45/08/09
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/التزاحم
(خلاصة مما سبق)
كان الكلام في ما قرره مشهور متاخرين او مشهور الطبقات المتعددة المتاخرة من ان الحكم هو المرتبط بعموم المكلفين والطبقة النازلة وما قبله من صورة طبقات الحكم او صورة درجات العموم والعمومات انما هي كواشف ودلائل على الطبقة الأخيرة من الحكم.
لكن كما مر بنا هذا المبنى خلاف المنظومة الذاتية لعلم القانون وهو لغة استعمله الشارع في التشريع بمعنى لغة علمية.
(العلوم النتاج البشري لغة تصورية للوحي)
هناك لغات لسانية وهناك لغات معنوية بحق تسمى لغة. حتى انه قد فسر «من عرف لغة قوم امن شرهم» قيل ان المراد ليس هو خصوص اللغة اللسانية بل المراد بالدقة معرفة ثقافة قوم واعرافهم. فالثقافة العامة لغة يعني ان يعرف ما يستقبحونه وما يستمدحونه.
بالتالي العلوم في جانبها التصوري لغات لانه كما ان اللفظ دال على المعنى التصوري فالمعنى التصوري هو بنوبته دال على المعنى الاستعمالي. فالمعنى التصوري لغة ودال كذلك اذا ذهب الى المعنى الاستعمالي فهو أيضا دال من الدوال على ما بعده فالمعنى الاستعمالي أيضا صحيح انه لغة تصورية ولغة من اللغات الدالة. فنظام المعاني في علم البلاغة او نظام البيان بالدقة كانه نظام لغة. التفهيم بدوره دال ولغة رابعة على المعنى الجدي والمعاني التفهيمية تدخل فيها الأعراف والكناية والامثال الموجودة في مجتمع معين ويقصدون من هذا المثل في تفهيم معنى جدي.
بعض اللغات مثل اللغة الإنكليزية ربما تسعين بالمأة من لغاتهم كنايات وعندهم فقر في اللغة وان كان الكناية باب عظيم. هنا البحث كمنهج صناعي ان المدارس الفلسفية المختلفة او مدارس العرفان او التصوف النظري كلغة تصورية يمكن ان تستثمر لان اللغة العقلية او اللغة القلبية عندما يحاجج القرآن اهل الملل والنحل المختلفة يحاجونهم بلغة تصورية عقلية او لغة تصورية قلبية فاذا لا تعرف معنى الوصال او القلب المتيم فهذه المعاني استعملها الوحي فلابد من فهم المعنى التصوري. نعم لا يأخذ بتصديقاتهم من مدارس الفلاسفة او مدارس المعنوى من النتاج البشري وهم عندهم مساحة لبديهيات العقل وبديهيات القلب والفطرة. شبيه النقاش الموجودة بيننا وبين المذاهب الأخرى ان اللغة التصورية موجودة بيننا وبينهم فكيف يناقشون باللغة التصورية. كما ان التصديقات أيضا مشتركة بيننا وبينهم كما ان يستدلوا بآية. ففيه مقدار قليل من المشتركات التصديقية. نعم من يحبس نفسه على مدارس الفلسفة او يحبس نفسه في نتاج العرفاء فهو معرض عن الوحي العياذ بالله. اما اذا تستثمر هذه الأمور كلغة تصورية شبيه كتب اللغة فهذا المقدار يأخذ به كمعنى تصوري فمن جهة الرياضة اللغوية العقلية والرياضة اللغوية القلبية فالخوض معهم اجمالا مع التحرز عن التبني على مبانيهم النتاج البشري التي ما انزل الله بها من سلطان شيء مفيد. طبعا من عنده القدرة العقلية و الادراكية. كما انه من يخوض لا يخوض فيها منعزلا عن الغور والغوص والتتبع في بيانات القرآن وبيانات احاديث المعصومين لان الانسان يتأثر. اجمالا مبحث اللغة التصورية مبحث مهم في خطاب الوحي سواء في المعارف او العقائد او اللغة القلوب او اللغة التصورية في القانون. ان الشارع في القوانين أيضا استخدم اللغة القانونية العقلائية كلغة تصورية. فمن ثم هذه المنظومة في الحكم الظاهري والحكم الواقعي موجودة حتى في الاحكام والقوانين العقلائية وليست مختصة بالشرع.
