الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/باب التزاحم

 

(خلاصة مما سبق)

كان الكلام في مرجحات باب التزاحم وانها قد تشتبه صغرويا انها من التعارض او التزاحم او الأمور الأخرى او ان نفس المرجحات في التزاحم الكثيرة قد تجتمع في مورد واحد فايها المقدم؟

الضوابط التي ذكروها الاصوليون ضوابط بنحو كلي غالب والا خصوصيات الموارد بحسب ادلتها وخصوصياتها وشئونها هي المحكّم نهائيا سيما مع اختلاف الأنظار في الأدلة الفقهية الخاصة بكل مسألة ومن ثم تحرير الفرض الفقهي صغرويا تابع لوجهة نظر المستنبط كدرجة الملاك والقيود الشرعية وهلم جرا.

(فروع في التزاحم والمرجحات)

الفرع الأول: لو دار الامر بين الوضوء والغسل والامر بتطهير البدن، فيصرف الماء في الوضوء والغسل او يصرفه في تطهير البدن؟ الميرزا النائيني جعله من الدوران بين ما له بدل كالطهارة المائية وبين ما ليس له بدل. من ثم تقدم الطهارة الخبثية فيغسل موضع النجاسة الخبثية في بدنه او ثوبه مقدما على الطهارة البدنية.

طبعا نفس هذه الكبرى الكلية ان ما ليس له بدل مقدم على ما له بدل غالبا هو صحيح لكن ليس دائما. لانه ربما التفاوت بين مرتبتي ذو بدل مثل الطهارة المائية والطهارة الترابية اهم مما ليس له بدل. الميرزا علي ايرواني رحمة الله عليه هكذا يقول في بحث الإجزاء وهو الصحيح.

(ملاحظة في تقديم لا ذي البدل على ذي البدل دائما)

صحيح ان الطهارة المائية له بدل والطهارة الخبثية ليس له بدل لكن لايّ دليل ما له بدل اقل ملاكا مرتبة مما ليس له بدل. نعم، غالبا كما يذكره الميرزا النائيني لكن دائما فيه تأمل.

لو كان البدل عرضيا صحيح انه يؤخر على ما ليس له بدل مثل كفارة الإفطار على الحلال في شهر رمضان له بدل عرضي يمكن تصوير وجوب صرف المال في واجب آخر مزاحم لوجوب اطعام الستين فيجب عليه صوم ستين يوما. أما ما له بدل طولي في دوام تأخره مما ليس له بدل تأمل واشكال.

(ملاحظة في الفرع: الطهارة الخبثية لها بدل)

هنا في هذا الفرع بغض النظر عن طولية البدل او عرضيته عندنا يمكن فرض البدل في الطهارة الخبثية عندنا، مثلا من مضطر بالنجاسة الخبثية إما يصلي بالثوب المتنجس خبثا رعاية لشرطية الستر وإما ان ينزع الساتر ويصلي عارية ومخير فيه فبالتالي شرطية الطهارة الخبثية لها بدل إما بدلها الثوب الطاهر او بدلها الصلاة بلا ثوب نجس عارية فيدور بين الامرين بالتالي له بدل. لكن الفتوى الموجودة عند الأكثر والمشهورة هو ان يتطهر من الخبث ويصلي بالطهارة الترابية.

(ملاحظة السيد الخوئي مبنائيا في الفرع)

السيد الخوئي عنده ان هذا المثال ليس من التزاحم لانه بنى على ان التزاحم ليس بين الواجبات الضمنية بل هو بين الواجبات المستقلة وقد تقدم ان هذا المبنى ليس صحيحا بل يمكن تصوير التزاحم بين الواجبات الضمنية.

 

الفرع الثاني: اذا دار الامر بين ادراك تمام ركعات الصلاة في الوقت ثنائية او رباعية او ثلاثية مع الطهارة الترابية وبين ادراك الطهارة المائية مع الركعة الواحدة في الوقت، فايهما المقدم؟

المعروف لدى الاعلام انه يقدم الطهارة الترابية مع اربع ركعات داخل الوقت ولا يخرج الصلاة عن وقتها لان الطهارة المائية لها بدل أما اربع ركعات ليس لها بدل.

