الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/التزاحم/مرجحات باب التزاحم

 

وصل بنا المقام في الفرع الآخر؛ اذا دار الامر بين خصوص الطهارة المائية وغيرها من القيود والفرض السابق اصل الطهور اعم من المائية والترابية وبقية القيود تقدم اصل الطهارة. هذا الفرض الان في خصوص الطهارة المائية وبقية القيود.

من جهة ان الطهارة المائية لها بدل وبقية القيود ان لم يكن لها بدل فتقدم على الطهارة المائية لكن قد يشكل بانه غالبا بقية القيود او الشرائط والاجزاء في الصلاة لها بدل، فايهما يقدم؟ مع ذلك قد تقدم تلك القيود والأجزاء على الطهارة المائية وذلك لان في دليل الطهارة المائية اخذ قيد القدرة «لم تجدوا» «مرضى» بينما تلك القيود لم يأخذ فيها ذلك القيد.

اصل المبحث عند السيد الخوئي فيه اشكال ان هذه الموارد ليست من موارد التزاحم وانما هي من موارد التعارض لعدم تصويره التزاحم في الواجبات الضمنية لانها ارتباطية غير مستقلة فكيف يفرض بينها تزاحم وسبق ان مر بنا ان التزاحم يتصور في الأجزاء الداخلية ولا اشكال فيه.

المقصود ان بقية الأجزاء لها بدل لكن في لسانها لم يأخذ قيد القدرة لكن الوضوء قد اخذ فيه قيد القدرة وان كان بالنسبة الينا هذا القيد ليس قيد المشروعية وانما قيد التنجيز. سبق ان مر بنا انه ليس صرف كون الشيء ذو بل يعني بقول مطلق ان يؤخر لان ذا البدل قد يكون ملاكه اهم مما ليس له بدل بحسب الأدلة وليس شيء ممتنعا وان كان على النمط العام الإجمالي كلام صحيح لكن ليس بضروري ان يكون عموما مطردا.

الفرع الآخر: اذا دار الامر بين ركوع ركعة من الصلاة خارج الوقت «يعني ثلاث ركعات داخل الوقت وركعة خارج الوقت» ومراعاة بقية قيود الصلاة او ان يراعى كل ركعات الصلاة داخل الوقت ويرفع اليد عن قيد في الصلاة؟ فأيهما يقدم؟ فبنى الاعلام على ان قيد الوقت اهم من بقية القيود وهذا صحيح لان الوقت اهم والخروج عن الوقت لا يسوغ.

قضية أهمية الوقت سيأتي في فرع آخر يبين مدى أهميتها.

الجواب عن سؤال غير واضح: الوقت لها بدائل والطهور أيضا فريضة وله بدائل مع انهم اخروا الطهور عن بقية القيود. لأن تقديم ما ليس له بدل كقاعدة عامة صحيح لكن كما يقول الميرزا علي ايرواني رحمة الله عليه انه لابد من ملاحظة الأدلة الخاصة في كل مورد لانه قد يكون ملاك ما له بدل اهم مما ليس له بدل وهذا ممكن والا الوقت لها بدل أيضا. هذا بشكل غالبي صحيح اما بشكل مطرد ودائم ليس صحيحا ويجب التدقيق في الأدلة الخاصة في كل مورد.

الفرع الآخر: إذا دار الامر بين إدراك تمام الركعات في الوقت او إدراك قيد آخر ولا يتمكن من الجمع بينهما. كدوران الامر بين ادراك تمام الركعات بالتيمم او ادراك الطهارة المائية مع خروج ركعة من الوقت. فهل تقدم الطهارة المائية او تقدم الوقت؟ تقريبا غالب العلماء قالوا ان الوقت يقدم على الطهارة المائية فكل الصلاة داخل الوقت بتيمم افضل من ان يأتي بالطهارة المائية مع ادراك ركعة واحدة في الوقت.

قالوا في تعليل ذلك بان الوقت لا بدل لها والطهارة المائية لها بدل ويمكن الاشكال بان «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت» يكون بدلا من الوقت. واجابوا بجواب لا بأس به بان هذه الرواية والقاعدة موردها في ما اذا كان ذلك اتفاقا لا عمدا واختيارا. الاتفاق بمعنى الغفلة والنسيان ومن هذا القبيل. حينئذ يأتي دليل «من ادرك ركعة من الوقت» لازم هذا القول ان من اخر الوقت الى ان يقدر ان يأتي ركعة واحدة في الوقت هل يلزم القضاء او الأداء؟ ربما من التزم بهذا القول يقول ان هذه الصلاة لا تعتبر أداء. طبعا ادراك الوقت عندنا من الآخر صورة ركعة واحدة ومن الأول اقل من الركعة حتى لو صلى غفلة قبل الوقت لكنه دخل الوقت في التشهد الأخير فتصح صلاته.