(التقنين في علم القانون العقلائي طبقات)
فاذا اذا كان في لغة القانون منظومة الطبقات وباشكال مختلفة طريقة التبادل بين القوانين ومشجرات القوانين تتداخل بشكل معقد وصعب فالحال في قوانين الشرع أيضا هكذا. لا ان القانون هو الطبقة الأخيرة بل هناك جملة من القوانين مرتبطة بالقاضي وجملة من القوانين مرتبطة بالمفتي وجملة من القوانين مرتبطة بالوالي وهلم جرا. بالتالي القوانين وظائفها مختلفة وليست كل قانون هو للجانب العملي البدني لعموم الرعية.
(بعثة سيد الأنبياء على بني هاشم خاصة دالة على طبقات القانون)
اذا ما بينه سيد الأنبياء صلوات الله عليه وآله في حديث يوم الدار على طبق علوم القانون «بعثت اليكم يا بني هاشم خاصة» باعتبار المصطفين منهم لا كل بني هاشم. فبعث اليهم ببعثة خاصة وبقوانين خاصة باعتبار انها جهاز القيادة للدين «اسد الله واسد رسوله» والطيار وهم قادة الدين فلهم احكام خاصة وقوانين خاصة من الله. مثل ان عندنا قوانين خاصة للوزراء وقوانين خاصة بالمدراء وان كان ترتبط بمعنى بعموم المواطنين لكن ليس مباشرة. اذا القانون الموجود في دستور أي بلد لا يختص بعموم المواطنين مباشرة بل هناك جملة من القوانين يحدد للوزراء وجملة من القوانين يحدد للقضاة وجملة يحدد لرؤساء الجمهورية وجملة من القوانين يحدد لفقهاء القانون الدستور او فقهاء القانون البرلمان او فقهاء الوزارة. فالمفروض تبويب القوانين الشرعية طبق هذه التبويبات اكثر فاكثر. يعني تجعل هذه القوانين العقلائية العرفية الموجودة العصرية بتبويبها فنحاول ان نقتبس منها تبويب القوانين الشرعية كما هو حاصل في جملة من موارد التجارب سواء شيعية او غير شيعية انه يحاولون ان يأسلموا القوانين وان يستمدوا شرعية قانون معين من نفس نصوص الشريعة او القضاة او الطبقات الجهاز الحاكم. فمما ينبه على ان طبقات القوانين متعددة وليس طبقة واحدة.
(دور الفقهاء في التزاحم بين الملاكات على طبقات القانون)
فالصحيح ان القول بأن التزاحم بين ملاكات الاحكام ليس وظيفة احد الا الشارع فالشارع بمعنى الله صحيح وسيد الرسل صحيح والائمة الاوصياء صحيح ومن بعدهم نفس المفتي مقنن ومشرع . ليس مشرعا من نفسه لكن الفتوى تشريع ويتعاطى مع القوانين بما هو مشرع ولا يتعاطى مع القوانين بما هو عامل بل حيثية أخرى. فهذه وظائف للمجهتد كالاجتهاد والاستنباط.
(الضوابط والموازين في استكشاف الطبقات)
هذا الباب لازم ان يفتح في علم الأصول. في الحقيقة بحث الترتب والورود والتوارد والتخصيص والعموم كله بحوث ضوابط وموازين لاستكشاف طبقات القوانين. اما موازين اثباتية او موازين ثبوتية. طبعا والمسائل العقلية غير المستقلة موازين ثبوتية.
اجمالا ما فرض عند متاخري الاعصار ان الحكم طبقة واحدة فيه مسامحة وهذا نوع من التزاحم بعد التشريع لكن بطبقات متعددة وبالتالي هي فئات مختلفة ولابد في التناسق بينها من التحكيم بالضوابط والموازين.
