الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/الترتب

 

(خلاصة مما سبق)

كان الكلام في حرمة استعمال اواني الذهب والفضة فهل يصح الوضوء والغسل منها مع انحصار الماء او عدم انحصاره؟ في الحقيقة بناء على اخذ قيد القدرة شرعا في مشروعية الوضوء والغسل كما عليه المعاصرون واهل هذا العصر فهنا في تصحيح الوضوء يحتاج الى معالجتين.

(معالجة تنافي الحكمين من ناحية الموضوع ومن ناحية المتعلق)

معالجة من جهة موضوع الوضوء والغسل وقيود الوجوب ومعالجة أخرى من جهة المتعلق والوضوء. هذه نكتة لطيفة انه لا يكفي معالجة الحكم و فعلية الحكم ووجود الحكم وصحة العمل من جهة موضوع الوجوب بل لابد أيضا من معالجة الحكم من جهة المتعلق. يعني صحة العبادة مثل الحج كحجة الإسلام يجب فيها التحقق ووجود موضوع وجوب الحج كالاستطاعة بناء على اخذها في المشروعية والملاك ومن جانب ثاني متعلق الحج كثوبي الإحرام يجب ان لا يكونا محرّمين لانه يشترط في صحة الطواف بستر العورة وجملة من الاعلام يشترطون في الاحرام لبس ثوبي الاحرام والكثير ذهبوا اليه وان لم نذهب اليه في شرط صحة الاحرام.

لكي يصحح حجة الإسلام او العمرة لا يكفي التدقيق في موضوع الوجوب فقط وقيود الوجوب وتوفر قيود الوجوب بل لابد من ان لا يرتكب المحرّم في المتعلق أيضا. فلابد ان ينقح المسألة من البعدين ولا يكفي تنقيح الصحة من بعد واحد.

(معالجة الترتب للبعد الموضوعي فقط)

نكتة أخرى: ان الترتب في مبحث الضد الذي هو محور قولبة بحث الضد انما يعالج بعدا واحدا وهو بعد الموضوع فقط. اما بعد توفر شروط الواجب لا شأن للترتب به ولابد ان يعالج بأمور أخرى. كما ان الورود او التوارد ظاهرتان صناعيتان ترتبطان بقيود الوجوب ولا ترتبطان بقيود الواجب يعني فيما اثارها الاعلام في الورود و التوارد انهما يعالجان قيود الوجوب فاذا بعد الواجب يجب معالجته بزوايا فقهية او زوايا أصولية أخرى.

(معالجة التنافي في الوضوء والغسل في البعدين)

النكتة الصناعية في مثال الوضوء والغسل هي انه لا يكفي معالجته ببعد الموضوع فقط بل لابد من معالجته ببعد المتعلق والواجب أيضا.

فمن ثم هنا حرمة استعمال اواني الذهب والفضة اختلاف في المباني الفقهية ونحن مع احد القولين المشهورين ان استعمال الاواني مطلقا محرم وهذا يؤثر إما في الخلل في موضوع الوضوء والغسل ومر بنا امس انه لا يؤثر من جهة الترتب او غير جهة الترتب وذكرنا ثلاثة وجوه فلا يخل بمشروعية الوضوء والغسل حتى حرمة الاواني المغصوبة من جهة موضوع المشروعية للوضوء والغسل لا يؤثر. هذا بعد الموضوع وتم تأمين موضوع الحكم بالاستحباب الذاتي انه ما مأخوذة فيه القدرة او بان الأدلة ما اخذت القيد في الملاك والمشروعية. فحرمة استعمال الاواني الذهب والفضة او الاواني المغصوبة لا توجب خللا في الوضوء والغسل من جهة موضوع الحكم، لكنها تأتي عقبة في بعد متعلق الوضوء والغسل وتكون اجتماع الامر والنهي فهو بناء على الامتناع لا يوجب الترتب حلّا. والترتب انما هو لمعالجة التنافي في موضوعي الحكمين المتنافيين والمتضادين اما المتعلقان الحرام والواجب لا يعالجهما الترتب لان المحذور في الصحة هنا للمتعلق وهو ان المبغوض كيف يتقرب به. فهنا يفسد الوضوء والغسل من جهة الاستعمال المحرم.

