الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/التضاد

 

كان الكلام في التعارض ومرجحات التعارض وما شابه ذلك وفي اجمال ما ذهب اليه المتقدمون وتم بيانه بشكل اجمالي وهو يخالف التزاحم الامتثالي.

طبعا هناك فرق بين التزاحم الامتثالي والتزاحم في مراحل أخرى. لما يقال التزاحم الامتثالي يراد ان منقطة التزاحم بين الحكمين سواء كانا وجوبين او كانا وجوبا وحرمة او حرمتين في منقطة الامتثال وهناك تزاحم في منطقة احراز الامتثال بين الحكمين باعتبار ان العقل كما يلزم بالامتثال يلزم باحراز الامتثال وقد يصطك احراز امتثال هذا الحكم واحراز ذاك الحكم بمعنى ان احراز امتثال الحكم الثاني يكون ظنيا او ان احدهما يحرز او احراز امتثال كليهما احتمالي. بل قد يكون في الحكم الواحد صورا وقد يدور الامر بين امتثال الحكمين بين أن نحرز الامتثال بشكل يقيني في حكم مع احراز العصيان بشكل يقيني في حكم آخر او ان نراعي الاحتمال مع الاحتمال. فهل امتثال المخالفة اليقينية أولى من احراز الامتثال اليقيني؟ باعتبار ان العلم الإجمالي فيه موافقة يقينية ومخالفة يقينية فهل تجنب المخالفة القطعية أولى وان استلزم عدم الموافقة القطعية او لابد ان نرتكب الموافقة القطعية مع المخالفة الاحتمالية. فصور موجودة ذكروها في امتثال العلم الإجمالي. المقصود ان التزاحم قد يقع في مرحلة احراز الامتثال وهو غير التزاحم الامتثالي.

هناك تزاحم في مرحلة أخرى ثالثة في ما قبل الامتثال أي في المرحلة الفعلية التامة. كل من الحكمين في مرحلة اصل الفعلية الناقصة لا تنافي بينهما لكن في الفعلية التامة بينهما تنافي وتزاحم ويطلق عليه ويسميه الاخوند وربما قبله بتزاحم المقتضيات والتزاحم الاقتضائي في المرحلة الفعلية التامة. يعني يصير خللا في الفعلية التامة لا في اصل الفعلية. هذا النمط من التزاحم مطرد في موارد اجتماع الامر والنهي في صورة الامتناع. مشهور طبقات الفقهاء السابقة يبنون على ان هذا النمط من قبيل التزاحم الاقتضائي يعني التنافي في المرحلة الفعلية التامة. هذا نمط ثالث.

نمط رابع من التزاحم أيضا يسمى التزاحم الاقتضائي وهو الذي مر بنا في طبقات القانون ما بعد الانشاء لا كما ادعى الميرزا النائيني او السيد الخوئي انه من الوظائف الخاصة للشارع وليس من وظائف المكلفين او الفقهاء. مر ان الكلام في ما بعد انشاء الشارع لكنه خلاف العلمين ان الانشاء والحكم ليس طبقة واحدة وهما افترضاه طبقة واحدة. نحن افترضناه طبقات وليست طبقات لحكم واحد بل طبقات لاحكام بشكل تتخذ اشكال مختلفة عندما يؤلف بينها يكون نوعا من التزاحم وبالتالي هذا نوع من تزاحم المقتضيات.

طبعا كل من أنواع التزاحم لها ضوابط. التزاحم في القسم الأول الامتثالي والثاني الاحرازي والثالث الاقتضائي في الفعلية التامة تقريبا متشابه مرجحاته وسيأتي لكن هذا التزاحم في المقتضيات ما بعد الانشاء في الجملة مرجحاته وضوابطه ضوابط التزاحم الأقوى ملاكا لكن فيه ضوابط أخرى تحكمه وتضبطه تختلف عن ضوابط التزاحم الاصطلاحي وتضبطه ضوابط أصول القانون ومبادئ الاحكام واصول التشريع وهي أصول كثيرا ما مرتكزة عند الأصوليين لكنها غير مبلورة على حدة ومن ثم كانت هناك ضرورة كبيرة لضبط قواعد أصول القانون. بهذا المقدار مر بنا أربعة أنواع من التزاحم

فيه تزاحم خامس قبل الانشاء في مبادئ الاحكام. هذا من اختصاص الشارع وليس من صلاحية العلماء والفقهاء او المكلفين وهذا صحيح. لكن القسم الرابع ما بعد الانشاء والانشاء طبقات ومنظومة.