(الفرق بين مدرسة أصول القانون عن مدرستي روح الشريعة وفقه المقاصد)
هذا هو الذي مر بنا ان مدرسة أصول القانون تختلف عن مدرسة فقه المقاصد وعن مدرسة روح الشريعة ومذاق الشريعة. فقه المقاصد غلب على جملة من علماء الجمهور وروح الشريعة غلب على كثير من فقهاء الامامية. لكن الصحيح هذه المدرسة الأولى علم أصول القانون ومبادئ القوانين واصول التشريع الذي يعبر عنه المحقق الحلي في اكثر كتابه الشرائع كاصول المذهب وقواعد المذهب.
هذه الثلاث مدارس لكل منها حسن لكن مدرسة أصول القانون اضبط المدارس لان كل خطوة قانونية تستدعي ضابطة وميزان ثم تناسب هذه الموازين مع بعضها البعض فمن ثم فيه الانضباط وليس فيه عشوائية الحدس او الاستذواق. هذا ما يمر بنا مرارا من علم أصول القانون كما مر بنا قبل أيام نهضة عظيمة في الفقه والأصول ولابد من ان يتابع اكثر فاكثر.
(أنواع التنافي بين الاحكام على طبقات القانون)
اذا ما قرره متاخروا الاعصار من ان التدافع والتنافر والتجاذب او التناقض او التضاد بين الاحكام اما تزاحم امتثالي او تعارض ليس بتام بل أنواع التنافي بين الاحكام كثيرة جدا وما يكتشف منها يوما بعد يوم في علم الأصول كما هم صرحوا بذلك لان الضوابط كثيرة.
(مبنى عدم تساقط المتعارضين على طبقات القانون)
من هنا شيئا ما نلتفت: ذكرنا في الدورتين السابقتين في بحث التعارض ان القدماء الى زمان صاحب الجواهر الى حد ما يعني مدرسة الوحيد البهبهاني عدا القرن الأخير مبناهم في التعارض ليس التساقط. يعني البناء في التعارض حتى ما يترائى انه مستقر ليس على التساقط بل ليس مبناهم كما ذكر صاحب الكفاية ان الساقط احد الدليلين والثاني لا وجه لسقوطه بل مبناهم على عدم سقوط كلا الدليلين.
فقد يكون من باب التزاحم الثبوتي او من باب التزاحم الاثباتي. يعني انهم لا يسقطون الدليل في الدلالة ولا يسقطون الحكم أيضا لانه ذكرنا عشرين وجها فيه ومن تلك الوجوه منظومة القوانين.
(الحكم الطبعي والفعلي على طبقات القانون)
عندنا حكم طبعي وحكم اقتضائي وحكم حيثي وهذه الأقسام متقاربة. مثل ان نقول ان الماء حلال يعني بطبعه الاولي حلال لكن اذا صار مغصوبا حرام. حرمة الغصب لا تتنافي مع طبع الحلية الموجودة في الماء. هذه الحلية الطبعية للماء لا ترتفع مع حرمة الغصب. فلا اقل اقتضائية ولا اقل طبعية. فالماء حلال من حيث هو الماء لكن حرام من جهة التصرف والملكية. فهذه الحرمة لا تتنافى مع الحلية ولا تعارض بينهما بل توفيق بين الحكمين. لان الدليل الذي يدل علي الحلية يدل على الحلية الطبعية والحرمة حرمة فعلية ولا تنافي بين الحكم الاقتضائي والحكم الفعلي. هذا مثال.
فاذا عندنا جملة من الاحكام الاقتضائية او الطبعية او الحيثية وما المانع من ذلك. فمن ثم هذه المنظومة من الاحكام في الوزراء والمفتين والمشرعين لم لا تحمل على الاقتضائيات فلا يكون تعارضا.
(مبنى القدماء في التخصيص والتقييد على طبقات القانون)
من ثم انه عند القدماء العام المخصص او المطلق المقيد في منطقة الخاص ليس محوا بل مجمد. العلم في نفسه يقتضي الاحترام لكن هذا العالم فاسق فبحث آخر. لا ان العلم الذي عنده لا يقتضي الاحترام. بل يقتضي لكن فسقه مانع. لكنه عند المتاخرين الاعصار يقولون ان هذا الدليل الذي دل على حرمة اكرام العالم الفاسق يدل على انه لاملاك لوجوب الاكرام في العالم الفاسق. بينما القدماء يقولون ان كل حكم ورد على عنوان يدل على ذلك العنوان فيه ملاك حتى الذي يكون مخصصا. هذه عبارة عن تداخل المقتضيات.
