45/10/18
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/
إتمام البحث في ذيل الواجب التخييري
التخيير بين الأقل والاكثر
كان الكلام في ذيل الواجب التخييري انه كيف يمكن تصوير التخيير الشرعي بين الأقل والأكثر.
البعض فصل بان الأقل اذا كان ممتدا مثل الخط اذا امر بكتابة خط او قراءة خطبة يمكن تصوير ان الأقل بحده واجب والأكثر بحده واجب. مثلا في خطبة صلاة الجمعة لا يقال ان الأقل بحده واجب لو اتى بخطبة مطولة بل كل الخطبة واجبة وهنا لا يتصور ان يقال ان الأقل واجب فقط. كانت خطبة النبي لم تتجاوز صفحة واحدة غالبا ولكن كانت مركزة ومؤثرة خلاف ما هو عادة أئمة الجمعة فكلها واجب لا ان بعضها واجب والباقي مستحب. لان طبيعتها ممتدة يعني مادامت الخطبة مستمرة فمجموعها خطبة واحدة وليست خطبتين او خطبة مصغرة والباقي مستحبة. فالاقل والأكثر الارتباطي تصوير التخيير فيه متيسر.
هذا بخلاف الأقل والأكثر الاستقلالي ان تصوير التخيير ليس فيه سهلا لكن مع ذلك ليس بشيء ممتنع فيمكن تصوير التخيير فيه ان الأقل بحده تصور فيه الوجوب وكذلك الأكثر ويمكن تصوير بشرط لا او لا بشرط وهذا التصوير يستكشف من شواهد وقرائن الأدلة وقابل للتصوير. فاذا امر ممكن ومتصور.
نعم لو كنا نحن والظاهر الاولي في موارد الأقل والأكثر الاستقلالي يمكن ان يقال ان الظاهر ان الواجب هو الأقل والزائد مستحب وليس التخيير ممتنعا بان يكون بين المتباينين لكن بحسب الظهور الاولي يحكم بوجوب الأقل واستحباب الأكثر.
حينئذ صاحب الجواهر وصاحب الرياض عندهم في أجزاء الصلاة ليس من قبيل الأقل والأكثر بل عندهم من قبيل التخيير الشرعي في تشهد الصلاة او في تسبيحات الثالثة والرابعة ومن ثم يمكن ان ينسب الى صاحب الرياض انه يذهب الى الوجوب التخييري للشهادة الثالثة حسب ما نبه على مقتضى هذا المذهب صاحب الجواهر في مبحث التسليم ونبه على ما ذكره في التشهد من أن استحباب التشهد الوارد في الفقه الرضوي من التخيير الشرعي وليس بنحو وجوب الأقل واستحباب الأكثر. وصاحب الرياض ممن يعتمد علي الفقه الرضوي كثيرا اذا لم يكن فيها اعراضا او معارضا. فمن ثم نسبة الفتوى الشهادة الثالثة اليه صحيحة بل التخيير الشرعي صحيح على حذو ما نبه اليه تلميذه صاحب الجواهر.
هذا بالنسبة الى التخيير الشرعي بالنسبة الى الأقل والأكثر او ما ظاهره الأقل والأكثر وهو قابل للتصوير بحسب الشواهد والقرائن.
الكلام في الوجوب الكفائي
تعريف الوجوب الكفائي في الاصول
الاعلام غالبا يعطفون الكلام في تعريف الواجب الكفائي على ما ذكروه في الواجب التخييري غاية الامر ان التخيير في الواجب التخييري في المتعلق كالصيام او الاطعام او العتق، بينما التخيير في الواجب الكفائي في نفس المكلف. من ثم قالوا ان كل ما ذكر من الوجوه في الواجب التخييري بعينها تشمل الواجب الكفائي حذو النعل بالنعل. ونفس الإشكالات والاشتراطات بلاحاجة للتكرار.
غاية الامر السيد الخوئي باعتبار انه في الواجب التخييري عبر بوجوب احدهما عنوانا او احدهما خارجا، استبدل هذا العنوان في الواجب الكفائي بعنوان العموم البدلي في المكلف. وقال ان هذا العموم البدلي في الحقيقة هو نفس عنوان احدهما ولكن هنا نسميه العموم البدلي.
