الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

قاعدة الأمور الحسبية والواجب الكفائي

في تتمة التعاريف التي ذكرها الفقهاء في أبواب الفقه للواجب الكفائي ما ذكروه في قاعدة الأمور الحسبية وذكروا ان هناك أغراض وملاكات للشارع يريدها على أي حال ومن أي مكلف من دون خصوصية لمكلف دون آخر بل يريدها بنحو مطلق في جانب الوجود وفي جانب الحرمة أيضا ان المطلوب فيها النفي والعدم بقول مطلق.

هذه القاعدة مؤشر آخر من مؤشرات موارد تواجد الوجوب الكفائي انها ليست لدى الشارع خصوصية لمكلف معين وبالتالي يكون من الواجبات الكفائية او من المحرمات الكفائية.

هذه القاعدة الثانية عشرة المرتبطة بالواجبات الكفائية والمحرم الكفائي يعني ان العمل مبغوض للشارع ويريد من الجميع ممانعة وقوعه. ليس محرما عينيا مثل الزنا (العياذ بالله) ان الشارع يريد من كل مكلف ان لا يرتكب الزنا لكن الحرمة الكفائية بمعنى ان الشارع يريد ممانعة وقوع زنا واحد حتى من مكلف واحد. هذا بحث مستقل وغير قاعدة الأمور الحسبية ان عندنا واجبا كفائيا وعندنا محرما كفائيا.

المحرم الكفائي

المحرم الكفائي يعني ان الشارع لا يريد ان تتحقق مفسدة معينة على أي حال او قل يريد الممانعة من وقوعها ممن كان. مثل قتل النفس المحترم والشارع يريد ممانعة القتل.

نمطان في الأمور الحسبية وجودا ومنعا

اذا في الأمور الحسبية نمطان، نمط مطلوب وجوده من أي كان وكيفما كان في الآليات المباحة ونمط آخر ممانعة وقوع المفسدة من أي كان وكيفما كان. عبر الاعلام في الفقه بالمحرم الكفائي ولا بأس به وتعبير جيد. هذه نقطة مستقلة.

نرجع الى تتمة قاعدة الأمور الحسبية. انها في جانب الوجود او جانب المفسدة وحتى في المستحبات او المكروهات لكن الان الغرض الأصلي في االالزاميات وهي عبارة عن الأغراض اللازمة لدى الشارع وجودا او منعا ولا تعطل حتى في الغيبة الكبرى ولا تعطل في أي حال من الأحوال.

مبنى السيد الخوئي في الأمور الحسبية من شمولها لإقامة الدولة العالمية

حتى السيد الخوئي رحمة الله عليه عنده نيابة الفقيه عن المعصوم لم تثبت لديه في غير الفتيا لكن بقاعدة الأمور الحسبية عنده ثابتة بلغ ما بلغ. يرى في كتابه منهاج الصالحين ان إقامة الدولة العالمية من الوظائف العظمة في الغيبة الكبرى وهي تسمى بالجهاد الابتدائي.

الجهاد الابتدائي مصطلح فقهي من الفقهاء او من الروايات لكنه بالمصطلح العصري عبارة عن إقامة الدولة العالمية على كافة ارجاع الأرض. دولة إسلامية. طبعا هذا المبنى ينفرد به السيد الخوئي عن علماء الامامية لان كلهم يقولون ان إقامة الدولة الامامية من مختصات الامام الثاني عشر لكن هو يرى ان مفاد الأدلة في الجهاد الابتدائي يفيد انها من الأمور الحسبية فاذاً لا تعطل. والأمور الحسبية تعني الأغراض التي لا يتوانى الشارع ولا يريد تعطيلها في أي حال من الأحوال. فمن ثم السيد الخوئي يبني في نيابة الفقيه عن الامام المعصوم الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف كالشيخ الانصاري ان الدليل على نيابة الفقيه هي قاعدة الأمور الحسبية.

طبعا هذه القاعدة من حيث الإدارة والاشراف مسؤوليتها على الفقيه والا من حيث المشاركة فهي مسؤولية مشتبكة عامة على كل المكلفين. اذا هذه قاعدة ثانية عشرة لتعريف الواجب الكفائي. أي الملاكات اللازمة التي لا تعطل بحال من الأحوال سواء في جانب الوجود او جانب المنع.

