45/11/04
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/الواجب الموسع والمضيق الموسع والمضيق وصناعة قيود المركبات/
كان الكلام في تقييد الواجب بقيد الزمان وان هذا القيد اذا تعذر او فات او امتنع هل يبقى الواجب ام لا؟ طبعا بالنسبة بخصوص الوقت وقيدية الوقت يكون الحديث عن القضاء او بقاء الوجوب بعد الوقت. البحث المعروف ان القضاء هل تابع الأداء ونفس بقاء الأداء اثباتا او ثبوتا او ملاكا وتصويرات عديدة ذكروها. اما كون الملاك واحدا فليس فيه اختلاف وان القضاء ليس فيه ملاك جديد بل تدارك الملاك الفائت فيبقى ثبوتا ان متن الحكم هل هو حكم جديد ناشئ من الملاك القديم او بقاء الحكم القديم. وكذلك بلحاظ الاثبات ربما يقال بانه ثبوتا بقاء الحكم لكن اثباتا وصورة حكم جديد فهذه صور واقوال.
اجمالا كل هذا البحث مرتبط او ناشئ من مبحث اخذ القيد في المركب فكيف يكون وعلى أي وتيرة؟
مر بنا ثلاث معاني في وحدة المطلوب وتعدد المطلوب فتارة التعدد بمعنى الاستقلال والوحدة بمعنى عدم الاستقلال وتارة التعدد بمعنى الظرف في مقابل التقييد والمعنى الثالث ان التقييد بنحو المراحل يكون تعدد المطلوب اما بنحو وحدة المرحلة يكون وحدة المطلوب.
فالمعنى الثالث هو أن القيد موجود في كلا القسمين مثل الزمان انه قيد في تعدد المطلوب او وحدة المطلوب والفارق بينهما ان تعدد المطلوب يعني المراتب مثل ان الطهارة المائية قيد في الصلاة لكن للمرتبة العليا وان لم تتوفر تنتقل النوبة للطهارة الترابية. فالطهارة المائية قيد للصلاة والترابية أيضا قيد لها «ان لم تجدوا ماء فتيمموا» لكن بنحو تعدد المطلوب يعني المراتب. في قبال الوحدة انها ليس المراتب اما الطهارة المائية مثلا والا فلا. مثل اصل الطهارة انها قيد «لا صلاة الا بالطهور» فالبعض جعلها وحدة المطلوب فالصلاة تسقط بلا طهارة لكن الصحيح ان هناك طائفتان من الروايات دالة على عدم السقوط. اذا هذا المعنى الثالث في كلا القسمين تقييد لكن في وحدة المطلوب اذا لم يتمكن من القيد يسقط اصل الواجب لكن في تعدد المطلوب لا يسقط اصل الواجب من باب المراتب. هذا هو الفرق بين القسمين في المعنى الثالث.
طبعا هذان القسمان لهما معانى متعددة غير هذه الثلاثة لكن اجمالا هذه المعانى ا لثلاثة مهمة.
الميرزا النائيني ومدرسته غالبا ومنهم السيد الخوئي وتلاميذه كثير منهم في المعنى الثالث كانما لم يستوضحوه فقالوا كيف يمكن ان يكون القيد ذو مراتب في تعدد المطلوب. اذا يكون قيدا يعني وحدة المطلوب.
بعبارة أخرى استوضحوا المعنى الثاني ان الشيء اذا يكون قيدا فلا معنى للمراتب فيكون وحدة المطلوب بالمعنى الثاني في قبال تعدده بمعنى الظرفية. هم افترضوا ان الارتباطية تنافي اللاارتباطية وتناقض. كيف تفترض القيدية والجزئية مع ذلك ليس الارتباط لان تعدد المطلوب يعني اللاارتباط.
الجواب انه يمكن تصوير القيدية مع ذلك تعدد المطلوب يعني المراتب. أصلا المركبات طرا سواء التكوينية او العبادية او الاعتبارية او المعاملية فيها ركن وغير الركن. وما معنى الركن وغير الركن عرفا وتكوينا؟ الركن يعني لا يمكن رفع اليد عنه كالجزء اما غير الركن يمكن رفع اليد عنه بسبب. بل حتى الأركان مراتب وليست على وتيرة واحدة والركن الواحد على مراتب كالوضوء والتيمم والركوع على مراتب والسجود أيضا على مراتب والقيام مع انه ركن على مراتب.
