الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/باب التزاحم

 

(مرجحات باب التزاحم والتشابك بينها ومرجحات الأبواب الأخرى)

كان الكلام في التعارض والتزاحم وبعد ذلك الاعلام يتعرضون الى مرجحات باب التزاحم لكن هي في الحقيقة تداخل بين مرجحات باب التزاحم او معالجات باب غير التزاحم لانه هناك يقع جدليات بين الاعلام في مصاديق انها من باب الورود او التزاحم او الترتب او التعارض. فبالدقة هذه الفروع التي يستعرضها الميرزا النائيني هي متشابك ضوابط متعددة ضوابط التزاحم او ضوابط التعارض او ضوابط الترتب او ضوابط الورود او ضوابط أخرى.

(ضرورة معالجة موارد التنافي صغرويا)

هنا دقة صناعية تكمن وهي أنه من الضروري على الفقيه والمجتهد أن يدقق صناعيا وهندسيا في الموارد والمصاديق أنها من أي باب بالخصوص او يمكن أن تتداخل الأبواب فيه وأنه هل التنافي بين موضوعي الحكمين او بين موضوع حكم ومتعلق الاخر او بين متعلقي الحكمين؟

المفروض ان باب التزاحم في الامتثال على مبنى المشهور لا على النائيني هو تدافع في المنجزية يعني انه ليس في الموضوع الشرعي للحكم بل في الموضوع العقلي و التنجيز للحكم، فمن ثم التنافي او التجاذب بين الاحكام يجب ان يشخص اين هو من الطرفين؟ كل طرف يجاذب الآخر من أي مرحلة ويتعرض ويستهدف الحكم الآخر في أي مرحلة؟ مر بنا انه ليس من الضروري ان تكون المرحلة متوازية بين الحكمين بل قد تكون مرحلة متقدمة من حكم مع مرحلة متأخرة من الآخر. فيجب المداقة في تنافي الاحكام.

مثلا جملة من الموارد يشخص الميرزا النائيني انها من التزاحم بينما السيد الخوئي يشخصها انها من التعارض ويعاملها مع معالجات التعارض فبالتالي من الضروري ان يشخص المورد صغرويا.

(ضرورة الضابطة في تقديم مرجحات باب التزاحم)

كما ان مرجحات التزاحم الاصطلاحي التي ذكرها الاعلام هي الأخرى، قد تتداخل او قد تقترن في مورد وصورة معينة، فاي منها مقدم؟ مع ان المعالج هو حلال مشكلة التدافع. فاذا تتداخل مرجح مع مرجح آخر يحتاج الى ما يضبطهما معا. فما الذي يضبطهما؟ يعني ان نفس المرجحات يحتاج الى انضباط اذا تداخل مع مرجح آخر.

(نظير: امامة سيد الأنبياء وامير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما على الأنبياء والاصياء)

شبيه ما يقال ان امامة امير المؤمنين صلوات الله عليه امامة للأئمة يعني ان الاوصياء والانبياء يحتاج الى من يكون عاصما لهم وفوق كل عصمة عصمة، فمن ثم ورد في حقيقة إمامة امير المؤمنين صلوات الله عليه أنه ولي عصمة الدين لأن الدين لابد له من العصمة فهو ولي العصمة يعني فوق ما فوق. من ثم سيد الأنبياء حقيقة نبوته تختلف سنخا وجوهرا عن باقي الأنبياء باعتبار ان النبي هو ينبأ الأنبياء بروحه او بتعبير امير المؤمنين امام لبقية الأنبياء.

(ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون) يعني ان الملأ الأعلى أيضا يحتاج الى من ينحل الخصومات مع انه ملأ اعلى لكنه يحتاج الى امام يرفع التدافع فيما بينهم. هذه من باب ترامي التدافع والتنافي.

صحيح ان تعريف النبوة العامة جار في سيد الأنبياء لكن من الخطأ تعريف نبوته بخصوص النبوة العامة. لان سنخ نبوته تختلف يعني ما جرى عليه المتكلمون مخالف عن الوحي كما ان امامة امير المؤمنين تختلف عن امامة الاوصياء حتى امامة الائمة الاحدى عشر. ولكن الذي يجري في المتكلمين ما بين قوالب الوحي مع ما هو قوالب المتكلمين فارق كبير جدا. كثير من حقائق العقائد لم يبلورها المتكلمون في علم الكلام رغم ان ارتكازه عندهم واضحة. ليس كل ما في الكتاب وسنة المعصومين دونت. شبيه بدايات كتاب الفقه مثل كتاب الفقه لعلي بين بابويه. مع ذلك الكتاب والسنة أبواب فقهية كثيرة قانونية لما يستنبطها الفقهاء وليست المسائل بل الأبواب. الوحي دائما لا مقايسة بينه وبين ما يستنبطه العلماء في أي علم من العلوم الدينية.

(مرجحات باب التزاحم)

المهم هو ان المرجحات انفسهم يحتاج الى مرجح اذا تدافعت.

المرجح الأول «لا يعني المقدم رتبة بل طردا للباب تسلسلا» هو «ترجيح ما لا بدل له على ما له بدل»

المرجح الثاني: ان المشروط بالقدرة العقلية اذا اقترن مع المشروط بالقدرة الشرعية فالمشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية.

