45/10/11
الموضوع: باب الالفاظ/فصل الأوامر/الامر بالطبيعة النوعية
الطبيعة النوعية للحكم والهوية الفردية
كان الكلام في الطبيعة النوعية المتعلق والهوية الفردية ومر بنا ان هذا المبحث صناعي بامتياز وله تداعيات في الأبواب الفقهية كثمرات جزئية.
معروف ان الساتر في المرأة في الصلاة ليس من شرائط الماهية النوعية بل هو من الشرائط الفردية فمن ثم لو صلت المرأة نيابة عن رجل تأتي بوظائف المرأة لأن الساتر ليس من شرائط الماهية النوعية وانما هو من شرائط الهوية الفردية والعكس كذلك. لو صلى رجل حي عن امرأة ميتة فما وجب عليه ستر المرأة لان الستر من شرائط الهوية الفردية. وكذلك في الحج والمكة المكرمة، لو حج رجل عن امرأة فيجب عليه المكث في المزدلفة ليلا الى ما بين الطلوعين مع ان المرأة الميتة لو حجت لما وجب عليها وكذلك العكس لو نابت عن رجل ميت يجوز لها ان تنفر من المزدلفة قبل بين الطلوعين.
هذا مما ينبه على شطر من الأجزاء ليست من الماهية النوعية بالدقة وانما هي من الهوية الفردية. فإذاً الهوية الفردية قد تكون لزومية وليست مندوبة مثل الأمثلة التي مرت بنا. فكون الشيء من الهوية الفردية لا يعني انه جزء ندبي دائما.
طبقات متعلق الحكم
فمتعلق الحكم على طبقتين؛ طبقة هي ماهية نوعية وطبقة هي هوية فردية والهوية الفردية يمكن ان يكون جزءا وجوبيا ويمكن ان يكون جزءا مستحبا.
الوجوه الصناعية للشهادة الثالثة في التشهد
(الوجه الأول) وتمت الإشارة على فتاوى عشرات من فقهاء النجف آنذاك في رسالة ألّفها السيد المقرم في الشهادة الثالثة عنوانها «سر الايمان الشهادة الثالثة في الاذان» وكتب ذيله مجموعة من فتاوى الاعلام في استحباب الشهادة الثالثة في الاذان وغيره. فكلام منصب على ماهية التشهد وعشرات من الفقهاء قرابة ثمانين فتوى المجتهدين والفقهاء اغلبهم من النجفيين بنوا على ان الشهادة الثالثة بحسب الماهية النوعية نفترض غير مقررة في الاذان او في التشهد عموما وسلمنا انها ليست في الماهية النوعية لكنها مقررة في الماهية الفردية لتواتر الروايات العامة «يعني غير خاصة بباب من الأبواب» في ان كمال الشهادتين ان تقترنا بالشهادة الثالثة وهذا امر لا ريب فيه بحسب الأدلة المتواترة. لا ان نعتمد على رواية مرسلة عن معاوية بن عمار بل بتواتر الروايات بطوائف عديدة واشارات.
بل نقل متن فتاواهم في هذا الكتيب. فالمقصود ان هذا احد الوجوه.
هذا الوجه الصناعي يختلف عن الوجه الصناعي الذي يعتمد عليه السيد بحر العلوم في منظومته الفقهية واعتمده كثيرون ممن لم أحصي عددهم من الفتاوى التي نقلها السيد المقرم. اذا الروايات الواردة والأدلة الواردة في الشهادة الثالثة لا تنحصر تفسيرها الاجتهادي الاستنباطي على وجه صناعي واحد بل لها عدة وجوه. هذا الوجه عند بحر العلوم يذكر في التشهد في الاذان وان كان كلامه ليس في خصوص الاذان لان الوجه الذي ذكره ليس يختص بالاذان بل هو مرتبط بهوية التشهد والحقيقة الشرعية. فالدليل عام ومورد البحث أيضا عام كما ان الدليل عند السيد المقرم أيضا هكذا. من ثم السيد المقرم اصر على ان يقول «اذان وغيره» يعني مرتبطة بماهية التشهد أينما ذكرت.
