الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/التزاحم

 

(احاطة المحكمات على الاخبار على طبقات القانون)

كان الكلام في باب التعارض وهو كما يعبر الميرزا النائيني متمم الجعل في الحجية يعني ان ادلة الحجية في خبر الواحد لا تشمل الخبر المتعارض الا بمتمم الجعل وهي ادلة التعارض. فنلاحظ ان اصل ادلة الحجية عند عدم التعارض او ادلة الحجية متمم الجعل عند التعارض تتمركز في محور وشرط مهم في خبر الواحد وهو أن يكون تحت هيمنة وإحاطة محكمات الكتاب والسنة سواء كانت عمومات فوقية بعيدة او قريبة، فلابد منها في حجية الخبر وهذا كما مر بنا يعزز أن القانون هو ذو طبقات وبالتالي الجعل الخاص لابد أن يكون له نسبة ماهوية متنية مع الأصول التشريعية على طبقاتها واختلافاتها.

(ضابطة العرض على الكتاب والسنة من اصعب الضوابط)

من ثم ذكر الكبار من الاعلام والاساطين في هذه الضابطة ضابطة العرض على الكتاب والسنة القطعية من المعصومين انها من اصعب الضوابط في القواعد الشرعية على الاطلاق. هذه الضابطة شرط في اصل الحجية وشرط في التعارض.

ذكر الاعلام هذا المبحث في مبحث الشروط في آخر الخيارات وذكر الشيخ الأنصاري والاعلام ان الصلح والشرط وامر الوالدين والوالي يلزم به الانسان ما لم يخالف الكتاب والسنة. هناك الاساطين قالوا ان الضابطة صعبة جدا وكل منهم كالميرزا القمي والشيخ جعفر كاشف الغطاء والنراقي والشيخ ذكر ضابطة واعترف كل ممن صاغ ضابطة من الضوابط ان هذه الضابطة ليست شمولية يعني ان التفسير ليس شاملا وكاملا لهذه الضابطة. المقصود لو تراجعون هناك نفس المبحث حساس جدا وعظيم في كلمات محشي المكاسب وكلمات الشيخ الانصاري.

(انضباط طبقات القانون على طبقاتها والتعامل الثبوتي بينها)

اذا طبقات القانون منضبطة وان القانون النازل والحكم النازل ينضبط بالحكم والاحكام الفوقية والتعامل ثبوتي ماهوي وليس التعامل اثباتيا كالعام والخاص. لسان العام والخاص والمطلق والمقيد لسان اثباتي لكن لسان «ما وافق وما خالف» لسان متني وواقعي وثبوتي وهذا يعزز ان المتن له دور وتناسق ونسبة المتن لمنظومة متون القوانين في الشريعة لها دور أصيل في حجية المضمون وحجية المتن.

اذا مبحث التعارض اجمالا يعزز أن القوانين ذو طبقات وليس ذات طبقة واحدة كما ان كيفية علاج التعارض فيها اختلاف بيّن بين القدماء والمتأخرين وكذلك في تعريف التعارض.

(الاختلاف بين الميرزا النائيني والسيد الخوئي في تعريف التعارض)

مثلا بين الميرزا النائيني والسيد الخوئي في تعريف التعارض اختلاف. الميرزا النائيني يبني على ان التضاد الدائمي تعارض بينما السيد الخوئي يقول ان التضاد الدائمي انما يندرج في التعارض والتكاذب إذا كان لا ثالث لهما والا اندراجه في التعارض بلا موجب وبلا دليل.

(ما يترائى من تفسير السيد الخوئي)

هذا التفسير من السيد الخوئي جيد. وهذا يصب في مسلك المتقدمين يعني انه في التضاد الدائمي لا موجب للتضاد والتناقض والتكاذب بل بنى السيد الخوئي على ان حاله حال التزاحم ويمكن تصوير الترتب فيه. وهو الذي بنى السيد الخوئي من الترتب في الجعل. غاية الامر السيد الخوئي فرّق بين الترتب في الجعل وبين الترتب في الامتثال فرقا بلا موجب أن الترتب في الجعل يحتاج الى دليل خاص والحال انه عند المتقدمين لا يحتاج الى دليل خاص.

اذا يمكن فرض التنافي الدائمي وليس من التعارض كأن يكون التنافي بين اطلاقي الدليلين وبالترتب يرفع والضرورات تقدر بقدرها والمحذور في الاطلاق لا في اصل الحكم. فلنلتفت الى ان طبيعة العلاقة بين الاحكام حتى لو كان التنافي الدائمي ليس من الضروري ان يكون تكاذبا بل هي شبيه التزاحم في المقتضيات يعني ان السيد الخوئي ارتكازا يقول ان الترتب يعني ان المقتضي من الطرفين موجود.