اذا هذه خمسة اقسام من التزاحم وربما يقف المتتبع على اقسام أخرى. هذا في الافتراق بين باب التزاحم وباب التعارض.

قسم سادس من التزاحم هو التزاحم الاثباتي وهو في نفس عناصر الدلالة واقتضاء الكاشفية واقتضاء الدلالة. طبعا عند النائيني والسيد الخوئي ومدرستهما ان هذا ليس من التزاحم بل من التعارض والتكاذب. بينما عند مشهور الفقهاء وعلماء الادب ان هذا من قبيل التزاحم لكنه تزاحم في تكوين بنيويات الظهور فهم يحاولون ان لا يفرطون في عنصر من عناصر الدلالة. هذا نوع من التزاحم يعتبره القدماء ان عناصر الدلالة ليست بمجرد الدلالة نحكم عليها بالتكاذب والتناقض والتساقط بل لازم ان تتكيف الحكاية سواء بلحاظ المحكي او بلحاظ الحاكي وهذه العنصر من الحكاية والكاشفية لا يفرط فيها.

وضوابط التزاحم تختلف من قسم الى قسم وقد تشترك. يعني لك ان تقول ان باب التعارض عند القدماء جله تزاحم لكنه يجعلونه تزاحم اثباتي وثبوتي. نقول انه عند القدماء باب التعارض جله الا النادر فيما اذا كان التنافي التقية او التكاذب والا التعارض بالدقة عند القدماء جله من اقسام التزاحم الاثباتي او الثبوتي بلحاظ طبقات الانشاء وهذه نكتة وبيان آخر للفارق بين التعارض والتزاحم غير ما ذهب اليه وذكره النائيني ومدرسته منهم السيد الخوئي واكثر تلاميذه. هذه نكات جدا مهمة.

كما انه مر بنا ان هذه الأقسام من التعارض والتزاحم ليست حاصرة لانواع التنافي بين الاحكام بل علاقات كثيرة في الاحكام كالتوارد والورود والحكومة ويمكن ان تتصور أنواع جديدة في التنافي بين الاحكام.

لماذا هذا التأكيد على عدم الحصرية؟ لانه لا يمكن تطبق ضوابط التعارض على غير التعارض او ضوابط التزاحم على غير التزاحم او ضوابط التوارد على غير التوارد وهلم جرا. ففي الحقيقة لدينا أنواع كما هم ميزوا بين التخصيص والتقييد وحمل العام على الخاص وحمل المطلق على المقيد. اذامن الضروري للباحث عندما يرى التنافي بين الدليلين ان يكتشف العلاقة وربما هي علاقة جديدة غير العلاقات المهندسة عند الأصوليين.

ميرزا علي ايرواني عنده حاشية على الكفاية وفيه نكات لطيفة لانه في الجانب المنطقي قوي. دائما يقول ان الحصر الذي يقول به الاعلام حصر استقرائي وليس عقليا. فمن اين نجزم بانه اما هذا او ذلك. اذا من الضروري للفقيه عندما يرى التدافع بين الحكمين وبين الدليلين ان يتنبه ربما هذا علاقة لا تندرج في الأقسام المعروفة عند الاعلام فيجب ان يدرسها ويراعيها وليس من الصعب ان يضبط ضابطة جديدة ولو بضوابط فوقية اعم.

كما انه مر بنا ان هذا التنافي بين الحكمين له ضوابط فوقية اهم من التقسيم بالتعارض والتزاحم كما انه مر بنا ان التنافي بين الحكمين ليس من الضروري ان يكون مرحلة التنافي بين الحكمين واحدة. قد يكون المرحلة في حكم يختلف عن المرحلة في حكم آخر في التنافي. هذه ظاهرة عجيبة لا هي تعارض ولا هي تزاحم. من ثم هذه نوع من أنواع جديدة من التنافي في الاحكام.

