الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

خلاصة مما سبق

كان الكلام في الواجب المضيق والموسع وهذا التقسيم في الحقيقة بلحاظ الواجب وليس بلحاظ الوجوب وان كان الوجوب أيضا قد يقيد بالزمان أصالة ولكن هنا الكلام في تقييد الواجب بالزمان فيسمى مضيقا.

فالواجب المقيد بالزمان إما بقدر الزمان المقيد به مثل الصيام فيسمى مضيقا او أن الزمان أوسع من الواجب كالصلاة فالوقت التي هو قيد الواجب أوسع من أداء الواجب فيقال له الموسع.

 

فاذا هذا التقسيم للواجب تقسيم بلحاظ الواجب ولا غبار فيه اجمالا وانما الكلام في اللوازم والاثار وتداعيات هذا التقييد فالواجب الموقت والمقيد هل يسقط بفوات الوقت ام يبقى؟ طبعا هناك اثارات علمية حول تصوير الواجب المضيق او الموسع ولكن هي اثارات علمية وفنية ليس الا.

 

اشكال في الواجب الموسع وجواز ترك الفرد مع انه واجب

اذا كان الواجب موسعا فكيف يصدق على الفرد انه واجب مع انه يجوز تركه الى غيره فكيف حكمه الوجوب؟ هذا الاشكال ولو كان اشكالا فنيا لكنه غير وارد لانه يرتبط بهذا المطلب ان الوجوب متعلق بالطبيعة والتخيير وجواز الترك في الهوية الفردية

 

الجواب: الهوية الفردية والنوعية

لابد ان نلتفت الى ان الحكم بلحاظ الهوية الفردية قد يختلف عن الحكم بلحاظ الهوية النوعية الطبيعية وهذا شيء دارج وان كان الاعلام يغفلون التنبيه عنه في الفتاوى. فيُسألون من أن هذه الطريقة من الشعائر بآلية مباحة هل هي ورد فيها النص وهل هي شرعية؟ فالاجابة بالنفي ولكن يقولون جائزة وليست شرعية. مقصودهم يعني الهوية الفردية لم تشرع بتشريع خاص لا ان الطبيعة النوعية او الجنسية ليست واجبة بالوجوب الشعائري او الراجحة بالرجحان الشعائري. على كل يحصل الخلط بين الهوية الفردية والهوية النوعية.

مثلا صلاة الغفيلة مشروعة ام لا؟ عموم رجحان الصلاة شامل لها وعموم رجحان الاذكار شامل لها. ليس شاملا لها بنحو الرجا بل شامل لها بنحو الجزم. يعني الهوية الفردية لها تأتي بها بنحو الرجاء والا الطبيعة النوعية الموجودة فيها قطعا وجزما مشمولة للصلوات النوافل واستحباب الاذكار. فالخلط بين أحكام الهوية الفردية والهوية النوعية يحصل كثيرا ما.

 

قاعدة من بلغ والهوية الفردية والنوعية والمختار فيها

لا بأس ان اذكر ما استجد لنا في مختار قاعدة من بلغ. هذه القاعدة نبني على ما بنى عليه مشهور القدماء انها تفيد الاستحباب لا انها رجاء. حتى الرجاء الذي يفتي به الشيخ الانصاري من باب الاحتياط الاستحبابي او السيد الخوئي تشريع.

نحن كما هو مشهور لا نصحح المندوبات التي لم ترد فيها طرق معتبرة من جهة هذه الروايات الست او السبع او الثمان في قاعدة من بلغ، كي نناقش ان روايات من بلغ هل تفيد تشريع أمر جديد او احتياط رجائي عقلي ارشادي؟

 

العمل في «من بلغ» طبقا للعمومات

في الحقيقة يمكن ان يستفاد من كلمات القدماء وإن لم يستظهر من كلماتهم لكن المطلب في نفسه متين، أن نفس قاعدة من بلغ إشارة الى أن الموارد التي تأتي فيها روايات غير معتبرة إذا كان مضمونها مطابق للعمومات فالعمل بالعمومات.

طبعا الروايات تشير الى الفضل من الله أنه يعطي ذلك الأجر الخاص وهذا نوع من التشريع الخاص لكن إنما نسلم بهذه الروايات في قاعدة «من بلغ» لا لأجل هذه الطرق الخمسة او الستة بل مفاد هذه القاعدة مطابق لأصالة المتن أن المتن لازم أن تعرض على محكمات الكتاب والسنة. ومنها «اذكروا الله ذكرا كثيرا» ورجحان النوافل. فمن ثم أصل مشروعية صلاة الغفيلة او صلاة الرغائب ليست مستندة الى هذه الروايات الخاصة التي من مصادر غير معتمدة بل المتن فيها مطابق للعمومات فالعمل في الحقيقة بالعمومات بضميمة هذه الخصوصيات.

