45/07/29
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب
(خلاصة ما سبق)
(موطن للتزاحم: الوضوء والغسل في اواني الذهب والفضة)
كان الكلام في موارد أخرى للترتب وفي صور وامثلة لبيان موارد الترتب الشبيهة بالورود ويمثل لذلك بالوضوء والغسل إما في الأواني الذهب والفضة او في الأواني المغصوبة او في الأرض الغصبية. طبعا ربط هذا المبحث بالتزاحم والترتب باعتبار ان حرمة استعمال الاواني المغصوبة او الذهب والفضة او حرمة الغصب مقدمة على الوضوء والغسل فتصل النوبة للتيمم وتكون الحرمة كحكم وارد على وجوب الوضوء ووجوب الغسل.
(زوايا صناعية في التمثيل)
طبعا هذا المبحث كمثال وليس حصرا وفيه زوايا صناعية مهمة والتمثيل به لاجل الالفات اليها.
(الزاوية الأولى: الفرق بين التزاحم الامتثالي وبقية أنواع التزاحم)
منها: ان الفرق بين التزاحم الامتثالي الذي هو القسم الأول من موارد التزاحم كإزالة النجاسة والصلاة وبين بقية الأقسام ان التنافي بين الحكمين هو في الحقيقة بين متعلقي الحكمين يعني بين الازالة والصلاة بينما في الدين واستطاعة الحج ووجوب الحج فالتنافي بين وجوب الدين وبين موضوع وقيود وجوب الحج.
فالتنافي في الورود وان كان بين متعلقي الحكمين لأن المال لا يمكن صرفه في كليهما بل إما ان يصرف في الدين او في الحج لكن التنافي بين المتعلقين كاشف عن التنافي قبل ذلك بين وجوب الدين واستطاعة الحج التي هي موضوع وجوب الحج. فاذا التزاحم والتنافي ليس دائما بين متعلقي الحكمين وفعلي الحكمين.
هذه زاوية مهمة يجب ان يلتفت اليه المستنبط ان التنافي بين الحكمين بين أي زاوية من الحكمين؟
بينما التنافي في التوارد وهو القسم الثالث يكون بين موضوعي الحكمين، فكل حكم يريد ان يعدم ويزيل موضوع الحكم الآخر.
اذا حالات التنافي والتنافر والتجاذب بين الاحكام يمكن ان يكون بين متعلقي الحكمين او يكون بين الحكم وموضوع الحكم الاخر او يكون بين موضوعي الحكمين ويجب للمستنبط ان يفرق بين هذه الحالات.
مر بنا أيضا ان وجوب الدين يتنافى مع موضوع وجوب الحج والاستطاعة فهل التنافي بين وجوب أداء الدين وفعلية الوجوب للدين مع الاستطاعة او التنافي بين متعلق وجوب الدين وهو الأداء والاستطاعة وصناعيا بينهما فرق. فاذا التنافي بين الحكمين يراد له هندسة وملاحظة الزاوية في كل حكم ان أي مرحلة من مراحل الحكم في الأول ينافي أي مرحلة مرحلة من مراحل الحكم الثاني وليس ضروريا ان يكون التنافي في مراحل الحكم على وتيرة واحدة بل تختلف. لذلك هنا السيد الخوئي افترق فتواه عن مشهور المعاصرين فيما اذا كان لديه مال يكفي إما لأداء الدين او للحج فلو عصى أداء الدين بنحو الترتب بنى السيد الخوئي على انه يصح منه الحج حجة الإسلام لانه افترض ان التنافي ليس بين فعلية وجوب الدين معدما للقدرة او معدما للاستطاعة وانما أداء الدين ومتعلق الوجوب مانع لموضوع الحج والاستطاعة. فافترض ان أداء الدين ومتعلق وجوب الدين معدم لموضوع الاستطاعة بينما الاخرين قالوا فعلية وجوب الدين معدمة لاستطاعة الحج وإن لم يؤدي. فبمجرد وجوب الدين تنتفي عنه عنوان الاستطاعة.
