الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/

 

الاقوال في الواجب او الوجوب التخييري في مقابل التعييني متماثلة الى حد ما مع الاقوال في الواجب الكفائي في مقابل العيني وفيه زوايا مختلفة أيضا.

الاشاعرة والمعتزلة الذين نظريتهم قريبة بالتصويب قالوا ان الواجب ما يختاره المكلف في علم الله ولكن هذا القول شبيه بالتصويب لانهم يجعلون الواقع لا تعين له كما في بحث التصويب ان الواقع ما سيستنبطه المجتهد او يفتي به الفقيه.

يرد عليها ما ذكر في التصويب ولاحاجة للمكث في هذه النظرية.

نظريات العدلية والامامية

نظرية صاحب الكفاية: ان الواجب هو الجامع بين خصال الواجب التخييري كخصال الكفارة. فالواجب هو كلي طبيعي بين عتق الرقبة واطعام ستين مسكينا او صيام ستين يوما. والتخيير صورة شرعي لكنه عقلي كشف عنه الشارع.

هذا فيما اذا كان جامع بينهما والا فيكون كل من الصيام والاطعام والعتق ملاكاتها متباينة فحينئذ يأخذ وجوب كل منهما بقيد ترك الآخرين فتتعدد الوجوبات المقيدة. هذا تصوير لصاحب الكفاية.

هذا التصوير في الشق الأول من انه جامع عقلي وبالتالي غير عرفي وغير ملتفت اليه فكيف يكون متعلق الحكم. لكن ليس من الضروري ان يكون متعلق الحكم مبرزا. هكذا اشكل على الشق الأول ان هناك ملاك واحد في طبيعة واحدة بين الخصال فكانما هو صورة تخيير شرعي لكنه لبا تخييري تكويني او عقلي.

فرق بين التخيير العقلي والتخيير التكويني. التخيير العقلي يعني ادراك العقل والتخيير التكويني يعني الواقع الخارجي سواء ادركه العقل او لم يدركه. بالتالي هو تخيير تكويني او عقلي بمعنى. المهم في مباحث الأصول فرق بين الدليل العقلي وبين الظاهرة التكوينية.

في الشق الثاني الملاكات متعددة لكن ملاك الأول مشروط بعدم المجيء بالثاني والثاني مشروط بعدم المجيء بالثالث فكل منهما مشروط بعدم الاخر. فصيغة القيود المذكورة لتصوير الواجب التخييري وصيغة القوالب المذكورة يلزم عليه عدة إشكالات ذكره الاصوليون في مبحث الاجتهاد والتقليد ومبحث التعارض وفي مباحث أخرى شبيهة بهذا المبحث.

لانه في التعارض كيف يتصور التخيير الشرعي؟ احد التصويرات التي ذكرت هناك هي هذه التصوير. وكذلك عند تعارض فتاوى المجتهدين من الفقهاء سواء مع التساوي او مع اختلافهما فلا يتساقط فالمشهور قائلون بالتخيير في التقليد. كذلك نفس الكلام كيف يمكن تصوير التخيير في الفتوى والحجية والتقليد.

المهم مبحث التخيير الشرعي ورد في أبحاث متعددة واحد تصاويره هو هذا القالب يعني بشرط عدم المجيء بالآخر.

وكذلك مبحث الضد يبحث فيها عن التخيير كما مر بنا وابواب عديدة أيضا يبحث فيها عن التخيير الشرعي. واحد التصاوير المعهودة ان يقيد قالب كل عدل بعدم الاتيان بالبقية.

لكن هناك إشكالات متكررة على تصوير التخيير الشرعي في هذه الأبواب مع اختلاف سنخ التخيير في كل باب.

لا يخفى على الاخوان ان التخيير فيما نحن تخيير في الواجب بينما التخيير في التعارض قد يقال انه تخيير في الوجوب والتخيير في الفتوى أيضا تخيير في الوجوب والحكم بينما التخيير في التزاحم والضد تخيير في الواجب لكن في مقام الامتثال. المقصود ان سنخ التخيير يختلف تخييرا ظاهريا وواقعيا في الحكم والمتعلق والموضوع. وان كان في هذه الأبواب وغيرها ذكرت تصاوير لها لكنها سنخا يختلف عن الأبواب الأخرى.

مثلا التخيير بين القصر والتمام بين الفقهاء اختلاف في انه تخيير في الواجب او تخيير في الوجوب. المقصود ان هذه النكات يجب الالتفات اليها انه في الوجوب او في الواجب وفي الحكم الواقعي او الظاهري او الامتثال.