الواجب الكفائي والمستحبات والمكروهات

الامر الآخر ذكره المشهور في الواجب الكفائي في المستحبات والمكروهات وفيها ابعاد

البعد الأول: لا صلة له في البحث في المقام لكنه يهيئ البحث ان ترك جميع المستحبات او ارتكاب جميع المكروهات يعني غالبها يستلزم ارتكاب كبيرة من الكبائر. يعني ان المستحبات بنحو فرد انفرادي مستحبة لكن بنحو الغالب المجموعي يكون من المستحبات التي عدم اتيانها يكون كبيرة من الكبائر. هذه نقطة لطيفة في التقنين انه في حين ان آحاد المستحبات مستحبة الا ان المجموع الزامي يعني عدم ترك كل المستحبات فيكون له جنبة لزومية الزامية وكذلك في المكروهات ان ترتكب جملة او غالب المكروهات كبيرة من الكبائر. التزم به المشهور شهرة عظيمة.

البعد الثاني: أيضا المشهور التزم به وقالوا ان المكروهات والمستحبات وان لم تكن الزامية الا ان ارتكاب اكثر المكروهات والادمان على ارتكاب كثير او اكثر المكروهات وترك كثير او اكثر المستحبات يخل بالعدالة.

هل الاخلال من جانب البعد الأول او بعد آخر؟

فيه بحث انه هل بين العدالة والفسق واسطة؟ البعض يلتزم انه اما العدالة او فسق واذا انتفى العدالة يلتزم الفسق وربما التزم به من يلتزم بمنطقة الوسط. الان لسنا في صدد هذا البحث. لكن لماذا ارتكاب كثير من المكروهات او متاركة اكثر المستحبات يخل بالعدالة؟ قالوا لانه يخل بالمروة وهي عند المشهور الا السيد الخوئي وتلاميذه شرط في العدالة.

لكن هل المروة شرط واقعي في العدالة او شرط ظاهري في العدالة؟ الظاهري ان المروة أمارة في العدالة. هل المروة مأخوذة ثبوتا في العدالة او اثباتا؟ على أي حال فالاخلال بالمروة اخلال بالعدالة سواء الاخلال الثبوتي او الاثباتي. بالتالي هذه المستحبات او المكروهات ليس امرها هين.

أتذكر في سفر زيارة احد الطلبة أدى الصلاة بلا اذان ولا إقامة فقلت له ان هذه باطل. الإقامة فيها شبهة الوجوب لان السيد المرتضى يفتي بوجوب الإقامة والأكثر يقولون مستحب جدا مؤكد. المقصود ان كثير من المكروهات او ترك المستحبات لا سمح الله الإدمان فيها حرام.

البعد الثالث وله صلة بما نحن فيه: قالوا ان غالب المستحبات والمكروهات في حكمها العيني مستحبة او مكروهة لكن في بعدها الكفائي واجبة. ربما عدة تخريجات له.

قالوا ان المستحبات عند عامة الناس في الحكم العيني مستحبة لكن بالنسبة الى الامام او الوالي السياسي النائب عن الامام او من له صلاحية شرعية كالفقيه وظيفتهم ليست مستحبة بل واجبة. لان هؤلاء رعاة الشرع وهم المربون للأمة لا سيما الوالي السياسي ومن وظائفهم تربية الأمة على المستحبات. ففي سلوكهم وفعلهم الفردي واجبة عليهم ان يأتوا بالمستحبات كثير منها لان هؤلاء دورهم تربوي وينعكس على المجتمع. كذلك في المكروهات يعني اذا كان العالم او الفقيه او المجتهد يرتكب المكروهات فعامة الناس ترتكب المحرمات. يعني ينجر الناس الى ارتكاب المحرمات. هذا عنوان دائم ثانوي في الموضوع وليس عنوان ثانوي في المحمول. انت كوالي السياسي او كمفتي شرعي او كمرشد ديني هذه المستحبات بهذا العنوان واجبة عليك لانك مسؤول على بناء الظاهرة الاجتماعية. لا نقول كل المستحبات او كل المكروهات بل الظاهرة والبارزة وكثير منها فلا إفراط ولا تفريط.

بعض الظواهر الاجتماعية المستحبة كصلاة الليل التي صارت ظاهرة اجتماعية في بلد معين او قرية معينة لا يصوغ لأحد ان يكسرها.

لذلك في القوانين الوضعية كرئيس الجمهورية او رئيس عام او الوزارة اذا اخل بما يخل بالاخلاق العامة مع انها مستحبة فيعزل عن مقامه. لان هذه تسبب زعزعة الجمهور ونظام الدولة. هذا مخل بالاخلاق والاداب العامة. هذه النكتة لطيفة ان المستحبات والمكروهات فيها طابق وجوبي للولاة. هو مسؤول عن بناء الظاهرة الاجتماعية في المجتمع. وهذا ليس بمفرده بل طاقة من الجهاز الديني وطاقة فلانية.