 

هنا تساؤل: فماذا عن قاعدة «من ادرك ركعة مع الوقت فقد ادرك الوقت»؟ هذا بدل.

والجواب المتين: ان القاعدة لا انه باختياره يخرج الصلاة عن الوقت ويجعل ركعة واحدة من الصلاة في الوقت بل المقصود انه اذا اضطر حصريا ولا مفر له لكي يصلي الا بركعة فادراك الركعة يعتبر ادراك الركعات بخلاف الطهارة المائية والطهارة الترابية ان الشارع هو بنفسه قيّد «ان لم تجدوا ماء» وجعل الطهارة المائية ذات قيود وان كانت هذه القيود ليست قيود مشروعية الوضوء كما هو الصحيح عند المتقدمين وانما قيود تنجيز الوضوء بالتالي ان الشارع علق الوضوء على وفرة الامكانية والقدرة والتمكن سواء بذاته او بغيره بخلاف الوقت. وهذا الترجيح بهذا البيان الى حد ما صحيح والا يمكن القول بان ادراك الركعات لها بدل حتى لو انه أخر الصلاة الى آخر الوقت بسوء اختياره يجب عليه الادراك ولو بمقدار ركعة واحدة من الصلاة.

أهمية الطهارة على الوقت ليست من قبيل الورود بل عندنا من قبيل التزاحم كما هو خلاف بين الاعلام.

الفرع الثالث: اذا كان لديه مبلغ يقدر ان يصرفه في مؤونة واجب النفقة او يصرفه في كفارة شهر رمضان فايهما مقدم؟ واضح ينفقه في واجب النفقة لان اطعام الستين مسكينا له بدل سواء البدل الطولي او العرضي كما في بعض الكفارات. ينفق في مؤونة واجب النفقة ويصوم الشهرين.

لكن في البدل الطولي قد نرى ان ذا البدل الطولي عند الشارع اهم مما لا بدل له.

 

سؤال: هو المورد من موارد التزاحم او الورود؟

جواب: بالنسبة الى الكفارة العرضية واضح انها من التزاحم وبالنسبة الى الكفارة الطولية ليس من قبيل الورود أيضا او اذا جعلناه من الورود مر بنا ان الورود قد يكون بالامتثال وقد يكون بنفس الفعلية وفي كثير من هذه الموارد التي افترض فيها الاعلام ليس الورود بمجرد فعلية الوارد. مر بنا ان الحكم تارة وارد على المورود بمجرد فعليته مثل ان الوالد او الزوج ينهى الولد او الزوجة عن متعلق النذر، فتلقائيا ينفسخ النذر ويكون مرجوحا. بمجرد الامر وفعلية الامر ينفسخ الامر. هذا ورود بمجرد فعلية الحكم ولو افترضنا ان طاعة الزوج راجحة وليست واجبة او طاعة الاب، لان المشروط في النذر ان يكون متعلقه راجحا. لكن في بعض الموارد امتثال الحكم الوارد تنتفي مشروعية الحكم المورود كما في الدين مع الحج اذا سددت الدين فباداء الدين تنتفي الاستطاعة فلا يستقر وجوب الحج عليك أما اذا لم تؤده الحج واجب وان كان هذه المسألة خلافية وبعض افتى بان مجرد وجود الدين يعدم الاستطاعة بادعاء ان الاستطاعة تعني عدم القدرة من جميع الجهات بالذات وبالعرض. نعم اذا فسر الاستطاعة بهذا المعنى فصحيح. فيجب ان ندقق ان الورود في أي مرحلة من مراحل الوارد وفي أي مرحلة من مراحل المورود.

كما في الدين والاستطاعة ان الصحيح عند مشهور المتقدمين ان الاستطاعة قيد تنجيز وجوب الحج في الذمة وهذه من موارد لطيفة ان حجة الإسلام مشروعيتها غير مرهونة بالاستطاعة. «لله على الناس» «لله حج البيت» وجوب الحج و«على الناس» يعني التنجيز و«من استطاع اليه سبيلا» قيد التنجيز. فنلاحظ ان بعض الموارد اصل وجوب حج الإسلام ومشروعيتها في خطاب المكلفين غير مقيد بالاستطاعة الا ان القضاء او الاستقرار مقيد بالاستطاعة. لذلك لو كان اب لم يستطع طول عمره واراد وارثه ان يحج عنه تبرعا هل هذه الحجة تعتبر حجة الإسلام؟ لا يبعد وان لم تكن مستقرا في ذمته بناء على هذا القول ان لزوم القضاء واستقرار الوجوب معتمد على الاستطاعة. لاحظ ان تفاصيل المسألة معتمد على الأدلة عند المستنبط ونظرته في كل مورد بحسبه.