وسيأتي في ما بعد بقية اقسام الترتب الذي رفضها الميرزا النائيني وقبلها السيد الخوئي التي هي حالات أخرى ليست من التعارض بل هي نوع من التوفيقات والتوليفات بين تنافي الاحكام.

(ندرة التزام المتقدمين بالتعارض المستقر على طبقات القانون)

اذا التزام المتقدمين بالتعارض المستقر التكاذبي حالة جدا نادرة بل غالبا يبدون معالجات لما صورته التعارض. لانه مر بنا في بحث التعارض في الدورتين السابقتين ان التزاحم بين المقتضيات ليس ثبوتا بل حتى اثباتا يعني ان نفس الدلالات يتعاملون معها معاملة المقتضيات في جانب الكاشفية والحكاية شبيه البلاغيين في المعاني والبيان ان كل دلالة لها نوع من الكاشفية واقتضاء اثباتي فيوالفون بين هذه الدلالات.

سوال:...

المنهج الصناعي في الدلالة والمدلول مختلف. ربما ثلاثين شاهدا على ان قاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح ملزم بها عند متاخري الاعصار لكن لم يلتزموا بها كمنهج كلي. شواهد ذكرناها في مبحث التعارض. شواهد كثيرة على انهم يتعاملون مع الدلالات معاملة المقتضيات في الاثبات يعني حتى الارائة القليلة يعتبرونها رأس المال في الدلالة غاية الامر كيف يوالفون بين هذه الحكايات هذا فن علم المعاني وفن النحو وجوه الاعاريب وفن الصرف وفن الاشتقاق بحيث ان تتركب بين الدلالات. كما ان في بيانات اهل البيت ان الكلام الواحد يتصرف يعني يتغير طبق الموازين. يعني ان احد المفارقات بين المتقدمين والمتاخري الاعصار ان عندهم ان الكلام الواحد له دلالة واحدة موزونة حصرا كما ان عندهم طبقة الجعل واحدة فالدلالة لا يتحمل دلالتين وهذا خلاف قوانين علم الادب ان الكلام الواحد يمكن ان يتحمل الى ما شاء الله من فنون الدلالة كل منها على موازين النحو والصرف وعلوم اللغة. اذا فيه اختلاف منهجي موجود بين المتقدمين والمتاخرين في بنية الظهور ومعنى الظهور.

اذا البناء على التعارض والتكاذب نادر عند القدماء. بل بيّنا في بحث التعارض ان المرجحات المتنية بل حتى المرجحات في الطريق يعتبرها القدماء قرائن للتوليف الدلالي لا انها مرجح بمعنى اسقاط المرجوح. يعني يرجعون المرجحات كلها الى المتن والدلالة وهذا صحيح. مثلا اوثقية الراوي يعني ان ضبطه جيد والفاظه يركز عليها اكثر.

شبيه ان الفقيه في التقليد و في الحكم في موارد ان يكون هناك فقيهان «خذ بما قاله افقههما واصدقهما واورعهما» هنا الورع بما يرتبط بالاستنباط لا العدالة بلحاظ السلوك الفردي. الاصدق في الاستنباط يعني انه لايجعل الاستنباط سطحيا. يعني هو شغله الاستنباطي اضبط واصدق واورع. فايضا يرجع الي الدلالة. فهذا اختلاف منهجي بين القدماء والمتاخري الاعصار ان كل القرائن يجعلونها قرائن في الدلالة بالتالي عندهم الترجيح وعدم الترجيح كلها تصب في قاعدة الجمع في الجمع الدلالي. حتى الجمع التبرعي بالدقة هو صناعي لكنه شبيه القرعة انه آخر القواعد التي تتمسك بها. لان ان الجمع التبرعي يعني التكلف والتخرص كما يترائى من المتاخرين في مبنى القدماء. اجمالا مبنى القدماء يختلف عن منهج المتاخري الاعصار تماما وهذا بحث مهم. يعني ان بحث التعارض ليس بحث التعارض بقدر انه تفسير لبحث نظام الحجية.

فالتعارض فنون دلالية بلحاظ المدلول وفنون في المدلول. الكثير يتعاملون مع التعارض معاملة انه طبقات التقنين ثم تأتي درجات الدلالة.

هذا المنهج في الطبقات الشيخ الطوسي كما نبه عليه في المبسوط جدا راعى هذا النظام وفي اول أي باب يبدأ بالايات ثم الاحاديث النبوية ثم يأتي باحاديث اهل البيت يعني صنف كل باب ادلته على مراتب. كما ان المتاخري الاعصار الى حد ما يقبلون درجات العموم.

