45/07/22
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب
(خلاصة الجلسة السابقة)
كان الكلام في القصر والتمام او الجهر والاخفات ان هناك وجه آخر (غير الترتب) لتصحيح الصلاة إخفاتا في موضع الجهر وبالعكس او قصرا في موضع التمام او العكس والعقوبة على ترك الاخفات في موضع الإخفات او ترك الجهر في موضع الجهر او القصر في موضع التمام او العكس ومر انه وجه فتصحيح عموم خلل الصلاة عند المشهور.
الوجه الثاني ما ذهب اليه المرحوم الاخوند من أن المركب العبادي ذات مراتب ومع كونه ذات مراتب فتصح المرتبة الناقصة فيأثم على ترك المرتبة العليا. هذا وجه من دون ان نحتاج الى الترتب فبالتالي هو مؤاخذ. هذا هو اجمال الوجه الذي ذهب اليه صاحب الكفاية ومر بنا ان المشهور ذهب اليه في الحقيقة من ان المركب عادة ذو مراتب بدليل ما دل على ركنية بعض الأجزاء وعدم ركنية الباقي بل ما دل على ان الركن الواحد هو ذو مراتب.
حينئذ لما ينكشف الخلاف يصح العمل لأنه قد استوفى الملاك الملزم وإن لم يستوفه تماما ويعاقب لان المرتبة الناقصة التي اتى بها سددت الطريق عن مجيء وتدارك المرتبة العليا. تقريبا لان المرتبة العليا بخصوصية شرطية الاخفات في مورد الاخفات او التمام في موضع التمام تفوت إمكانية تدارك مصلحتها ان اتى بالمصلحة الناقصة، كما مثلوا بمثال ان المولى اذا طلب الماء للعطش ولم يأتوا بالماء الفاخر لرفع العطش بل أتوا بالماء العادي وشربه ورفع عطشه فليس مجال للتروي بالماء الفاخر او في الطبيخ فلا يبقى للمجال للوجه الكامل فيفوت محل التدارك وان كان الوجه باقيا. هذا محصل كلام الآخوند
(إشكالات السيد الخوئي)
استشكل في هذا الوجه السيد الخوئي اجمالا: انه ما نتعقل ان يصحح الناقص مع العقوبة علي تفويت التام. فإما ان نقول يصح ولا عقوبة وإما ان نقول لا يصح ويلزمه التدارك بالتام واذا لم يتدارك فيعاقب. أما أن نقول يصح ويعاقب ولم يلزم الكامل فلا يمكن الالتزام به وجمع بين الضدين بدليل يقرره السيد الخوئي.
الوجه في ذلك مبتن على عدة زوايا:
(عدم تصور التضاد في المصلحة)
الأول: ان التضاد في المصلحة بين مراتب الأفعال مثل الفعل التام في المركب والفعل الناقص غير متصور بل ممتنع. لانه اذا كان اتى بالمرتبة الناقصة ويرتفع الجهل اثناء الوقت ويمكنه ان يأتي بالمرتبة العليا او قل يمكنه ان يجمع بين الفعلين الفعل الناقص والفعل التام فكيف يكون المصلحتان متضادتين. هذا مما لا يعقل. اذا كانت الأفعال في نفسها غير متضادة فكيف يكون مصالحها متضادة.
هذا اشكال عجيب لانه مثل ما مثلنا به العطشان، أن المولى اذا ارتوى فاي مجال للفعل التام فهناك جملة من الأفعال بهذا النمط موجود ولا يبعد. فهذه زاوية يستشكل بها السيد الخوئي من ان تضاد ملاكات الأفعال مع عدم كونها متضادة مستبعد او ممتنع. وقلنا انه لا مستبعد ولا ممتنع.
بالتالي يقول: فإذا لم يكن الملاكات متضادة فلم يعاقب على ترك الفعل التام مع صحة الناقص؟ لابد ان يأمر بالتام ويعيد العمل لا ان نقول لا يأمر بالإعادة ويصح الناقص ومع ذلك يعاقب. هذا تناقض عند السيد الخوئي.
الثاني: يبينه السيد الخوئي ببيان آخر وهو ان المرتبة التامة في الحقيقة ارتباطية يعني الاخفات في موضع الاخفات او القصر في موضع القصر يعني الجزء او الشرط وهو ليست مصلحته مستقلة. لان مصلحته إما مستقلة او ارتباطية، فاذا كانت مصلحته ارتباطية فالمفروض ان الكل يفسد بفساد الجزء. لان المرتبة التامة التي فوتت بتفويت الجزء والشرط إذا كانت ارتباطية فلا يمكن أن تتحقق مصلحة الناقصة من دونه فيلزم بالإعادة وإذا لم يلزم بالإعادة ويصح العمل الناقص فهذا خلاف الارتباطية.
وإذا كانت المرتبة التامة استقلالية فيلزم بالإعادة بالعمل التام وإلا يأثم ولا يمكن الالتزام به لأنه يعاقب على الجزء أو الشرط وهل يمكن الالتزام بأن الجزء والشرط مستقلان وهل يمكن الالتزام بعقوبتين ومثوبتين؟ فلو ترك الواجب من رأس هل يعاقب بالعقوبتين؟ فالسيد الخوئي يرفض هذا التصوير من المشهور رفضا باتا أن يصح الناقص ويعاقب على التام مع امكان الاتيان بالتام في الوقت إما لتعدد العقوبات او استقلالية الجزء والشرط.
فمن ثم هذا الوجه من الاخوند غير صحيح.
