الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/التزاحم

 

(خلاصة مما سبق)

(مر في الجلسات السابقة ان التقنين والجعل طبقات علاوة على ان الدلالة أيضا طبقات، فعليه ان التنافي والتنافر بين الأدلة لا تنحصر في التعارض والتزاحم الامتثالي المعهود بل هناك أنواع وانماط من التنافي بين الأدلة)

(أنواع التنافي والتلائم بين الاحكام على طبقات التقنين)

اجمالا ما ذكره الأعلام المتأخرون في التنافي والتنافر بين الأحكام أنه إما بالتزاحم او التعارض مر بنا ان هذا الحصر ليس في محله و بالتالي نمط العلاقة سواء من أنواع التنافي او أنواع التلائم بين الاحكام والأدلة ليس على قسمين او ثلاثة بل علي علاقات وأنواع كثيرة.

(منظومة الاحكام على طبقات التقنين)

كما ان الأدلة او الاحكام ليست على نمط انفراد واستقلال وانقطاع عن منظومة الاحكام. الاحكام دائما شبيه المواليد والأصول والاحفاد يعني نوعا من التنسيل والتناسل بين الاحكام. هذا في الحقيقة علم القانون الاكاديمي يركز عليه أكثر كما انه عند القدماء كانوا يركزون عليه لكن أغفله وتاركه متأخروا الأعصار.

أما الضوابط التي تحكم وتنضبط بها الاحكام مع بعضها البعض مسير طويل وبحوث طويلة كثيرة يجب الالتفات اليه.

(بيان نوع من الضوابط في منظومة الاحكام في باب التعارض)

لتوضيح شيء من التعارض واختلافه عن باب التزاحم نقول أنه في بحث التعارض وتعريف التعارض وما يقال من مرجحات التعارض إن الاعلام عنونوه باب التعارض، لكن في الحقيقة صرحوا ان نمط العلاقة بين الدليلين المتنافيين أنواع وليس نوعا واحدا. فبحثوا عن الورود والتوارد والحكومة وما شابه ذلك فربما يعنونون باب التعارض بمعنى التنافي بالمعنى الأعم والا سنخ التنافي في باب التعارض ليس من سنخ واحد ولا من نوع واحد. فمما يشير الى ان العلاقة والتجاذب والتنافي بين الاحكام لا يحكمها نوع واحد وقواعد نوع واحد وضوابطه بل أنواع ولكل نوع ضوابط وقواعد.

(افتراق باب التعارض عن اشتباه الحجة باللاحجة)

طبعا من الأمور التي بحث عن أنواعها في بحث التعارض افتراق باب التعارض عن باب اشتباه الحجة باللاحجة وهو أيضا نوع من التنافي وان كان اللاحجة ليس بدليل واشتبه بالدليل. هذه حالة من الحالات موارد التردد بين الحجة واللاحجة. هذا غير التعارض المصطلح لكن صورة تعارض.

(التفرقة بين شرائط حجية الدليل في نفسه وشرائطها عند التعارض)

أيضا في مبحث التعارض ذكروا ان هناك شرائط لحجية الشيء والامارة منفردة في نفسها وهناك شرائط لحجيتها حين التعارض. مثلا عدم مخالفة الكتاب والسنة وعدم موافقة العامة. هذه الشرائط الثلاث في حين انها شرائط لحجية الحجة منفردة أيضا هي شرائط لحجية الحجة عند التعارض وربما اشتبه الامر عند كثير من الكبار ان مخالفة العامة شرط في مقام الترجيح او شرط في مقام الحجية والعصمة لأهلها.

فلا بد من التمييز ان المقام الأول ان الحجية مشروط بان لا تكون موافقا للعامة او مخالفا للكتاب والسنة ما المراد بذلك؟ المراد هو ان لا يكون الخبر مناقضا ومخالفا للكتاب بنحو التباين ولا مع السنة القطعية بنحو التباين بل حتى بنحو العموم والخصوص من وجه وان لا يكون هناك قرينة متصلة او منفصلة على كون الخبر صادرا تقية لان الصادر تقية بغض النظر عن المعارض ليس بحجة. فهذه شرائط لحجية الخبر منفردة.

في مقام التعارض هذه الشرائط بصياغة أخرى شرائط. مثلا كلا الخبرين المتعارضين واجدان للشرائط الأولى الانفرادية لكن احدهما موافق لعموم الكتاب والآخر يخصص الكتاب فيرجح المطابق لعموم الكتاب. ذلك ليس مخالفا لعموم الكتاب بنحو التباين بل مخالف بنحو التخصيص لكن هذا المقدار كاف في ترجيح الموافق على المخالف. او في السنة القطعية كذلك.