اجمالا قد يكون مأثوما اذا اخر الصلاة الى آخر الوقت عمدا ويلزم لا اقل بان يدرك ركعة لا انه يخرج الصلاة كلها. بالتالي هذا بدل عن الوقت فما الفرق؟

طبعا للسيد الخوئي تقريب آخر لتقديم الوقت عن الطهارة المائية وهو ان الطهارة المائية اعتبرت في الصلاة التي داخل الوقت يعني اخذ الصلاة داخل الوقت مفروغا عنه فمع كون الصلاة خارج الوقت فكيف يمكن فرض الطهارة المائية. فكون الصلاة داخل الوقت مقدم.

بعبارة أخرى: اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا» ظاهرها الصلاة التي داخل الوقت برمتها حينئذ اعتبر الوضوء فاذا لابد ان تفرض الصلاة داخل الوقت وبعدها يأتي مرتبة الامر بالوضوء فاذا الدخول في الوقت بتمام الصلاة مقدم على الامر بالوضوء لان المفروض انها موضوعه.

هذا يمكن ان يتأمل فيه ان كل الشروط والاجزاء هكذا حتى الوقت. اذا زالت الشمس ودخلت الوقت ووجبت الظهر والعصر حتى الغروب. المفروغ هو الصلاة المأمور بها والمفروغ فيها بقية الأجزاء والوقت أيضا هكذا. يعني ان هذا التقريب محل تأمل.

بعبارة أخرى: ان الوقت متى اعتبرت؟ في الصلاة الكاملة يعني كل جزء وشرط اعتبر في الصلاة الكاملة مع مفروغية جسم الصلاة برمتها. بهذا المقدار اذا كان موضوعا ومحمولا وتقدما رتبيا فيكون كلها مقدم ومؤخر رتبتا على بعضها البعض فهذا التقريب فيه تأمل.

نعم اذا لاحظنا دليل «اذا قمتم للصلاة فاغسلوا» مع دليل الوقت «من ادرك ركعة من الوقت» ارتكازا يلتفت المستنبط ان الوقت اخذه اشد من بقية الأجزاء. هذا المقدار من تحليلات الاعلام كالارتكاز الإجمالي لكن هذه التحليلات التفصيلية فيها تأمل. فالدليل هذا الظهور كالارتكاز الإجمالي ونقر به. فمن ثم يقدم الوقت على بقية القيود أيضا وليس فقط الطهارة المائية. خصوص السورة منصوص فيها انها مع ضيق الوقت تسقط.

أيضا دعوى أخرى عند الميرزا النائيني بنفس تقريب السيد الخوئي المأخوذ من النائيني انه اذا دار الامر بين الشرائط والأجزاء تقدم الأجزاء على الشرائط لان الشرط مأخوذ فيه الصلاة برمتها فالاجزاء مأخوذة كالموضوع لدليل جعل الشرط كمحمول فمن ثم اذا دار الامر بين الجزء والشرط يقدم الجزء. الأجزاء بمثابة المقتضي اما الشرائط. هذا ولو ذكروه الفلاسفة والمناطقة لكن يمكن الخدشة فيه تكوينا لانه ربما بعض الشرائط اهم من أجزاء المقتضي. اصل المقتضي شيء واجزاءه شيء آخر وليس بمثابة اصل المقتضي. مثل الطهارة والوقت والقبلة شرائط لكنها اركان بينما كثير من الأجزاء ليست اركان. حتى في الأمور التكوينية هكذا ان بعض الشرائط ركنية في الشيء وبعض أجزاء الشيء ليست ركنا في المقتضي. من ثم عرف عندهم انه ليس كل ما في الركن ركن. كما ان الأركان على مراتب وليست في درجة واحدة. هذه النكات لابد ان نلتفت اليه. من ثم الذي ذكره السيد الخوئي في قضية الوقت أيضا محل تأمل.

الفرع الآخر: اذا دار الامر بين سقوط الجزء وبين قيد الجزء او سقوط الشرط كالوضوء وبين قيد الشرط. نعلم ان الصلاة لها شرائط وأجزاء ولكل جزء له أجزاء وشرائط والقضية تترامى.

فشرط الشيء او جزء الشيء او قيد الشيء ادنى رتبة من اصل الشيء بحسب الغالب الا ما دل الدليل على خلافه.

