45/08/02
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب
(خلاصة مما سبق)
كان الكلام في القواعد الست الثانوية وأن لكل منها دليلا عاما وربما تكون قاعدة واحدة قاعدتين وفاقا لمشهور المتقدمين كما نسب اليهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء وخلافا لأكثر المتأخرين وأن لكل واحدة منها السن وعناوين متعددة وهذا قد يسبب الغفلة للباحثين.
(قاعدة الميسور فذلكة صناعية في قاعدة الحرج)
قاعدة الميسور: أن متأخري العصر بنوا على انها قاعدة مستقلة والحال انها قاعدة الحرج نفسها عند المتقدمين لكن هناك فذلكة صناعية في كيفية اجراء قاعدة الحرج في المركبات الارتباطية. بينما ان تلاحظ المعاصرين في القرن الأخير يقولون ان هذه القاعدة ليس لها دليل ورواياتها نبوية مرسلة كروايات «ان الميسور لا تترك بالمعسور» و«ما لا يدرك كله لا يترك كله» و«اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».
انظروا أن عنوان الاستطاعة هو نفس عنوان الحرج وما لا يطيقون. هذا الفرز والتمييز بين القواعد سببه الغفلة عن وحدة القاعدة، لذلك بحثوا في قاعدة الميسور انها عموم استغراقي او مجموعي او كيفية الالسن الخاصة بها ولا اشكال في ان نبحث في الالسن الخاصة لكنها هي قاعدة الحرج نفسها وكيفية تصوير الفذلكة الصناعية في اجراء قاعدة الحرج في المركب. فلا بد من الالتفات الى كونها قاعدة واحدة بألسن وعناوين متعددة.
الجموديون والحرفيون والقشريون او الحشويون الذين يجمدون على اللفظة بما هي هي او يجمدون على المعنى التصوري او الاستعمالي كما ان معنى المعسور غير معنى الحرج تصورا واستعمالا وربما المعنى التفهيمي فيهما أيضا معنيان لا يلتفتون الى ان المعنى الجدي فيهما واحد وقاعدة واحدة.
هذه مداقة صناعية مهمة في بحوث القواعد بخلاف الجمود الحرفي الذي هو منهج الرواة والمحدثين أكثر مما هو منهج الفقهاء والاجتهاد.
كذلك مر بنا أمس أن هذه القيود كالعسر بعناوينها المختلفة والحرج بعناوينها المختلفة والنسيان وغيرها موضوع للأدلة لا الجمود الحرفي على اللفظ. الجمود ليس اجتهادا وانما هو اشبه بعمل الراوي منه بعمل الفقيه وهو منهج السمع والرواية لا منهج الفقه والفهم كما قال صلوات الله عليه وآله «رواة العلم كثيرون ووعاته قليلون»
هذه العناوين بتلونها المختلفة اذا وردت في الأدلة الخاصة «ان لم تجدوا ماء» او «مريضا» لقيود الوجوب او الحرمة عند المتقدمين او المشهور عموما قيود التنجيز وليست قيودا لاصل الفعلية والمشروعية. هذا هو بيت القصيد. قيود الفعلية يعني انها دخيلة في اصل الملاك واصل المشروعية ومر بنا مرارا التفكيك بين مرحلة الفعلية ومرحلة التنجيز. لذلك جملة من الفروع كالاستطاعة في الحج مرتبطة بالتنجيز وليست مرتبطة باصل فعلية حجة الإسلام. نعم البلوغ والحرية والعقل مرتبطة باصل الفعلية التامة او الفعلية فلا يجزئ حج الصبي ولا حج العبد ولا حج المجنون الا ان يدركوا في موقف مزدلفة ويصيروا واجدي الشرائط.
فاذا المشهور يبنون على ان هذه القيود الموجودة في القواعد الست ليست قيودا لاصل الفعلية وكذلك القواعد الست الموجودة في الأدلة الخاصة كالآية الشريفة «مريضا» او «على سفر» «لم تجدوا» ومن هذا القبيل كلها قيود شرعية لكنها ليست من الضروري ان يكون القيود الشرعية كلها في مرحلة واحدة وهذه مؤاخذة على الميرزا النائيني والسيد الخوئي رحمة الله عليهما وان كانا يبنون على ارتكاز المشهور اجمالا وهذه نكتة لطيفة.
