45/08/21
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/باب التزاحم/مرجحات باب التزاحم
(خلاصة مما سبق)
لا زلنا في ضمن الفروع في التزاحم او الورود او التوارد التي ذكرها الميرزا النائيني سواء في الأصول او كتاب الصلاة.
(تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية)
وصلنا الى مرجح أن ما يشترط بالقدرة العقلية يقدم على ما يشترط بالقدرة الشرعية لكن هذا التقديم هل هو ورود وان كان ورودا من أي درجة من الورود؟
لان هناك وارد بمجرد فعليته ينعدم الموضوع الشرعي للمورود وهناك وارد لا بمجرد فعليته بل بامتثاله ينعدم فعلية المورود وربما يرتفع منجزية المورود ومر بنا ان هناك أنواع من الورود. هذا الأمور لابد على الباحث ان يدقق فيها.
بينما في كلام الميرزا النائيني انه اذا اخذت القدرة الشرعية فسوف يكون المأخوذ بالقدرة الشرعية منعدما مع وجود الوارد وهذا الاطلاق محل تأمل مضافا الى مؤاخذة السيد الخوئي من انه أي حصة من القدرة اخذت؟ لابد من الالتفات اليه. كما ان هناك شروط شرعية غير القدرة هل مطلق الشرط العقلي يقدم الشرط الشرعي ام لا؟ فعلى أي تقدير هذه الأمور كلها لها حسابات بحسب الأدلة الخاصة الدالة على قيود شرعية كما مر بنا «لله» قيد و«على الناس» قيد هل هذان القيدان مرحلة واحدة ام لا. هل الاستطاعة هنا قيد «على» او قيد «لام»؟ يجب ان تأخذ المستنبط هذه الأمور على عواهنها.
(المرجح الثالث: الأسبق زمانا)
المرجح الثالث الذي يذكر في باب التزاحم هو الأسبق زمانا. فإما كلاهما مشروط بالقدرة الشرعية او كلاهما مشروط بالقدرة العقلية لكن كلامهم في ان كليهما مشروطان بالقدرة العقلية ان الأسبق زمانا يقدم لانه رفع اليد عن الأسبق زمانا مع تحقق موضوعه لا مسوغ له بخلاف المتأخر زمانا لما يتحقق موضوعه او زمانه او فعليته. فرفع اليد عن الحكم الفعلي في قبال المتأخر لا يسوغ.
مثلوا لذلك بالقيام: اذا كان التنافي بين قيام صلاة الصبح وبين قيام صلاة الظهرين فاذا قام في الصبح لا يستطيع ان يقوم في صلاة الظهرين. فلا يسوغ ان يرفع اليد عن قيام صلاة الصبح بمجرد انه سيحصل له العجز في الظهرين. ولا يجب له حفظ القدرة في القيام في الظهرين وترك القيام في الصبح لان الحكم الفعلي في الصبح تام بينما الظهران ليسا فعليين.
بعضهم جعلوا هذا المرجح في المشروطين بالقدرة العقليين أيضا ان الأسبق زمانا يقدم لكنه ليس على اطلاقه ربما هذا المرجح يكون من اضعف المرجحات في باب التزاحم ويتوصل به في آخر المطاف والا فقد يكون المتاخر اهم او غير ذلك.
مثلا القيام في تكبيرة الاحرام والقيام قبل الركوع والقيام قبل السجود يعبر عن هذه الصلاة التي فيها قيام في الأركان صلاة القائم في قبال صلاة الجالس. صلاة القائم حسب الأدلة اعظم من صلاة الجالس ولو تأتي بالركوع بحده او السجود بحده. وهذا كانما لم يستوضحه من الأدلة الميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذهما والحال ان مشهور المتقدمين استوضحها. فالصلاة من القيام ولو تأتي بالركوع ايماءا بالسجود ايماء مقدمة على الصلاة من جلوس وان تأتي بالسجود والركوع بحدهما. لان الصلاة من القيام وركنية القيام في الصلاة اعظم من بقية الأركان يعني ان بقية الأركان في ظل وخيمة هذا الركن. وهذا منصوص عليه. ان الصلاة من القيام مع الايماء في الركوع والسجود مقدمة على الصلاة من الجلوس مع إتيان الركوع والسجود بحدهما. لان السجود الذي تأتي به بحده في صلاة الجالس والصلاة الجالس مؤخرة كمجموع وهوية عن صلاة القائم. من ثم ذهب الشيخ الطوسي ان القيام الذي بعد الركوع وقبل السجود أيضا ركن فلو غفل وذهب الى السجود بلا قيام بعد الركوع لا تبطل الصلاة ولازم ان يعيد القيام ولو سجد السجدتين تبطل الصلاة. فالصحيح ان القيام في التكبيرة ركن اشد ركنية حتى من القيام قبل الركوع وكذلك القيام قبل الركوع وبعدها.
