الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ مبحث الأوامر/الوجوب الكفائي

 

كان الكلام في ان تعرض الاعلام لحقيقة الوجوب الكفائي في الفقه اكثر من تعرضهم لها في الأصول.

وربما يمكن ان ندرج كلمة موجزة في تعاريف الوجوب الكفائي انه يعني الفقه المجتمعي او الفقه الاجتماعي والمسؤولية العامة في قبال الفقه الفردي الوجوب العيني والوظيفة الفردية.

فمر بنا عدة تعاريف.

نكتة صناعية مرت بنا امس وهي الارتباط بين الوجوب الكفائي في كل باب مع جملة من القواعد العامة الفقهية وهذه القواعد العامة الفقهية في الحقيقة من الوجوبات الكفائية مثل قاعدة «حرمة الإعانة» او قاعدة «الشعائر الدينية» وقاعدة «رجحان او وجوب التعاون على البر والتقوى» في مقابل «حرمة التعاون على الاثم والعدوان وقاعدة رابعة «باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذه الأبواب والقواعد لها مسيس الارتباط بالوجوب الكفائي في الأبواب. كيف؟ مثلا كما يذكر السيد الخميني مع المقدس الاردبيلي في مسألة بيع العنب على من يصنعه خمرا في المكاسب المحرمة. هناك ينقل السيد عن المقدس الاردبيلي كلاما للاستدلال على حرمة بيع العنب هكذا. هذا الاستدلال والغاية منه والنتيجة منه ليس حكما الزاميا من باب الامر بالمعروف او النهي عن المنكر بل من باب الحرمة المرتبطة بنفس باب الخمر يعني ان التحريم الوارد من الشارع حول الخمر والافعال الملابسة للخمر مثل حرمة غرسها وشربها وبيعها وصانعها وحاملها ليس من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بل من باب حرمة الخمر نفسه. استدل عليها بان قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كاشفة عن وجود هذه الحرمة. يعني انها من باب الملازمات وليس من باب قاعدة كلية كحرمة الضرر بل يستكشف ان الخمر له حكم كفائي من جهة الحرمة بقاعدة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

نظير الصياغة التي مرت بنا امس. من هذه القاعدة وقواعد الشعائر نستكشف ان الحكم في أي باب اذا شملته هذه القواعد الأربع او غيرها كالجهاد المرتبطة بالوظيفة العامة والمسؤولية العامة تكون كاشفة على ان الحكم في ذلك الباب ليس مقتصرا على الوجوب الفردي والعيني بل شامل للوجوب الكفائي. مثلا الصلاة فيه وجوب صلاتي مرتبط بالهيئة الاجتماعية والسؤولية الاجتماعية لان الشارع يريد إقامة الصلاة كشعيرة في المجتمع وهذه ظاهرة اهم من الصلاة الفردية.

اذاً النتيجة هي أنه يستنبط وجود حكم كفائي في كل باب لا من باب تطبيق هذه القواعد الخمس بل هذه القواعد كاشفة عن وجود حكم كفائي في الظاهرة الاجتماعية مرتبطة بالحكم.

اللطيف ان متاخري الاعصار والمشهور عموما استدلوا في باب الطهارة على حرمة اطعام الطفل غير البالغ بالنجس او المتنجس او محرمات الاكل كالخنزير والكلب بقاعدة عامة من هذه القواعد على كون الحكم الموجود في حرمة اكل النجس او حرمة اطعام النجس غير مختص بالبالغ بل حكم كفائي شامل لاطعام البالغ للطفل غير البالغ. لا كتطبيق لها بل استكشافا منها ان الحرمة الموجودة في ميتة وغيرها من النجاسات كظاهرة اجتماعية. شبيه كلام الاردبيلي في المكاسب المحرمة الذي مر بنا الان.

خلاصة المطلب: هذا تفسير صناعي فقهي واصولي ان هذه القواعد بالدقة قد تعتبر ارشادية او كاشفة او قل منبهة على ان أي باب تشمله هذه القواعد فيه ظاهرة اجتماعية ووجوب كفائي، مثل الجهاد انه شرع للدفاع في أي باب من الأبواب الفقهية فيدل على ان ذلك الباب فيه ظاهرة اجتماعية وفيه مسؤولية اجتماعية وفيه معلم اجتماعي وهوية اجتماعية.

نظير ما مر بنا امس ان زعماء الامامية طيلة قرن ونصف كانوا يسترخصون الدماء والاعراض والانفس بل حتى العتبة الشريفة المقدسة للكاظم والجواد سلام الله عليهما لحفظ شعيرة الشهادة الثالثة كي يحتفظوا بها في الاذان او تشهد الصلاة امام فتنة الطرف الآخر. هذه سيرة قطعية وليست فتوى قد تكون فيها مواربة او تقليص.

