الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ مبحث الأوامر/الوجوب الكفائي

 

كان الكلام في تعريف الواجب الكفائي ومر انه عرف في الفقه افضل بكثير مما عرف في علم الأصول وبكلمة ان الواجب الكفائي يشير الى المسؤولية العامة والى الفقه المجتمعي والفقه السياسي والاجتماعي وهلم جرا. فمن ثم هذا البحث في الحقيقة شديد الأهمية من هذه الجهة.

التعريف الخامس كان إعداد القوة.

التعريف السادس حسب كلماتهم قاعدة «تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان» في سورة المائدة

كيف هي معرّفة للواجب الكفائي؟

وكذلك قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة ثانية في تعريف الواجب الكفائي ومر بنا في الجلسة السابقة والان سنوضح انها كيف تعرّف؟

قاعدة ثالثة في تعريف الوجوب الكفائي قاعدة «حرمة الإعانة على الاثم او على القبيح» بغض النظر عن التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الاثم والعدوان»

قاعدة رابعة «قاعدة الشعائر» لها صلة بالواجب الكفائي وسنبين.

لنبدأ من قاعدة الشعائر:

قاعدة الشعائر دالة على ان الواجبات الفردية في ابواب العبادات والخيرات بعدها او الخيريات كالصدقة والاوقاف على ان الشارع عموما في هذه الأبواب لديه واجب جمعي وجماعي مجتمعي آخر. يعني وجوب الصلاة اليومية امر وإقامة الصلاة كظاهرة اجتماعية في المجتمع او في المساجد ولو فرادى واجب آخر. لا انه مستحب. فشعيرة الصلاة عند الشارع وجوبها اهم من الوجوب الفردي للصلاة.

مثالا آخر: وجوب حجة الإسلام او استحباب الحج في البعد الفردي الا ان الظاهرة الإسلامية والشعيرة الدينية للحج عند الشارع امر عظيم «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس» قياما للناس. يعني هذه الشعيرة لازم ان لا تعطل وفيها نصوص كثيرة حتى في زيارة النبي روايات ناصة كثيرة على وجوب إقامة شعيرة الحج وشعيرة زيارة مرقد النبي ومسجد النبي وليس فقط بالزيارة بل عمارة مسجد الحرام وعمارة قبر النبي ومسجد النبي. ولو احد الآليات المذكورة في النصوص سكنى المقيمين في المكة والمدينة. هكذا في النجف الاشرف وبقية قبور المعصومين ومنها الامام العاشر والحادي عشر ان السكنى و الجيرة واجب يصفه الامام الباقر في رواية صحيحة السند في الوسائل في أبواب الجهاد ان الجوار من الجهاد. لانه عمارة لهذه المراقد الشريفة.

فنلاحظ في هذه الأبواب ان بعد الظاهرة الاجتماعي الدينية المجتمعية اوجب عند الشارع من البعد الفردي. بعبارة أخرى معنى قاعدة الشعائر ان الواجب في هذه الأبواب ليس هو البعد الفردي فقط بل الأعظم والاساس هو الواجب الكفائي الجمعي وظاهرة اجتماعية.

من ثم في النصوص الواردة «ان ذي الجدة يجب عليه الحج كل عام» افتى بذلك الصدوق يعني بلحاظ الشعيرة وكشعيرة الحج تجب على اهل جدة. كلامنا في كل العبادات كالصيام والصلاة والجهاد ان الشارع يريد في هذه الأبواب العظيمة ان يركز على شعيرية هذه الأبواب وان هذه الشعيرية اعظم من الوجوب الفردي وكانما الوجوب الفردي مقدمة للظاهرة الاجتماعية.

ومن ثم الفقهاء كما نقل الشيخ البهائي افتوا بانه اذا لم ترفع مدينة من المدن اذان الاعلام في كل المدينة يجب ان تقاتل ويشرع الجهاد ضدهم حتى يقيموا هذه الشعيرة. يعني شعيرة الصلاة وشعيرة الدين الى هذه الدرجة انهم اذا فرطوا فيها يحل قتالهم. حتى السيد الخوئي ذكرها بشكل مسلم وكل الفقهاء.

الشعيرة يعني ان هذه الأبواب في العبادات لا تقتصر على الحكم الفردي بل العمدة فيها الوجوب الكفائي بحيث يحل قتالهم وتستباح دمائهم.