(المرجح الرابع: تقديم الأهم ملاكا)
المرجح الرابع في التزاحم هو تقديم الأهم ملاكا. وهذا يقدم على الاسبقية زمانا كما هو واضح.
مثلوا لهذا بدوران الامر بين نذر زيارة الحسين في عرفة ثم تجدد الاستطاعة للحج فايهما مقدم؟ السيد اليزدي عندهم ان النذر مقدم للاسبقية زمانا فتكون واردا فنذره يعجز. والسيد الحكيم قد نقل عنه والكثير من الاعلام كانوا ينذرون زيارة الحسين سلام الله عليه لكيلا يستطيعون او لسبب آخر.
طبعا هذا المثال معركة آراء هل النذر يعجز المكلف عن الحج ام لا؟ فهنا بعضهم قال ان الحج اهم ملاكا لان الحج واجب بالذات بينما زيارة الحسين سلام الله عليه في الهوية الفردية مستحبة وان كان زيارة الامام الحسين من الواجبات الكفائية ومن اركان الدين لكن من جهة الهوية الفردية مستحبة. بعضهم هكذا عالج الامر لكن بهذا المقدار لا يمكن حلحلة المسألة لا سيما ان مشهور المتاخرين اخذوا في الاستطاعة القدرة بقول مطلق قيد شرعيا. يعني هو لابد ان يكون قادرا بحيث لا يمانعه شيء فالنذر وارد على الحج. فالترجيح بالاهمية في الملاك لا يعالج المسألة بشكل دقيق.
ذكر وجه آخر للتقديم وهو ان النذر هو الآخر كالاستطاعة في الحج مأخوذ فيه ان لا يكون الفعل مرجوحا في ظرف العمل فاذا كان مرجوحا ينحل النذر. طبعا في مبحث النذر واليمين والعهد فيه خلاف ان الفعل لابد ان يكون راجحا حين انشاء النذر او في ظرف العمل؟ الأكثر بنوا في ظرف العمل فاذا في ظرف العمل صار الفعل مرجوحا حينئذ يقدم الحج لان النذر يعارض الحج الواجب.
يمكن ان يقال لابد ان تثبتوا موضوع الحج وفعلية الحج كي يكون النذر مرجوحا. لان الناذر لم يعلم بالاستطاعة ولم تتحقق حين انشاء النذر. بعبارة تفصيلية ان الاستطاعة المأخوذة في الحج متى زمنها؟ هل زمنها بعد شهر رمضان او زمنها اول ما يدخل محرم وسنة جديدة؟ لكن الصحيح ان الحج لا وقت له فمتى ما تتحقق الاستطاعة ولو لبعد سنة او سنتين او ثلاث فيتحقق موضوع الحج. بقية قيود الاستطاعة لو تتحقق في زمانها ولو بعد سنين لا مانع. سابقا كانوا يحجون من الصين او البلدان البعيدة من سنة ونصف سنة .
