الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/التزاحم

 

(خلاصة مما سبق)

كان الكلام في ان مشهور المتاخرين او المشهور عموما يبنون على ان الجعل والتقنين طبقة واحدة وهي الطبقة المحصلة النهائية من منظومة الأدلة.

(تشريع الصلاة والزكاة طبقة او طبقات)

سؤال لتوضيح المطلب: عندما يقال ان الله افترض الصلاة ركعتين اوليتين. ان الآية الشريفة «اقيموا الصلاة» في أصل وجوب الصلاة وكونهما ركعتين لإبلاغ سيد الأنبياء صلوات الله عليه وآله عن الله انها ركعتان ثم أضاف اليها سيد الرسل الركعة الثالثة ثم أضاف الركعة الرابعة في الرباعيات.

عندما يقال ان الركعتين الاوليتين من الفرائض الخمس فريضتا الله والثالثة والرابعة سنتان للنبي فماذا يفسّر هذا التعدد عند المشهور؟ ان الركعتين فرضيتان من الله والباقي سنتان للنبي، هل هما جعلان او جعل واحد او متمم الجعل؟ قانونان او قانون واحد؟

او إنهم يريدون ان يقولوا انهما كاشف، لكن بالتالي هما تقنينان تركبا او تمّم بعضهما بالآخر، كما ان جملة من الشرائع والموانع يظهر من الأدلة انها من سنن الأئمة سلام الله عليهم.

بعبارة أخرى ان الصلاة في لوح الله المحفوظ من اول الامر كانت هذه المجموعة المركبة أم ان الحق انها طبقات من القانون جمعت مع بعضها البعض ولو بطريقة متمم الجعل. هذا بالنسبة الى باب الصلاة.

بعبارة أخرى: ان «اقيموا الصلاة» عنوان عام، لكنه هل كونها ركعتين بتقنين ثاني او نفس التقنين الأول والتقنين الأول مبهم او ليس في التقنين الأول تعميم بل انما كاشف عن ما سيأتي من التقنينات؟ طبعا الفرائض متعددة الأبواب في الصلاة فضلا عن النوافل وغيرها. كلامنا ليس في تعدد الأبواب بقدر طبقات باب واحد.

مثلا باب الزكاة: ان الله افترض اصل الزكاة والذي حصرها في التسع هو سيد الأنبياء صلوات الله عليه وآله. بالنسبة الى الشرائط في الزكاة بعضها من تقنينات اهل البيت سلام الله عليهم.

(الكلام في السلطة التشريعية للنبي واهل البيت لا التنفيذية)

احد الاخوة سأل ان المقصود من تقنين اهل البيت او تقنين النبي صلوات الله عليهم هل هو الحكم الولائي؟ اصطلاح فقهي ان الحكم الولائي يعني الحكم التنفيذي والان كلامنا ليس في الحكم التنفيذي بل في الحكم التشريعي. يعني من الأول جعلت وانشأت بنحو ثابت ونابع من السلطة التشريعية. الان بحثنا عن ان التقنين والقانون طبقة او طبقات في التشريع وليس في القوانين السلطة التنفيذية لانها طبيعتها تنفيذي وليست تشريعية. كلامنا الان في القوانين التشريعية.

(الفرق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية)

هناك جدل مهم انه ما الفرق بين الحكم التنفيذي الذي يعبر عنه الحكم الولائي وبين الحكم التشريعي الذي هو ثابت؟ سيد الأنبياء له ولاية التشريع ولما يقال ولاية التشريع غير ان له ولاية تنفيذية. طبعا «انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» يعني امير المؤمنين علي بن ابي طالب سلام الله عليه، ليست في خصوص السلطة التنفيذية بل انما المراد مطلق الولاية في الدين بما يعم السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية وغيرها من الولايات الدينية حتى دخول البشر في الدين باذن من الله وقبول من الله ورسوله واوصياء الرسول صلوات الله عليهم وهذا أيضا نوع من الولاية.