الفرع الآخر: اذا دار الامر بين سقوط القيام المتصل بين الركوع وبين سقوط القيام حال القرائة. التقريب المتفق عليه الفتوى بل منصوص ان القيام مع الأركان كتكبير الاحرام او مع الركوع او قبل السجود أولى من القيام حال القرائة. بل عندنا نصوص اذا قرأ الحمد جالسا لضعف قبل ان يركع لابد ان يقوم فيركع عن قيام. بل في النوافل عندنا هكذا ان في النافلة اذا كبر وهو قائم ثم جلس مثلا صلاة امير المؤمنين او صلاة فاطمة سلام الله عليهما فيها خمسين مرة سورة التوحيد او مأة مرة فكبر ويجلس فقبل ان يختم السورة يقوم ويختم التتمة عن قيام ويركع فتحسب له الصلاة عن قيام. في الواجب أيضا هكذا اذا عجز عن القيام حين القرائة. القيام في الصلاة سواء في الفريضة او النافلة المقارنة للاركان ركن اما في القرائة او القنوت ليس ركنا.

قبل ان نعنون الفرع الآخر ورد النص الصحيح وعمل به الصدوق ولو علماء الامامية معرضون عن كونه سهو صدر من النبي صلوات الله عليه وآله في صلاته وجملة من النصوص صحيحة. لها توجيه ان هذا القضاء للصلاة لا يصدر عن النبي. الحكم شيء والتطبيق شيء آخر. قد يضطر اهل البيت ان يسندون الأفعال للنبي او امير المؤمنين تقية مجاراة مع العامة وكثيرا ما موجود لكن اصل الحكم صحيح. المهم النص الصحيح صلى ركعتين بدل اربع وسلم فقالوا يا رسول الله هل تبدل الصلاة فقال: لا. فقام والحق الركعتين وما استأنف الصلاة من الأصل. كون هذا يسند الى النبي بلا شك عند علماء الامامية باطل وهذا من الموارد التي غفل فيها الصدوق لكن الحكم صحيح بغض النظر عن اسناد صدور الفعل الى النبي. كيف هو صحيح وتكلم؟ هذا التكلم يعتبر سهويا. اذا لازالت الصلاة لم تبطل. المقصود ان هذا مثال محل الابتلاء ان الامام الجماعة قد ينقص وبالتالي يقول الجماعة لماذا تممت الصلاة فليس اشكال في الصلاة. وبامكانهم ان يتداركوا النقص. هذا النص بغض النظر عن اسناد الفعل الى النبي كحكم شرعي صحيح.

الفرع الآخر: اذا دار الامر بين سقوط احد الواجبين الطوليين فيسقط المتأخر ويقدم المتقدم. طبعا بعضهم قيدوا اذا لم يكن الملاك فيه اهم. يعني ان المتقدم طولا مقدم.

من امثلة هذا الفرع ذكروا القيام في تكبير الاحرام والقيام مقدم على القيام في القرائة. الصحيح في هذا المثال في التكبيرة ركن بينما القيام في القرائة ليس ركنا فالتقديم من باب الركنية بغض النظر عن الطولية. كما انه لا يتقدم القيام في القرائة على القيام قبل الركوع.

هذه الموارد التي فيها التقدم والمرجحات التي مرت بنا هل هي بمعنى انه تلغى مشروعية المؤخر؟ ام لا تلغى؟ بحيث ان مشروعيته باقية والصلاة صحيحة وان اثم من باب الترتب. هل يمكن الالتزام بذلك.

طبعا في خصوص هذا الواجبين الطوليين النائيني في جملة من الموارد منها هذان الطوليان قال باستحالة الترتب منها الطوليين ومنها المقدمة وذي المقدمة ومنها المتلازمان ومنها اجتماع الامر والنهي. السيد الخوئي ما وافق استاذه في الطوليين لكنه وافقه في المتلازمين واجتماع الامر والنهي.

لكن الصحيح ان الترتب في كل هذه الصور قابل للتصوير وان كنا في الدورتين السابقتين وافقنا الاعلام لكن الان وجدنا ان الترتب صحيح في كل هذه الموارد الأربعة.

قبل ان نذكر كيفية تصويره لابد ان نذكر الأمثلة في هذه الموارد الأربعة او الخمسة ونذكر ضوابط هذه الموارد الطولية والتلازم والمقدمة وذي المقدمة واجتماع الامر والنهي. المهم قالوا بامتناع الترتب في اكثر هذه الموارد. في الحقيقة هناك بحثان البحث الأول ان هذه الموارد من موارد الترجيح ام لا والجهة الثانية هل هذا التقديم بهذه المرجحات هل يعني نفي مشروعية المرجوح او ماذا؟ هذا بحث محل الابتلاء.

يعني كما نبحث في المرجحات سواء في التزاحم او التعارض او الورود كذلك نبحث عن مشروعية المرجوح. سنرى ان قواعد الترتب تأتي في كل هذه الموارد.

فدوما في مباحث الترجيح يجب الالتفات الى ان الأصل في جهتين جهة في اصل التقديم وجهة أخرى انه لو سهوا اتى بالمؤخر هل تصح عمله؟ مر بنا ان الترتب معاكس للترجيح والورود والتوارد.

ان شاء الله سنبحثه مفصلا.