المقصود ان قضية اصل تصوير الركن في الجهة التكوينية فيها مراتب مثل ان الاعمدة في البناء مهمة لكن الاعمدة أيضا في عماديتها تفاوت ومقوميتها تفاوت وليست بدرجة واحدة. اذا لا يمكن ان يقال لا يتصور الارتباط وفي حين الارتباط تعدد المراتب. بل يتصور الارتباط وتعدد المراتب. لذلك الآخوند والميرزا محمد تقي صاحب ثورة العشرين عندهم هذا المسلك في «لا تعاد» انه لولا الاجماع لقلنا انها تصحح الصلاة حتى في موارد الخلل العمدي في غير الأركان. لانها تدل على ان الصلاة مراتب غاية الامر اخللت بالمرتبة الإلزامية لان الارتباطية في المرتبة وليست الارتباطية في المراتب. او نستطيع ان نقول ان مجموع الطبيعة في المراتب الجامعة ليس فيه غير الركن المقوم. لذلك في باب الصلاة ذكروا انه ليس كل ما في الركن ركن حتى الركن الواحد. اذا الصحيح ان الارتباطية بلحاظ المرتبة لا بلحاظ الجامع في المراتب. فاصل تصوير المركب التكويني او الاعتباري العبادي او المعاملي حتى في بحث الحجج مثل الشاهدين اذا ما يمكن العادلان فالمؤمنان واذا لا يمكنان فالفاسقان يعني ان الشارع تدرج في مراتب الشهود. نظير المفتي أيضا والقاضي ان الشرائط مأخوذة بلحاظ المرتبة العليا واذا تعذرت قد يقال انه يصار الى المراتب النازلة وكذلك بحث الولاية في المكاسب انها تتدرج حتى ربما تصل الى فساق المؤمنين اذا لم يتصدى احد. كما هو سيرة جارية ان الفقهاء او العلماء ليسوا بالضرورة ان يتصدوا بأنفسهم بكل أمور عامة بل بعض الموارد يتصدون والبقية بسبب آخر. حتى كل الجهاز المرجعي او الجهاز الحوزوي ربما لا يستطيع. فتصل النوبة الى غيرهم بالتدرج. كما في تاريخ سيرة المؤمنين أيضا ربما مؤمن ليس بعادل لكنه ينقض الطائفة بفعله حتى الامام الصادق سلام الله عليه في رواية المفضل بين ان الانسان يستعين حتى بفسقة المؤمنين وقد يأتي منهم فداء وتضحية لا يأتي من عباد المؤمنين وصلحاء المؤمنين والناس ذو معادل.
المقصود ان المراتب حتى في تولي الولايات والشيخ الانصاري ذكر هذا في بحث البيع. المقصود في موارد عديدة نرى المراتب مع ان الشرائط الأولية تختلف لكنها مراتب وليست مرتبة واحدة. بالتالي المركب فيه مراتب.
فاذا اصل تصوير تعدد المطلوب ووحدته بالمعنى الثالث يمكن واصل تصوير الفقهاء في كل باب وكل مركب الركن وغير الركن يدل على المراتب. فاذا امكان عقلي وعرفي وعقلائي واستظهاري موجود ويحتاج الى دليل اثباتي.
بل حتى الأدلة الأولية بغض النظر عن «لا تعاد» تدل على ان الحج مراتب «الحج مزدلفة» خلافا للطرف الاخر ان عندهم الحج عرفة. فيلاحظ ان الشارع بين ان الحج مراتب بالادلة الأولية ثم المزدلفة أي مرتبة منها؟ هل بين الطلوعين او قبل الطلوعين او ليلا؟ وبين الطلوعين وجوب في وجوب والا هو آنا ما بعد الغروب الى الزوال يتحقق الركن. الان الكلام في الأدلة الأولية انها دالة على المراتب. وليس من باب الاضطرارا بل ركن اولي.
النكتة الصناعية هي ان نفس الأدلة الأولية في المركبات في كل باب دالة اجمالا على المراتب يعني القيدية بنحو تعدد المطلوب. نقول اجمالا لانها لو كانت تفصيلا فما احتجنا الى قاعدة الميسور ولا قاعدة الحرج ولا قادة البراءة ولا غيرها.
فالنقطة الصناعية في كل المركبات انها طبيعتها مراتب وتعدد المطلوب بهذا المعنى الثالث فقيد في المرتبة وليس قيدا في اصل الطبيعة الجامعة بين المراتب. هذه نكتة
النكتة الثانية ان الأدلة الأولية دالة اجمالا على المراتب وليست دالة تفصيلا. طبعا هنا سنتعرض لكلمات الاعلام هل يمكن الوقوف على الدلالة التفصيلية او لا. لكن اجمالا بغض النظر عن الأدلة التفصيلية نفس الأدلة الأولية معناها مراتب لما تبين الركن وغير الركن. والحال انها عند الميرزا النائيني كانما حديد وليس قابلا للتبعض.
لابأس ان اذكر هذا المثال: الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف عنده هذه الفتوى ان الصلاة على النبي والآل ركن في الصلاة. والطبرسي صاحب مجمع البيان في كتابه المؤتلف يعني الفقه المقارن بين الامامية والعامة ومطبوع وفيه يفتي نفس فتوى الشيخ الطوسي. والكيدري أيضا كذلك ولكن قال نحملها على الركن في التشهد وهو من الفقهاء الامامية الكبار معاصر ابن ادريس. العلامة الحلي بعدهم قال مراد الاعلام من ركنية الصلاة على النبي والال ليس كل الصلاة بل المراد انه ركن في التشهد. يعني ان التشهد الذي يسهو الانسان فيه ويأتي به من دون الصلاة على النبي والال لابد ان يقضيه لان هذا التشهد باطل في نفسه ولو سهوا. لان حقيقة التشهد مأخوذة فيها وركن فيها الشهادة الثالثة. في تفسير الامام العسكري سلام الله عليه حديث عن النبي يقول ان الصلاة علي وعلى آلي تولي لنا واللعن على اعدائنا تبرء من اعدائنا. النكتة هي ان الصلاة تقص وحياني للتولي للنبي والال. كذلك حديث عن امير المؤمنين وحديث عن الامام الرضا سلام الله عليهما ان الاية «ان الله وملائكته يصلون ...» عبارة عن الشهادة الثالثة والتولي.