حينئذ في باب الوضوء لنفترض ان القيد اخذ فيه وان يكون هناك تأمل في اخذ القيد وسلمنا لكن هذا القيد ليس قيد المشروعية والفعلية بل قيد التنجيز والعزيمة حتى لو اخذ في الدليل الخاص. والدليل العام كالبلوغ وكذا قد يجعلونه داخل متن الحكم ودخيلا في المشروعية والملاك. طبعا فيه ادلة خاصة لكن اقصد الأدلة العام أيضا. كذلك في المتعلق وكذلك في موضوع الحكم نفس الكلام. متن الحكم موضوعا او متن الحكم متعلقا ليس الشأن يدور مدار كون الدليل دليلا عاما او دليلا خاصا. ربما يكون دليل عام تقحم القيد في متن الحكم ومتن الشيء وربما دليل خاص تخرجه عن متنه وتجعله قيد التنجيز. ليس المدار على خصوصية الدليل او عموميته.
لذلك بحر العلوم يقول ان بعض الأجزاء والشرائط ليست مأخوذة بالدليل الخاص وبالدليل العام نجعله جزءً. الشيخ جعفر كاشف الغطاء أيضا يقول هكذا وربما هذا مأخوذ من الوحيد البهبهاني لانهما زميلان او هما توصلا اليها باعتبار زمانهما. لكن هذه نكتة صناعية لطيفة.
اذا لا يغرنك خصوصية الدليل ولا يستهين بعمومية الدليل فرب دليل عام لكن تدخله في متن متعلق الحكم وموضوع الحكم وربما دليل خاص ويخرجه من المتن فلازم ان ننظر الى المفاد.
في الأدلة الخاصة في الصلاة ما ورد شيء معين لكن بالادلة العامة يثبت الجزئية. فتثبت الجزئية.
لذلك يصرح بحر العلوم في منظومته الفقهية التي نقل اشعارها صاحب الجواهر ان الشهادة الثالثة في الاذان بحسب الأدلة الخاصة ما موجودة وما فيها مفاد الجزئية لكن بحسب الأدلة العامة جزء واجب ركني. المقصود انه ليس المدار في تحديد المركبات الشرعية سواء المتعلق او الموضوع بالادلة الخاصة وان كان الغالب هكذا. رب الأدلة العامة اكثر دخالة. وسنبين ان هذه الذهنية في عمومية الدليل وخصوصية الدليل سببت غفلات صناعية عند متاخري الاعصار.
فلا يمكن ان يقال نحن نحتاج الى دليل خاص في زيارة الأربعين والحال ان القانون يقوم بالدليل العام قبل ان يقوم بالدليل الخاص. ان الأدلة العامة آباء وأصول والأدلة الخاصة مواليد ومواليد.
فاذا في مثال الوضوء لا نتوافق مع الاعلام ان هذه القيود قيود شرعية الوضوء بل حتى الأدلة والايات التي اوردوها بالدقة لا تفيد انه قيد شرعي وانما هو قيد مشروعية التيمم فلماذا نجعله قيد الوضوء. غاية الامر اذا رخصنا في التيمم فلا نعاقب في ترك الوضوء وان كان مشروعا. ففرق بين ان تأخذ القيود في الآيتين والروايات في التيمم وبين ان نقول انها قيود الوضوء. التيمم كبدل اخذ فيه القيود والوضوء باق على مشروعيته غاية الامر قيد للتنجيز عقلا وليس قيدا في مشروعيته. هذا بيان آخر.
بيان ثالث للتأمل على كلام الاعلام في بحث الوضوء والغسل وله آثار كثيرة. سلمنا لو غمضنا النظر عن البيانين السابقين وسلمنا ان هذه القيود قيود وجوب الوضوء ومشروعيته فاولا ان الوضوء مشروعيته ليست بالوجوب الغيري ولا الغسل. هذا القيد قيد الوجوب الشرعي ولكن الاستحباب النفسي على حاله وما فيه أي اشكال. مثلا نفترض ان المكلف يعلم انه اذا اغتسل يقضي الصلاة فيغتسل فيفوت الصلاة ففيه كلام عند الاعلام هل هذا الغسل صحيح او باطل من دون النظر الى النهي عن الشيء انه موجب للبطلان او ان الغسل سبب تفويت الصلاة هذا بحث آخر. الصحيح ان هذا الغسل مشروع وان عصى واثم بتفويت الصلاة. لان مشروعية الغسل والوضوء ليست بالوجوب الغيري للصلاة وانما هي بنفس الاستحباب النفسي للغسل وهذا غير مقيد. مشروعية الوضوء والغسل وصحتهما مرتبطة بالاستحباب النفسي وليس بالوجوب الغيري.
فلو بنينا على ما بنوا عليه طبقات المتقدمين من قصد الوجه والتمييز ولو غسل قبل الزوال او توضؤ فغسله ووضوءه صحيح للاستحباب النفسي غير المقيد. وليس مشروعيته بالوجوب الغيري حتى يقال كيف يكون الوجوب الغيري قبل الوجوب النفسي وان كان له تخريج. فاذا هذه الأمثلة ليست امثلة للمقام لكن تماشيا مع الاعلام ذكرنا هذه الأمثلة.