اذا استرخصوا الجهاد الدفاعي واعتبروه مشروعا بل لازم وواجب طيلة قرن ونصف حتى زمن الصدوق. لو كان الصدوق مشروعه في قبال الشهادة الثالثة كما يوهمه عبارته في الفقيه لكان جنب علماء الامامية في بغداد عنها لو كانت عنده مستحبا عاديا او واجبا فرديا عاديا والمفروض ان التقية تبيح لحفظ الدم. فهنا ما جعلوها من موارد التقية. موارد الجهاد الدفاعي تختلف عن موارد قاعدة التقية. لا يمكن التقية امام داعش. هناك تجري الجهاد الدفاعي لا التقية.

اذا هذه القواعد كقاعدة الجهاد و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وقاعدة حرمة الإعانة على الاثم وقاعدة حرمة التعاون على الاثم يستكشف منها الوجوب الكفائي لا انه تطبيق لها. يعني وجود الوجوب الكفائي موضوع لهذه القواعد لا ان الوجوب الكفائي في هذه الأبواب متولد من هذه القواعد الشريفة. حينئذ يجعل موضوعا لهذه القواعد.

هذه القواعد بمثابة «اطيعوا الله واطيعوا الرسول» يعني اطيعوا الله والرسول في ما امركم به والاوامر مفروضة وموجودة وهذه الآية لدعم الانقياد والطاعة. ولو كان الوجوب مؤسسا وليس ارشاديا.

شبيه جعل وجوب إقامة الحد على الخمر فلابد ان يكون حرمة الخمر مفروضة وكذلك حرمة الفجور لابد ان تكون موجودة كي تقام الحدود عليها. اصل وجوب إقامة الحدود ليست ارشادية ولا امضائية بل وجوب تأسيسي لكن فلسفته دعم وتقوية انقياد وطاعة الاحكام الأولية. هذه الأبواب الجهاد والشعائر وحرمة الاعانة وحرمة التعاون والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لدعم الحكم الموجود والوجوب الموجود في الظاهرة الاجتماعية. لان طبيعة هذه القواعد ظاهرة اجتماعية.

اذا تلخص ان أي مورد تجري فيه هذه القواعد الخمس او ست او اكثر في أبواب الفقه كاشفة انية على حكم في تلك الأبواب لا يقتصر على الوجوب العيني الفردي بل تلك الأبواب وظائف اجتماعية وهذا البعد اعظم عند الشارع بحيث يسترخص فيها الدماء والاعراض. ذلك البعد اعظم من الوجوب الفردي العيني.

هذه نكتة مهمة لتخريج صناعي لتعريف الوجوب الكفائي انه موضوع لجريان هذه القواعد واي باب يجري فيه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر نعلم ان الشارع لم يقتصر فيها على الحرمة العينية والوجوب العيني بل لاحظ فيها جانب الظاهرة الاجتماعية وهي اهم من الواجب الفردي العيني. هذا تخريج صناعي ذكروه في الفقه.

وكذلك قاعدة «اعدوا لهم ما استطعتم من قوة» نفس الكلام ومأخوذ في موضوعها الوجوب الكفائي في ذلك الباب وكذلك قاعدة الحدود ظاهرة اجتماعية وكذلك القصاص أبواب عديدة يرى ان الموضوع فيها بالدقة قبل اجراء هذه القواعد التأسيسية هو الوجوب الكفائي وفلسفة تشريعها دعم الوجوب الكفائي فيها وعند الشارع دار الايمان اهم من الوجوبات العينية في الايمان ودار الإسلام اهم عند الشارع من الوجوبات العينية حتى يسترخص فيها الدماء والانفس.

اذا ضروري ان الفقيه ان يلاحظ بعد المسؤولية العامة وظاهرة الاجتماعية والظاهرة السياسية في الأبواب وينقحها. لان ذلك البعد اعظم عند الشارع.

قضية رد الشمس لامير المؤمنين في قبال عدة من الصحابة واضحة انه رأى حراسة سيد الرسل اعظم من ان يؤدي الصلوات اليومية أداء. لان هذا هو الدين. من ثم كافأه الله برد الشمس لترجيح هذا الجانب الوجوب الكفائي واصل الدين على وجوب الصلاة اليومية.

ربما اكتسب فقهنا نتيجة أضواء فقهاء الامامية عن الحكم صيغ كثيرة عن الفقه الاجتماعي والان لا نعذر في ان لا ننقح هذا البعد في الأبواب لان هذا البعد اعظم عند الشارع فلا يعذر الانسان.

 

تعريف آخر للواجب الكفائي مذكور عند الاعلام في الفقه السياسي.