فهنا لابد ان ننقح ان حرمة استعمال الآنية الذهب والفضة تسري الى عملية الغَسل الذي هو جزء الوضوء والغُسل. الغَسل فعل توصلي وجزء في الوضوء والغسل ويضم اليه النية. فالوضوء غَسل ونية بترتيب خاص. فلابد حينئذ من معالجته بشيء واذا لم يتم معالجته فيبطل.

حيث انا نبني ان الفعل المتصل كالمقدمة الموصلة بالاواني الذهب والفضة كما ذهب اليه احد القولين المشهورين حرام فلا فائدة فيه الا ان يغترف من آنية الذهب والفضة ويملأ آنية أخرى فكانما اخذه من آنية الذهب والفضة ليس للاستعمال بل لاجل الوقاية عن الاستعمال. هذا الماء يسكبه في آنية أخرى محللة ولو بغرفات ثم يغترف من آنية محللة فيصح.

الميرزا النائيني او اليزدي او السيد الخوئي فرضوا ان الاغتراف فقط حرام فهو اذا اغترف ثم استعمل للوضوء فلا حرمة في البين. هذا مبنى فقهي ونخالفه فلا يمكن تصحيح الوضوء سواء انحصر الماء او لم ينحصر.

(المسائل المهمة المطروحة في الأبواب غير الابتلائية)

ليس الكلام في الابتلاء في هذا المثال او عدم الابتلاء بل الكلام في الرياضة الصناعية في المثال ويطبق على امثلة كثيرة أخرى. مثل مبحث العبيد والإماء ان هناك بحوث صناعية فقهية غير موجودة في باب آخر. مثل أنواع الحقوق اكثرها بشكل غامض ودقيق موجود في ذاك الباب. واذا لم يدقق الفقيه فيها لا يلتفت الى ان نظام الحقوق يخالف نظام الملكيات. يعني ليس دائما البحث في الشيء لاجل نفسه بل لاجل نكات صناعية بحثت هناك بشكل غزير تستفاد منها في أبواب أخرى.

(بيان الأصول المنهجية في العلوم الدينية وعلم الكلام في باب الانسداد)

مثل باب الانسداد انه نظرية راقية عظيمة بغض النظر عن انا لا نلتزم به لكن اجمالا نظرية عظيمة لكن البحوث الضمنية في الانسداد اسرار علم الأصول ولا يبحثون عنها في مكان آخر. منها المنهج الصناعي في علم الكلام من نظرة أصولية او فقهية. هذا البحث بحثه الاصوليون بتمامه في مبحث الانسداد وان بحثوه شيئا ما في مبحث البرائة. استثمار علم الأصول في منهج علم الكلام. كثير من الغفلات او الجهلات سببها عدم الالتفات الى منهجية صناعية علم الكلام من بعد النظرة الأصولية لان علم الأصول منطق العلوم الدينية كلها. فعليك بالنكات الصناعية كي تستثمرها في الأبواب العصرية.

مثلا مبحث الانسداد: كيف هناك خارطة مهيمنة في الحجج وشيئا ما بحثوها الاصوليون في اول مبحث القطع. ان المكلف اذا التفت اما ان يقطع او يظن او يشك. بهذا المقدار بحثوه. لكن بحثوا عن الخارطة المهيمنة في الحجج في الانسداد. وتعطي البصيرة في الحجج انها مجموعية او استغراقية. بغض النظر عن نتيجة الانسداد نفس المباحث جدا مهمة. كثير من النكات الصناعية السريانية الشمولية تجدها فيه. اذا دورة الأصول كدورة كاملة ضرورية.

(الرجوع الى مثال الوضوء والغسل)

نرجع الى مثال الوضوء في الاواني الذهب والفضة او الاواني المغصوبة: لماذا شقق الاعلام في الانحصار وعدم الانحصار؟ الفرق انه في الانحصار موضوع الوجوب بناءء على اخذ القدرة فيه يكون مرهونا بالماء الموجود في الحرام اما لو فرض صورة عدم الانحصار فقيود الوجوب ستتوفر بناء على اخذ القدرة فيه. فالانحصار وعدم الانحصار لا يؤثر في معالجة المتعلق وانما يؤثر في معالجة قيود الوجوب ان القدرة موجودة او لا.

(المحوران الصناعيان في المثال)

اجمالا اصل مبحث الوضوء في الاواني الذهب والفضة لبيان محورين صناعيين.

الفائدة الأولى: ان لدينا بعدين: بعد قيود الوجوب وبعد المتعلق يجب تنقيح كلا البعدين.

