الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

تطبيقان لقاعدة الحسبة من الخاصة والعامة

الوجوب الكفائي بحث ممتد ويستحق البسط فيه لما مر من ان هذا القسم من الوجوب يمثل طابعا من الفقه وهو الفقه المجتمعي والسياسي فمن ثم أهمية هذا البحث بمكان من المكان لكن ختاما نذكر قضية الحسبة.

فالحسبة لها ضابطتان وهاتان الضابطتان منطبقتان على الوجوب الكفائي الا ان لها نمطان من التطبيق، نمط يتطابق مع مشي الجمهور من عدم النص على الامامة والقيادة والتدبير ونمط آخر لا.

النمط الذي يتوافق مع الجمهور يقرر قاعدة الحسبة في الباب الذي لا يسوغ الشارع تعطيله وبالتالي مع الضابطة الثانية ان الشارع ليس لديه خصوصية في الفاعل المصدر لهذا الفعل والمهم صدوره فتعطى الولاء. هذا النمط من التطبيق يتوافق مع نظرية عدم النص لانه في الأمور العامة للمسلمين والدين وبيضة الدين والسياسة والحكومة لا يرضى الشارع تعطيلها فبالتالي ليس لدى الشارع خصوصية فيمن يصدر الفعل.

هنا سؤال: فلماذا الإحالة على الأول والثاني؟ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم لان ممشاهم ليس هكذا بل للأول والثاني عندهم موضوعية. هذا تطبيق لقاعدة الحسبة.

بينما التطبيق على نمط مدرسة النص يدل على ان أمور المسلمين لا يترك والحكومة لا تترك ولكن بعد وجود ادلة النص غاية الامر قاعدة الحسبة تستكشف لنا اذن من ولي الامر وهم الائمة الاثنا عشر. اذا الغرض من قاعدة الحسبة على نظرية النص استكشاف الاذن ممن له الاذن بعد وجود ادلة الولاية. «انما وليكم» دال على الحصر «اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر» واذا نطبق الآيتين فتعني علي بن ابيطالب ومن ثم الاوصياء من بعده. فمع الأدلة الكثيرة «انما يريد الله» و«قل لا اسئلكم» وغيرها قاعدة الحسبة تستكشف الاذن ممن له الاذن وهو صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

حينئذ هل هذا الاذن مطلق او القدر المتيقن وهم الفقهاء او الأقرب فالأقرب الصحيح انه دليل لبي. فلا يمكن اهمال نظرية النص وادلة النص لا تختص بزمن الحضور وغير الحضور. مثلا احد الإشكالات هو انه كيف انتم تحصرون امامة الأمة الى يوم القيامة بعدد اثني عشر؟ هذا احد الإشكالات التي يثيرونها. لكن ما المانع من ذلك ويمد الله في أعمارهم؟ ثم ما المانع في ان الائمة الذين توفوا يرجعون؟ عقيدة الرجعة عقيدة ضرورية في الايات والروايات. بالتالي تستمر الامامة فيهم. وليس على الله بعزيز وعقيدة الرجعة عقيدة راسخة قرآنية واستقصى صاحب الوسائل 62 آية في الرجعة وذكر ستمأة ونيف رواية في الرجعة في كتاب الرجعة. وهو ذكر انها ليست كل الروايات وكثير من الروايات اعرضت عنها لان العقول الضعيفة لا تستوعبها. فالنص على الامامة على حاله ونظام الامامة على حاله غاية الامر عندما يكون للامام مانع افترض في زمن الامام زين العابدين ان المختار قام بانتقام سيد الشهدا ومحمد بن الحنفية كان على الارتباط معها وان لم يأذن اذنا رسميا من الامام زين العابدين لكن نستكشف الاذن.

من ثم بعد ان انجلى جو الإرهاب صدر هذا النص من الامام زين العابدين في الترحم على المختار وصدر «لو ان عبدا قرشيا تعصب لنا اهل البيت لوجب على الناس نصرته» فالمقصود ان استكشاف الاذن من الامام قاعدة الحسبة باعتبار ان الفعل لا يعطل والمفروض ان هذه المسئولية العامة دوما بيد الامام فالجمع وضمّ هاتين القاعدتين المسلمتين في الدين نستكشف الاذن والقدر المتيقن في الاذن سلسلة المراتب.

بالتالي هكذا تطبيق قاعدة الحسبة على النمط الامامي. من ثم نفي نيابة الفقيه مع احترامنا الى جملة من الاعلام يتوافق مع النمط الأول من تطبيق قاعدة الحسبة وهذا غير سائغ علينا. والحال انه يجب الاستئذان ممن له الاذن وهذا نيابة. ومن ثم السيد الخوئي يتصاعد بهذا التطبيق لقاعدة الحسبة وينجر الى اخطر المواقع لانها نيابة. عدم تصوير نيابة الفقيه ينطوي فيما ينطوي في ان الامامة عامة للكل العياذ بالله. مع ان نظرية النص ونظرية الامامة لا يتوافق ابدا الذاهبة الى ضرورة الامامة.