فاذا كان الماء منحصرا بالاواني الذهب والفضة او الاواني المغصوبة او الأرض المغصوبة فلو توضؤ هل يصح وضوءه وغسله؟ ام انه يبطل؟ وهل يصح بالترتب او لا يصح لا بالترتب ولا بغير الترتب باعتبار حرمة استعمال الاواني الذهب والفضة «ذلك متاع الذين لا يوقنون» من يستعمل اواني الذهب والفضة فيستعمل متاع الذين لا يوقنون بالدار الاخرة.
(مسألة فقهية: استعمال اواني الذهب والفضة)
هنا مسألة فقهية كاصل موضوعي يجب ان تنقح ان استعمال الاواني الذهب والفضة هل حرام للطبخ والاكل او مطلق الاستعمال حتى في غير الاكل والشرب والطبخ حرام؟ كما لو استعمل للزينة. هنا قولان لعل اشهرهما التعميم والصحيح هو التعميم وشواهد كثيرة ان استعمال الاواني الذهب والفضة اعم. يعني حتى لو يستعمل بالوسائط. كل ذلك محرم في الذهب والفضة. بل في باب استعمال الذهب والفضة كما نقحناها في شرح العروة الحرمة لا تقتصر على الفعل المباشر. يعني مثلا لو تم غليان الماء في هذا الجهاز مثل السماور ثم اخذت منه الماء المغلي فهل يجوز شربه؟ الصحيح انه لا يجوز شربه. لان الأدلة الدالة على استعمال اواني الذهب والفضة دالة على الحرمة حتى للافعال المترتبة والمتعاقبة لاستفادة اواني الذهب والفضة. فليس فقط الفعل المباشر والقريب. هناك شواهد ذكرناها في كتاب العروة المطبوعة خلافا لجماعة من محشي العروة. الاواني لا يستعمل في العرف البشري فقط في الاكل والشرب بل للاستحمام وغيرها أمور كثيرة. وعلاوة على ذلك حتى في الأفعال المترتبة البعيدة لا كثيرا. شبيه المقدمة الموصلة او ما شئت فعبر. حتى الفعل المرتبط بها أيضا حرام. هذا هو الصحيح.
من ثم السيد الخوئي والنائيني اقتصر بالافعال القريبة فلو اغترف من آنية الذهب والفضة ارتكب اثما لكن بعد ما اغترف يستطيع ان يستخدم الماء في الوضوء. لكن على مبنانا الاغتراف حرام وكذلك استعمال الماء الذي اغترف من اواني الذهب والفضة أيضا حرام والأدلة دالة عليه. صب الماء على اليد او على الوجه فعل آخر ومحرم آخر. يعني ان الشارع يريد ان يقطع استعمال اواني الذهب والفضة بتاتا حتى للزينة في البيت.
فمادام الأفعال البعيدة متصلة بشكل موصل فحرام استعمالها. من ثم جملة من الفروع التي ذكرها النائيني والسيد الخوئي في المقام أيضا حرام. كما ذكروا انه اذا اغترف الماء وتوضؤ فوضوءه صحيح لكن هذا الاستعمال للوضوء أيضا هو محرم. فيكون من باب اجتماع الامر والنهي. مثلا اذا تصب الماء من آنية الذهب في آنية غير الذهب والفضة وتوضؤ من ذلك الماء فوضوءه صحيح لكن ان تجعل استعمالاتك متصلة ومتواصلة ومتوالدة من آنية الذهب والفضة فلا يجوز. فلابد ان تبدل الموضوع. اما الأفعال المتولدة والمترتبة من الانتفاع من آنية الذهب والفضة فلا يجوز. لذلك يجب تحديد الموضوع الفقهي كي يمكن تصوير الترتب.
طبعا المسألة ليست مرتبطة فقط بقيود الوجوب بل أيضا مرتبطة بتعلق الحرمة بمتعلق الوضوء وهو نفس عملية الغسل بالفتح. الغسل فعل ضمن الوضوء والغسل بالضم. الوضوء غَسلتان ومسحتان. والوضوء متقوم بالنية لكن الغَسل ليس متقوما بالنية وان كان لابد من النية في داخل الوضوء. المقصود فهنا البحث في الحرمة والوضوء لا يقتصر على وجود موضوع وقيود وجوب الوضوء بل البحث يسري الى متعلق الوضوء وهو نفس الغَسل. هل هذا الغسل فعل محرم او لا؟ مر بنا مرارا في الأيام السابقة ان التنافي بين الحكمين قد يكون في الموضوع وقد يكون في المتعلق فلا نظن ان البحث فقط في الموضوع بل البحث في الجناحين الموضوع والمتعلق.
تتمة الكلام ان شاء الله نواصلها.