الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

(خلاصة الجلسات السابقة)

كان الكلام في خلل العبادات حيث ان المشهور ذهبوا الى صحة العبادة في صورة الجهل التقصيري مع العقاب ومر ان السيد الخوئي رحمة الله عليه يذهب الى انه اذا بني على الصحة في الناقص فيمتنع العقوبة على الكامل بل اللازم مع الصحة هو التخيير فيما اذا ارتفع الجهل في اثناء الوقت، أما ان يحكم بالصحة والعقوبة مع عدم لزوم التدارك تناقض وتضاد لدعوى السيد الخوئي من انه لا يتصور تضاد الملاكات مع عدم تضاد الأفعال.

لكنه مر بنا انه ممكن وليس بممتنع مثل وجبتي الطعام. فاذا اصل المطلب كما مر بنا امس ان الارتباطية هي ذات درجات وذات أنواع واشكال وتسجل مؤاخذة على السيد الخوئي و تسحب هذه النكتة في الأبواب العديدة وليست فقط في هذا الباب.

(الواجب الضمني والترتب فيه)

عنصر آخر يجب ان نلتفت اليه: على ضوء درجات الارتباطية فالواجب الضمني أيضا كما مر بنا في بداية البحث في الترتب في حين انه مجموعي وارتباطي الا ان له مسحة من الاستقلالي. فليس من الضروري ان نفترض الواجب الضمني ضمنيا بقول مطلق ومجموعيا بقول مطلق بل له نوع من حالة استقلالية يعني ان بعض شئون الحكم الاستقلالي له وبعض شئون الواجب الضمني له. قد سبق ان مر بنا في بدايات بحث الترتب ومن ثم السيد الخوئي في البداية قال ان الترتب والتزاحم لا يتعقل في الواجبات الضمنية والحال انه سيأتي ان السيد الخوئي في الوضوء في الاواني الذهب والفضة يصور نوعا من التزاحم والترتب وهذا يناقض ما مر في بداية الترتب من انكاره من الترتب او التزاحم في الواجبات الضمنية.

والنكتة هي ان الواجبات الضمنية صحيح انها ضمنية لكنها فيه نوع من شئون الاستقلالية بمعنى انه جزء للمرتبة العليا وليس جزءا للمرتبة الثانية والثالثة وهلم جرا. فمن ثم يأخذ الضمني نوعا من طابع الاستقلالي ونوعا من طابع الضمني.

هذا البحث تم بحمد الله.

 

(الترتب في الواجبين الموسع المهم والمضيق الاهم)

الفرع الاخر في الترتب فيما اذا كان الواجب المهم موسعا والواجب الأهم مضيقا فهل يجري الترتب ام لا؟ الصحيح أيضا انه قابل لجريان الترتب وبنى عليه الميرزا النائيني وبقية الاعلام.

(عدم الاحتياج لتصحيح المهم بالترتب عند السيد الخوئي)

لكن السيد الخوئي هنا ذكر نقطة لا بأس به في الجملة ونوافقه من جهة ويسجل مؤاخذة عليه من جهة أخرى وهي ان الواجب الموسع المهم والواجب المضيق الأهم خلافا لما سبق من ان الواجبين مضيقان يقول السيد الخوئي هنا: أنه لا حاجة هنا للترتب، لان المهم في الترتب انما يمكن تصوير فعليته ووجوده بالترتب واذا انحصر تصوير فعلية وجوب المهم بالترتب فحينئذ لا محالة من الترتب ومضطر اليه، لكن اذا امكن للمهم فعلية من دون الترتب فلا حاجة له.

(الطبيعة شاملة للفرد المقدور وغير المقدور فهو واجد للملاك)

فكيف في المقام؟ هل يمكن تصوير فعلية الواجب المهم الموسع من دون الترتب؟ يقول ان الفرض ان الواجب المهم هنا غير مضيق فحصة منه يتزاحم مع الأهم وأما بقية افراد الطبيعة فلا تزاحم لها مع الأهم لانه مضيق. فاي شيء من المهم يتزاحم ويتنافى مع الأهم؟ خصوص حصة وفرد من المهم والفرض ان الامر بالمهم لا يتعلق بالفرد بخصوصه بل يتعلق بالطبيعة لانه موسع. ففعلية الواجب المهم لا تتوقف على كون هذا الفرد مزاحما او غير مزاحم. لان الامر متعلق بالطبيعة ويكفي في الطبيعة ان غالب افراده مقدورة ولا يحتاج في فعلية الحكم ان يكون كل افراد الطبيعة مقدورا. بل بعض اذا كان بعض افراده مقدورا أيضا كاف. حينئذ تشمل الافراد غير المقدورة لانه ليس محال ان تشمل المأمور بها المقدور وغير المقدور.

هذه نكتة صناعية لطيفة عند السيد الخوئي وعند كثيرين ان المحال تعلق الامر استقلالا بغير المقدور اما اذا تعلق الامر بالمقدور وغير المقدور فلا مانع من ذلك.