كذلك الراوندي في فقه القرآن عنده هذا الممشى وأيضا المجلسي في البحار. طبيعة هو سواء في المعارف او في الفروع اسسه على هذا الممشى يعني طبقات التقنين. وليست هذه الطبقات في الدلالة كما يصر عليه المتاخري الاعصار بل هي طبقات في القوالب أيضا.

(حقيقة الخاص عند القدماء من البعدين)

ذكرنا نكتة في الأبواب السابقة وهي انه عند المتقدمين حقيقة الخاص الذي يقدم على العام يختلف عن تقديم الخاص على العام عند المتاخري الاعصار. انه عند متاخري الاعصار من جهة قوة دلالة الخاص على العام. المتقدمون يقولون ان الخاص ليس محوا للعام بل تزاحم المقتضيات ومر بنا وعلاوة على ذلك عندهم الخاص او المقيد اذا لم يكن له اصل ونسب قانوني لا يعملون على تقديمه او تخصيص العام به.

يقولون ان حقيقة الخاص هو تضافر العمومات المتعددة كمعجون قدمت على العام كتزاحم في المقتضيات. حقيقة الخاص هي عبارة عن معجون من العمومات الأخرى تقالبت وتصارعت مع هذا العموم المنفرد فقدمت عليه. غلبة العمومات على عموم واحد.

يعني بعبارة أخرى عند المتقدمين ليس التخصيص بمعنى التخصيص عند متاخري الاعصار من المحو والازالة والكشف كذا. كله عبارة عن نظام مقتضيات وتزاحمات الجعول. اذا اذا لم يكن للخاص أصلا لا يقدم على العام بل لابد ان يكون له اصل. لابد ان يكون له هوية وجنسية. لابد ان يترائى لان من شرائط حجية الخاص ان لا يكون مخالفا للكتاب والسنة في نفسه بغض النظر عن العام. يعني لابد ان يكون له نسب. فيا عجبا من المفارقة بين مباني المتقدمين ومبنى المتاخري الاعصار.

قد يقال هل فيه دليل خاص على زيارة الأربعين؟ ويحك ان الدليل الخاص اذا لم يرجع الى الدليل العام لا نسب له ولا اصل له. في علم القانون دائما العمومات آباء الأدلة الخاصة. انما اصل التشريع وبينة التشريع هي العمومات والأصول التشريعية. اليس هذا الخاص من شرائط الحجية والفردية في نفسها بغض النظر عن التعارض ان لا يكون يخالف الكتاب والسنة. اذا لابد ان يكون له نسب. فالفقيه الذي لا يفسر الخاص لم يستتم احراز شرائط الاستنباط وعفويا ينطلق من صحة الطريق ولم يتثبت. اذا تريد ان تتثبت اثبت ان الخاص ليس مخالفا للكتاب والسنة. منهج التحليل للمتن ضروري. لا يمكن ان تعمل بالخاص بصرف ان يكون سنده صحيحا. لابد ان تأخذ منهج التحليل وتنسبه الى آباءه.

(الحجية المنظومية للحجج وليست مستقلة)

هذه نكات لطيفة تبين انه في باب الاحكام وباب الحجج ليس لدينا حجة مستقلة ابدا. بل اشكال من الصياغات المجموعية اثباتا وثبوتا. ليس عندنا احكام منفلتة بل لابد ان تنسب الى الآباء والأصول. هذا هو معنى وعاية الحديث ودراية الحديث. سيما في بحث العقائد انها اخطر. نسب الخبر متنه لا انه رواته وثقات رواته. سيما ان المتن يحدد هوية الراوي فكيف يمكن ان يحدد الراوي هوية المتن. المتون هي الأول والآخر في هذا الباب. لا ان نسب الحديث رواته بل نسب الحديث متنه ومضمونه. على كل تفاوت انصافا بين مباني القدماء ومباني متاخري الاعصار تفاوت كبير جدا. يعني تغليب جانب الرواية على جانب الفقاهة والاجتهاد. لذلك حتى النجاشي يقول ان الفلان يروي المنكرات ومرارا ذكرت ان الغضائري انه يقول ان القميين طعن في شخص لكن رأيت له كتابا في الصلاة كله صحيح. اذا المتن عندهم المدار. لذلك مر ان اشرنا امس او قبل امس ان الصحة عند النجاشي والطوسي والصدوق والكليني والغضائري كلمتها فقط وصف للمتن للخبر أولا وتارة يطلقونها على الكتاب بلحاظ المتن اما توصيفهم على الطريق ما فيه مورد صريح عندهم يطلقون كلمة الصحة على الطريق. عكس المتأخري الاعصار تماما.

هذا اجمالا بحث في نظام التدافع والتنافي في الاحكام انه ليس منحصرا في التعارض والتزاحم وهندسة التنافي عند القدماء تماما تختلف عن ممشى متاخري الاعصار.