(نكتة استطرادية: موقف علماء الامامية قبال الشهادة الثالثة)
الصدوق رحمة الله عليه كان مفتي الدولة البويهية وباستدعاء مؤسسها انتقل من قم الى ري وهي اول من رفعت الشهادة الثالثة. الدولة البويهية بدأت 350 فاول من رفعت الشهادة الثالثة في الاذان في بغداد والنصف الغربي من كل مدن ايران وقارن هذه الدولة في النصف الغربي من ايران قيام الدولة الحمدانية وهي دولة اثنا عشرية في الموصل وحلب الى الشمال وهاتان الدولتان استمرتان 150 عاما يعني بقيت بعد الشيخ المفيد والسيد المرتضى الى زمن الشيخ الطوسي وزامن ذلك دولة ثالثة دولة فاطمية في تونس أيضا رفعت الشهادة الثالثة. فكيف الصدوق يعارض الشهادة الثالثة؟ واضح انه من التقية لان كتاب من لا يحضره الفقيه كتبه الصدوق كتبه في آخر حياته عندما كان في ضيافة الحاكم السني في سمرقند. الأسف جيل من العلماء ما التفتوا الى التقية. اتقى الصدوق لانه من زمن ان البويهيين رفعوا الشهادة الثالثة في الاذان هناك صارت فتن دموية بين الطرفين واستمرت 150 سنة الى اخماد هذا الشعار. في ظل وجود الصدوق إما في سنة 356 او 358 او 360 سافر من الري الى بغداد لكي يذهب الى الحج ورجع أيضا لبغداد. حينئذ استجازوا الشيخ المفيد وعلماء بغداد. هو الذي دفع الدولة البويهية لاقامة الشهادة الثالثة في الاذان كيف يعارضها وهو الذي دفع الدولة البويهية لاقامة العزاء في العاشورا في الشوارع. والمفيد يذكر في تصحيح الاعتقاد علاقة الصدوق بالبويهيين. الشيخ المفيد ابعد من البغداد مرتين ومع ذلك المفيد لم يردع الشيعة عن الهتاف بالشهادة الثالثة في الاذان وتشهد الصلاة. هناك شهادة تاريخية دامغة من الغيبة الصغرى كانوا يأتون بالشهادة الثالثة في الاذان والإقامة وتشهد الصلاة . كلام السيد المرتضى صارخ فيها استنادا لكتاب الحلبي والشلمغاني وكتاب الصدوق علي بن بابويه وهو يرى الوجوب في التشهد. في الفقيه يذكر صحيحة الحلبي ان يسمي الأئمة في تشهد الصلاة على الاجمال. ويذكر أيضا الشهادة الثالثة في قنوت الصلاة ولم نسمع من الاولين والاخرين ان المبطل للصلاة في موضع ليس مبطلا للصلاة في موضع آخر. مبطلات الصلاة من بدايتها الى نهايتها مبطلة. فاذا المفيد يفتي بأسماء الائمة كاملة والصدوق والشيخ الطوسي وحتى الشيخ الطوسي كلامه تقية في الشهادة الثالثة لان في زمانه أيضا هدم قبر الكاظم والجواد سلام الله عليهما بهذا السبب ونبش القبر ولم يفت الطوسي بحرمتها فلو كانت مستحبا او واجبا عاليا لكان اللازم ان يتركوها. راجعوا خطيب البغدادي انه كان يرفع في مأذنة الامام الكاظم الشهادة الثالثة. كل موسوعات التاريخي ان المؤمنين في بغداد كانوا يتحملون مسؤولية الدماء واعراض واموال لكي يبقى هذا الشعار في الاذان والتشهد. فالشيخ الطوسي كلامه تقية مع ذلك الشيخ الطوسي بقي خمس سنوات بعد هدم قبر الامام الكاظم ولم يردع الشيعة عن ذلك ثم هاجر والفتنة كانت باقية الى ان حرقت مكتبة الشيخ الطوسي وسبب الحرق أيضا ليس الا قضية الشهادة الثالثة. وقف زعماء علماء الامامية امام هذا الشعار لكي يثبت وان استلزم هدم قبر الامام الكاظم سلام الله عليه كما هو موقف الامام الهادي سلام الله عليه انه حث الشيعة على زيارة الامام الحسين سلام الله عليه مع ان المتوكل هدم قبره مرتين ونبش القبر. اذا زيارة الحسين يعتبره الامام الحسين فوق الواجب ومعلم عظيم في الدين. كما ان الاعلام في هذه المأة وخمسين الدموية كان موقفهم هكذا في قبال الشهادة الثالثة في الاذان والتشهد. هذه حقائق تاريخية. ذكرنا هذا المطلب بمناسبة حج الصدوق من الري.
صاحب الجواهر يفتي ان زيارة الحسين سلام الله عليه ملاكا اعظم من الحج والسيد اليزدي أيضا هكذا يفتي لكن مع ذلك هذه المسألة معقدة.