طبعا الأعلام فرّقوا بين قصد الخصوصية في الامر الخاص الوارد وبين الأمر النوعي وهذا كلها صحيح، لكن بالتالي اصل التشريع آت من الامر النوعي. مرارا كرارا نقلنا من القدماء ان المشروعية لا تأتي من الامر الخاص ابدا بل طبيعة نظام قانون التشريع والتقنين أن العمومات هي الأم وهي المصادر الأصلية للتشريع ولابد ان تندرج الأدلة الخاصة في هذه العمومات.

 

تقديم الخاص على العام بلحاظ التزاحم في الجعل

مثلا الخاص يقدم على العام وصحيح لكن لابد ان يكون هذا الخاص مطابقا للعمومات الأخرى. وان لم يكن مطابقا للعمومات الأخرى لا يمكن العمل به وتخصيص العام. فحتى الخاص بنفسه له هوية وليس من جهة اعتبار السند.

هذا التحام بين بحث الاثبات ودليلية الدليل والبحوث الثبوتية في أصول القانون. حتى الدليل الخاص ظهوره مقدم واقوى من العام ببركة ان الخاص يأتي من عمومات أخرى فتقدم على هذا العموم. ففي الحقيقة أن المعركة ليست بين العام والخاص بل المعركة بين مجموعة من العمومات تؤيد هذا الخاص مع عام واحد فالعمومات تقدم. والا الخاص المبتدأ تشريعا هذا بلحاظ مقام الاثبات صورة وإلا لابد ان ينزل الخاص من العمومات.

شبيه التخصيصات في القوانين البرلمانية انها لابد ان تستند الى قوانين فوقية يخصص به عام آخر يعني نوعا من التزاحم في الجعل والتشريع بين العمومات. أصل فكرة الخاص هو هذا.

 

الامر الخاص وحجيته

فالسؤال بانه يمكن ان آتي بالصلاة الرغائب بقصد الامر الخاص؟ الجواب هو ان الامر الخاص من اين جاء؟ حتى لو كان السند معتبرا. أصل الاعتبار لم يأت من سند الخبر الواحد بل الاعتبار أصالة آت من محكمات التشريع الفوقية جدا او المحكمات الخاصة بباب الصلاة مثلا. لا أن طبقات التشريعات مبتورة عن بعضها البعض ومقتطعة الاوصال والاتصال. هذا ليس قانونا بل طبيعة القانون الوضعي والشرعي عبارة عن شبكية توالد الطبقات وهذا عبارة عن الفقه والفقاهة والاجتهاد هو بحث المتن ودراسة المتن. والا إذا تعتمد على وثاقة الرواة وآحادية الخبر ما شابه ذلك فانت راوي ولست فقيها ونهجك نهج الرواة لكن نهج الفقهاء يعتمد على العرض على الكتاب والسنة.

«حديث تدريه» يعني تفهمه وتفقهه ضمن مجموعة القانون كلها «خير من ثلاثة او عشرة او الف» بحسب درجة الفقاهة لدى الفقيه.

لا يمكن ان تجعل مجموعة محكمات الكتاب والسنة في كفة ميزان وتجعل السند في كفة. الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهما يقولون ان وثاقة الطريق لا يثبت شيئا في قبال المحكمات. لذلك الشرائع من اوله وآخره يقول ان هذا اشبه باصول المذهب وقواعده. يعني لاحظ المتن لا الطريق. الطريق ضميمة ليس الا. والا الشريعة كتلة واحدة. المقصود ان هذا يرتبط بالمنهج منهج القدماء ومنهج بعض المتاخرين.

 

قاعدة من بلغ دالة على ان موردها مطابق للعمومات

فقاعدة من بلغ لا تخرج وليست هي عيادة علاج ضعف السند كما تلقاها المتاخرون. انها ليست عيادة لمعالجة ضعف السند بل هي تريد ان تبين ان تلك الموارد طبق الموازين والعمومات. الخصوصية والامر الخاص والامر الوارد قيمته أضعف من العموم القطعي.

