45/10/15
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/
كنا في الاقوال حول حقيقة الواجب التخييري ومر بنا قول الاشاعرة وقول المرحوم الآخند والاشكاليات عليه وكيفية دفعها
القول الثالث: ما التزم به المرحوم الاصفهاني من ان الوجوب التخييري هو وجوب تعييني في الخصال وكل له ملاك ملزم. والتخيير من جهة مصلحة التسهيل فايجاب مجموع هذه الواجبات فيه عسر وحرج ليس من قاعدة العسر والحرج المعروف بل العسر والحرج في فلسفة التشريع كما يقول سيد الأنبياء : «بعثت بالشريعة السمحة السهلة» وهي قاعدة الحرج من نوع آخر في مراحل الجعل ومراتبها. فاذا يخير من هذا الباب والا هو وجوب تعييني.
او لأجل ان هناك تضاد في وجود المصلحة في كل خصلة. فهو وجوب تعييني لكن اذا وجد احدهما بالمصلحة فالآخر يوجد بدون المصلحة فتقدر ان تسميه التضاد في المصلحة وليس تضادا اصطلاحيا بل تضاد في الملاكات.
الاشكال عليه
هذا التقريب اشكل عليه بانه على الشق الثاني كيف يتصور التضاد في الملاكات مع ان الأفعال التي تتضمن المصلحة ليس بينها تضاد.
رد الاشكال
لكن هذا قابل للتصوير مثل ما ذكروه في باب الإجزاء مثل ان يريد واحد وجبة غداء فإذا جاءوا بنوع من الطعام واكله فيعدم المصلحة في باقي الأطعمة وان كان لكل منها مصلحة في نفسه. او كالعطش انه يعدم بماء واذا يستوفى المصلحة بواحد منها فينعدم قابلية المحل لاستيفاء الجانب الآخر. فقابل للتصوير.
الاشكال الثاني
على الشق الأول اذا كانت الواجبات تعيينية فايتاء كل منها لابد أن يكون على صفة الوجوب التعييني وهذا خلاف ما هو المشهود من الوجوب التخييري انه ليس كلها بصفة الوجوب.
رد الاشكال
هذا قابل للتأمل لان هناك من ذهب الى الوجوب التخييري ان من اتى بكل الخصال كالنيابة في الاطعام والاعتاق مع صومه بنفسه فبالتالي يقع كل منها على صفة الوجوب فقابل للتصوير.
لكن هل الواجب التخييري هو ما ذهب اليه المرحوم الاصفهاني بالضرورة؟ هذا بحث آخر. ولكن كشيء امكاني لا مانع منه.
القول الرابع: نظرية المحقق التقي والمرحوم العراقي
هذا التصوير الذي ذكره المرحوم الاصفهاني يقترب من نظرية أخرى للمحقق التقي وعنده في الواجب التخييري والواجب الكفائي نفس الكلام واختار هذه النظرية المرحوم العراقي.
هما يقولان ان الواجب التخييري هو نفس الواجب التعييني من حيث تعلق الحكم بالخصال. وهذا الحديث بعينه يأتي في الكفايي من الاقوال والنقض والابرام غاية الامر هناك من حيث المكلف وفي التخييري من حيث الفعل.
يقولان ان الحكم يتعلق بالاطعام ويتعلق بالصيام ويتعلق بالعتق مثل الواجب التعييني وليس بتلك التصويرات بشرط الترك او ما سيأتي بعد من النظريات الأخرى. بل يقول انه يتعلق بها كالواجب التعييني تماما.
لكن باعثية الوجوب التخييري اخف من باعثية الوجوب التعييني. الوجوب التخييري سد العدم لكن ليس كل الأبواب فيه لكن لابد من حصول احدها فلا يبعث بنحو بت وحتم نحو كل الخصال مثل التعييني بل هو سد العدم من بعض الجهات. يعني كانما هي تفسر النظريات الأخرى التي تذكر قوالب الوجوب التخييري ويقول ان هذه انتزاعات عقلية لترسيم درجة تعلق حكم الوجوب التخييري في وجوب الخصال انها درجة ليست اكيدة فينتزع منها انها بشرط ترك الآخر ومن هذا القبيل. وفي الكفائي أيضا كذلك.
