاعدة عظيمة وتبحث في تنبيهات البرائة. كما ان لا تعاد موجودة في البين. بالتالي هذا بحسب الأدلة الخاصة لا الأدلة والقواعد العامة والا قاعدة ان الفريضة لا تنقض بالسنة ليس خاصة بباب الصلاة بل قاعدة عامة

اذا ان تنقيح باب الصلاة لا يتم فقط بالادلة الخاصة بل يجب ملاحظة الأدلة العامة والقواعد العامة غير خاصة بباب الصلاة. طبيعة القوانين والابواب هكذا يعني لا يمكن ان تعزل القواعد العامة عن باب الصلاة. توقيفية باب الصلاة ليس معناها ان باب الصلاة لا ينقح الا حصرا بالادلة الخاصة. هذا وهم في علم الأصول وصناعة الفقه. والا لاحظت الأدلة العامة فتشهد الاذان او تشهد الصلاة لا يمكن ان يلاحظ بالادلة الخاصة فقط بل لابد ان يلاحظ الأدلة العامة. طبيعة العمومات هكذا. لذلك بحر العلوم في منظومته الفقهية في تشهد الاذان وكلامه في عموم التشهد يقول ان الشهادة الثالثة لا دليل خاص عليها فليس جزءا بحسب الأدلة الخاصة لا بحسب الأدلة العامة. فهي بالادلة العامة والجة. فينسبه بحر العلوم الى بديهيات الطائفة. ويقول نحمل كلامهم على هذا المطلب. طبعا بغض النظر عن من يوافق بحر العلوم ومن لايوافقه نقصد هذاالمطلب ان تنقيح أي باب لا يتم بالادلة الخاصة والخاصة طبقات والعامة طبقات. لابد ملاحظة مجموع الأدلة كلها. من ثم ينسب جزما بضرورة المذهب ان الشهادة الثالثة جزء للتشهد بحسب الأدلة العامة. هو يتكلم عن الاستدلال المبده عند الطائفة.

المقصود ان هذا الذي نقحناه بحسب الأدلة الخاصة والخاص نسبي اما بلحاظ القواعد الأخرى قد تأتي قواعد أخرى «لا تنقض السنة الفريضة» و«لا تعاد» و«لا حرج» وقواعد أخرى. اجمالا هذا محصل التفصيلين.

بنية الظهور بالنسبة الى التفصيل الاول

التفصيل الأول بغض النظر عن انه تمام او لا فيه بحث حساس في الفرق بين المتصل والمنفصل. الدليل المقيد المنفصل والدليل المقيد المنفصل.

طبعا على كلام بحر العلوم عندنا دليل منفصل خاص وعندنا دليل منفصل خاص عام. خاص يعني يقيد المركب وعام يعني ليس خاصا بباب الصلاة ويعم كل باب المركبات. يعني يخصص كل باب في العبادات. هذا تعبير دارج عند الاعلام. تارة نقول ان الدليل الخاص بهذا الباب فيه اطلاق او ليس فيه اطلاق؟ فيه عموم احوالي او لا؟ هذا اصطلاح عند الاعلام وسديد. وتارة نقول ان هذا الدليل الخاص عام ويخصص كل باب يشمله. نسبته مع كل باب نسبة الخاص. شبيه الدليل الحاكم انه يقدم على الدليل المحكوم مع انه قد يكون حاكما على أبواب كثيرة مثل شرطية صحة العبادات بالولاية. فدليل خاص عام يعم الأبواب لكن نسبته مع ادلة كل باب حاكم ومقيد وخاص. فللخاص معنيان.

كون دليل شرطية الولاية والشهادة الثالثة خاصا ويقدم على الأدلة لا ينافي انه يعم كل الأبواب. هذه اصطلاحات يجب ان نلتفت اليه.

التفصيل الأول فيه نكتة صناعية مهمة وهي قضية بنية الظهور. الظهور بنيان وكلما كان الفقيه في الفروع او الفقيه في التفسير او الفقيه في الكلام او العلوم الدينية كلما كان عنده صناعة ودقة من علوم البيان والبلاغة والمعاني حذلقة وفذلكة في كيفية هندسة بنيان الظهور باب الاستنباط يأخذ ابعاد قوية واستظهار بعيدة المدى ورسينة ثابتة. هذا المطلب ربما كرارا نقلت عن السيد المرعشي مباشرة. سأل عن السيد عبدالحسين شرف الدين سر هذه الجاذبية لتبليغ حقائق اهل البيت حتى الازهر رسميا دعوه مرتين ولباه وصلاته امام جماعة في الحرم المكي وثنيت له البساط. فما هو السر؟ ذكر السيد شرف الدين ان تضلعي في علم البلاغة وتمرسي في علم المعاني والبيان اعطاني هذه الكفائة. المقصود ان بنية الظهور في العقائد شيء عظيم. مثلا السيد شرف الدين اكتشف من كلام الزمخشري شيئا للبرهانية امامة وولاية قربي النبي لم يذكره احد من علماء الفريقين. وهكذا في فقه الفروع.

فقضية بنية الظهور في المنفصل او المتصل امر عظيم. يريد ان يقول ان بنية الظهور في المتصل والمنفصل يختلف. هذا بحث حساس في باب العقائد و التفسير والفقه. يعني ان التضلع في بنية الظهور حطة حطة وشيء جدا متين ومفيد في الاستنباط في كل العلوم الدينية. غدا ان شاء الله نواصل بهذه النكتة الصناعية.