معنى قاعدة الشعيرة اذا ليست كما حررت الان وان كان هذا المعنى أيضا صحيح لكن لها معنى صناعي آخر وهو ان الشارع في هذه الأبواب عندما قال بشمولية قاعدة الشعائر لهذه الأبواب يريد ان يقول انها فيها بعد مجتمعي وظاهرة جماعية اريدها اعظم مما اريد من الاحكام الفردية. قاعدة الشعائر منبهة على وجود الوجوب الكفائي ووجود وجوب المسئولية العامة. قاعدة الشعائر هي منبهة على وجود موضوع في الرتبة السابقة يريده الشارع.

لذلك عندنا في أبواب الفقه دار الكفر ودار الإسلام ودار الايمان يعني معالم الايمان وشعائر الايمان بينة ومعلنة واضحة ولها احكام فقهية عند اعلام الامامية ان دار الايمان تختلف احكامها عن دار الإسلام.

 

لاحظوا: ان الصدوق عندما رفع البويهيون بالشهادة الثالثة في الاذان كان حيا وهذه القضايا قطعية وليست خبر الواحد الظني في مصادر الفريقين. رفع الدولة البويهية وكذلك الدولة الحمدانية في شمال العراق وشمال السورية متزامنا رفعوا شعار الشهادة الثالثة في الاذان سنة 352 او سنة 354. معز الدولة هو الذي جعل نفوذ الدولة البويهية في شمال العراق والفرات والاوسط وغيرها. هم رفعوا وصارت فتنة الطرف الآخر وسالت الدماء وكل سنة وكل سنتين وكل ثلاث وكل خمس سنوات بدأت من 352 يعني العشرين سنة الأولى في الغيبة الكبرى رفعت شعار الايمان في مدن كبيرة وبدأت تلك الفتنة من الطرف الاخر. وسببت فتن دموية وكل مصادر الطرف الآخر ذكرتها وقطعية.

خمس او ست موسوعات تاريخية مزامنة عند الطرف الآخر صدّقت هذه الاحداث والصدوق كان مفتي الدولة البويهية وابدا لا يمكن ايعاز الصدوق من هذه الاحداث. نعم ان البويهيين ما كانوا رجال الدين لكن من يسيسهم كان رجل الدين. فواضح ان هذه كانت ازمة الصدوق والشيخ المفيد يذكر في كتابه تصحيح الاعتقاد ان الصدوق حملنا قضايا فوق طاقتنا. انظروا كلام الصدوق ان المجلسي الأول يقول كيف لا يلتفتون ان كلام الصدوق في كتاب الفقيه تقية محضة لانه كان وراء كل هذه الأمور مضافا الى القرائن الموجودة في كتبه كثيرا حتى نفس الكتاب الفقيه. لانه كتبه في السمرقند والبلخ تحت ظل حاكم من طرف آخر. وكانت القضايا مشتعلة في ذلك الزمان. فمن ثم تقية يريد ان يتخلى من هذا الموقف.

الصدوق بعد اربع سنوات من بدء الفتنة الدموية زار بغداد في المرة الوحيدة في طريقه الحج واجتمع عنده ابن قولويه والشيخ المفيد وكثير من شيوخ بغداد اخذوا إجازة منه. وكان هذه الاحداث في مرأى ومنظر الصدوق في بغداد. لماذا لم يأخذ موقفا؟ لا الصدوق ولا ابن قولويه ولا بعدهم الشيخ المفيد ما اخذوا موقفا خلافهم مع ان الاحداث والفتن كانت جارية في زمنهم كل ست سنوات او خمس سنوات او ثلاث سنوات.

هذه سيرة قطعية والكتب شيء والسيرة القطعية لاعلام الامامية شيء آخر. طيلة تلك الزمن من فترة الصدوق الى مرجعية ابن قولويه و المفيد والسيد المرتضى وتلاميذ السيد المرتضى والشيخ الطوسي في زمن ان الفتنة لم تهدئ ولم يردع علماء الامامية المؤمنين عن التصلب في حمل هذه الشعيرة. تصويرها الفقهي ما هو؟ هذه ظاهرة ليست بسهلة. الشيخ المفيد في ظل هذه الفتنة ابعد مرتين الى بغداد. مرجع اعلى وزعيم الطائفة مع ذلك لم يردع المؤمنين عن التمسك والثبات. هم يرون في الشهادة الثالثة معلم وهوية نفس ما استشعر السيد محسن الحكيم ان هذه الشعيرة والشهادة الثالثة لها بعد غير الفردي بل لها وجوب مجتمعي وهوية دينية يصر الشرع عليها ولو استلزم بذل الدماء والاعراض والنفوس فكانوا يعتبرونها بيضة الايمان واساس الايمان. كما انه حدث في زمن السيد محسن الحكيم في بغداد في الفتنة في الكاظمية مع ذلك لم يقل السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي ولم يفتوا بالتراجع عن الشهادة الثالثة في الاذان. ان النكتة هي ان الشهادة الثالثة ليست بعدا فرديا بل الاوجب من ذلك تبذل لها الدماء والنفوس والاعراض انها طابع دار الايمان ولو جرت الدماء ولو ابعد المرجع الأعلى من بغداد ثلاث مرات. يسترخص كل ذلك في سبيل هذا الوجوب.