وفي التعارض صرف موافقة العامة ليس بمعنى التقية وصرف مخالفة العامة ليس بمعنى اليقين بالواقع وليس هناك قرينة متصلة ومنفصلة على التعارض. لكن لما تعارض الدليلان المخالف للعامة والموافق فتلقائيا يحمل الموافق على التقية. لولا التعارض لما يحمل الموافق على التقية بصرف الموافقة لانها ليست قرينة. بخلاف القرينة الخاصة ان الامام يلوح ان الخبر الفلاني تقية وهذا في المقام الأول بخلاف المقام الثاني. اذا في المقام الثاني ليس هناك قرينة خاصة متصلة ولا منفصلة على التقية لكن صرف الموافقة يجعل الخبر مرجوحا.

(هيمنة محكمات الكتاب والسنة على حجية الخبر)

طبعا بالدقة في المقام الثاني أن موافقة الكتاب وموافقة السنة القطعية مرجحتان ومخالفتهما دالة على المرجوحية وكذلك في المقام الأول اخذ موافقة الكتاب والسنة واشتراط الموافقة للثقلين وعدم مخالفتهما بصيغتين ماذا يعني بنظرة قانونية تحليلية؟ يعني ان الاخبار الآحاد ليست موجودات منفلتة ومبتورة ومقطوعة بل لابد ان ترجع الى الأصل والاساس. وهي التشريعات الفوقية القطعية للكتاب ومحكمات سنة المعصومين. وهذا يعني ان المحكمات مهيمنة دستورية قانونية على كل منظومة التشريع. لا نكتفي بلغة الاثبات وهي قيمتها متوسطة كما ان الأصول العملية من جهة المفاد العلمي انزل بكثير من الدليل الاجتهادي كذلك البحث الثبوتي مقارنته مع البحث الاثباتي والدليل الاجتهادي مؤداه غني ودسم علميا.

المقصود ان معنى ان الكتاب والسنة ميزان مهيمن على كل الاخبار في كل الشريعة وكل الدين يعني ان هذه هيمنة منظومية علمية ومتنية وان هذه المحكمات من الكتاب والسنة تحدد الاخبار وليس لخبر ان ينفلت عن هذه الدائرة واذا انفلت اطرحوه على عرض الجدار وهو زخرف في المقام الأول او اجعلوه مرجوحا في المقام الثاني. لذلك ضابطية التقية لها لسانان يعني في المقامين كما ان لسان روايات موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة كذلك لسانان في المقام الأول والتباين والمقام الثاني والتعارض.

أيا ما كان نلاحظ سيما عند الامامية ان ميزانية الكتاب والسنة سيما في المقام الأول ان الخبر ليس بحجة الا ان يمر عبر تفتيش محكمات الكتاب والسنة تفتيشا مضموني متنيا. سواء ان يكون الرواة ثقاة او غير ثقاة.

(أنواع صدور الرواية)

احد معاني الروايات الواردة «لم نقله» يعني لم نريده جدا ولم ننشأه كحكم جدا او لم نقله في مقام انشاء الحكم الجدي. اذا ليست القضية قضية الصدور ولا صدور. ربما شرحنا هذا المطلب من قبل انه استجد هذا التعبير ان فيه صدور سماعي وقولي ومعروف وان فيه صدور بمعنى آخر يعني جعل او لم يجعل سواء ان الامام اسمعه الرعية او لم يسمعه. جعل ولو لم يجعل بنفسه بل جعل بالعموم. هذا الحكم النازل صدر يعني جعل وانشأ ولو بنحو التنزلات. مثلا الزكاة نفسها هي تنزل لاقامة العدل المأمور به في القرآن «جعل الله للفقراء حقا في أموال الأغنياء» هذا نوع من العدالة فنفس الامر بالعدل «ان الله يأمر بالعدل» هو في نفسه صدر الامر بالزكاة وان كان الامر بالزكاة امر آخر. فليس المقصود من الصدور وصدور الجعل هو الصدور بقالبه وحرفيته ولو بالعموم الفوقي يمكن ان يصدر. فاذا معنى الصدور وصدور المتن أي ان هذا مجعول سواء بالعموم او بالخصوص كانما نطفة هذا الحكم موجودة في صلب القوانين الفوقية فصدر وبالتالي هو موجود. فهو موجود في علم القانون. فصدور متني وفيه صدور صوتي الذي يعبر عنه الوحي او أئمة اهل البيت «رواة العلم كثيرون ووعاته قليلون» «حديث تدريه خير من الف حديث ترويه» وفي رواية عشر وفي رواية مأة يعني حسب درايته من المتن. بالدرايات في الروايات تعرف مقادير الرجال والرواة عنا» كما في الآية الكريمة «لولا نفر» يعني يهاجرون للرواية عن الوحي لكن الغاية هي الفهم والتفقه. مما يدل على ان الايصال الصوتي والسمعي ما هو الا آلة تكوينية للوصول الى المتن.

