الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

قاعدة من احب عمل قوم اشرك فيه معهم والوجوب الكفائي

كنا في جملة من التعريفات للواجب الكفائي وان هناك قواعد فقهية عامة او أبواب كباب الامر بالمعروف او باب الجهاد تجري في أبواب عديدة وهذه القواعد صناعيا فقهيا موضوعها لابد ان يكون واجبا كفائيا والا كيف يمكن تصوير جريانها؟ كذلك باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرمة الاعانة على الاثم وغيرها من القواعد.

من هذه القواعد قاعدة عنونت في الفقه او كتب الحديث «من احب عمل قوم اشرك معهم ان خيرا فخير وان شرا فشر» هذه القاعدة تجري في كل الاعمال وكل الواجبات وهذا تعطي بعدا مجتمعي وبعدا كفائيا في كل الاحكام. وهذه نكتة جدا مهمة بناء على هذه القاعدة.

ان المسؤولية سواء إيجابا او نفيا لا تتوجه للافراد يعني ينعدم عندنا حكم فردي منفرد بل كل الاحكام حتى الفردية دائما فيها حكم مجتمعي. سيما أن من لطائف هذه القاعدة أنها عابرة للقرون والازمنة الماضية واللاحقة والامكنة.

اكثر من هذه «من احب شخصا او شيئا حشر معه» سواء ان يكون الشيء عملا او جوهرا. «لو احب الانسان حجرا حشر معه» بالتالي هذه القاعدة عجيب وتعطي بعدا جمعي واجتماعي.

 

لنستعرض بعض الآيات في هذا المجال.

«ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» ولو في بعض القراءات وقراءة اهل البيت «ولتكن منكم أئمة» او لسان آخر «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» هذه مسؤولية مشتبكة وأيضا قوله تعالى «واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به» الامن العام وظيفة الكل «ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» الامن العام مسؤولية الكل ويجب ان ينسق الجهات المختصة وذات الشأن.

«لولا فضل الله عليكم لاتبعتم الشيطان الا قليلا» هذه مسؤولية جانب الامن العام شبيه قوله «المسلمون كجسد واحد» يعني وجود جمعي مجتمعي وهذه وظيفة اجتماعية دائما موجودة.

أيضا قوله تعالى« ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا» يعني الظاهرة الاجتماعية السلبية مسؤولية الكل كما ان الظاهرة الاجتماعية الإيجابية أيضا مسؤولية الكل. هذه قاعدة عامة طبقت في مورد الغيبة. لذلك الاعلام بنشر احداث المفاسد مردودة سلبية لا انها مردودة إيجابية. نشر الظواهر السلبية ولو كانت واقعية وحقيقية يعني حادثة معينة نشرها مردود تربوي سلبي على المجتمع لمجرد النشر. يعني انه نوع من عرفنة الظواهر السلبية وهي مسؤولية كبيرة.

أيضا قوله تعالى «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه» كان بنو إسرائيل والآية تشمل غيرهم ولا تعني منكرا يفعله الكل بل كان يفعله البعض. «لبئس ما كانوا يفعلون» نفس عدم المسؤولية المشتبكة حالة سلبية جدا مردودة. يمكن ان يقال انها قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن نفس قاعدة الامر والنهي تدل على ما قاله سيد الأنبياء «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» او «من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين» والسنة متعددة

أيضا قوله تعالى «وإذ قال امة منهم لم تعظون امة الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون» وظيفة عامة من باب الامر والنهي

أيضا «فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين معه» يعني حتى الخيرين غير الناهين عن المنكر استلم بهم العذاب وفقط خصوص الذين ينهون عن السوء «واخذنا الذين ظلموا» يعني حتى الخيرين الذين لايعملون بالمسؤولية العامة يعتبرهم القرآن في المرتكبين المعاصي.

أيضا «لم تقتلون انبياء الله» يخاطب الله عزوجل لبني إسرائيل المعاصرين لسيد الأنبياء مع انهم لم يرتكبوا بل اجيالهم السابقة ارتكبوا وهم راضون عنه. يعبر القرآن ويعنف بني إسرائيل الاحياء المعاصرين لنزول الآيات لما ارتكب اجيالهم. وسببه انهم رضوا بافعال اجيالهم وبالتالي كانت عندهم عرفنة.

هذه الايات كثيرة تحث على المسؤولية العامة وعموما مسؤولية عامة في شتى المجالات وليست خصوص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

الواجب الكفائي وصياغات المتن القانوني

نكتة أخرى مسيرية مهمة في الواجب الكفائي هي ان جملة من الاعلام حاولوا ان صوروا الملاك في الواجب الكفائي على وتيرة معينة وقالب معين وهذا ليس صحيحا ابدا. لان الواجب الكفائي طبيعته بحسب البيئات المختلفة بيئة اقتصادية وبيئة سياسية وبيئة امنية وعسكرية واخلاقية له اشكال وقوالب مختلفة.

