الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

كان الكلام في الواجب الكفائي ومر انه ذو صلة وطيدة بالفقه المجمتعي او الفقه الاجتماعي او الفقه السياسي وذو صلة بالقواعد الاثنتي عشرة التي مرت ومنها قاعدة الحسبة وأيضا هو ذو قوالب مختلفة وذو ملاكات متعددة.

النقطة التي وصلنا اليها امس هي الجمع بين الوجوب العيني والوجوب الكفائي. هناك أيضا في الواجب الكفائي نقطة أخرى جديدة ولو هي معترضة في قاعدة الحسبة ويجب الالتفات اليها، كما ان الواجب الكفائي يجتمع مع الواجب العيني.

عدم اطراد التعريف المشهور في الواجب الكفائي

التعريف بما اذا فعله البعض سقط عن الآخرين ليس تعريفا مطردا بالواجبات الكفائية بل هناك من الواجبات الكفائية ما ينتشر على جميع المكلفين ولا يسمونه واجبا عينيا. هي كفائية لانها مسئولية عامة.

مثلا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد القلب وجوبه على الجميع مع ذلك طابعه طابع الواجب الكفائي يعني هي مسؤولية عامة منتشرة على الجميع سواء يكون بنحو يسقط عن البعض اذا فعله البعض او بنحو لا يسقط. جملة من الواجبات الكفائية لا يسقط اذا فعله البعض. ولو بعض الاعلام يقولون انها واجبات عينية لكنها ليست عينية بل الغرض مسؤولية عامة وكل له مسؤولية تجاهها من جهته. وليس وجوبا عينيا لان الغرض واحد وليس اغراضا كالصلاة.

الصحيح ان وتيرة الواجب الكفائي غرضا وقالبا ليس كما يعرفه المشهور بل تعريفهم تعريف لبعض نماذج الواجب الكفائي. هو يعني المسؤولية العامة ولكل مسؤولية تجاهه. هذه نقطة لازم ان تذكر في خواصه. فالوجوب الكفائي قد يكون بنحو الوجوب الاستغراقي وكل له مسؤولية من جهته.

نموذج في الواجب الكفائي شدة وضعفا

قبل ان نخوض في كلام السيد اليزدي في تعريف الواجب الكفائي نذكر نقطة في طابع الواجب الكفائي وله طبايع ونماذج مختلفة.

ان في الواجب الكفائي يتصور الاشدية والاقل شدة في الواجب الكفائي الواحد. مثلا جهاز دفاعي والدفاع واجب كفائي ومسؤولية عامة لكن الأقرب جغرافيا اوجب عليه الدفاع من الابعد جغرافيا. مع انه واجب كفائي واحد في موضوع واحد وزمان واحد لكن نفس هذا الواجب فيه شدة وضعف بلحاظ كل من المكلفين. واجب واحد لكن في تعلقه وخطابه مع الجميع شدة وضعف وليس على وتيرة واحدة.

كذلك ذكروا في المنكرات الاجتماعية والحرام الكفائي او الواجب الكفائي ان الاقدر اوجب عليه من الأقل قدرة. يعني ان القوي مسؤوليته اكثر من الضعيف. هذا أيضا تفاوت في الوجوب الواحد وموضوع واحد.

هذه النقطة أيضا مهمة ان الواجب الكفائي الجزئي في الموضوع الواحد قد يكون فيه شدة وضعف. هذه أيضا خاصية من خاصيات الواجب الكفائي

تعريف السيد اليزدي في الواجب الكفائي

الان نذكر كلام السيد اليزدي وهو اقرب جوا من هذا الذي نحن فيه. للسيد اليزدي تعريفات في حاشيته على المكاسب في مسألة بيع العصير لمن يصنعه خمرا ومسألة بيع السلاح. من التعريفات التي ذكرها السيد اليزدي هذا التعريف وهو تعريف ممتاز وان لم يكن مطردا في الوجوبات الكفائية لكن نقطة ممتازة.

هكذا يذكر تعريفا منطبقا في موارد كثيرة ان الواجب الكفائي غرض واحد وافعال المكلفين تجاه هذا الغرض الواحد إعداد وهذا الإعداد من كل طرف يختلف. مثلا بناء مسجد لما امر رسول الله ببناء مسجده فالبناء بشكل والحفار بشكل والحداد بشكل والنجار بشكل فكل تختلف زاوية عمله والحرب أيضا هكذا مثلا في الدفاع ان المكانيك شكل والمخطط العسكري شكل والمباشر بشكل ففي الحقيقة ان الدفاع عن الدين ليس على وتيرة واحدة لا يقوم الحرب الا ان يأخذ كل موقعه وكفائته وقابليته.

اذا معنى الوجوب الكفائي ان هناك غرض واحد يتدخل في ايجاده او الإعداد له والتهيئ له مجموع المكلفين كل بحسبه. مثل الشعائر الحسينية وشعائر العتبات الشريفة وزيارتها ربما هناك شاعر وربما هناك رادود وربما هناك مؤذن وربما هناك تاجر وربما هناك طباخ كلهم خدام. هذا لا يحصل الا بمشاركات وافعال وزوايا كل بحسبه، حتى المرأة في خدرها تقدر ان تحشد وتخدم. هذا كلام بديع ومتين في الواجب الكفائي.