هذا الوجه أيضا لا بأس به لكنه لا ينفي الاقوال التي مرت وستأتي لكنه تصوير بعد من الأبواب الوجوب التخييري وسيأتي ان هذا الكلام في الكفائي أيضا يجري ولكنه سيأتي ان الكفائي على خلاف ما اشتهر وسيأتي البحث فيه.
الفرق بين النظرية الثالثة والرابعة
هو عالج كيفية تعلق الحكم والوجوب بالخصال والمرحوم الاصفهاني عالج هذا البعد بشكل مجمل لكنه كان نظره على الملاك الموجود بنحو تعييني في كل الخصال.
جريان البحث في عدة مباحث
مر بنا ان البحث هنا ليس فقط في التخييري بل في الكفائي والتزاحم والتعارض والاجتهاد والتقليد. يعني في أبواب عديدة يبحث عن حقيقة التخيير وان كانت هي من أنواع واسناخ مختلفة. تارة بلحاظ مراحل الحكم يتعدد التخيير بتعدد مركز التخيير بلحاظ مراحل الحكم. يعني تارة في مقام الامتثال وتارة في مقام التنجيز وتارة في مقام اصل تعلق الحكم وتارة في مقام مبادئ الحكم. شبيه بحث التزاحم انه يتعدد سنخه ونوعه بلحاظ مركز التزاحم وان كان العنوان الجامع يعبر عنه التزاحم لكن سنخه يختلف بلحاظ مراحل الحكم.
القول الخامس:
ان يقال ان الواجب احد الأفعال. اختاره السيد الخوئي.
طبعا احد الأفعال او احد المكلفين في الكفائي تصور بنظريتين او بمقولتين. تارة المراد ان المتعلق عنوان الاحد غاية الامر انه مضاف الى الخارج. وتارة المراد هو المحكي بالأحد لا العنوان الحاكي. واكثر التصويرات لاحد الخصال ولاحد المكلفين مرادهم الاحد بلحاظ المحكي وليس بلحاظ الحاكي.
لكنها نظريتان نظرية بلحاظ المحكي ونظرية بلحاظ الحاكي ومتقاربتان جدا.
على نظرية المحكي فالحكم لا يتعلق بعنوان احدهما بل يتعلق بالمحكي في الخارج لكن على نحو البدل وعلى النظرية الاخرى يتعلق بعنوان احدهما العنواني. وهذا نوع من الترديد. التخيير مع الترديد تقريبا توأمان كما يبحث الاعلام في تفسير العموم البدلي وهو تخيير أيضا وفيه كلام في تصويره وتترتب عليه آثار وكذلك في مبحث العلم الإجمالي ما هو المتعلق والمعلوم بالاجمال وله آثار.
المرحوم الاصفهاني في كل الأبواب التي فيها بحث الترديد في شرح المكاسب ونهاية الدراية يقول ان الترديد ممتنع في الوجود لان الوجود تشخص وتعين. فاذا كان المراد المعنون الخارجي فالخارج تشخص خارجي وان كان المراد هو الترديد في الماهية فممتنع لان الماهية كيف تتردد كانما تكون الذاتيات داخلة وخارجة. فالترديد لا على ساحة الوجود صحيح ولا على ساحة الماهية والمفاهيم صحيح. اذا هذا الترديد مجرد وهم وخيال. عادة في الفلسفة هكذا بحثوا.
بينما في قباله منهم السيد الخوئي يبني على ان الوجود والماهية صحيح أنها ليس فيهما ترديد لكن في انطباق المفاهيم على الوجود الخارجي ترديد. هذا شق ثالث وفي الانطباق وليس في الوجود ولا في الماهية.
الشاهد على ذلك انه في العلوم الاجمالية علم الانسان يتعلق بعنوان احدهما. هذه النظرية بعينها التزمنا به في الفرق بين حقيقة الاعتبار والمفاهيم الحقيقية التكوينية. التزمنا به أخيرا. ان الاعتبار مفهوم تكويني ووجوده معنون تكويني الا انه لا وضوح له في انطباق العنوان على الوجود بتفاصيله فيصير مرددا او مشبها. حقيقة الاعتبار هو هذا فالاعتبار هو ادراك تكويني لكنه ليس فيه تفاصيل صورة المعنون ولا العنوان يكشف كل ملابسات المعنون. فهذا يقودنا الى ان عالم الاعتباريات ليست جزافا وليست كالخيال بل ادراكات تكوينية مبهمة ومجملة. ولها شواهد كثيرة على هذه النظرية.