احد الأصدقاء من المحققين عرف ان السيد المرتضى أيضا ابعد الى شيراز وسجن فيها في مرجعيته العليا. هذه المصادر موجودة عندنا. مع ذلك لم يفت بالتراجع الى الشهادة الثالثة.

الى ان وصلت القضية الى زعامة الشيخ الطوسي سنة 443 وهدم قبر الكاظم والجواد في هذه الفتنة ونبش قبرهما لأجل اخراجهما منها على أساس ان ينقلوها الى مكانهم كي يكونا لهم لا للشيعة. لكن لم يقدروا الوصول الى القبرين الشريفين وهذه معجزة من الله. والا ما كان بقوة ومنع المؤمنين. هذا حدث في زمن الشيخ الطوسي مع ذلك الشيخ ما منع عن الشهادة الثالثة في الاذان في المجتمع.

شبيه موقف الامام الهادي سلام الله عليه مع المتوكل لعنة الله عليه انه هدم قبر الحسين سلام الله عليه مع ذلك الامام الهادي لم ير جواز قطع شعيرة زيارة الامام الحسين بل بالعكس اخذ يحث اكثر فاكثر. هذا يعني ان الامام الهادي ان زيارة قبور المعصومين سيما الامام الحسين جهاد ويبذل فيها الغالي والرخيص واعظم من الجهاد للعرض والنفس بل هذا بيضة الدين. هكذا موقف الامام الهادي. وهكذا موقف الشيخ الطوسي وعلماء الامامية.

الشيخ الطوسي بعد هذه الحادثة بقى خمس سنوات ولم يردع المؤمنين والفتنة كانت متواصلة الى ان وصلت القضية الى سنة 448 وهم حرقوا بيت الشيخ الطوسي ومكتبه فاضطر ان يهاجر الى النجف الاشرف.ولم يردع المؤمنين عن التثبت والثبات.

بعد نزوح الشيخ الطوسي في 448 مكث في النجف 12 سنة وتوفي. في هذه الفترة لم يردع المؤمنين. ومن اتى بعده من المراجع للشيعة لم يردعوا.

اذكر ان ظاهرة الشعيرة انهم لم يروا في الشهادة الثالثة واجبا فرديا بل رأوها ظاهرة ايمانية يجب ان تكون معلما.

ملخص هذا الوجه: ان قاعدة الشعائر الكفائية كاشفة عن الأبواب التي تجري فيها قاعدة الشعائر فيها وجوبات كفائية تمص اصل الايمان واساس الايمان او أساس الإسلام وان تلك الأبواب لا تقتصر على الوجوب الفردي ابدا بل الأعظم فيها الوجوب الكفائي.

اذا عرفنا الوجوب الكفائي بدليل اني وهو قاعدة الشعائر . من ثم نستطيع ان نقول ان قاعدة الشعائر منبهة واضحة على وجود واجب مجتمعي جماعي مسؤولية عامة تبذل فيها الدماء والاعراض والنفوس. لا انه وجوب عادي. بل وجوب يرجع الى أساس الدين واساس الايمان.

النراق يقول ان فتوى الشيخ الطوسي من عمل بهذه الروايات غير مأثوم حث من الشيخ الطوسي بالعمل لهذه الروايات. هذه استظهار النراقي في مستند الشيعة لكلام الشيخ الطوسي بلحاظ ان كلامه بسبب الفتنة.

فهذا احد التعريفات للوجوب الكفائي.

ان شاء الله نواصل في القواعد الأخرى. كلها تصب في بيان الواجب المجتمعي والجماعي والمسؤولية العامة.