اذا لا يتصاغر ذو شأن ضعيف عن الادلاء بدلوه في أداء هذا الواجب الكفائي. القرآن الكريم يبين لنا قصة طالوت وداود على نبينا وآله وعليه السلام وجالوت. كان داود موقعه آنذاك قبل ان يبعثه الله اماما وحاكما وان كان من الاصفياء ضعيفا ومستضعفا لكنه لم يستخف بقدرات ضعيفة من المشاركة. وقدر الله ان يكون التغيير الاستراتيجية على يد هذه القدرات الضعيفة جدا في جيش طالوت. فقتل داود جالوت. يعني إشارة وعبرة تاريخية والهية ان لا يستخفن احدكم في الواجب الكفائي بما اوتي له من الشأن. وربما الله يقدر ان التغيير لا يتم بالقدرات الهائلة بل بامكانه ان يحدث تغييرا استراتيجية عجيبا بقدرات ضعيفة جدا. لان الحقيقة «لا يغير الله» التغيير من الله «ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» «ان تنصروا الله ينصركم» «ما النصر الا من عند الله» يعني هذه الأفعال في عالم المادة من الله عزوجل وانما افعالنا كلها إعداد فاذا هو رب العزة يقدر كيف يتم هذه الأفعال ولا يستخفن الانسان بضعف قدرته. فالواجب الكفائي على الجميع حتى على الضعيف. هذه النكتة أيضا لطيفة في تعريف السيد اليزدي وموقع داود وجالوت. كل له مسؤولية ودور ولا يعص في دوره مهما كانت قدرته. كما هو معروف في حضارة سبأ وكانت حضارة عجيبة ان الله تعالى سلط على حضارتهم فأرا. المقصود ان المسؤولية لا يتصاغر عند المؤمن في الواجب الكفائي ولو كانت ضعيفة ربما امرأة في خدرها تخذل زوجها وهو يخذل آخر وسلسلة خذلان ولا سمح الله. لكن امرأة تحشذ وتزرع الهمة والعمل في رجالات بيتها ثم يقومون بالاعمال الإلهية اكثر فالاكثر. فكل له دور حتى النساء. دور الكلمة ودور الروح ودور الإعانة وفيه دور سلبي وفيه دور إيجابي.

قاعدة الحسبة

نرجع الى قاعدة الحسبة.

الضابطة الأولى فيها عند الفريقين انها أغراض لا يمكن ان تعطل بحال مثل امن البلاد ومثل نظام الحاكم في المجتمع ولا يمكن بدون النظام السياسي ويشير الى ذلك اميرالمؤمنين سلام الله عليه انه لابد للناس من امير بر او فاجر لتتحقق به ادنى ضروريات الوجود الاجتماعي وتأمن به السبل وكذا. فلابد من ادنى درجات النظم والنظام ولو حتى يد حاكم ظالم. المقصود ان مقدار النظم الذي يحصل على يد الظالم لابد منه.

من ثم استدل من استدل على مشروعية الحكومة الشرعية في الغيبة الكبرى بانها ضرورات لا يمكن ان تعطل فالحكومة الشرعية ولو نسبية احرى من الحكومة اللاشرعية. مثلا ردع الجناة وردع ذوي الموبقات يعني اصل إقامة الحدود واحد الأدلة التي استدل بها معظم علماء الامامية الذين قائلون باجراء الحدود في الغيبة الكبرى هو ان هذه الأغراض لا يمكن تعطيلها وتجميدها. «ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب» ارشاد القرآن الكريم الى ضرورة إقامة القصاص لبقاء الامن الاجتماعي.

فالحسبة أغراض لا يمكن تعطيلها فيمكن ان يأتي في رأس الدولة داعشي او يأتي مؤمن ولو نسبيا وفيه فرق كبير.

الجهاد الابتدائي فيه آيات وروايات كثيرة وهو باللغة العصرية غير الدفاعي وهو يعني توسع الدولة الإسلامية الى كافة ارجاع الأرض وإقامة نظام عالمي موحدة على كافة ارجاع الأرض. السيد الخوئي يقول ان ادلة الجهاد الابتدائي صريحة في ان هذا الغرض لا يعطل عند الشارع. هذا ما زعمه السيد الخميني وما تبناه. المعروف ان تسعة وتسعين بالمأة من علماء الامامية يقولون ان صلاحية توسعة الدولة الإسلامية الى كافة ارجاع الأرض وإقامة نظام وحكومة عالمية خاصة بالامام الثاني عشر سلام الله عليه الا ان الميرزا محمد باقر السبزواري صاحب كتاب الذخيرة والكفاية نقنق في هذه المسألة وقال ظاهر الأدلة انه لا يعطل. والتزم به جزما السيد الخوئي. بغض النظر عن صحة او سقم هذا المطلب ان السيد الخوئي يقول ان الأدلة ظاهرة في ان هذا غرض لا يمكن ان يعطل بحال.