مثلا من ضمن الواجبات النظامية والامن المعيشي للبشر في مدينة معينة كالطبابة والكهرباء والتعليم كلها واجبات كفائية نظامية وطبيعتها تختلف من بيئة الى بيئة. وليس من قبيل انها اذا امتثلت انتهى بل بعض الواجبات الكفائية هي ممتدة وأنواع الملاكات والمصالح في الواجبات الكفائية اشكالها وصياغاتها لا تحصى ولا تعد والتمثيل بشاكلة واحدة في غير محله.

مثلا السيد الخوئي رحمة الله عليه في مختاره في الواجب الكفائي ذهب الى مبنى عجيبة من ناحية الملاك انه ليس مطردا في جميع الواجبات الكفائية وعجيب من ناحية صياغة القالب القانوني والمتن القانوني للواجب الكفائي وذهب الى ان الواجب الكفائي تكليف متوجه الى احد المكلفين لا بعينه بنحو صرف الوجود. في الواجبات الكفائي التكليف متوجه للكل حتى لو كان مورد الواجب الكفائي لا يمكن ان يجتمع فيه الكل مثل تغسيل الميت بل يحتاج البعض لكن لا يقال ان الخطاب الموجود متوجه الى واحد لا بعينه. بل للجميع. في بحث تجهيز الميت ذكرنا في بحث شرح العروة انه لا منافاة في ان التكليف كفائي بينما التكليف على الورثة او ولي الميت واجب عيني ويمكن ان يجتمع فيكون تعاونا.

المقصود دعوى السيد الخوئي انه تكليف على واحد لا بعينه وبنحو صرف الوجود ليس صحيحا لا ملاكا ولا قالبا ومتنا قالبيا.

وبعبارة أخرى بغض النظر عن كلام السيد ان الواجب الكفائي متنا يتوجه الى الكل كما ذهب اليه المحقق التقي اخ صاحب الفصول «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» هذه نظرية او قاعدة في المسؤولية العامة عظيمة وسر نجاح المجتمعات ان الكل يتحمل والكل مسؤول لا البعض.

طبعا الفقهاء في الفقه وابواب الفقه قالوا في الواجبات الكفائية الأقرب اشد خطابا من الابعد وهذا كلام متين. مثلا في الجهاد والدفاع وتغسيل الميت والوظائف العامة المجتمعية الأقرب اشد خطابا واشد مسؤولية وهذا صحيح. لا ان الابعد ليس بمسؤول. بل مسؤول حتى في بعض الروايات «ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.» المقصود انها المسؤولية العامة لكن ما ذكره الفقهاء أيضا سليم الأقرب هو اشد خطابا وتوجها ثم الأقرب. كما قال المحقق التقي وتبعه العراقي في الواجب الكفائي ان الخطاب للكل لكن التحريك الأشد يعتمد حسب البيئات. كما ان العالم اشد مسؤولية من غير العالم في كل من مجالات العلم الديني او غير الديني. لا ان البقية غير المسؤولين.

المشاركة في الواجب الكفائي ليست على وتيرة واحدة

خاصية أخرى في الواجب الكفائي حساسة في حقيقته ان الواجب الكفائي ليس قضية المتعلق فقط بل ربما هو تهيئة المقدمات او تهيئة أرضية لمن يهيئ المقدمات. احد معاني الواجب الكفائي لان ان الانسان يقوم به بل انما يحث ويحرص من يقوم على العمل به. هي مسؤولية بنحو الاشتباك والشركة وعبرنا بنحو الاشتباك يعني الشبكية مثل العنكبوتية.

وظيفة كل فرد باتجاه هذه المسؤولية تختلف والمرأة حتى لها مسؤولية. النساء وضع عنهن الجهاد لكن ما وضع عنهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم ان تحث زوجها وولدها كما كانت العقيلة كذلك سلام الله عليه في كربلا سواء بني هاشم او سائر الأنصار. كما كانت فاطمة سلام الله عليها مع اختلاف المسؤولية والدرجة. حتى حثتهم عسكريا ان يواجهوا السقيفة. صحيح انها لاتباشر لكنها آمرة. اذا المسؤولية تختلف.

سيد الشهدا لم يمانع حتى الصغار في كربلا لانهم لهم دور وكل بحسبه. اذا وظيفة المسؤولية العامة ليست على من يباشر فقط بل يستطيع ان يحرر ويستطيع يبدي روحية في المجتمع ويستطيع ان يهيئ المقدمات البعيدة والقريبة والمتوسطة اذا المشاركة في الواجب الكفائي ليست على وتيرة واحدة.