فالتدقيق في هذه الموارد مهم. مثل موارد الزكاة والخمس انها من موارد التوارد. ان أي مورد يعدم الآخر؟ ثم أي مرحلة من مراحل الوارد يعدم المورود؟ هل فعلية الحكم او امتثال الحكم أي متعلق الحكم؟ هذه النكات صناعية لابد ان يتثبت فيها الباحث والمستنبط في تصوير التوارد او التزاحم باعتبار ان انحاء من التوارد ملحقة بالتزاحم وان كانت هي بالدقة مرحلة ما قبل فعلية الحكم فضلا عن امتثال الحكم. فهذه التدقيقات لابد منها في الأدلة موضوعا ومحمولا وعلاقة الموضوع والمحمول مع الاحكام الأخرى التي يتصور التنافي فيها.
اذا هذه زاوية صناعية ان التنافي بين الحكمين في أي زاوية من جهة الحكم الأول ومن جهة الحكم الثاني.
(زاوية ثانية: شرطية القدرة بنحو دفعي او تدريجي)
منها: زاوية أخرى في الوضوء والغسل كمثال والا البحث ليس منحصرا فيهما. ان القدرة التي تأخذ في بعض الاحكام شرعا هل هي لابد أن تكون دفعية موجودة بالفعل قبل اول زمان الوجوب ام ان المكلف يعلم في الاستطاعة ان المال متوفر لديه لبطاقة التذكرة ولكن اثناء الطريق في الحج يمن عليه بالهدية وبالتالي سوف تتوفر أموال الحج بالتدريج. هل هذا يكفي في وجوب الحج ام لابد ان يكون المال لكل الحج إيابا وذهابا متوفر؟ كثير من الاعلام يقولون انه لابد من يكون المال متوفرا تماما قبل الحج. بينما السيد الخوئي يقول اذا يعلم ان المال يتوفر لديه تدريجا يكفي في وجوب الحج وكذلك امن الطريق مثل ما يذهب الى منطقة وهناك يمهل الطريق الى منطقة ثانية والا بالفعل ليس الطريق سالكا. او رجل كبير السن ان القدرة لكل اعمال الحج ليس لديه لكن يدري اذا يذهب الى الحج واقتصر على الاعمال الواجبة رويا رويا يمكنه الحج. يعني يقتصر من الحج على ادنى مراتب الوجوب فلا مانع من ذلك فليس من الضروري في الحج ان يكون قادرا عليه دفعة.
هذه نكتة لطيفة ان القدرة التي اخذت شرعا في الاحكام هل هي لابد ان تكون قدرة في اول زمان الحكم مجموعية ودفعية او يكفي فيها التدريج؟ السيد الخوئي يقول اطلاق القدرة يشمل القدرة التدريجية ولا موجب لتوهم اخذ القدرة كلها في اول آنات الحكم.
شبيه مقدمات سفر الحج. في كثير من البلدان يجب تسجيل الاسم وخطوات المقدمات كثيرة قبل سنة الحج. اغلب البلدان الإسلامية يحتاج الى مقدمات تدريجية ونقلت لكم ان السيد الخوئي يقول حتى لو يتأنى سنتين والسيد الكلبايكاني قال ولو عشرين سنة من الان يجب ان يسجل لان طريق الحج والقدرة على الحج هكذا. شبيه من سافر على الدواب من الصين الى الحج وربما طال سفره ثلاث سنين.