فالمقصود أن الحكم التشريعي في قبال السلطة الولائية والحكم التنفيذي وهو كما ان الرسول صلوات الله عليه وآله حرم لحم الخيل ليست تشريعا بل حرمه ولائيا باعتبار انها آلة للجيش فالمصرف اذا يكون على لحم الخيل فآلية الجيش ينعدم. فحرمه فترة لان طبيعة الحكم في السلطة التنفيذية موقتة. فرق الاحكام والقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية بالاصطلاح الفقهي عن الاحكام التشريعية ان الأول نوع من التدبير والولاية التدبير وليست ولاية في التشريع. هذه الولاية التنفيذ طبيعتها انها لا يكون تشريعا ثابتا.

كما ان سيد الأنبياء نهى عن المتعة نهيا تدبيريا يعني في بعض الموارد كما ان الامام الصادق حرم على ابان بن تغلب وواحد آخر من الكبار ان يأتيا ويقدما على المتعة في المدينة المنورة لاسباب امنية. هذا ليس تشريعا بل تدبير. فبما هو تدبير غير بما هو تشريع. هذا بحث مهم التفرقة بين التدبير والتشريع.

هذا الخلط وقع فيه العامة او اخلطوا عمدا ان نهي النبي عن المتعة في بعض الأماكن وبعض الأزمنة لم يكن نهيا تشريعيا بل كان نهيا تدبيريا. مثل ان الدولة تمنع عن التدخين في صالة المطار فهذا ليس تشريع بل تدبير.

فيه بحث علمي دقيق انه ما الفرق بين الحكم التنفيذي او الولائي او التدبيري مع الحكم التشريعي؟ بحث صناعي مهم في علم القانون وحتى علم الفقه.

الان ليس كلامنا في الحكم التدبيري والولايي والتنفيذي بل كلامنا في الحكم التشريعي الثابت. هل هو طبقات او طبقة واحدة؟

(امتناع أن يكون التقنين طبقة واحد في علم القانون العقلائي)

في علم القانون كعلم استعمله الشارع كما هو عند العقلاء وعرف البشر ممتنع ان يكون القانون طبقة واحدة بل لابد ان يكون منظومة التشريع طبقات وليست الطبقات من قبيل البناء العمودي في الأبنية الهندسية بل أفضل شكل يشير اليه هي الشبكة العنكبوتية. وان كان الكثير ربما يصور منطومة القانون من قبيل الهرم والى حد ما له وجه لكن الصحيح انه شبكة عنكبوتية وربما يقال انها شجرة. الخارطة الهندسية في الشجرة حتى في المعادلات الرياضية يتخذ هندسة شجرية والقران اكد على الشجرة «الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة» شجرة الزقوم وشجرة طوبى مما يدل على ان الهندسة الشجرية في العلوم الرياضيات وهندسة الكون بمعجزة القرآن لها دور أساسي. لا يبعد أن يكون منظومة التقنين كنظام الشجرة ولكن بالتشعبات يصبح شبيه العنكبوتية او التشجيرات المترابطة الضخمة جدا شبيه بالعنكبوتية.

هذا الرسم الهندسي له نظم معين والاشكال الهندسية نظم من النُظُم وتربط الأفكار والاستنتاجات العلمية مع بعضها البعض وهي صناعة علمية تحليلية تركيبية معادلاتية.

المقصود ان علم القانون طبيعته هذا لا ان طبيعته طبقة واحدة. مثل ان تريد تبين وتبدي حلا في مسألة رياضية كتقسيم الإرث او حسابات معينة الى ان تستجمع مرحلة مرحلة الى ان تصل النتيجة ولن تصل اليها الا بنتيجة المراحل من المعادلات. النتيجة هي واحدة وليست نتائج لكن بالتالي معادلات طبقات لا يمكن اغفالها.

الكلام مع مشهور الاعلام الا المرحوم الاخوند لانه قد يظهر منه احتمال هذه النظرية أن كل دليل يتكفل تقنينا والمشهور يقولون انه تقنين ظاهري لتأسيس قاعدة ظاهرية كي يرجع اليه عند الشك وكلامهم الى حد ما صحيح لانها ثمرة اثباتية لكنها ليست صحيحة بقول مطلق. لان هذا التقنين بنفسه قالب تقنيني بملاك اقتضائي.