الإشكالات على هذا التصوير الثالث انه على هذا التصوير لو ترك كل الخيارات فيعاقب على مجموعها لانه تحقق شرط كل منها.

في الترتب اجابوا عنه وقالوا ان العقاب على جمع الترك لا على ترك الجمع والممتنع هو الجمع لكن جمع الترك ممكن وليس ممتنعا فالعقاب ممكن عليه. طبعا هنا دقيا وعقليا قلنا ان العقوبة على جمع الترك تختلف عن العقوبة على ترك الجمع وان صور الاعلام من حيث العقوبة انهما واحدة.

الجمع بين الضدين ليس اختياريا في التزاحم فكيف يعاقب على ترك ما ليس اختياريا؟ اما جمع الترك اختياري فهو جمع بين التروك. هذا صحيح لكن جمع الترك يختلف عن ترك الجمع تكوينا وان سوّوا بينهما الاعلام.

جمع الترك غاية ما يعاقب عليه يعاقب على المقدار المشترك بين الأهم والمهم ويعاقب على زيادة أهمية الأهم بالتالي كانما يعاقب على الأهم فقط ولا يعاقب على المهم. المقدار المقدور له ان هذا الترك في نفسه وذاك الترك في نفسه اختياري فاذا ترك جميعها يعاقب على الأهم برمته والمهم لا يعاقب عليه. او قل يعاقب على المقدار المشترك بين المهم والاهم ثم يعاقب على زيادة الأهم فبالتالي يعاقب على الأهم.

خلاف ما صوره الاعلام ان العقاب على ترك الجمع يساوي العقوبة على جمع الترك. أيا ما كان. هذا المبحث تم في التزاحم.

المهم ههنا اشكلوا بهذا الاشكال انه لو ترك سيعاقب على الكل. ونقول لا يعاقب على الكل لانه ليس عنده قدرة على الجمع بين الكل لا من باب التزاحم. لان وجوب الصيام مقيد بترك العتق والاطعام فما عنده القدرة على الجمع. فحتى لو ترك الكل لا يعاقب على الكل بل يعاقب على جمع الترك وهو ليس عقوبات متعددة مثل ما ذكرنا في الترتب. لانه ممتنع ان يكون كل من الخيارات فعلية لان فيها قيد القدرة. فالاشكال مدفوع. فكل الخيارات لا يكون فعلية.

جمع الترك ليس فعلية الثلاثة وترك الجمع بمعنى فعلية الثلاث وهي ليست موجودة. على كل هذا مؤاخذتهم على هذا الوجه في هذا الباب او باب الاجتهاد والتقليد او باب التعارض.

دعونا ان نذهب الى اشكالهم على الشق الأول الذي ذكره صاحب الكفاية. الشق الثاني الذي الان مر بنا هو ان كل منها ملاكه مختلف. ملاك الاطعام مباين لملاك الصيام ومباين لملاك العتق. ثلاث ملاكات لكنها ليست فعلية معا بل لابد ان يكون احدها فقط.

الشق الأول من كلام صاحب الكفاية ان الملاك واحد وهو عبارة عن مصاديق الطبيعة والتخيير بينها عقلي او قل تكويني.

اشكلوا عليه ان هذا الجامع ليس عرفيا والمفروض ان يكون عرفيا.

هنا وقفة مرتبطة باصول القانون. تارة مراد صاحب الكفاية في شرح حقيقة الوجوب التخييري او الواجب التخييري وتارة مراده ابراز قالب قانوني وهو القالب الواقع الصحيح للواجب التخييري والوجوب التخييري فيشكل عليه بان هذا الجامع العقلي غير مدرك عرفا فكيف يصلح ان يكون خطابا قانونيا للمكلفين.

لو كان مراد صاحب الكفاية ابراز وبيان قالب قانوني يخاطب به الشارع المكلفين فهذا الاشكال يكون في محله لان العرف لا يعرفه بسهولة وحتى العقل لا يعرفه تفصيلا بل يعرفه بالاجمال فكيف بالعرف.