سبحان الله اذا يفتش واحد في الواجب الكفائي يرى ان الفقهاء ذكروا عجائب علمية جواهر في الواجب الكفائي.

في التدوين ربما دونت قريب بعشرين نقطة.

الفقه المجتمعي قائم على تحقيق حقيقة الواجب الكفائي

نقطة أخرى ان البحث في الفقه المجتمعي والاجتماعي قائم على تحقيق حقيقة الواجب الكفائي ومنهج علمي. من الخطأ الكبير ان يقايس الفقيه او المجتهد او المقنن الوجوب الكفائي ويعطيه ضوابط الواجب العيني وهذا خطأ يوقع في الاشتباهات الكبيرة جدا وان الاستقراء والفحص عن الوجوب الكفائي في الأبواب الفقهية احياء للفقه المجتعي او بناء للنظام الديني الاجتماعي وهذا اعظم عند الشارع لبناء الهوية الفردية للإنسان بمفرده.

هذا البحث مفتاح الفقه الاجتماعي والسياسي مبحث الواجب الكفائي ويجب لملمته لان له ضوابط وموازين متعددة مهمة.

بعد الوجوب الكفائي في الواجبات والمحرمات العينية

النقطة الأخرى: قالوا في الواجب العيني او المحرم العيني الاستغراقي «لا تشرب الخمر» و«حرم الربا» أيضا هناك تقريب جيد ويقولون ان التعبير من الشارع بالعموم الاستغراقي في الوجوب والحرمة يعني فيما يعنيه ان هناك بعد آخر للحكم وهو بعد الهيئة المجموعية الا ما استثني. كل مورد امر به الشارع بنحو الاستغراق فيه بعد مجموعي او اجتماعي. هذه النكتة سنوضحه اكثر في التعاريف الأخرى التي سنتعرض اليه ان شاء الله في الكلمات اللاحقة. رأس مال كبير موجود لدينا من كلمات الفقهاء في الواجب الكفائي. فيكون تعريف الواجب الكفائي دسما وقويا وهو نظام للفقه الاجتماعي او السياسي او مجتمعي.

احد الاصطلاحات للواجب الكفائي المرتبط بالفقه الاجتماعي كانوا يعبرون عنها قديما باحكام الدار دار الإسلام ودار الايمان ويقصدون بذلك هذا المطلب. على كل الاستقراء والتفتيش في أبواب الفقه مفيد جدا ويفتح لنا بابا عن فقه الدولة وفقه المجتمع وفقه الظاهرة الاجتماعية وفقه النظام الاجتماعي وفقه المسؤولية العامة وكل من هذه اشكال متنوع من الفقه لكن متقاربة وهذه نقطة أخرى في الواجب الكفائي

اشكال وانساق مختلفة للواجب الكفائي

نقطة أخرى رأس المال الجيد من تراث كلمات الفقهاء انها انتهينا منه في الجلسة السابقة وهي انه ضروري في الواجب الكفائي ان نلتفت انه غالبا وملاكا وآثارا وابعادا وجهاتا ليس على نسق واحد. الغفلة عن هذا المطلب جدا خطير. لا يمكن لنا ان نتعامل معها كالواجب العيني.

أهمية الوجوب الكفائي عند الشارع اعظم من الوجوب العيني

نقطة مستقلة: احد دلائل ان الواجب الكفائي اهم عند الشارع من الواجب العيني انهم جعلوا الأمور الحسبية من الواجب الكفائي وقالوا أمور حسبية اشد أهمية عند الشارع من كل الاحكام. قالوا الأمور التي لا يرضى الشارع بحال من الأحوال ان تعطل.

هناك شرح لا اعتبره صحيحا لكن قال به كثير من الفقهاء واقولها: هناك تطبيق لقاعدة شيعية لقاعدة الحسبة وهناك تطبيق لقاعدة الحسبة على مذهب الجماعة. هذا البحث أيا ما كان دال على انه من البراهين العظيمة على ان الواجبات الكفائية اهم عند الشارع من الواجبات العينية وهي الأمور الحسبية باتفاق الفقهاء. الدين لا يعطل باتفاق الفقهاء. عندنا مسؤولية في بناء الدين وإقامة الدين.

ان شاء الله سنواصل.