 

حجية قاعدة «من بلغ» نفسها آتية من العمومات

إذاً قاعدة من بلغ بالدقة وان تبين الخصوصية وان الله يثيب على الخصوصية وصحيح ومن ثم نقول انها مشرّعة خلافا لمسلك متأخري الاعصار ونحن مع القدماء أنها تفيد التشريع وحتى تشريع الخصوصية. لكن الكلام في ان هذه القاعدة كيف نتمسك بها؟ هل هي تفيد الرجاء او تفيد التشريع؟ كيف تقبل هذه القاعدة؟ لانها مرتبطة بالعمومات «اذكروا الله ذكرا كثيرا» والصلاة قربان كل تقي و«الصلاة معراج المؤمن» لا بلحاظ ان اربع او خمس او ست روايات في كل أبواب الفقه اريد ان اشرع التشريع بهذه القاعدة. اصل قاعدة من بلغ هي عبارة أخرى عن «احرز ما يروى اليك على الأصول التشريعية سواء الفوقية جدا و المتوسطة او القريبة»

 

طولية تشريعات الله والرسول والأئمة

كيف لم يخالف رسول الله في تشريعاته تشريع الله؟ لان الله اصل عموم الصلاة شرعها ورسول الله شرع هذه الخصوصيات لا ان تشريع رسول الله في عرض تشريع الله. بل في طول يعني متوالد او تشريعات الائمة سلام الله عليهم. مثل صلاة الامام الصادق. ليس تشريعاتهم في عرض تشريعات الرسول بل تشريعات الله عزوجل أولا ثم تشريعات الرسول ثانيا في طوله يعني متوالدة ومستندة ومتكئة مثل القانون البرلماني مع القانون الدستوري. أصلا طبيعة علم القانون هكذا والشرع ما شرع علما قانونا جديدا بل شذب و هذب القانون البشري لكن لا ان اصل منظومة القانون عند الشارع تختلف عن لغة القانون الموجود. الفقهاء والاصوليون يبحثون في اقسام الوجوب وهي قضايا عقلائية امضائية ولغة القانون امضائية وطبيعتها هكذا. في لغة القانون ليس قانونا اجنبيا عن المنظومة. لا يعقل هذا أصلا. بحث الخاص والعام بحث اثباتي وليس بحثا ثبوتيا.

لذلك متاخروا الاعصار بحثوا عن درجات العموم لان طبيعة علم القانون هذا وهو توالد ثبوتي بلحاظ أصول القانون. اذا اصل قاعدة من بلغ ليست هي عيادة لترميم وجبر السند بل على مدرسة الوحيد البهبهاني المتن له الاصالة لا الطريق.

 

قاعدة حرمة رد الخبر الضعيف وحجية المتن

لذلك عندنا قاعدة حرمة رد الخبر الضعيف متفقة بين الاخباريين والاصوليين. يسأل عن الامام سلام الله عليه انه يأتيني مرجئة او قدري او جبري او غيرهم من المخالفين عنك بحديث. هذه الروايات ستين او سبعين رواية قطعية في حرمة رد الخبر الضعيف. حتى الآية الكريمة «ان جاءكم فاسق بنبأ» ليس فيه ان اعرضه ولا تكترس بل امر بالفحص. والامر دال على الوجوب وانتم ملزمون بالفحص بلحاظ المتن. حتى آية النفر. لولا نفر يعني روى والمهم ان يتفقهوا والمتن. اعتمد على مجموعة منظومة التشريع. عندنا قانون دستوري ودولة دستورية ودينية. نظام تشريعي دولة الهية تشريعية ولابد ان تنتسب الشرعية لها وهي مجموعة من المحكمات.

قضية بعد الهوية الفردية والنوعية في التشريع امر هام مرتبط بدراسة المتن. فاذا لازلنا في هذا الاشكال على الموسع انه كيف هو واجب ويسوغ تركه الى غيره؟ قالوا جواز تركه في الافراد والهوية الفردية لا في الهوية النوعية وهي واجبة ولا يسوغ تركها.

 

حجية الروايات المستفيضة أيضا آتية من البحوث الثبوتية لا الاثباتية

هذه النظرة الصناعية الأصولية الموجودة عند الاعلام وفي بحث المكاسب المحرمة سبق من الاعلام في قضية تولي ولاية الجائر انه حرام من الكبائر كيف نخصص بالاستحباب حكما الزاميا بالحرام؟ هذا اشكال المقدس الاردبيلي في تولي ولاية الجور. وهذا الاشكال منطلق من البحث الثبوتي. اجابوا ان المراد من الاستحباب هو الهوية الفردية والا الهوية النوعية لدفع الظلم عن المؤمنين واجب اهم يزاحم الحرمة.