(دعوى المشهور بان التوازن بين الملاكات ليس وظيفة المكلفين والرد عليها)

دققوا: دعوى المشهور ان التوازن بين الملاكات من شأن المقنن والشارع وليس من شأن المكلفين امس مر بنا الرد لهذه الدعوى في الجملة. نكمل الجواب بانه اذا كان المراد بما قبل الانشاء فهذا صحيح ومن شأن الشارع لكن بعد الانشاء من اين تفترضون ان التقنين طبقة واحدة وحكم واحد. نحن نقول ان التقنين منظومة. نعم ان النتيجة النهائية في مورد جزئي يكون حكما واحدا ولو سلمناها لكن هذا الحكم الواحد نتيجة الطبقات ومنظومات وتداخلات كثيرة في القوانين لا الأدلة فقط. تتداخل القوانين مع بعضها البعض ثبوتا حتى تكفل لنا طبخة معجون معين. مثلا طبخة معينة في الأطعمة ليست طبخة واحدة بل في الحقيقة مواد متعددة بعضها مركبة وبعضها بسيطة وتتخذ في كيفية التركيب مراحل ومقادير حتى تطلع الطبخة النهائية وليست الطبخة النهائية في لوح المحفوظ هي التي قننت فقط. بل كل هذه المراحل قننت ومنظومة القانون.

(دور طبقات القوانين البشرية مع بعضها البعض)

إن القانون كما سنبيه ليس الذي بينه المشهور وهم بينوه انه الذي يعمل به. هذا خطأ. فيه قوانين لا صلة بها بالعمل مباشرة بل له صلة بالعمل بعد وسائل طويلة او قصيرة. اذا دورها نظم القوانين.

القوانين الدستورية دورها ليست التنجيز والتعذير. الطبقات الصاعدة والمتوسطة للاحكام دورها الوظيفي القانوني يغاير هذا الشيء. التعريف بما عمل به تعريف نازل وفقط للطبقات النازلة. لكن الطبقات الفوقانية وظيفتها القانونية يختلف تماما ولها مجال آخر.

دور القوانين الدستورية عبارة عن حفظ الانضباط في القوانين البرلمانية ضمن موازين معينة. لذلك القاعدة القانونية الدستورية غير القاعدة القانونية النازلة وتختلف. مثل «لا تعاد» لان القاعدة القانونية الفوقانية لها أداء آخر. كذلك القوانين البرلمانية لا يصلح للمواطنين ان يعملوا بالقوانين البرلمانية بل هو وظائف للطاقة الحكومية والطاقة الوزارية. نفس الوزارات تحتاج الى التقنين كما ان الدستور لانضباط البرلمانيين. دور الدستور هذا.

(أوامر في القرآن خاصة للنبي واهل البيت)

لعلنا نفسر بهذا التفسير ان هناك أوامر في القرآن خاصة ببني هاشم فقط حصرا وفي الدائرة الأولى وبعضها بالدائرة الأولى والثانية فقط. وبعضها للدائرة الثانية حصرا وبعضها لعموم الناس.

قال صلوات الله عليه وآله في حديث متواتر في يوم الدار في الأيام الأولى من بعثته «انذر عشيرتك الاقربين» وهو اختصاص ببني هاشم. اول معلن بالإسلام اختصاص ببني هاشم واولا يتوجه الدعوة لبني هاشم والدين دينهم. هذا خاص من الله ببني هاشم. كما ان في رواية أخرى «وأمر اهلك بالصلاة» هذا امر خاص ببني هاشم والدائرة الأولى وربما الدائرة الثانية. في جملة من احكام القرآن «ان الله يأمر ان تؤدوا الامانات الى أهلها» هذا امر بالذات خاص لبني هاشم بالدائرة الأولى لا الثانية. لكن يستفاد منها احكام لعموم الناس بحث آخر. لكن نفس هذه الآية ببراهين عقلية خاصة ببني هاشم. «لتكونوا شهداء على الناس» أيضا خاص ببني هاشم وكذلك آيات أخرى من القران وهناك أوامر قرآنية مخصصة للدائرة الأولى والثانية.