لماذا يصر السيد الخوئي على تصوير سعة طبيعة المأمور بها للمقدور وغير المقدور؟ وليكن الطبيعة تتعلق للمقدار المقدور فلماذا يصر ان تتعلق بغير المقدور ايضا؟ يريد ان يبين ان الملاك في غير المقدور أيضا موجود لان الطبيعة واسعة. فبالتالي لو اتى بغير المقدور لاجل مزاحمة الأهم فلا بأس به لانه واجد للملاك.

من ثم لو ترك الأهم واتى بما هو مزاحم بالاهم لصح لان الملاك موجود فيه، ويكتشف الملاك من الأدلة. فهذه نقطة لطيفة ان هناك ليس انحصار في الأوامر بالحصص المقدورة للطبيعة بل يشمل غير المقدورة واللازم في تعلق الامر بالطبايع ان تكون مقدورة في الجملة ولو فردا في الجملة والقدرة على فرد من الطبيعة يسوغ الامر بالطبيعة وان كان الغالب منها غير مقدورة.

فبنى السيد الخوئي على انه لا حاجة هنا للترتب.

(مؤاخذة على السيد الخوئي)

هذا الذي ذكره السيد الخوئي في الحقيقة كلامه صحيح ومع ذلك نحتاج الى الترتب لكن ليس الاحتياج للترتب لاجل استكشاف الصحة او الفعلية او الملاك، لان الصحة والفعلية والملاك حتى لو لم يرتفع التزاحم فهي مستكشفة باطلاق فعلية الامر بالمهم كما صوره السيد الخوئي وهو الصحيح. انما الشجار بين المهم والاهم في الفاعلية والتنجيز وهنا نحتاج الى التكييف والترتب. فليس الحاجة الى الترتب دائما لاصل الفعلية والمشروعية بل حتى لبحث التنجيز مثل تصوير العقوبة على الجمع في الترك او كيفية التنافي بين فاعلية الحكمين ولو في خصوص الحصة المزاحمة في الحكمين والتكييف بالترتب في محله.

بعبارة أخرى كما مر بنا في بداية بحث الترتب انه ليس من الضروري ان نصور الترتب في مرحلة الفعلية فقط بل الترتب في المتزاحمين عندنا في الفاعلية والنتجيز وليس في اصل الفعلية. بل اصل الفعلية فيما اذا كان في موطن الورود والتوارد كما مر بنا.

على أي حال هنا السيد الخوئي رأى ان الفعلية في المهم الموسع غير مرهونة للترتب فقال لا حاجة للترتب وهذا صحيح لانه في الفعلية لا حاجة للترتب، لكنا ذكرنا سابقا أنه في اصل فعلية المتزاحمين لا حاجة للترتب ولاصل الصحة والمشروعية وانما نحتاج الى الترتب في غير الورود والتوارد للفاعلية والتنجيز وكذلك في المقام.

لكن مبنى السيد الخوئي والنائيني ارجاع القيود العقلية الى اصل الفعلية في موارد العديدة فمن ثم بنوا هنا في مقام التزاحم ان هناك خللا في اصل الفعلية.

(موطن: الالتفات الى الأهم في اثناء المهم)

صورة أخرى تذكر عند الاعلام للترتب وهي ما اذا كان المكلف غافلا عن الأهم وفي اثناء اشتغاله للمهم التفت الى الأهم فهل الترتب يجري ام لا؟ الكلام كما سبق لانه كما مر انه ليس المأخوذ في الترتب عنوان العصيان للأهم. فهنا تصح العمل باعتبار انه مع تركه للاهم يصح اداءه للمهم. هذا اذا بنينا ان الترتب نحتاج اليه لاصل فعلية المهم والا من الأول نحن بنينا على ان الترتب في غير الورود والتوارد لا نحتاج فيه الى الترتب لاصل الفعلية والمشروعية وانما نحتاجه في الفاعلية. نعم في الورود والتوارد باعتبار ان المورود لا يتحقق موضوعه الا بالترتب فالترتب يضيق الورود فلا يجعل الوارد يزيل موضوع المورود مطلقا فهو معاكس للورود كما مر بنا. فاذا لم يمتثل المكلف الوارد لا يضيق المورود. كما بنى السيد الخوئي فيمن عصى أداء الدين فيصح حجة الإسلام منه. بالتالي الترتب قابل للتصوير في الاثناء لان الموضوع هو الترك وليس هو العصيان فسواء كان غافلا او ناسيا فيتحقق موضوع المهم.

(موطن للترتب: الوضوء والغسل من الاواني المغصوبة والذهب والفضة)

يقع الكلام في آخر صور الترتب الذي ذكرها النائيني وأيضا في العروة وهي الوضوء والغسل من الاواني المغصوبة او أواني الذهب والفضة؟ هل يصح الوضوء او لا يصح؟

 

طبعا هذا الفرض يضيفون اليه الوضوء والغسل في الأرض المغصوبة او الوضوء والغسل من الماء المغصوب والا اصل البحث في الحقيقة هو الوضوء والغسل من الآنية المغصوبة او من اواني الذهب والفضة.