هذه المسألة تعني ان السند ليس كل الشيء عند الاعلام حتى لو كان مستفيضا. عالجوا المسألة بالبحوث الثبوتية لا السند. قالوا ان الهوية الفردية راجحة والا اصل الطبيعة النوعية واجبة ولاحظوا موازنة الملاكات. اصل اشكال المقدس الاردبيلي في البحث الثبوتي وقال كيف يعقل العمل بالروايات الواردة هكذا. الروايات مستفيضة لكن حجيتها موقوفة على صحة المتن. هذا مبنى كل طبقات الفقهاء وان كان البعض منهم يبنون تارة على مدارية السند. لكن الأصل هو المتن وموازنة المتون.

يعني اذا معنى صلاحية التشريع لرسول الله ان تشريعه في بطن تشريع الله عزوجل لكن النبي ترجمان لتشريع الله وقانون يشرح قانونا آخر مع انه قانون لكن بالتالي مواليد ذلك القانون. تشريعات سيد الرسل من مواليد تشريعات الله لا انه في عرض تشريعات الله كذلك تشريعات الأئمة سلام الله عليهم من مواليد تشريعات الله وتشريعات الرسول صلوات الله عليه وآله وهذه المواليد فقط من صلاحيات المعصوم وليست من صلاحيات الفقهاء. هم ادرى بكل ما يكتنف منظومة القانون ويبينون ويقننون التوالد في طبقات القانون.

 

المدار على البحوث الثبوتية ومنهج توالد القوانين

اذا ثبوتا هكذا فضلا عن الاثبات. فلذا المدار في كل العلوم الدينية بل كل العلوم حتى غير الدينية وهذا منهج توالد القوانين من بعضها البعض وتبدأ من البديهيات ويقولون ان البديهيات أمهات بالنسبة الى النظريات لا انها لا صلة لها بالنظريات وهذا عبارة أخرى عن صناعة التحليل والتركيب التي هجر الان في المنطق ومن اهم الصناعات التي ذكرها المظفر. هذا المطلب شدد عليه القدماء قبل الشيخ المفيد وقبله الى ان يصل الى ابن ادريس والمحقق بينا بين. اما الشهيد الأول مبناه نفس مبنى القدماء في كل كتبه.

فاذا هذا الاشكال بانه كيف يمكن ان يرخص في ترك الموسع فبلحاظ الهوية الفردية وهذه النظرة الصناعية والهوية الفردية والنوعية والصنفية والطبقات مهمة في الأبواب الكثيرة ومنها قاعدة من بلغ وموارد أخرى<

نحن لسنا نتدين بالتشريع المستند الى الطرق بل نتدين كما هو عند القدماء ومدرسة الوحيد البهبهاني وبحر العلوم الى أصول التشريع بطبقاتها المحكمة. الدليل الخاص لابد ان يأخذ الشرعية من المحكمات. هذا بحث مهم يجب الالتفات وهو قضية الموازنة بين الثبوت وبين الاثبات وان الاثبات ليس الأساس الحقيقي.

لذلك صاحب الجواهر نقلا وتبعا او موافقة لاستاذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء في تشهد الصلاة في كشف الغطاء وصاحب الجواهر في كتاب الاذان ان العمومات يمكن صياغة التشريع الخاص منها ونسوغ المعجون من العمومات وقال لولا مخالفة المشهور لقلنا ان الجزئية استنادا الى العمومات صحيحة. نص عبارة صاحب الجواهر في الجواهر. وكذلك كاشف الغطاء ويقول ان العمومات يمكن استفادة التشريع الخاص منها بل لابد في الحقيقة. زميل كاشف الغطاء او استاذه بمعنى بحر العلوم في الشهادة الثانية في الاذان يقول ان مراد المشهور انه ليس بجزء يعني بحسب الأدلة الخاصة والا بحسب الأدلة العامة جزء وينسبه الى الكل. المقصود هذا تبيان ان العمومات وطبقاتها هي الأساس وليس حال الرواة في الأدلة الخاصة وانما هذه ضميمة تفيد الاطمئنان لكن الأصل هو المتن واعتبار الكتاب في الدرجة الثانية واعتبار الطريق في الدرجة الثالثة.