انا نشاهد ان وظائف الدولة مثل إقامة الحدود وإقامة العدل والقسط السياسي والاقتصادي وإقامة احكام الله (الحدود في مصطلح الوحي ليس فقط في حدود العقوبة وهذه نكتة لطيفة ان المراد من إقامة الحدود يعني إقامة كل احكام الله على صعيد الظاهرة الاجتماعية. «إقامة حد من حدود الله اعظم بركة على الأرض من مطر أربعين يوما» والمراد من الحدود يعني احكام الله وهذا نفسه منبه على ان المراد من قاعدة الحدود دعم الاحكام الأولية في الأبواب سواء بمنطق قاعدة التعذير او قاعدة الحدود دائما فيه بعد الظاهرة الاجتماعية. في اصطلاح الروايات والايات الحدود تطلق على كل حكم من الله وتطلق على الحدود العقوبة والتعذير.) ان وظائف الدولة في الجهاد والسلطة التنفيذية و القضائية والاعلام الديني والنشر الديني وإقامة التشريعات وكل وظائفها لا يمكن ان يخاطب بها عموم الناس.

«قاتلوا» والسارق والسارقة فاقطعوا» ما المخاطب في هذه الاحكام؟ فيه كلام. هل الائمة او نوابهم والفقهاء او الامة؟ هذا بحث مهتدم في الفقه السياسي الان في القرون الأخيرة سيما في الخمسين سنة الأخيرة ولعل من أبرع الجموع فيها ان الامة فيها وظيفة ذكرنا في كتاب النظام السياسي عند الامامية والحاكمية بين النص والديموقراطية هناك ذكرنا وهو الصحيح ان وظائف الدولة للامة مسؤولية تجاههها والحكام أيضا لهم مسؤولية تجاهها. مسؤولية الدولة الإدارة والاشراف ومسؤولية الامة اعانتهم على تلك الوظائف. فاذا الشارع في الأصل يقول «انزلنا الحديد ... ليقوم الناس بالقسط» لا الحكام يعني ان الناس لهم وظيفة في وظائف الدولة وهي اعانة الدولة في إقامة تلك الوظائف.

وظائف الدولة عامة في مجالات عديدة وبالتالي اذا هناك واجبات كفائية ادارتها على الحكام الصالحين والتعاون والتفاعل مع القاعدة الشعبية لعموم المسلمين وعموم المؤمنين. هذا أيضا يكشف ان بعد الواجب الكفائي بعد عظيم يصل الى اصل الولاية لله وللرسول ويرتبط باصل التولي لولاية الله وولاية الرسول وولاية ذوي القربى. هذه كلها وظيفة عامة واصل الولاية وليس شيء اعظم من الولاية. اذا بعد الوجوب الكفائي مهيمن على كل الاحكام والظاهرة الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية ستسأل عنها بحسب الأدلة وهي اعظم ما سيسأل عنه الامة.

في بيانات اهل البيت ان المدينة المنورة في زمن النبي كانت دار الايمان اما المدن الأخرى البعيدة مع انها كانت تحت قبضة الرسول كانت دار الإسلام وليست دار الايمان. هذه نكتة لطيفة في بيانات اهل البيت في الزيارات والروايات. كانت المدينة دار الايمان ودار الولاية ودار الإسلام اما المدن الأخرى كانت دار الإسلام الظاهري وليست دار الايمان.

هذا البعد الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية يدل عليها ان الولاية مهيمنة على الحج والصلاة. لذلك عمارة الحج ترتبط بالولاية وإقامة الصلاة مرتبطة بالولاية وإعلان الصيام بيد الحاكم والشارع وهو اصله امام.

هذه الأبواب العبادية اقامتها وتدبيرها بيد الامام ومع ذلك هي ظاهرة اجتماعية في مسؤولية الأمة. البحث فيها ضروري جدا ويفتح لنا باب الفقه المجتمعي وهو ضروري جدا تنقيح مسائله خصوصا انها عند الشارع اهم من الوظائف الفردية.

لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر والا سيسلط الله عليكم اشراركم» يعني عقوبة عاجلة في الدنيا لترك الوظيفة الكفائية لا لاجل ترك الوظيفة الفردية. النقمة في الوظيفة الكفائية اكثر من الوظيفة الفردية. الفقه المجتمعي اعظم من الفقه الفردي وان كان كل الاحكام لها قدسيتها لكن الكلام في ان ايهما اهم.

امير المؤمنين مثل سيد الرسول صلى الله عليهما وآلهما كان كل حياتهما في البعد الاجتماعي وكذلك اهل البيت.

ان شاء الله سنواصل الابعاد والزوايا الأخرى في هذا البحث لان هذا البحث منهج في الفقه.