لذلك سيد الأنبياء صلوات الله عليه وآله في حديث الدار المتواتر الذي طرقه من طرق العامة اكثر من طرق الخاصة وعجيب ان الاحاديث المتواترة من النبي من طرق العامة اكثر من طرق الخاصة ومعجزة عجيبة. هذه الخاصية معجزة في الدين ان الاحاديث البنوية المتواترة في فضائل امير المؤمنين صلوات الله عليه اكثر طرقه من طرق العامة. لذلك هؤلاء المقصرة في معرفة اهل البيت عليهم التنبه بهذه الظاهرة العلمية الاعجازية. هذه فائدة حديثية عقائدية تراثية. لطيف ان كثيرا من الطرق الذي رويت يوم الدار يقع في طريقها ابوبكر وغيره من أصحاب السقيفة. هذه ظاهرة عجيبة.

المهم في حديث يوم الدار قال: بعثت اليكم يا بني هاشم بخاصة وبعثت الى الناس بعامة. في بعض الفاظ هذا الحديث الشريف «بعثت اليكم يا بني هاشم خاصة وبعثت الى الناس عامة»

احد المعاني بلغة عصرية ان هناك حقيقة تشريعات قانونية من الله فقط لبني هاشم الدائرة الأولى او الثانية او كلاهما. ليست قوانين يتحملها بقية البشر. هذه هي التي نعبر عنها القوانين الدستوري والبرلماني. بالتالي تداعياتها تصل الى الناس لكن ليسوا مخاطبيها.

القوانين البرلمانية تتحكم بالقوانين الوزارية والمخاطب بها الوزارات. الخطاب القانوني طبقات خلافا لما عند مشهور الاعلام. مشهور الفقهاء يقولون ان «اجلدوا» ليس المخاطب بها الأمة بل المخاطب به القضاة والحكام. هذه وظائف السلطة القضائية لا يخاطب بها الناس. كذلك «لا تنقض اليقني بالشك» وظيفة استنباطية يخاطب بها الفقهاء. اذا أنواع واشكال عجيبة عديدة من القوانين عندنا. طبيعة نظام القانون هذا. لا يمكن رفع اليد عن هذه الطبقات. ليس القانون فقط للرعية وعموم المواطنين عموم آحاد البشر. هذه هي الطبقة النازلة من القوانين.

 

اذا كان الحال هكذا فجملة من الموازنات القانونية فقط من صلاحية سيد الرسل وهو يهندس هذه القوانين. هذه الصلاحية لم تعطى حتى الى الائمة سلام الله عليهم. «اطيعوا الله واطيعوا الرسول» اول من يخاطب باطاعة الله هو الرسول وأول من يخاطب باطاعة الرسول هم الائمة لا الأمة. اذا طبقات القانون متعددة ومنظومات القانون متعددة طولا وعرضا ومائلا وشكلا وضوابطها متعددة.

اذا ان ايات الاحكام 500 آية مسامحة وناظرة الى القوانين النازلة والا لو تلاحظون الى منظومة القوانين يمكن ان تكون خمسة آلاف.

تعبير فلسفة الشريعة وفقه المقاصد في محله لكن بلغة مدرسة علم أصول القانون طبقات من القوانين يخاطب بها الكثيرون. بالتالي يجب ان نكتشفها. لاحظوا كلام النائيني وكلام السيد الخوئي انها ليست من وظيفة المكلفين بل جملة من المكلفين كرسول الله وله ولاية خاصة والائمة لهم الولاية الخاصة والدائرة الثانية لهم الولاية الخاصة والفقهاء والمجتهدين لهم دور بعد ذلك وهم يوازنون وينظمون العام والخاص. وهذا ليس اثباتيا محضا بل ثبوتي ويوازنون بين الاحكام.

«ان لنا في كل كلام مخرج الى سبعين» ليس السبعين عددا حصريا بل لبيان الكثرة. يعني نفس طبيعة القانون يمكن هندسته وسباكته الى ما شاء الله بشرط ان يكون على الموازين.

الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه الرد على الوهابية كتاب منهج الرشاد لمن أراد على السداد يذكر في المقدمة ان الفقيه اذا لم يكن ورعا يمكن ان يشكل شكلا منظومة من الاحكام تناقض غرض الشارع. يعني لا تتلائم.

دعونا نكمل البحث غدا.