الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

 

(خلاصة مما سبق)

كان الكلام في موطن من مواطن الترتب وهو الوضوء والغسل من الاواني المحرمة إما غصبا او لأنها من اواني الذهب والفضة او الوضوء والغسل في الدار الغصبية.

مر بنا ان هذا الموطن في الحقيقة كمثال ذكر في الورود والترتب له علاقة بالورود ومر نقطة هامة ان العلاقة او التنافي والتنافر لا ينحصر بالتعارض او التزاحم بل هناك أنواع أخرى من التنافي لا تندرج في التزاحم المصطلح ولا في التعارض المصطلح بل تحكمها نظام علاقة أخرى مثل التوارد والورود وبعض اقسام الحكومة.

هذا مما ينبه على ان العلاقة السلبية او الإيجابية لا تنحصر بنمطين او ثلاثة او أربعة بل محتمل ان تأخذ طابعا بانواع كثيرة جدا وهذه نقطة صناعية لم يسلط عليه ضوء صراحة والمفروض ان يكون يعنون ان طبيعة التنافي بين الاحكام ليست منحصرة بالقسمين وليست محصورة بعدد خاص بل كثيرا ما هناك مسائل في الفقه تكتشف الضوابط منها شيئا فشيء. هذه نقطة مهمة صناعية يجب الالتفات اليها.

هذا فضلا عن التلائم بين الاحكام فالكلام الكلام. مثلا التخصيص والتقييد ليسا تعارضا مصطلحا ولا التزاحم بل علاقة خاصة والتوارد والورود والحاكمية وليس منحصرا بالقسمين المعينين. هذه نكتة مهمة في بحث العلاقة بين الاحكام انها أنواع كثيرة من العلاقات.

من ثم هذا التنافي ينتقل الى مراحل أخرى وسيأتي في مبحث الفرق بين التزاحم والتعارض ان نتعرض الى ضوابط أخرى في كيفية العلاقة بين الاحكام والتنافي او التلائم.

(الاختلاف في اخذ القدرة في الوضوء عند المتقدمين والمتاخرين)

أما في خصوص هذه الأمثلة التي ذكرها الاعلام انها ليست من التزاحم الاصطلاحي وانما هي من الورود باعتبار ان حرمة استعمال الاواني الذهب والفضة حكم وارد على وجوب الوضوء. هذا بناء على ما ذهب اليه المتأخرون من ان الآية الكريمة «فان لم تجدوا ...» فأخذ القدرة في وجوب الوضوء او الغسل يعني ان الطهارة المائية وضوءً او غسلا أخذت فيها القدرة او الصحة.

لكن مشهور المتقدمين ظاهر مبناهم ان القدرة ليست مأخوذة في وجوب الوضوء او الغسل وانما القدرة مأخوذة في عزيمة الوضوء وعزيمة الغسل.

(اصطلاح العزيمة في الوحي)

العزيمة اصطلاح وحياني عند الفقهاء والروايات يراد منها اسم للحكم في مرحلة التنجيز حصرا او بعبارة أخرى انها عنوان واسم للحكم الالزامي عندما يصل الى درجة التنجيز واستحقاق العقوبة وليست اسما وصفة للحكم لمرحلة الفعلية او الفاعلية. بينما تداعى لذهن جملة من الاعلام غفلة ان العزيمة تعني الوجوب ورفع العزيمة يعني رفع الوجوب.

الرخصة تعني رفع العزيمة وليست بمعنى الاباحة. نعم، عقلا يباح الترك لأنها رفعت العزيمة واستحقاق العقوبة لكنه ليس بمعنى ان الحكم ذاتا وطبعا مباح. قد يعبر عنه في الاستعمالات الواردة في الروايات بالاباحة لكنه ليس المراد هنا الاباحة الذاتية بل المراد بها اباحة الترك يعني ليست هناك عقوبة على الترك لا ان الحكم من المباحات مثل شرب الماء ومع ذلك قد يقع الغفلة عند جماعة من الاعلام.

فالعزيمة اسم لتنجيز الحكم والرخصة رفع التنجيز والمؤاخذة والعقوبة لا انه رفع الحكم. لكن يقع الخلط والغفلة عند جماعة سيما متاخري العصر.

مر بنا مرارا ان الحكم له أسماء بحسب المراحل وهذا قد يقع الخلط فيه كانما اذا انتفت مرحلة كانما يتنفي كل المراحل وهذا ليس صحيحا. انتفاء مرحلة واحدة لا تعني انتفاء جميع المراحل.

هذا اصطلاح وحياني يجب ان لا نغفل عنه.

اذا في الوضوء اخذت القدرة، هل اخذت في العزيمة او في اصل فعلية الحكم وملاكه؟ بل في العزيمة مثل الاستطاعة في الحج هل انها اخذت في عزيمة الحج او في اصل مشروعية حجة الإسلام؟ بل في العزيمة.