الضابطة الثانية في قاعدة الحسبة ان هذا الغرض الذي لا يعطل بحال لا يتفاوت عند الشارع في انجاز هذا الغرض ايجادا لو كان إيجابيا و سلبا لو كان منعا لا يتفاوت الحل بين مكلف او مكلف وان كان لدى الشارع أولويات لكنه بالتالي هذه الأولويات وهذه المراتب بهذا النمط يعني اذا لم تحصل المرتبة الأولى فالثانية واذا لم تحصل الثانية فالثالث وهلم جرا. يعني بعبارة أخرى يريد الشارع استصدار هذا الغرض وان كان بنحو الرتيب. على أي حال الى نهاية الخط لا يحصره الشارع برتبة. الأولوية لا تعني الحصر. بل لابد من صدور هذا الغرض.

شبيه ما ذكره الشيخ الانصاري في السلطة التشريعية الفتوائية او السلطة القضائية يعني انه يرى ان صلاحيات الفقيه حسبية. قال ان بعض الصلاحيات ان لم تتم على يد الفقهاء فتصل اليه الفضلاء وان لم تصل على يد الفضلا ثم المراهقين ثم ذوي حظ من العلم ثم العدول من المؤمنين ثم فساق المؤمنين لانه في الأمور الحسبية يريد الشارع بحسب الضابطة الأولى ان لا يعطل هذا الغرض وان كان صدوره من حيث الفاعل والمكلف عنده مراتب واوليات لكن لا يرضى تحت ذريعة المراتب والرتبة ان تعطل.

اتفاقا في بعض الموارد هذه المعلقات من النساء اذا لم يتصدى المراجع والفقهاء تصل النوبة الى المراتب الأخرى. ولها حق الطلاق الاجباري لان الزوج ناشز بشكل مستمر فلها حق الطلاق. فالاعلام لا يمكن لهم ان يتصدون بسبب او آخر فتصل النوبة الى المراتب اللاحقة والطلاق نافذ.

على كل ان في الأمور الحسبية صحيح ان الشارع قد يلاحظ الرتبة والمراتب لكن الكلام في عدم وجود المراتب الأولى. لذا طلاق المحكمة الوضعية اذا كان على الشرائط يعني وجود الشاهدين العادلين قابل لتصوير النفوذ في ظل هذه الشرائط ان ذوي المراتب المتقدمة في هذا الظرف لا يتصدون. فيكون نافذا.

الغرض لما نقول كفائي في قاعدة الحسبة ليس من الضروري ان يكون قاعدة الحسبة كفائيا وهو نوع من الكفائي ولو يكون فيه فرد كالمرأة المعلقة.

اذا الضابطة الثانية في قاعدة الحسبة ان صدور هذا الغرض والفعل من المكلفين سواء حتى لو كانت رتبة واولويات.

هذه النكتة لطيفة في خواص الواجب الكفائية انه فيه قد يكون أولويات بالتالي ان لم تصدر الأولى فالاولى تصل النوبة الى آخر القوم وعليه مسؤولية تجاهه.

شبيه من استشهد أولا في حرب الموتة هو جعفر الطيار ثم زيد بن حارثة ثم عبد الله بن رواح. هذه الضابطة بالدقة قاعدة الحسبة هي عبارة عن قاعدة من قواعد الواجب الكفائي وهي احد هويات الواجب الكفائي.

سميت حسبة لان الفاعل يحتسب اجره عند الله لانه لصالح عام او دفع المفسدة العامة.اذا تعريف القاعدة الحسبة بالدقة ينطبق على الواجب الكفائي.

اذا في قاعدة الحسبة تفسيران، تفسير على نسق الجمهور وفيه تفسير على نسق الامامية. للأسف جمهور من اعلامنا من باب الاحتياط لا يقولون بصلاحيات الفقيه من الأدلة الخاصة لكنهم يقولون بها من جهة الأدلة العامة. احد الأدلة العامة قاعدة الحسبة. هذه نكتة لطيفة ان اثبات الشيء لا ينحصر في الأدلة الخاصة. قد يكون الأدلة العامة هي دليل. كما التزم بحر العلوم واحد تلاميذ صاحب الكفاية العلامة السمناني من انبغ تلاميذه في علوم عديدة وكان مبرزا في تلاميذه وأيضا التزم بذلك السيد إبراهيم علم الهدى تلميذ السيد هادي الميلاني بان الشهادة الثالثة جزء في التشهد أينما كان بالادلة العامة لا بالادلة الخاص. وقفت أخيرا في المصادر والمتون الى اثني عشر من علماء الامامية يلتزمون بوجوب الشهادة الثالثة في كل تشهد بالادلة العامة وبعضهم بالادلة الخاصة.

المقصود ان الشيء قد يثبت بالادلة العامة لا بالادلة الخاصة. كما التزم بحر العلوم في الشهادة الثالثة في كل تشهد. معنى الدليل العام يعني انه غير مختص بالاذان بل هو عام. قاعدة الحسبة هكذا. هناك ظاهرة تاريخية في تطبيق قاعدة الحسبة ان شاء الله نبين غدا الغفلة فيها. فيه تطبيق من الجمهور وفيه تطبيق من الخواص.