المهم رد على اعتراضات المرحوم الاصفهاني ان الترديد ليس في الوجود ولا في ذاتيات الماهية وذاتيات المفهوم بل في انطباق العنوان من قبل المدرك على المعنون فالترديد قابل للتصوير وبالتالي هذه احد الصياغات ان يقال احدها.
السيد الخوئي اصر على هذه النظرية بانها اصح النظريات وهي مطابقة لظهور الأدلة في باب الواجب التخييري. وهذا الالتزام لا بأس به ولكنه لا ينفي الوجوه الأخرى التي يلتزم بها الاعلام وبالتالي هي متقاربة ومتطابقة لكنها من زوايا عديدة أخرى والصحيح هو هذا.
هذا الذي ذكر في الواجب التخييري يذكر برمته في الواجب الكفائي لكن فيه خطأ سيأتي في الواجب الكفائي من ان الكفائي فيه خصوصيات شرحها الاعلام في المكاسب المحرمة اكثر منها في الأصول وسنذكر كلماتهم. فليس كل ما ذكر في التخييري برمته يذكر في الكفائي وفيه خصوصية ممتازة. الا ان ما ذكر من الاقوال تجري في الكفائي.
التخيير في الأقل والاكثر
بقيت مسألة في التخييري وهذه المسألة أصبحت معركة اراء عند تلاميذ الوحيد البهبهاني الى يومنا هذا.
هل الواجب التخييري الذي مر تصويره والاقوال فيه يتصور في الأقل والأكثر ام لا؟
الثمرة انه اذا بني على التخيير يعني أن الأكثر بحده واجب والاقل أيضا بحده واجب ومن جانب آخر ان الحد الذي لا هو اقل ولا هو اكثر قد يقال انه ليس مجزئا لانه لا هو اقل ولا هو اكثر. من صاحب الرياض أستاذ صاحب الجوهر وتلميذ الوحيد البهباني وتلميذ صاحب الحدائق وغيره في مسألة التسبيحات الأربعة في الركعة الثالثة والرابعة افتوا بانه لو اتى باثنتين لم يأت بالواجب. لا هي واحدة ولا هي ثالثة فلا يجزئ. لانه لا يعتبرون ان الأقل واجب والزائد مستحب بل يقولون ان الأقل بحده واجب والأكثر بحده واجب وكثير من الاعلام كتبوا رسائل عديدة في هذه المسألة.
من ثم صاحب الجواهر في كتاب الجواهر في تشهد الصلاة ذهب الى استحباب الشهادة الثالثة فتوى واستنادا الى الفقه الرضوي كصاحب الرياض والنراقي ومفتاح الكرامة وصاحب الحدائق ومدرسة الوحيد البهبهاني تقريبا كلهم يفتون باستحباب الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة. صاحب الجواهر عندما يفتي بهذا في تشهد الصلاة لما يصل الى التسليم هناك يتنبه ان مبناه في الأقل والأكثر تخيير فيقول كما نلتزم ذلك في التسبيحات الأربع فنلتزم بذلك في صيغة السلام ونلتزم بذلك في صيغ التشهد ان المجيء بالشهادة الثالثة وامثاله من الحد الأكثر واجب تخييري وليس مستحبا. فليتزم في الشهادة الثالثة بالوجوب التخييري وكانما يسنده الى صاحب الرياض لان عندهم الأقل والأكثر في الواجب تتصور. وشواهد عندهم. والذين يقولون بالوجوب التخييري متشددون جدا. فعندهم وجوب تخييري. من ثم نص صاحب الجواهر على الوجوب التخييري وينسبه الى استاذه صاحب الرياض.
بحر العلوم يقول يصرح بالاستحباب في كتاب ترددات الشرائع او مصابيح الظلام لكن في المنظومة يذهب الى الوجوب. فاذا هذا المبحث هو نفسه ان الأقل خيار للوجوب والأكثر خيار آخر من باب التخيير الوجوبي وليس من باب ان الأقل واجب والأكثر زائد مستحب.
سنواصل هذا المبحث ان شاء الله في الجلسة اللاحقة.