الكلام في تباين الوجوه الصناعية للمركبات وهذه لابد ان نلتفت اليها حين الاستنباط في الأبواب ولا يمكن التغافل عنها.
(الوجه الثاني) الوجه عند بحر العلوم هو ان الأدلة الخاصة لا تثبت الوارد في تشهد الصلاة حسب قناعة السيد بحر العلوم والمشهور. يقول ان الأدلة الخاصة لا تدل على اخذ الشهادة الثالثة جزءا في التشهد في الاذان لكن الأدلة العامة دالة على ادخال الشهادة الثالثة جزءا. يقول ان الجزئية يمكن ان تقرر بالادلة الخاصة ويمكن ان تقرر بالادلة العامة. فاياك ان تقتصر في الاستنباط على الأدلة الخاصة. فيعبر السيد «وهو بالعموم والجة» ووالجة تعني الداخلة والجزئية.
هذا الوجه الصناعية ان الجزئية والشرطية في الطبيعة النوعية لا يقتصر عليها بالادلة الخاصة بل يمكن ان تبين الأدلة العامة الجزئية والشرطية. والدليل الذي استند اليه السيد هو آية «أكملت لكم دينكم» مفاد هذه الاية اصل الإسلام لابد ان يشترط فيه الشهادات الثلاث. هذا مؤدى آية الاكمال. «رضيت لكم الإسلام دينا» يعني بالشهادة الثالثة هو الإسلام المرضي. فهوية الدخول في الإسلام بآية الغدير اخذ فيها الشهادة الثالثة. هذا مقتضاه الوجوب وليس الاستحباب وثانيا ليس في تشهد الاذان بل مقتضاه التشهد أينما كان. كلامنا في اصل الإسلام والتشهد بلحاظ اصل الإسلام. من ثم ما ارتكز عند العوام صحيح لان المأخوذ في الصلاة من التشهد يعني التشهد بمعتقد الحق وكيف تقول ان معتقد الحق ليس فيه الشهادة الثالثة والحال ان القرآن الكريم قيد رضى الرب بالشهادة الثلاثية. كما ان بيان الاحكام تدريجيا فبيان العقائد تدريجي. فمع تدريجي بعد يوم الغدير صار الدخول في الإسلام ثلاثيا. فمرتكز العوام أيضا صحيح.
هذا وجه آخر ان الأدلة العامة تثبت الجزئية غير الوجه المذكور في الهوية النوعية والفردية وفيها وجه ثالث غير هذين الوجهين. نحن في صدد اليقظة الصناعية لتفاوت الوجوه في تصوير المركبات العبادية.
(الوجه الثالث) التصوير الآخر ان عندنا أجزاء خاصة وأجزاء عامة. مقصودهم من الأجزاء العامة اما الهوية الفردية او المقارنات غير المأخوذة في الماهية النوعية او الفردية. والاجزاء الخاصة مقصودهم الهوية النوعية في قبال المقارنات او الهوية الفردية. المقصود ان الانسان لو يريد ان يفتش فهناك عدة وجوه صناعية ذكرها الاعلام في رسالة السيد المقرم. فيجب ان نلتفت ان مقتضى الأدلة وجوه صناعية متعددة وليست وجها صناعيا واحد ومقتضى وتداعيات هذه الوجوه تختلف.
اجمالا مبحث ان الامر يتعلق بالهوية النوعية او يتعلق بالهوية الفردية او المقارنات مبحث مهم وله تصويرات صناعية مختلفة والشهادة الثالثة كنموذج. مثل ما مر بنا ان صلاة الطواف عند المتقدمين ليس جزءا لا في الهوية النوعية ولا في الهوية الفردية وانما هو واجب مسبب عن الطواف. فيجب ان نلتفت الى ان المركبات ذات طبايع عديدة كثيرة جدا و ليست الطبيعة بشاكلة واحدة.