الوجوب الكفائي لا يتنافى مع مراتب الاولياء

مثلا وظيفة الكل في تجهيز الميت لا يعني ان أولياء الميت ليسوا أولياء. هم أولياء غاية الامر هناك انسجام بين المسؤولية العامة لتجهيز المؤمن مع الولاية لمن له الولاية انه التدبير والولاية من الاولياء والمساعدة والتعاون من عموم المسلمين والمؤمنين. ما فيه تضارب بين هذين المفادين. من ثم لا يستفاد من عموم وجوب تجهيز الميت ان أولياء الميت لا ولاية لهم. ليس للمسلمين ان يباشروا في تجهيز الميت من دون ان يستأذنوا وان يجعلوا المشرف على هذا الامر أولياء الميت. بل يجمع بين القاعدتين. هكذا الحال في أمور المسلمين عندما نص الله عزوجل بالامامة في اهل البيت لا تتناقض مع الخطاب للأمة بان تقوم بوظائف الحكم او وظائف لا تعطل. «انزلنا الحديد ليقوم الناس بالقسط» لكن لا يعني انهم يقومون بالقسط بدون الولي. فالقول بنيابة الفقيه اقرب من العقيدة الامامية من القول بعدم النيابة. الضيق والسعة وتخريج النيابة بالدليل بحث آخر. الأصل ان امام العصر هو ولي الامر كما ذكر الشيخ المفيد في المقنعة وكثير من القدماء ان القاضي الفقيه الامامي عندما يقضي ليعلم انه عندما يقضي انما يقضي باذن من صاحب الامر وهو امام العصر سلام الله عليه. وليس فقط تمسكا بروايات الامام الصادق بل اذن منه وذكره القدماء في بحث القضاء وبحث الحدود وعدة مباحث مرتبطة بالشأن العام.

اجمالا خلصنا بهذه النقطة في الوجوب الكفائي انه لا يتناقض مع سلسلة مراتب الاولياء وهذا نوع من سبك وسياق الوجوب الكفائي والبحث فيه بحث مهم وخطيرودسم في الأبواب العديدة. هذا المقدار كان نموذجا من نقل كلمات الاعلام في الوجوب الكفائي.

فرع: تواجد الماء الكافي لشخص واحد للمتيممين

نذكر فرعا في الحقيقة لا صلة له بالوجوب الكفائي لكنه يشابه الوجوب الكفائي الذي ذكره الميرزا النائيني وتفنن صناعي جيد.

لو كان شخصان على تيمم ووجدا ماء بقدر وضوء احدهما او غسل احدهما فما الوظيفة حينئذ؟ هذا شبيه الواجب الكفائي وليس واجبا كفائيا. يعني هل يجب الوضوء بنحو الكفاية من احدهما او يجب الوضوء على كلهما وهل يبطل التيمم منهما؟ باعتبار ان التيمم يبطل اذا يتحصل الماء.

الميرزا النائيني فكك بين بطلان التيمم ووجوب الوضوء. قال ان التيمم لكل منهما يبطل بمجرد وجود الماء اما وجوب الوضوء او الغسل فيعتمد على توفر القدرة، هل القدرة متوفرة لكل منهما او الأقوى منهما او لمن يتخصص هذا الماء تكوينا وقدرة. هذا محصل كلام الميرزا النائين.

السيد الخوئي اشكل ان بطلان التيمم مع وجوب الوضوء موضوع واحد وليسا موضوعين ولا يسوغ تصوير التفكيك بين وجوب الوضوء والتيمم. ان وجب الوضوء يبطل التيمم. من ثم هناك تشقيق ان كان كل منهما قادر عليه وليس بينهما تنازع فهنا ذهب الى وجوب الوضوء على كل منهما وبطلان التيمم من كل منهما واما اذا كان التنازع فالاسبق والاسرع والاقوى يبطل تيممه ويجب عليه الوضوء بخلاف الاخر.

هذا المطلب ليس من باب الوجوب الكفائي لكن شبيهه من حيث ان الموضوع محقق لاحدهما. لكن فيه نكتة وهي انه اذا كان الموضوع تكوينيا لا يحقق الموضوع معا بل يحقق الموضوع على نحو البدل. يحقق احد الموضوعين وهنا لا يذهب الفقهاء الى ان طبيعة موضوع الوضوء تعييني فكيف يكون موضوع الوضوء كالتخييري او كفائي؟ في الحقيقة هذا استكشاف الفقهاء من الأدلة ان الموضوع ليس يلازم كونه تعينيا واستغراقيا دائما. مادام الملاك موجودا فهذا الملاك لا يفرط فيه ولو لاحدهما شبيه مبحث التوارد لا الورود.