الشيخ الطوسي عنده هذه الفتوى ونص معتبر وارد وهو الصحيح ان من لم يستطع طيلة حياته ولكنه مات عن مال يمكّن من الاستنابة عنه مثل ان تخلية السرب ما حصل وبعد موته خلى السرب هل يجب على الورثة ان يخرجوا من التركة حج نيابي عن الميت. افتى الشيخ الطوسي جزما بالوجوب وكلامه صحيح. لان الحج الواجب على المكلف اعم من المباشر والنيابي وهنا ماله يكفي عن النيابة فيجب اخراج الحج بينما المعروف والمشهور خلاف ذلك لانه لم يستقر عليه الحج. لكن الصحيح مع الشيخ الطوسي والنص موجود ومقتضى القاعدة بحسب الأدلة العامة في الحج هذا القول للشيخ موزون.

 

الفرع الرابع: اذا كان الحكمان المتنافيان احدهما بالقدرة الشرعية والآخر مقيد بالقدرة العقلية فالمعروف لدى الاعلام تقديم المشروط بالقدرة العقلية لان ملاكه فعلي غير معلق. الشرط العقلي ليس دخيلا في الملاك ولا يناط به الملاك وانما يناط به التنجيز. هذا من موارد الورود

الميرزا النائيني افترض في هذا المرجح انه بمجرد وجوده هذا الحكم المشروط بالقدرة العقلية رافع للمشروط بالشرط الشرعي لكن كما مر ان الوارد والورود على نمطين وليس على نمط واحد. قد يكون بوجوده يعدم موضوع المورود وهو المشروط شرعا وقد يكون بامتثاله وليس دائما بوجوده. هذه مؤاخذة من السيد الخوئي صحيحة.

(القيود الشرعية الدخيلة في الفعلية والدخيلة في التنجيز)

فيه مؤاخذة أخرى صغرويا وهي ان المشروط شرعا بالقدرة الشرعية عند المشهور هي حتى اذا كانت مشروطة بالشرط الشرعي بالدليل الخاص كنظائرها من الحرج وغيره قيود التنجيز وليست قيود المشروعية والفعلية. قيد شرعي لكن ليس قيدا شرعيا في مرحلة الفعلية. هذه مؤاخذة من المتقدمين على متاخري هذا العصر. مجرد كون القيد شرعيا لا يدل على ان القيد قيد التنجيز. نعم يقدم المقيد عقلا على المقيد شرعا لكن لا من باب الورود في اصل فعلية الحكم بل هذا ورود في مرحلة التنجيز.

 

(اربعة اقسام من الورود)

اليوم مر بنا أربعة أنماط من الورود: النمط الأول ان الوارد بوجود الفعلية للحكم يعدم مشروعية المورود والنمط الثاني ان الوارد بامتثاله يعدم مشروعية المورود والنمط الثالث وهو نمطان أن الوارد بامتثاله او بوجوده يعدم تنجيز المورود لا مشروعية المورود. لان القدرة التي يعدمها الوارد سواء بوجوده او بامتثاله انما هي قيد التنجيز وليس قيدا لاصل الفعلية. فاليوم مر بنا أربعة اقسام من الورود.

هذا هو السبب في ان الاعلام يدققون في كيفية تدافع الاحكام. إن الوارد أي يتصرف في المورود والمورود القيد الذي يعدمه الوارد قيد لاصل الفعلية او قيد للتنجيز. هذه نكات وتدقيقات مهمة. وفيها اثرات كثيرة في الأبواب الفقهية.

الصناعة هنا في التدقيق الكبروي والتدقيق الصغروي وترى ان تختلف الفتاوى.