الفائدة الثانية: ان القدرة التي يريد الترتب تصوير توفرها مع عصيان الأهم ليس من الضروري ان تتواجد دفعة بل اذا تتواجد تدريجا أيضا كافية. هذه نكتة لطيفة. القدرة الشرعية او العقلية او ما شئت فعبر.

 

(الوضوء والغسل من الاواني المغصوبة والامر فيها اسهل)

اما الحال في الاواني المغصوبة فالامر اسهل لانه اذا اغترف منها ارتكب اثما لكن بعدها هذا الماء مباح. وليس لدينا دليل علي ان الماء الذي يغترف من الانية المغصوبة الفعل المتعقب بنحو القضية الموصلة حرام. ليس هناك خدشة في المتعلق اذا كان وضوءا غير ارتماسيا. وانما يبقى الاشكال في كيفية تصوير الحل في قيود الوجوب وذكرنا حلا بثلاثة وجوه سواء انحصر الماء في الاواني المغصوبة او لم ينحصر.

الفرع الثالث التوضؤ في الأرض المغصوبة او الفضاء المغصوب هل الاشكال يجري؟ الاشكال من بعد من بعد القدرة على الوضوء وبعد الواجب.

الصلاة في الأرض الغصبية لانها معتمد على القيام والجلوس والسجدة فتصرف في الأرض الغصبية. ويجيء بحثه مفصلا لكن بالنسبة الى الوضوء كيف هو تصرف؟ هل من جهة الماء الذي يتساقط؟ هذا فعل لاحق على الوضوء. هل من جهة صب الماء وحركة الماء في الفضاء الغصبي وهو ليس وضوء. الوضوء هو وصول الماء الى بشرة المتوضئ. هو نفسه ليس تصرفا. هذه نكتة صناعية مهمة يجب الالتفات اليه بغض النظر عن المثال.

(الدقة العقلية المجهرية في الأبواب الخمس العقلية غير المستقلة لا النظرة العرفية)

النكتة هي ان نلتفت الى ان مبحث اجتماع الامر والنهي ليس فيه نظرة عرفية مسامحية وكذلك مبحث الضد ومبحث ان النهي يقتضي الفساد فلا تحكيم للنظرة العرفية بل التحكيم للنظرة الدقية العقلية بالدقة المجهرية في الماهية تكوينا لان البحث عقلي هل هو مجتمع مع الحرام او لا. ان التدقيق في الماهية تدقيق مجهري وليس عرفيا.

الوضوء والغسل هو وصول الماء للبشرة فبعده وقبله ليس الوضوء والغسل. هل متن ماهية الوضوء والغسل تجتمع مع الحرام او لا. فاذا لم تجتمع فتكون من باب التضاد وليس من باب اجتماع الامر والنهي. هذا بحث صناعي للتدقيق الصغروي بين موارد التزاحم والضد ومسألة اجتماع الامر والنهي. هذه المسألة قد تترائى انه من مباحث اجتماع الامر والنهي لكنه بالدقة من مبحث الضد والتزاحم. فموضوع مبحث التزاحم مغاير عن موضوع مبحث اجتماع الامر والنهي. كما ان موضوع ان النهي يقتضي الفساد يختلف صغرويا عن مبحث اجتماع الامر والنهي. هذه ثلاث مسائل عقلية وكذلك مسألة مقدمة الواجب يسمونها المسائل العقلية غير المستقة موضوعات تلك المسائل متغايرة.

لماذا يدققون في البعد الصغروي في موضوعات كل مسألة؟ لان احكام كل باب تختلف عن احكام الباب الاخر. فلابد من التدقيق الصغروي والتدقيق الدقي العقلي لان الشأن موكول هنا للعقل. هذه نكتة صناعية مهمة في الأبواب الخمسة وهي التدقيق الصغروي العقلي المجهري الماهوي فلا يكفي التدقيق العرفي والنظرة العرفية.

(نظرية السيد الخوئي في الوضوء والغسل في الاواني المغصوبة)

من ثم الوضوء في الأرض الغصبية يقول السيد الخوئي ان الغَسل جزء من الوضوء والغسل لا يجتمع مع الحرام فهي من باب التزاحم. الا ان المسح عنده لانه مأخوذ فيه الحركة والحركة في الفضاء الحرام وتصرف فيه فيكون من باب اجتماع الامر والحرام.

هل هذا صحيح او لا نوكله الى الغد ان شاء الله.