الهوية الفردية عند المشهور والنائيني والاصفهاني
(الهوية الفردية بالعوارض او بوجود الحصة)
ما هو الفرق بين الهوية الفردية عند المشهور وبين الهوية الفردية عند المرحوم الاصفهاني او بينهم وبين النائيني؟
الميرزا النائيني صور ان الهوية الفردية هي بقية الماهيات العرضية التي تكتنف الماهية الطبيعية النوعية للأمر.
المرحوم الاصفهاني خطّأ هذا التفسير وبينها ان الهوية الفردية للطبيعة هي وجود الحصة للماهية الطبيعة النوعية. بعبارة أخرى ان فردية وهوية كل شخص ليست بالاعراض.
طبعا هذا من تحقيقات ملا صدرا ان العوارض ليست من المشخصات وان كان هذا التعبير مشهورا عند الفلاسفة بل العوارض كاشفة عن الوجود ووجود الاعراض غير وجود المعروض. سواء افترضت المعروض جوهرا او عرضا لان العرض يعرض على العرض. فالطبيعة النوعية لها وجود في حصصها. وتفرد وتشخص الحصة بالوجود. فالوجود هو البعد الفردي وليست العوارض لا وجود العوارض ولا ماهية العوارض. في الحقيقة ماهيات العوارض ووجود العوارض كواشف عن الوجود المتشخص لنفس الحصة النوعية. تقريبا في الفلسفة الصدرائية بات واضحا من ثم نبه عليه المرحوم الاصفهاني وأيضا وافقه السيد الخوئي.
هذا البحث له ثمار أصولية وله ثمار فقهية واعترف السيد الخوئي والميرزا النائيني بها وصوروا ان النهي اذا تعلق بالماهيات العرضية والعارضة على الطبيعة النوعية والامر تعلق بالطبيعة النوعية فهنا اجتماع الامر والنهي في المتلازمين او في وجود الشيء الواحد ولكن رد عليه المرحوم الاصفهاني ان وجود الاعراض مرتبط بوجود المعروض لكن ليس وجود الاعراض عين وجود المعروض وصحيح. ان وجود الاعراض يختلف عن وجود الجوهر او وجود عرض آخر معروض عليه. فاذا تعدد وجودي بين العرض والمعروض فاين اجتماع بين الامر والنهي. فهما تقارنا ولم يجتمعا. فهذا البحث في النوعية الفردية والنوعية يؤثر هناك.
اذا الهوية الفردية هي وجود الحصة وليست العوارض. على ضوء هذا المطلب المرحوم الاصفهاني يؤسس نظريته في الجزء المستحب والشرط المستحب وغالب تلاميذه كالسيد الخوئي و النائيني تبنوا نظريته. قال حينئذ المستحبات المركبة وجودا مغايرة لوجود الطبيعة النوعية بل مقارنات سميت في لسان الفقهاء مستحبات الطبيعة. حتى تسميتها بالهوية الفردية على نظرية الاصفهاني في بحث الصحيح والاعم توسع تسامحي في الاستعمال. أصلا ليست هي في الهوية الفردية لان الهوية الفردية وجود الحصة النوعية لا وجود الاعراض والمستحبات من قبيل الاعراض والمقارنات وليست دخيلة في فردية الوجود للحصة للطبيعة النوعية. وهكذا بنى السيد الخوئي في الأبواب الأصولية والفقهية المختلفة ان الجزء المستحب والشرط المستحب ليس من المشخّصات. كيف يمكن ان يكون شيئ داخلا وخارجا من الهوية النوعية؟ وليس جزء الهوية الفردية لانه ليس فردية الطبيعة بالعوارض وانما بوجود الحصة. فتسميتها الهوية الفردية مسامحة أيضا كما ان تسميتها الجزء أيضا مسامحة من باب التوسع. بل هي مقارنات.
لكن ورد في الروايات ان الصلاة مع الطيب كذا ثوابه او مع العبا «خذوا زينتكم عند كل مسجد» كلما تزداد الزينة يزداد الثواب حتى محل الصلاة ونظافة محل الصلاة. فيؤثر على التوجه القلبي للإنسان. لانه في الوفادة على العظيم الكريم هكذا ينبغي. فكيف يفسرها المرحوم الاصفهاني؟ سنتابعها ان شاء الله.