لذلك ليس القدرة والاستطاعة يجب ان تكون زمنية محددة بنفس العام. من ثم في الوضوء والغسل لو كان قدرته على الوضوء ليس بتوفر الماء كله دفعة لكن يعلم ان الماء يتوفر قطرة قطرة ويقدر ان يصبر ويتوضؤ من دون الخلل في الموالاة. او ان صاحب الماء يأذن له غرفة غرفة. فيقول جماعة منهم السيد الخوئي انه ليس من الضروري ان تتوفر القدرة للوضوء دفعة لكل ماء الوضوء او الغسل ولو يتوفر بالتدريج. مثل اناء مغصوب فالاغتراف منها حرام. لكن بعصيانه على حرمة الغصب ولو تدريجا ستتوفر له القدرة على الوضوء فيصح منه الوضوء ويجب. لكن النائيني والسيد اليزدي لم يصححا هذا الوضوء خلافا للسيد الخوئي. الميرزا النائيني كانما اخذ القدرة مجموعية او بان الملاك لابد ان يتوفر تماما بالترتب. خلافا للسيد الخوئي وجماعة قالوا ان توفر الملاك لايجب ان يكون دفعة بل يمكن بالتدريج.
اذا موارد الوضوء والغسل في اواني الذهب والفضة او الاواني المغصوبة او الأرض المغصوبة وهلم جرا باغترافه غرفة واحدة في بداية الوضوء وان لم تتحقق القدرة الكاملة على الوضوء لان الغرفة الواحدة تكفي لغسل الوجه فقط فجماعة منهم السيد الخوئي قالوا انه لامانع اذا يعلم من نفسه انه سيعصي مرة أخرى. طبعا هذا كلام نذكره بنحو الخطوط الكلية.
اذا زاوية مهمة أخرى في بحث التنافي بين الاحكام سيما بنحو التوارد والورود انه هل لابد من وجود موضوع الورود دفعة فما صح الوضوء والغسل لان الحرمة في ذلك الطرف تعدم القدرة او يمكن ان يقال أنه بالتدريج سيعصي الدليل الوارد ومع العصيان التدريجي للحكم الوارد ستحقق موضوع الدليل المورود وهل هو بنفسه كاف؟ فايها الباحث في الاستنباط يجب ان تلتفت الى كيفية التنافي بين الاحكام والصحيح ان لا تلتزم بالتنافي الا بقدر المحذور والضرورة لا ان تقول ان التنافي موجود بقول مطلق.
يا ليت ان هذا التدقيق من السيد الخوئي يذكر في التعارض فالتعارض باي درجة وباي دائرة وباي سعة من الدائرة وفي أي مرحلة؟ مع ان التوارد ليس تزاحما اصطلاحيا. لا هو تعارض ولا هو تزاحم.
(تتميم للزاوية الأولى)
في التنافي بين الاحكام اقسام متعددة ولا تنحصر بالتزاحم الامتثالي والتعارض بل تتشكل اشكال أخرى كالورود والتوارد والتزاحم في الجعل والتزاحم في اصل الفعلية وفي الفعلية التامة والفاعلية وهلم جرا. فيجب ان تحدد الزاوية من كلا الطرفين وليس من الضروري ان تتحد زاوية الحكمين في التنافي والتنافر. مثلا جعل الحكم مع فعلية الحكم الثاني او هلم جرا.
فهذه النكات جدا مهمة ان وتيرة التنافي بين الاحكام ليس على وتيرة واحدة ويمكن ان يكون في مرحلتين مختلفتين في الحكمين وهذا يخلق بابا غير التعارض والتزاحم الامتثالي لأن الحكمين فيهما موحدان في المرحلة. لكن عندنا زوايا هندسية تختلف مراحل الحكمين في التنافي ولها أسماء أخرى كالتوارد والورود.
هذا لب صناعي جوهري وربما يذكر في اول التعارض واجتماع الامر والنهي وغيرها من الأبواب. ان اجتماع الامر والنهي تنافي بين الاحكام لكن تنافي في مرحلة غير التزاحم والتعارض وكذلك النهي عن العبادات في مرحلة مختلفة فاذا عندنا نماذج من تنافي الاحكام. لابد ان يعالج بشكل دقي صناعي بضوابط.
هذا اصل البحث في الضد وجوهرة ثمينة.