بعبارة أخرى منهجية نقدر ان نضبطها بشكل جيد: ان الفقيه لما يريد ان يستنبط المسائل لا يبني استنباطه على قناعات أصولية مفروغة عنها. المفروض انه في حين ان يستنبط المسائل الفقهية يحاول ان يستنبط القواعد الأصولية الجديدة. يعني ان يضطر النكتة الأصولية التي لم تنقح بعد في كلمات المشهور ان ينقحها ثم يستنبط المسائل الفقهية. كما انه في الرجال تارة يأخذ نتائج رجالية مفروغ عنها ويبني عليه وتارة ينقح ويحرر قضايا رجالية ولا يقتنع بنتائج نقحها الاخرون وينقحها هو نفسه. فيقدم الاستنباط الرجالي قبل الاستنباط الفقهي او ينقح القناعات اللغوية والنتائج اللغوية ويقول ربما العقدة ناشئة من تنقيح الجانب اللغوي. هذه نكتة لطيفة ان الفقيه في الاستنباط لا يقنع ولا يكتفي بالاستنباط في المسائل والمرحلة الفقهية وربما تنقيحه في المسائل المقدمية للاستنباط يشرفه على فذلكة على علاج استنباطي فقهي غير ما استنبطه المشهور اذا ما يأخذ القناعات الأصولية مفروغ عنها وحصرية. ربما باب جديد في علم الأصول غفل عنه الكبار.

الشهيد السيد محمد باقر الصدر ذكر هذا المطلب وهو الصحيح ان الأصول هي العناصر المشتركة في الاستنباط وهي تكتشف جيلا بعد جيل. ولا يمكن الغفلة في استكشاف العناصر الجديدة ويمكن ان يكون هناك عناصر مشتركة الى الان لم ينقح ولم يبلور. حتى العلوم الأدبية وعلم الرجال وعلم السيرة وعلم التفسير هكذا.

جملة من الاعلام بنى نظرية في الحكومة الإسلامية منهم الميرزا النائيني واذا يراجع واحد الى السيرة يرى ان هذه السيرة المستدل بها مكتوب بيد قلم السقيفة وباطلة. لكن بنوا عليه نظرية من هندسة معينة من الحكومة الإسلامية ذكرناها في الامامية الإلهية في الجزء الأول والفصل الثاني. كثيرا ما الفقيه الحاذق لا يأخذ ما جعل من المسلمات في العلوم الدينية مسلما. صحيح وظيفته ان يستنبط المسئلة الفقهية لكن كثيرا ما هذه النتائج في العلوم الأخرى سيما أسباب النزول التي كتبتها يد السقيفة تنسخ ما عليه الآية الكريمة. اية كريمة «تلك امة قد خلت لها ما كسبت» عشعش المعنى الخاطئ عند الاعلام الى المعاصرين. الاية مرتبطة بالفقه السياسي والاعتقادي لكن معنى الاية يختلف عما شهر. اذا العناصر التي يستند اليه الفقيه في الاستنباط ربما يكون مدسوسة وغلطا. هذا النوع من الوضع في القناعات في العلوم الدينية اخطر. ماذا معنى أصول الدين وفروع الدين لابد ان ينقح أولا. ماذا معنى اركان فروع الدين؟ هلم جرا. من الخطأ استرسال الغفلة لقناعات الاستنباط.

ستة عشر من نجوم الاعلام من الاعلام بنوا نظرية في الحكم في الامامة مبنية على غفلة معينة من العلوم الدينية الأخرى ما نقحت عندهم. رحمة الله عليهم. هذه توصية جدا مهمة. يجب الانسان ان يقف عند كل شبكة من قناعات الاستنباط.

هذه نكتة مهمة في الاستنباط ان لا يأخذ الفقيه نتائج العلوم الأخرى مفروغ عنها.

تتمة البحث في كيفية الترتب والضواط التي بنى عليها النائيني.