هنا عموم بدلي في المكلف وفي الوجوب التخييري عموم بدلي في المتعلق فإما عتق رقبة او اطعام مساكين او صيام شهرين فهناك بدلي في المتعلق لكن لم يسموه البدلي لانه ليس هناك جامع مشترك فلم يصفه بالعموم البدلي بل قال عنوان احدهما لكن في الوجوب الكفائي باعتبار ان هناك جامع حقيقي وهو المكلف او الانسان عبر بالعموم البدلي.
هذا تمام الكلام عند الاعلام في علم الأصول. طبعا هذا التعريف الذي ذكره السيد الخوئي وان كان تعريفا في الجملة صحيح لكن ليس تاما من تمام الجهات وغير مطرد في الواجب الكفائي كما سنبين ان شاء الله.
قد مر في الواجب التخييري ان مجموع التعريفات صحيحة لان كل تعريف يشير الى زاوية من حقيقة الواجب التخييري.
تعاريف الواجب الكفائي في الفقه
اما كلام الاعلام في الفقه فهو امتن بكثير مما ذكروه في علم الأصول وحقيقة الواجب الكفائي ربما نجدها في الأبواب الفقهية امتن واكثر واقعية وحقيقة واكثر غورا مما ذكروه في علم الأصول و هذه الظاهرة لابد ان نلتفت اليه ان المسألة الأصولية التي هي عنصر مشترك في الأبواب الفقهية كثيرا ما تلمس ابعادها بغور في علم الفقه اكثر من علم الأصول لانه استجلبت من علم الفقه الى علم الفقه. لانهم رأوها ان هذه ظاهرة استنباطية متكررة فجلبوها وادرجوها في علم الأصول. على كل ان التطبيقات الفقهية في المسألة الأصولية اكثر غورا لحقيقتها من تجريدها في علم الأصول. هذه نكتة.
التعريف الاول
الذي ذكروه في مجموع كلمات الاعلام في علم الفقه عن الواجب الكفائي بحث خطير ومهم انه ليس قسما من الواجب فقط بل الواجب الكفائي عبارة عن الفقه المجتمعي والفقه النظامي والاحكام التشريعية المرتبطة بالنظام المجتمعي او النظام السياسي او النظام العبادي او النظام الاقتصادي او النظام الزراعي.
بعبارة أخرى ان عندنا احكام مرتبطة بالانظمة والنظم وهذا تعريف عظيم للواجب الكفائي. ان الواجب الكفائي حقيقته عبارة عن فقه الأنظمة. فالفارق جوهري جدا بين الواجب العيني والواجب الكفائي وهو الفارق بين الفقه الفردي والمسئوليات الفردية والفقه المجتمعي والنظمي وهذا شيء كبير جدا. ونستطيع ان نقول انه منهج الاستنباط.
التعريف الثاني
تعريف آخر نصطاده من كلمات الاعلام في الفقه التي متشددة ومتوزعة في الأبواب لكنها حري بالتتبع لان هذا البحث ليس في اقسام الواجب فحسب وانما هو نظام فقهي مغفول عنه. فيه فرق بين النظام الاقتصادي والمسألة الاقتصادية وفيه فرق بين النظام السياسي والمسألة السياسية التي ترجع الى مسؤولية فردية.
على ضوء هذا التعريف الأول الذي ذكرناه تعريف آخر وهو ان الواجب الكفائي ما كان موضوعه او متعلقه «ليس كما قيل ان الفارق بين الكفائي والتخييري هو الموضوع والمتعلق بل الكفائي ايض له صلة بالمتعلق وله صلة بالموضوع» مرتبط بالامر المتجمعي او البيئي او النظمي فهذا أيضا واجب كفائي. فرق جوهري كبير بخلاف الواجب الفردي.
تعريف ثالث:
ان الواجب الكفائي عبارة عن المسئولية المشتبكة والمشتركة بين المكلفين. كل ما كان المسؤولية مشتركة ومشتبكة فهذا واجب كفائي. طبعا هذا بعد من ابعاد الفقه النظمي والفقه المجتمعي والجماعي.
المشتبكة يعني اني لست مسؤولا عن نفسي فقط بل مسؤول عن البقية أيضا. «قو أنفسكم واهليكم نارا»
في باب ولاية الرحم من باب المثال الانسان ليس فقط مسؤولا ان يصل رحمه بل مسؤول عن مسؤولية رحمه. مثلا في رواية عن رسول الله : «يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما» مع ان الاب حقه كبير على الابن لكنه مسؤول على ان يهيئ جوا ان لا يعق ابنه والعكس كذلك والارحام أيضا هكذا.