هذا المثال يدل على ان اربع من الاعلام يرون ان التشهد من دون الولاية لاهل البيت في نفسه خواء وفاسد فيرون الوجوب. بغض النظر عن هذا كلامي في الركن. فالشيخ الطوسي يرى ان الولاية للنبي واهل البيت ركن في التشهد وان لم يكن التشهد ركنا في الصلاة. هكذا الطبرسي والكيدري والعلامة الحلي. اربع يرون ان الولاية والشهادة الثالثة بصيغة الصلاة او صيغة أخرى معناها الولاية حسب رواية تفسير العسكري عن رسول الله. ان الصلاة على النبي تولي للنبي و الال واللعن عن الأعداء تبرء عن اعدائهم وهناك من يتولاهم ولا يتبرء فلا يقبل ايمانه. موجود في نفس الرواية.
اذا نفس الأدلة الأولية تدل على المراتب والركن يعني المراتب. وطبعا هذا المبحث حتى عند العامة ان الصلاة على النبي والال جزء التشهد. لماذا تكون جزءا وما صلتها بالتشهد والحال ان التشهد عقائد.
اذا الأدلة الأولية دالة على الركن وعدم الركن والمراتب. لكن دلالة اجمالية.
النقطة الثالثة الصناعية: اذا تهيئت النقطة الأولى والثانية تكون موضوعا لقاعدة الحرج وقاعدة الميسور وقاعدة البراءة وقواعد أخرى. احد المعضلات الصناعية في مبحث البراءة في الأقل والأكثر الارتباطي هو انه كيف تستيطع ان تقطع المركب؟ هذه معضلة غامضة استعصت على رواد الأصول. البراءة عن اصل الحكم يمكن اما البراءة التي تقتطع الجزء المشكوك او المانع المشكوك او الشرط فكيف يمكن؟ الشرط يعني الارتباطي. كيف يمكن لحديث الرفع ان يقطع؟ المعضلة ان معنى الشرط المشكوك او الجزء المشكوك او المنسي او الحرجي او الضرري او المانع كذلك كيف هذه القواعد تقطع المركب الارتباطي؟ الارتباطي يعني لا يقطع. اشكال عويص. لو قيل ان هذه القواعد ترفع اصل الحكم واللوحة كلها فصحيح ويمكن اما ان تقطع كالمنشار خلاف الارتباطية.
من قال ان في موارد الشك في الجزء المشكوك او المانع المشكوك او الشرط المشكوك ان الباقي بحده هو الواجب والصحيح؟ البراءة اصل عملي ومفاده الالتزامي اصل مثبت. هب انت أجريت البراءة عن الجزء المشكوك فمن قال ان الباقي صحيح ومبرء الذمة ومسقط للواجب؟ لذلك الاخوند ان البراءة العقلية لا تجري لنفس الشبهة. وغاية الامر فصل بين البراءة العقلية والشرعية. ماذا هو الفرق بين العقلية والشرعية؟
النائيني لا يؤمن بالمراتب حسب مبناه في النصف الثاني من عمره الشريف والسيد الخوئي وتلاميذهما من ثم حاول ان يوجد علاجا آخر يعني ان يتصرف في التنجيز لا نفس الواجب. ان الواجب في نفسه لوحة لا يمكن تقطيعه. علاج سماه التوسط في التنجيز. هذا أيضا فيه كلام ان يعالج الموقف.
لكن الصحيح ان النقطة الأولى ان اصل المراتب متصورة والنقطة الثانية ان الأدلة الأولية دالة اجمالا على المراتب لا تفصيلا والنقطة الثالثة هي ان المراتب تفصيلا تثبث بهذه الأدلة الثانوية. هي قواعد عامة لكن تثبت المرتبية. هذه القواعد العامة الست لا يمكن بنفسها تبين المراتب لولا النقطة الأولى و الثانية. فهما بمثابة الموضوع لجريان القواعد الست. هذا اجمال ولا نريد ان نستعجل. اصل الفكرة غير مرتبطة بخصوص قيد الزمان بل مرتبطة بتعقيد صناعة المركبات الشرعية العبادية او المعاملية. من ثم حل الشهادة الثالثة في التشهد لها وجوه صناعية. ليس قضية سهلة تنقيحها. الميرزا النائيني رسالته في اللباس المشكوك اعقد كتاب وهي لشرح صناعة المركبات في العبادات والمعاملات وتصويرها معقد وصعب ويحتاج الى مداقة دقيقة.