ففرق بين ان نجعل التخصيص كاشفا عن جعل طبقة واحدة او بين ان نقرأ التخصيص كاشفا عن جعل الطبقات. كذلك في التقييد انه يكشف عن طبقة واحدة او طبقات في التقنين. فيه ثمار عديدة. مثل انه لو جمد الخاص يتفعل العام. او ثمرته في باب التعارض فلا يكون تعارضا هذا الدليل فيه اقتضاء وذلك الدليل فيه اقتضاء أيضا. حملهم على حكمين اقتضائين صحيح حتى صاحب الكفاية يقول انه اذا حملنا الحرام والوجوب في موضوع واحد على الاقتضائين ما الدليل على انهما تعارض وتناقض وتكاذب. صاحب الكفاية خلافا للنائيني والسيد الخوئي في باب اجتماع الامر والنهي لا يلتزم بالتعارض الا نادرا ويعبر عنه بالتزاحم الاقتضائي.
يمكن ان يقال ان باب اجتماع الامر والنهي تقارن اتفاقي بينما التقارن الدائمي في باب التعارض؟ حتى الدائمي عند المشهور عبارة عن تزاحم المقتضيات وليس مانعا في ذلك. دعوى المتاخرين انه بالتالي تساقطا وتعارضا وتساقطا من اين؟ من اين التكاذب والتساقط؟ هذا اقتضاء الحلية وذلك اقتضاء الحرمة.
فاذا عند المتقدمين سواء ثبوتا تزاحم اقتضائي قابل للتصوير ومن شئون المشرع والمشرع بالاصل هو الله او النبي او الاوصياء او المشرع بالنيابة والتابع وهم الفقهاء والمجتهدون.
(حديث هشام بن حكم وطبقات القانون)
هشام بن الحكم رضوان الله عليه وان كان فرط في الامن وحفظ حياة الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه وسبب ورطة امنية للامام الكاظم. موجودة في روايات الامام الرضا سلام الله عليه. انه رغم انه كذا لكنه عنده هذا الخطأ الكبير. لذلك لولا تسديد الامام للفقهاء اجمالا كما يقول الشيخ المفيد او الشيخ الطوسي لا يسدد الفقيه. هذا فرق المعصوم عن الفقيه العادل الورع. فرق بين اورعية الفقيه وعدالته وبين عصمة الامام. البشر عموما هكذا.
هشام بن حكم استنتج مطالبا عقائديا ومعارفا من أصول علمها إياه الامام الصادق سلام الله عليه في محاجته التي هي اول من اشتهر بها هشام بن حكم مع عمرو بن عبيد. الامام الصادق قال ان هذا الاحتجاج بعينه اوحي الى النبي إبراهيم. يعني إبراهيم بنفسه لم يدركه بعقله لكن هشام ادركه ببركة علم النبي وسيد الأنبياء من أصول نبوية. يعني العلماء يمكنهم ان يدرك صحف إبراهيم ببركة أصول نبوية. «علماء امتي» يعني العلم مني سيد الأنبياء وبهذا العلم يستطيعون ان يدركوا صحف إبراهيم وصحف موسى لان القرآن مهيمن ويتولد منها التوراة والانجيل والزبور. هذا النص موجود في أصول الكافي ان القرآن مهيمن يستنتج منه التوراة والانجيل والزبور. الامام سلام الله عليه هذا الذي استنتجته من هذه الأصول القرآنية التي علمتك عين ما انزل الى النبي إبراهيم. هذا شرف لسيد الأنبياء وشرف للعلم القرآني انه مهيمن.
فاذا علماء حتى في علم الكلام لهم دور فضلا عن علم الفقه. وهذا يدل على الطبقات في العلوم الدينية. هذا البيان من الامام الصادق سلام الله عليه مذهل والنكتة عظمة علم سيد الأنبياء.