اذا تلاحظون طبيعة الواجب والمقدار الواجب في صلة الرحم عجيبة وغريبة. يعني انت لست مسؤولا عن تصله فقط بل مسؤول ان تهيئ جوا وارضية بحيث هو يصلك ولو قطعك يلزم ان تصله وتعالج القطيعة له. «ان الله يثيب على صلة الرحم الرزق وطول الاعمار وكثرة البركة وكثرة العدد وغيرها ولو كانوا كفارا. واذا تداور الارحام وقاطعوا قصر الله أعمارهم وسلبهم الرزق والبركة وكثرة العدد ولو كانوا مؤمنين. هذه خاصية في صلة الرحم. فالمسؤولية في صلة الرحم عجيبة. هذا نوع من الواجب الكفائي.
اذا طبيعة الواجب الكفائي مسؤولية مشتبكة ومشتركة والمشتبكة بمعنى انه منه والى غيره ومن غيره اليه. الشركة لها أنواع وقوالبها أنواع لكن هذه الشركة بنحو المشتبك. هذا التعريف الثالث.
التعريف الرابع:
بما ينطبق على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا ان الواجب في باب الامر المعروف والنهي عن المنكر كفائيا فقط بل هو شيء آخر. طبيعي ان الواجب في هذا الباب كفائي لكن هذا التعريف الرابع يقول شيئا آخر. يقول ان أي باب واي حكم يشمله الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التفت الى ان في ذلك الباب وجوبا كفائيا غير الوجوب الفردي. أي ان ذلك الباب ليس فقط فقها فرديا بل فقه مجتمعي. فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر عبارة أخرى صناعية عن بيان الواجب الكفائي في الأبواب. لان انه باب فقهي على حدة في قبال الأبواب الفقهية. المراد من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني ان كل هذه الأبواب التي تشمل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تشير الى وجود واجب كفائي في تلك الأبواب وليست تقتصر علي الوجوب الفردي. هذه نكتة جدا مهمة.
هذا المطلب يبدل جوهر تبويب الفقه وجوهر تقسيم الاحكام بنظم اداري بديع ذكره الفقهاء سيما في كلمات الاعلام في المكاسب المحرمة. هذه المباحث مرت علينا في المكاسب المحرمة.
التعريف الخامس:
يجب ان تكتب رسالة في التعاريف لانها ترتبط بمناهج الاستنباط وترتبط بفقه النظم ومواد أبواب الفقه وكلمات الفقهاء. الان نحن في صدد نقل فهرسة اثارات الاعلام.
هذا التعريف يقول ان الواجب الكفائي فرقه عن الواجب العيني ان الوجوب الكفائي ما يرتبط بإعداد القوة والقدرة على الفعل يعني انه في الواجب الفردي العيني غالبا القدرة قيد التنجيز. ففي القدرة العقلية القريبة يجب تحصيلها لكن القدرة الشرعية او القدرة العقلية البعيدة لا يجب تحصيلها في الواجب العيني اما الواجب الكفائي إعداد وتمهيد ولو بعد الطريق ويجب تحصيل القدرة. يعني عبارة أخرى عن قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» من هذا القبيل. قوة اقتصادية وقوة زراعية وقوة امنية وقوة عسكرية وقوة مصرفية. اليهود ما زالوا متفوقين على كل البشر في علم المصرف وعلم المال وآخذون بحلقوم كل الدول العظمى. ليست دولة عظيمة الا وحلقومها بيده لتجارب 3500 سنة. هذا تراث قارونية وفكر قارونية يتوارثونها ولا ينشرونها في الجامعات ولا في الكليات. هذه علوم يرثها كابر عن كابر عندهم حصريا عند أوائل خاصة من اليهود. لذلك البنك الدولي اليهودي او مؤسسة النقد الدولية يهودية بصرف. هذا إعداد القوة طويل الأمد بلا كسل ولا ملل. مع انهم في كل الدول أقليات الا انهم يستحوذون لانهم في العلوم الإدارية تراث متراكمة. في النظم الإداري تراث 3500 سنة. هذا ليس قضية المبالغة بل حقيقة.
فالواجب الكفائي انه لابد من الإعداد في الف سنة حتى ظهور صاحب الزمان لا من جهة نفسه الشريف بل من جهة المؤمنين. اذا الواجب الكفائي سنخ آخر لابد ان تعد القوة.
هذه التعاريف كلها مغفول عنها. الكفائي باب آخر عظيم يجب الالتفات اليه.
ان شاء الله نستمر في نقل تعريفات الاعلام.