من ثم المحشون في المكاسب المحرمة قالوا ان المنكر الاجتماعي كل يدلو بدلوه وبحسبه ويحسب موقعيته وقدرته ويقوم بفعل ويعذره ما بينه وبين الله بقدر استطاعته. اذا ليست الشاكلة والمسؤولية على وتيرة واحدة. هذه نكتة جدا مهمة في الواجب الكفائي.

لذلك بعضهم في ضمن هذا التعريف قال «كل يسد باب العدم من قبله» يعني ان الواجب لا يظل ملقى على الأرض ولا يقوم به احد بل كل يقوم بالمسؤولية من زاويته.

 

رجوع الى البحث السابق «الطبيعة النوعية والفردية»

صياغات مختلفة في الشهادتين بمفردهما والأفضل اقترانهما بالشهادة الثالثة

في الواجب الكفائي نكات كثيرة لكن دعوني ان اقف في هذه النكتة واستدرك لبحث الامر بالطبيعي والفرد. الواجب الكفائي وبقية النكات المرتبطة به ان شاء الله سنواصل بها غدا لكن الان دعوني ان استدرك نقطة في المسألة السابقة التي مرت بنا.

النقطة هي ان جملة من الاعلام كثيرين في الشهادة الأولى «اشهد ان لا اله الا الله» وكذلك في الشهادة الثانية بمفردها افتوا بان ما ورد من الروايات العامة في صياغات الشهادة الأولى شاملة لتشهد الصلاة. اصل الشهادة الأولى «اشهد ان لا اله الا الله» او «وحده لا شريك له الها واحدا صمدا و....» من ثناء والتمجيد لله. قالوا ان الروايات الواردة في صياغات الشهادة الأولى وارد في هيئات فردية مستحبة كثيرة مندوب اليها. ما ورد في تشهد الصلاة بل ورد بلسان عام في صياغات الشهادة الأولى. قالوا يصح التمسك بها في تشهد الصلاة مع انها غير واردة في تشهد الصلاة بل واردة في عموم الدعاء او الزيارات وتلقين الميت. قالوا بالتالي هي هيئات فردية وراجعة الى الشهادة الأولى.

حقيقة شرعية للشهادة الأولى تأخذ من لسان الأدلة الأولية. نعم الكلام وكلام صحيح. قالوا ان صياغة الشهادة الثانية «اشهد ان محمدا رسول الله» او «اشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالحق و.....» صفات كثيرة هذه الشهادة الثانية ما ورد من روايات عامة في أبواب عديدة بشواكل راجحة أيضا يتمسك بها في تشهد الصلاة. هذه النقطة لم يتلكأ فيها فقيه. ان الشهادة الأولى بمفردها والشهادة الثانية بمفردها ما ورد في كل منهما بمفرده بصياغات في الروايات العامة يتمسك في صياغة الهوية الفردية لتشهد الصلاة. نعم الكلام.

السيد المقرم نقل ثمانين فتوى من مراجع اغلبهم مراجع النجف او مجتهدي النجف ومع الملحق يكون مأة فتوى كل هؤلاء الاعلام غالبهم او برمتهم يعني يمكن ان تقول سبعة وتسعين فتوى في كتاب سر الايمان الشهادة الثالثة في الاذان وغيره. هؤلاء الاعلام قالوا ان الروايات العامة المتواترة الواردة في صياغات الشهادتين دالة على ان الأرجح وافضل افراد الشهادتين ان تقرنا بالشهادة الثالثة. ومن ثم هذا التمسك بالروايات العامة المتواترة وليست احاد مع اللسان العام واردة في الهوية الفردية للشهادتين. افضل هيئات الشهادتين ان تقرنا مع الشهادة الثالثة. بحسب التواتر او ضرورة الروايات الواردة. ويتمسك بها في تشهد الصلاة. لانها عبارة عن صيغة من صياغات الشهادتين. فتلكأ ثلاثة من الاعلام في غير محله. انتم تمسكتم في الشهادة الأولى بنفس النكتة الصناعية الطبيعة النوعية والطبيعة الفردية وتمسكتم في الشهادة الثانية فكيف لا تتمسكون في الشهادتين معا بصياغة أخرى أيضا. لذلك سبعة وتسعين عالما قالوا ان التشهد اين ما قلت في الاذان و غيره افضل نماذجه وهيئاته ان تأتي به بصيغة اقترانهما بالشهادة الثالثة. هذه نكتة صناعية جدا حساسة ولطيفة اجراها الاعلام في الشهادة الأولى بمفردها والشهادة الثانية بمفردها وفي الشهادتين أحببت ان أوضح فتاوى الاعلام قبل سبعين سنة. كلهم عمموا عدا ثلاثة من المراجع. نكتة صناعية واحدة مرت بنا في البحث السابق الطبيعة النوعية والطبيعة الفردية.