التوارد يعني الدليلان لموضوعين وحكمين كل دليل وارد على الآخر ويرفع الآخر. البعض قال التعارض والتساقط وهذا خطأ. لان الموضوع تكوينا موجود وليس انعدام لكل من الموضوعين. الورود من طرف واحد الوارد يعدم موضوع المورود اما اذا كان التوارد بالتالي لا يتوفر الموضوع بنحو التعيين لكن بنحو الترديد او البدلية موجود. وجود الموضوع بنحو بدلي بنحو الترديد لحكم طبيعته استغراقي تعييني أيضا يوجد الموضوع. هذه نكتة صناعية سواء في التوارد او الفرع الذي ذكره النائين.

اقسام الوجوب والواجب انتزاعات عقلية والمدار على الملاك

نستخلص ان الحكم بالدقة الأصل فيه ملاكه المستكشف من الأدلة اما الاستغراقية او البدلية او التعيينية والكفائية قوالب ينتزعها العقل بتوفر الملاك لا انه صميمية في متن الحكم. من ثم مر بنا انه يجتمع الوجوب الكفائي مع الوجوب العيني وليس منافاة. كون تجهيز الميت واجبا كفائيا لا يتنافي مع كونه تعيينا على أولياء الميت. فالامة كلها مسؤولة عن إقامة العدل لكن بالنسبة الى اميرالمؤمنين وأولاده المعصومين سلام الله عليهم واجب عليهم تعيينا وإدارة واشرافا. طبيعة الملاكات للشيء الواحد والموضوع الواحد يأخذ قوالب مختلفة ويكون الوجوب بلحاظ الأشخاص يأخذ أنماط مختلفة. هذه بيت القصيد في النكتة الصناعية.

ملاحظة في تعريف السيد الخوئي للواجب الكفائي

قبل ان نغادر بحث الوجوب الكفائي ما ذهب السيد الخوئي من ان الواجب الكفائي وجوب بدلي ليس مطردا كما مر بنا مرارا. هذا مثال لبعض الموارد واما انه تفسير للوجوب الكفائي في تمام الأبواب ليس تفسيرا صحيحا. في بعض موارد الوجوب الكفائي مجموع الامة برمتها لها حصة المسؤولية لا بنحو البدلي. حتى في الجهاد وحتى المرأة في الجهاد وان لم يجب عليها الجهاد بالمباشرة لكن يجب عليها الجهاد بالتعاون والحث وغيرها. كما انها سيرة النبي صلي الله عليه واله مع النساء.

المقصود ان جملة من الواجبات الكفائي ليس بنحو البدلي بل استغراقي لكنه ليس وجوبا عينيا. فالوجوب الكفائي وان اشتهر في الالسن او التعريفات انه بدلي لكن هذا يعكس بعض موارده والا كثير من الوجوبات الكفائية عامة. كما ان النظام الاجتماعي المدني كل له حصة من الدور من جهة التخصصات والحرف والمهارات.

هذا تمام الكلام في الوجوب الكفائي ولا نأخذ قناعات مسبقة ونأخذ الدليل على هذه القناعات. بل يجب ان نوسعها بشكل واسع. هذه القناعات المسبقة كثيرا ما تؤثر في استنباط المجتهد.

الواجب الموسع والمضيق

المبحث الاخر قضية الواجب الموسع والمضيق ووجود هذا القسم من الواجب لا كلام فيه. لكن هذا التقسيم هل تقسيم للواجب او تقسيم للوجوب؟

كثير من الأقسام التي مرت بنا في مقدمة الواجب او بعدها بعضها يقال الواجب المشروط مثلا لكن بالدقة وجوب الواجب مشروط لا الواجب نفسه ويعبرون عنه الواجب المشروط. فبعض الاوصاف وبعض التقسيمات اوصاف للوجوب وبعض التقسيمات للواجب وان أسندت للوجوب. فايها الباحث حذار من الغفلة.

مثلا الوجوب التعييني والكفائي بالدقة تقسيم للوجوب لكن يعبرون عنه بالواجب الكفائي. ما فيه مانع لكن لابد ان نعرف ان التقسيم او الوصف للوجوب او الواجب؟

هنا في الواجب الموسع والمضيق بالدقة وصف للواجب لا الوجوب.

قيدية الزمان للوجوب او الواجب

نقطة أساسية أخرى ان الزمان والوقت كقيد في الواجب او كقيد في الوجوب او ربما قيد لكل منهما اصالة كما في الصلاة هل قيديته اصالة للوجوب تختلف آثارها عن قيديته للواجب اصالة ويجب ان لا نخلط بين القيدية والتقييد للوجوب وبين القيدية والتقييد اصالة للواجب. كما لا نخلط بين اصالة تقييد الوجوب وتبعية تقييد الوجوب او اصالة تقييد الواجب وتبعية تقييد الواجب.

ان شاء الله نواصل غدا