جملة من الاعلام قالوا ان الأدلة التي استدل بها على حجية الخبر العدل او الخبر الموثوق به هي في الأصل ليست في حجية الخبر العدل ابتداء ومركزيا. بل في صدد الامر باكثار الاخبار والرواية كي تصل الى العلم. في صدد الامر بإيجاد الأسباب الظنية لتصل الى درجة العلم. هذه نكتة عجيبة. فاسئلوا اهل الذكر لكن الغاية «ان كنتم لا تعلمون» يعني لتحصيل العلم. والنفر الى رواية الحديث أيضا لتحصيل العلم لا الظن المعتبر من الخبر الواحد الثقة. فاكثر الايات الواردة او الروايات الدالة علي حجية الخبر الواحد الثقة هي همها ليست حجية خبر الواحد العدل بل همها اكثار الطرق الظنية المعتبرة او غير المعتبرة بالقسم الثاني كي تصل الى درجة القطع والعلم. لان هدف الشارع هو العلم والظن من باب التيمم والاصل والماء هو العلم. هذه نكتة لطيفة في اصل نظام الحجج عند الشارع وهو لتحصيل الماء والعلم لا ان تقول ان الأصل هو التيمم وتحصيل الظن.

فالهدف من الظنون هو الايصال التكويني. المتن الذي يصل الينا من المعصوم وصوله التكويني مرهون باعتبار الطريق او مرهون بوجوده الموضوعي التكويني؟ بل بوجوده الموضوعي التكويني لا اعتبار الظن. طبعا عندما يذكر الفقهاء والرجاليون القدماء بمراتب الوثاقة لاجل ان يكون تحصيل العلم ليس جزافا بل موزون احصائي رياضي دقيق. على أساس ان العلم حصل جزافا او حصل احصائيا رياضيا. بهذا السبب لا ان الهدف هو التيمم وخبر الواحد.

اجمالا اذا الصدور الذي يعبأ به الشارع هو الصدور التكويني ليس الصدور الاعتباري. اكثر ما تراجعون كلمات الأصوليين وكثير من الكبار الرواد قالوا ان الايات والروايات الصادرة في حجية خبر الواحد ابتداء ليس في هذا الصدد بل ابتداء في الوجوب الكفائي لمدارسة العلم الوحياني وايصاله التكويني للأجيال. «رحم الله امرء سمع مقالتي وحفظها ثم بلغها» في صدد اكثار واستفاضة والتواتر حتى تصل الى العلم سواء بالتواتر المعنوي او التواتر اللفظي او التواتر الإجمالي عبر الطرق الظنية لا الظنية المنفلتة.

ثم الصدور التكويني الذي يعبأ به الشارع هو الصدور المتني ان هذا المتن ليس مناقضا لمحكمات الكتاب ومحكمات سنة المعصومين. هذه خارطة يجب ان لا تنقلب ونذهب الى الهوامش ونترك العواصم.

البحث ان شاء الله فيه استمرار. فكرة التعارض تندرج في الوقوف على الخارطة الحقيقية للحجج ثبوتا ثم اثباتا. الثبوت بمعنى المتن والاثبات بمعنى العلم ابتداء ثم الظن المعتبر. لا يمكن ان نجعل وثاقة الراوي هي الأصل بل المضمون ومحكمات الكتاب والسنة هي الأصل. لذلك انقل هذه النسبة الى القدماء الى زمن المحقق الحلي والشهيد الأول ان الأصل عندهم صحة المتن وهي المدار الأكبر حتى النجاشي وانا مستعد ان اخصص مراهنة مع الاخوان من يأتينا ان النجاشي اطلق لفظة الصحة على الطريق في كتابه او الغضائري او الشيخ الطوسي في الفهرس او التهذيب او الفقيه او الكليني. ليس مورد اطلق الصحة على الطريق بل يطلقون الصحة أولا وبالذات على المتن ثم يطلقون الصحة على الكتاب بدرجة انزل اما الطريق لا يطلقونها على الطريق. فاذا خارطة الحجج عند القدماء برمتهم هي هذه. ابن قبة هذه كلامه. عكس كلامه على غير ما هو عليه.