(نكتة: القواعد الثانوية الست لكل واحد منها عناوين متعددة)

نكتة أخرى صناعية مهمة كبروية بنى عليه الطبقات المتقدمة الى صاحب الجواهر تقريبا وهي مرتبطة بالنقطة السابقة وهي ان العناوين الثانوية المأخوذة في القواعد الست في حديث الرفع (ست قواعد وليست ستة عناوين؛ النسيان وما لا يعلمون وما اضطروا اليه والخطأ و...) هي قواعد فقهية واصولية ولكل قاعدة عناوين متعددة. قاعدة الحرج «ما جعل عليكم في الدين من حرج» في حديث الرفع لها عنوان آخر وهو «ما لا يطيقون» وعنوان ثالث «بعثت بشريعة سمحة سهلة» وعنوان رابع «لا يكلف الله نفسا الا وسعها» فعناوين متعددة في ادلة الحرج ربما يبلغ تسعة عناوين. جملة من الاعلام يحصل عندهم غفلة كانما هي قواعد بل هي قاعدة واحدة في الحرج. فكل واحدة من القواعد الست في حديث الرفع لها عناوين متعددة.

مثلا قاعدة الضرر لها عنوان «لا ضرر ولا ضرار» و«ما اضطروا اليه» و«الضرورة». حقيقة كتب كتبت من قبل بعض الاعلام ليميز بين عناوين قاعدة واحدة ليصير قواعد متعددة والحال انها قاعدة واحدة. هذه القواعد قواعد ست ثانوية وليست أولية.

يعني عندنا قواعد فقهية أولية وقواعد فقهية ثانوية والمراد ثانوية المحمول. هذه أمور صناعية حساسة ولها آثار كثيرة.

فحديث الرفع في بعض المتون تسعة فقرات وفي بعض المتون ستة فقرات وفي بعضها اربع وفي بعضها ثلاث وفي بعضها اثنين وكلامنا في ست فقرات. فهذه الستة قواعد ثانوية فقهية. والباحث الذي يريد ان يصل الاجتهاد يجب ان يستيقظ في هذا البحث.

(نكتة: جملة من القواعد الثانوية في الحقيقة قواعد وليست قاعدة)

نكتة صناعية مرتبطة بالقواعد الست الي لها ما لها من الغموض.

هذه القواعد الست التي لكل منها عناوين والسن متعددة عدة منها سنخا قاعدتان وليست قاعدة واحدة او ثلاث قواعد. مثلا لا ضرر ثلاث قواعد او خمس قواعد في المباني المختلفة. فلا ضرر لها عناوين متعددة وهي حقيقة قواعد متعددة بينها جامع. أشار الى ذلك الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتاب صغير طبع حروفيا أخيرا اسمه قواعد ستة عشر. مثلا لا حرج على اقل تقدير قاعدتان والسيد الخوئي يرفض ويقول قاعدة واحدة. لكن المشهور يقولون انها قاعدتان والمراد من القاعدتان لا يعني عنوانين. قاعدة الحرج لها ستة او سبعة عناوين وهذه العناوين قاعدتان كالحرج النوعي والحرج الشخصي او الضرر النوعي والضرر الشخصي. فالقواعد الست في الحقيقة اكثر من الست وقد تبلغ الى عشرين قاعدة تنضم الى بعضها البعض.

هذه هي طبيعة الاجتهاد والاستنباط وعلم القانون علم رياضي مرن. العلوم القانونية تندرج في العلوم الرياضية وهذا بحث منطقي صناعي ان كل علم يعتمد في بنيته الاصلية على معادلات وتنضيم وتأليف المعادلات يتدخل فيه علم الرياضيات ويسمى علما رياضيا فلذلك علم الأصول وعلم الفقه قسم كبير منهما علم رياضي ومعادلات. ترتيبها الهندسي وترتيبها التوليفي وترتيبها الصياغي متعدد.

فاذا القواعد الست متباينة ولكل منها عناوين متعددة وجملة من القواعد ماهية اكثر من قاعدة واحدة.

(نكتة: القواعد في الأدلة العامة قيود للتنجيز لا الفعلية عند المشهور)

هذه القواعد الثانوية يعتبرها مشهور المتقدمين الى صاحب الجواهر قيودا شرعية للعزيمة والتنجيز فقط وليست لاصل الفعلية. يعني ان الحرج والنسيان والضرر وغيرها ترفع التنجيز والعزيمة ولا ترفع المشروعية والفعلية خلافا لمتأخري العصر وعند اكثرهم في القرن الأخير هذه القيود قيود المشروعية واصل الفعلية وهذا خطأ كبير في الاستنتاجات في أبواب الفقه بين ان نجعل هذه القواعد قيودا للعزيمة او قيودا لأصل الفعلية والمشروعية.

(نكتة: القواعد في الأدلة الخاصة أيضا قيود للتنجيز لا الفعلية عند المشهور)

هذه القيود التي هي قيود العزيمة اذا أتت في ادلة خاصة فالمشهور من الطبقات المتقدمة لا يحملونها على قيد الفعلية بل هي قيد العزيمة.

هذه القواعد التي لكل واحد منها عناوين متعددة كالحرج الذي له عنوان الاستطاعة الشرعية او العرفية او العقلية أيضا اذا أتت في ادلة خاصة شرعية لا يحملها المشهور على انها قيد الفعلية بل يحملونها على انها قيد العزيمة والتنجيز وهذا مبنى عظيم عند المشهور. غدا نواصل ان شاء الله تعالى.