اما اذا كان صاحب الكفاية ليس في صدد بيان القالب القانوني والخطاب القانوني بل في صدد دفع اشكال عقلي على حقيقة الواجب التخييري او الوجوب التخييري بان هذا ليس وجوبات وان كانت قوالب متعددة في الخطاب القانوني لكنها في اللب وجوب واحد وتمثل وجوبا واحدا. مثل ما ذهب اليه الميرزا النائيني في خمسة موارد من الأصول والفقه من نظرية متمم الجعل ان المولى يأمر بالصلاة ويأمر أيضا بالامر الاستقلالي بقصد الوجوب فيكون متمم الجعل. متمم الجعل صورة او قالبا قانونيا حكمان مستقلان لا ربط لاحدهما بالاخر. ليس بين هذين الحكمين ارتباط قانوني لا وجوبا وحكما كقيود الوجوب ولا متعلقا كالجزء والشرط ولكن مع ذلك العقل يدرك ان هذا الواجب الأول لا يسقط من الذمة الا بالجعل الاخر والمجعول الاخر. هذه هي نظرية الميرزا النائيني. فالقالب حكمان وجوبان وموضوعان حتى بلحاظ الثبوت لكن العقل يدرك لبا ان ملاك هذين الواجبين معا وبينهما معية ولا يسقط من الذمة. والكل صححوا متمم الجعل في باب التعبدي والتوصلي وابواب اخر. وربما قبل الميرزا النائيني كان موجوا بين الاعلام.

حقيقة العلاج في المقام هو انه اذا اخذ الواجب الثاني في الأول او الوجوب الثاني في الوجوب الأول او الموضوع الثاني في الأول اذا حدث ارتباط بينهما يسبب محذورا وتفاديا لهذا المحذور نجعل كل واحد على حاله لكنها لبا شيء واحد. اذا الهدف ليس فقط في الخطاب القانوني والقالب القانوني بل كثيرا ما العلاج لاجل وجود إشكالية في البين إشكالية تكوينية وعقلية ويمكن تفاديها بقوالب غير وحدانية.

هنا الجامع التكويني واحد لكن القوالب القانونية متباينة. ليس فيه مانع. لذلك لو تذكرون هذه الدعوى انه مثلا في باب معين ان الأدلة الخاصة غير دالة على شيء معين في المركب مثلا لو سلمنا انه في باب تشهد الصلاة لم ترد نصوص خاصة وكذلك في الاذان «نحن لا نقبل عدم النصوص الخاصة» من قال ان ادلة المركبات يقتصر فيها على الأدلة الخاصة دون الأدلة العامة او دون متمم الجعل. اذا عندنا ادلة بان الشهادتين لا تفتح لها أبواب السماء من فم المتكلم الا بالاقتران بالشهادة الثالثة. فما المانع لان يكون هذا متمم الجعل؟ هذا وجه مر بنا في التعبدي والتوصلي.

اذا تذكرون في التعبدي والتوصلي مر بنا وجهان للمركبات العبادية غير الجزئية والشرطية. احدهما متمم الجعل والآخر ما ذهب اليه صاحب الكفاية وهو قال ان اخذ قصد الامر في العبادات ليس بحكم الشرع بل بحكم العقل. هذا وجه آخر. مما يدل على ان المركبات صحتها غير مرهونة وغير معلقة على الأدلة الخاصة فقط ولا متمم الجعل أيضا بل يمكن ادراك العقل. فاذا ادرك العقل انه لا يمكن ان يدرك ملاك العبادة الا ان يتم نصابه فيلزم. فهناك وجوه صناعية عديدة لاخذ الشهادة الثالثة في المركبات العبادية.

فهذا الاشكال على صاحب الكفاية على الواجب والوجوب التخييري بانه لا يفهمه العرف فيجاب عنه ان صاحب الكفاية ليس في صدد الخطاب القانوني بل في صدد إشكالية ان حقيقة هذا الوجوب وجوبات او وجوب واحد. غاية الامر يقول انا نستكشف الجامع العقلي التكويني. هو في صدد احكام الملاك وهي لها آثار. لا يلزم ان نبحث دائما في انشاء القضية الحقيقية التقديرية وقالب الخطاب القانوني. بل كل مراحل الحكم الشرعي لها آثار وكلام صاحب الكفاية في ما قبل مبادئ الحكم.

اذا هذه الإشكالات التي ذكرها الاعلام غير واردة وكلامه متين. لكنه لا ينحصر الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية وسنذكر ما ذكره المحقق التقي اخ صاحب الفصول وهو صاحب كتاب هداية المسترشدين وعنده نظرية متينة في الواجب التخييري والواجب الكفائي.

اذا في مبحث الحكم الشرعي ومراحل الحكم الشرعي ايانا ان نظن ان البحث يتمركز في مرحلة هي الأساس مثل المرحلة الفعلية او ما قبل الفعلية كالكلي المقدر. بل كل مرحلة من الحكم الشرعي لها آثار ويمكن الحل من تلك المرحلة.