ما الخصوصية في مثال الأواني سواء اواني الذهب او الاواني المغصوبة؟ ما الخصوصية في الحاجة للترتب؟ وعموما هذه الصور الثلاث من الاواني والماء المغصوب والأرض المغصوبة ما الخصوصية في هذه الصور؟

(شمول الترتب لاجتماع الامر والنهي واجتماع الحرمتين)

أولا الخصوصية المشتركة في هذه الصور: يريد الاعلام ان يبينوا ان الترتب ليس لمعالجة المشكلة بين الواجبين فقط بل هو هل يمكن ان يجري بين الوجوب والحرمة ام لا؟ فإذا الترتب ليس خاصا بباب الضدين والاضداد والتزاحم. الترتب يمكن ان يجري في باب اجتماع الامر والنهي. كما سيأتي ان المشهور شهرة عظيمة في اجتماع الامر والنهي خلافا للسيد الخوئي والنائيني حتى لو بنوا على الامتناع فالصحيح في مواردها غالبها تزاحم وليس تعارضا الا النادر. هذه نكتة مهمة. فاذا كان الغالب تزاحما فالترتب علاج للتزاحم فاذا لا يختص الترتب للواجبين بل يعم الواجب والحرام ويعم الحرامين. فهذه صورة مشتركة بين الأمثلة تعميم لموارد الوجوب والحرمة.

(تصوير الترتب في مراحل الحكم)

كما مر بنا نكتة جوهرية ووافق عليها السيد الخوئي اجمالا ان الترتب يمكن تصويره في التعارض أيضا وليس فقط في التزاحم او قل التزاحم في الانشاء والجعل والفعلية والفاعلية والتنجيز.

(الفرق السنخي بين التزاحم وبين الورود والتوارد)

وفائدة ثالثة في هذه الصور الثلاث صناعية حساسة: ما الفرق سنخا بين الترتب في التزاحم وبين الترتب في الورود او التوارد؟ ان الاحكام تارة تتنافى في متعلقاتها وهذا هو التزاحم كالصلاة وإزالة النجاسة عن المسجد وكلاهما متعلقان. متعلق الحكم غير موضوع الحكم. موضوع الحكم بالاصطلاح الاصولي قيود الوجوب كدلوك الشمس او الاستطاعة.

التنافر بين الاحكام لا ينحصر بمتعلقات الاحكام بل قد يكون التنافر بين الاحكام في الحقيقة بين موضوعات الاحكام وقيود الوجوب فهو الورود والتوارد. فاذا هناك فرق سنخي بين التزاحم المصطلح والورود والتوارد. التنافي الموجود في قيود الحكم او المتعلقات كما ان الترتب يعالج التنافي في متعلقات الحكم كذلك الترتب يمكن ان يعالج التنافي بين الاحكام بلحاظ موضوعاتها الأصولية او قيود الوجوب.

من ثم قبل قليل مر بنا انه يمكن تصوير الترتب في التعارض ومؤدى كلام السيد الخوئي من إمكانية تصوير الترتب في الجعل يرجع الي قيود الوجوب وبحث التعارض. فاذا في الورود والتوارد معالجة من الترتب لقيود الوجوب من الموضوعات. اذا الترتب يمكن ان يعالج التنافي والتنافر في موضوعات الاحكام وكذلك في متعلقات الاحكام وبالتالي يمكن تصوير الترتب في أي مرحلة من مراحل الاحكام ويكون ضروريا لان الضرورات تقدر بقدرها.

(الترتب في الحكمين في مرحلتين)

اكثر من هذا: الترتب عبارة عن تحديد الحدود لكل حكم في منطقة التناقض والتنافي. ربما يكون التنافي بين حكم في مرحلة منه مع حكم ثاني في مرحلة مغايرة ولا نظن ان التنافي بين الاحكام دائما بين الحكمين في مرحلة واحدة. لا نغفل عن هذه النكتة. شبيه «لا تعاد» والأدلة الأولية.

فالتنافي بين الحكمين سواء في المتعلقين او في الموضوعين وسواء في مرحلة واحدة او في مرحلتين مختلفتين للحكمين يعالجه الترتب. فهناك إمكانية لتصوير فعلية وصحة الحكمين والمتعلقين. هذه نكتة لطيفة للترتب فليس الترتب ليس خاصا لبحث التزاحم بل يشمل اجتماع الامر والنهي والتعارض وكثير من الأبواب.

من ثم لاحظ الاعلام بعد هذا المبحث سيثيرون مبحث الفارق الموضوعي بين التعارض والتزاحم ومما ينبه على ان الترتب معالجة غير مختص ببحث الضد وان ذكر ابرز موارده التضاد. بل يشمل الموارد الكثيرة.