طبعا هذا المرجح الثاني هل هو في خصوص الشرط الشرعي القدرة الشرعية في قبال القدرة العقلية او المراد هو مطلق الشرط الشرعي. لان المفروض ان هناك شروط شرعية أخرى غير القدرة. فهل كل الشروط العقلية مقدمة على الشروط الشرعية ام خصوص القدرة العقلية مقدمة على القدرة الشرعية؟ يمكن صياعة المرجح الثاني هكذا.

المرجح الثالث: الأسبق زمانا مقدم على المؤخر زمانا.

المرجح الرابع: تقديم الأهم ملاكا على المهم.

المرجح الخامس: هو الصياغة الثانية التي مرت ذكرها في المرجح الثاني. نقول كل ذي شرط عقلي مقدم على ذي شرط شرعي. فيكون هذا خامس.

هذه الخمسة ليس من الضروري ان يكون خمسة لان هذا تنبه عليه استقراء ناقص لجملة من الاعلام بل قد يكون اكثر.

هذه المرجحات كما مر مرجحات باب التزاحم.

صور عديدة وامثلة جيدة ذكرها الميرزا النائيني والسيد اليزدي وهذه الصور فيها غموض من جهات. أولا هي من باب التزاحم او لا بل من الأبواب الأخرى كالتعارض والورود او غيرها؟ اذا كانت من باب التزاحم فمن مصاديق أي مرجح؟ واذا اجتمعت المرجحات فاي منها مقدم؟

هذا هو الذي حير الفقهاء في موارد تجاذب الاحكام في الأبواب وربما هذه الاحكام ليست من باب واحد بل من البابين او الثلاثة تتجاذب وتتدافع فالفقيه هو الذي ينبه الى الفرق.

هذه اجمال الخارطة الهندسية لكل نهاية باب الضد.

(أهمية الخارطة الاجمالية قبل الدخول في التفاصيل)

قبل الدخول في المعمعات لابد من بيان الهندسة الفوقية. في بيان اهل البيت منهج منطقي كما ان عندهم توصيات منطقية كثيرة وواقعا تعصم الاستنتاجات العلمية من الزلل.

من ضمن التوصيات هو قبح ان تغوص في التفاصيل قبل ان تحدد الخارطة الاجمالية. هذا يسبب عدم دقة الهندسة الصناعية في أي باب العلوم الدينية او غير الدينية ويعبر عنها اهل البيت علیهم‌السلام بالتعمق المذموم. التعمق لغة الذي يبينها اهل البيت انه مذموم ان تنشغل بشبكية التفاصيل وتتناسى العمود الفقري بينما الغوص ممدوح والفحص ممدوح وكانما المنهج العلمي في الغوص والغور لغة تختلف عن التعمق. ملا صدرا بنى على ان «يأتي في آخر الزمان قوم متعمقون» مدح والحال انها ليست مدحا. «فانزل الله تعالى سورة التوحيد وآخر آيات الحشر وأول آيات الحشر» هذه هي الخارطة الاجمالية. اذا تذهب الى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ستضل بلا شك. فالغوص بدون الخارطة الاجمالية مذموم. لابد من معرفة مدارس التوثيق ومدارس الجرح والتعديل ومنهجية علم الرجال وهل اعتبار الكتب يقلد فيها او يجتهد فيها ومعرفة خارطة البحث الرجالي ثم الدخول الى التفاصيل.

المقصود كل ما ترجع الى فوق الفوق تشرف وتستبصر اكثر وكل ما تغوص في التفاصيل تعمى عليك المسير. هذه نكتة منهجية عظيمة بينها اهل البيت علیهم‌السلام.

التعمق هو ان تشتبك في التفاصيل بدون معرفة التفاصيل. مثلا الان في حروب البشر صار تعقل البشر في النزاع اكثر حكمة. حتى النزاع المسلح او غير المسلح. لان كل ما يصعد الى الفوق يلتفت اكثر. نفس الكلام الكلام في الاسرة والأصدقاء. لذلك في الروايات موجودة ان العقل اكثره في التغافل يعني لا تهتم بالتفاصيل اكثر ما تهتم بالخارطة الفوقية. على كل هذا منهج في الاستنباط في كل العلوم منهج منطقي اكد عليها اهل البيت.

لابد ان تحافظ على هيمنة وقيمومية الخارطة الاجمالية فالتفاصيل تهديك رشدا حينئذ.

مظفر رحمه‌الله يشير الى هذا المطلب في باب البرهان في الفرق بين باب البرهان وباب الجدل وباب الخطابة والمغالطة والشعر. خمسة أبواب فكرية. هناك يذكر ان الأصول الموضوعة يعني ان تأخذ أصلا موضوعيا مفروغا عنه كثيرا ما فيه كلام. يعني ما فوق اذا تنقح ربما تنحل عندك المعضلة. أي معاملة لا تنحل في التفاصيل ارجع الى ما فوقه وسترى ان العقدة في الفوق لا التفاصيل والامثلة فيها كثيرة جدا.

ان شاء الله نخوض في الأمثلة وهي جدا كثيرة في هذا الجانب وكيف تتداخل الضوابط والمعايير.