(العموم المجموعي والمركب ومراتبه)
ولكن المشكلة عند السيد الخوئي من الصحيح والاعم في المركبات تبعا للميرزا النائيني والمرحوم الاصفهاني يعني انهم افترضوا الارتباطية في جملة من كلماتهم تعني عموما مجموعيا بقول مطلق وحينئذ كانما الكل ركن تقريبا يعني مرتبط ودخيل وينتفي الكل بانتفاء الجزء. اما انه مرتبط فيعني انتفاء الكل بانتفاءه ولا مرتبط لا معنى لها وتدافع عندهم. هذه عناصر كلية في بحوث الأصول تؤثر في استظهارات الاعلام في أبواب عديدة.
(مبنى النائيني في «لا تعاد» ومبنى المشهور)
من ثم الميرزا النائيني في «لا تعاد» لم يصورها انه إجزاء الناقص عن التام وكذلك السيد الخوئي.
بيان ذلك:
ان إجزاء الناقص عند المشهور يعني ان الشارع تشريعا يطالب بالتام لكن في مقام الامتثال يكتفي الشارع بالناقص عن التام. وبعبارة أخرى ان التشريع في الاصالة تعلق بالتام وانما في مقام الامتثال يكتفي الشارع بالناقص فهذا ليس في مرحلة التشريع والحكم على حاله وانما الشارع اكتفى بالناقص في مقام الامتثال عن التام. فالتصرف في مقام الامتثال.
بينما الميرزا النائيني وتلميذه السيد الخوئي واكثر تلاميذه قالوا ان «لا تعاد» تتصرف في مرحلة الانشاء والجعل فهي دليل مخصص لعموم «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» فهذا الدليل مقيد بما اذا لم ينس لكنه اذا نسي فليس الفاتحة جزءا. ففي ظرف النسيان ليس لدينا الا الصلاة الناقصة عن التامة وهي مأمور بها وعموم الامر بالفاتحة والسورة والاذكار والاجزاء الغير الركنية مقيد انشاءه وجعله بعدم النسيان او بعدم الخلل غير العمدي. اما في ظرف الخلل غير العمدي كل حسب مبناه أصل الخلل غير مأمور بها لان مقتضى الارتباطية ان تكون لوحة صلبة غير قابلة للتبعيض والتفكيك. فالجزء المنسي غير مأمور به أصلا.
فاذا الارتباطية يعني عدم التفكيك والتفكيك يعني عدم الارتباطية وهذا إصرار تصوير الميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذه. فمن ثم «لا تعاد» تتصرف في الأدلة الأولية لا في مقام الامتثال بل تتصرف في مقام الجعل. هذه الاستظهارات كلها تنطلق من بحث الصحيح والاعم من معنى الارتباطية.
(تصحيح الناقص والعقوبة على التام مناقض للارتباطية عند النائيني)
فإذًا لا يمكن تصحيح الناقص ويقال انه يعاقب على التام لان العقاب يعني انها ارتباطية ومع ذلك كيف يصح العمل الناقص. او قل بالوجوب التخييري وهو مقتضاه عدم العقوبة لان الناقص والتام كلاهما يوفيان بالملاك فلماذا يعاقب مع إمكانية العمل التام لو ارتفع الجهل التقصيري. فاذا الجمع بين العقوبة والصحة لا يتصور.
على كل هذا هو المبنى في تصوير الارتباطية في الأجزاء الواجبة والشرائط الواجبة عند النائيني و كذلك نفس الكلام عند المرحوم الاصفهاني في الجزء المستحب والشرط المستحب من أن الجزء والشرط يعنيان الارتباطية والمستحب يعني عدم الارتباط وبالتالي عند السيد الخوئي في كلا المقامين ان الارتباطية شيء لا ينفك وبالتالي لا يختلف في الركن وغير الركن وينتفي الكل بانتفاء احد اجزاءه.
(مواطن أخرى من بحث المراتب في المركب)
من ثم في الأقل والأكثر سيواجهون المشكلة يعني نفس المبحث في أبواب أصولية متعددة. كيف تجري البراءة في الزائد المشكوك الارتباطي لان معنى الارتباطي انه لا يقين عندي بصحة الأقل. البراءة لا تستطيع ان تحرز لي صحة الأقل فمن اين تفرغ ذمتي ومقتضى الارتباطية عدم فراغ الذمة. فاحتمل ان ما اتيت به ليس بشيء لان مقتضى الارتباطية ان الكل ينتفي بانتفاء الجزء فهب اني أجريت البراءة في الزائد المشكوك فمن اين نحرز صحة البقية. لذلك يجدون الاشكال في جريان البراءة تذكر في محلها.
أيضا عند الميرزا النائيني ومدرسته منهم السيد الخوئي وتلاميذه في بحث الوضوء والتيمم والغسل والتيمم كمثال للمراتب في المركبات. في الموارد التي لا يلزم المكلف بالوضوء او الغسل فيلزم بالتيمم هل الالزام بالتيمم عزيمة بحيث لو اتى الوضوء او الغسل لا تصح صلاته او كما ذهب اليه المشهور ان الشارع رخص في موارد العذر كالضرر والتقية في ترك الوضوء والغسل وامر بالتيمم لكنه ليس الامر بالتيمم تعيينيا عزيمة بل من باب التخفيف امر الشارع بالتيمم. فلو تكلف المكلف اذا لم يحصل اضرار حرام وتوضؤ او اغتسل فيصح. بينما على كلام الميرزا النائيني ليس هكذا. إما متعين على المكلف الوضوء فيتعين الوضوء لا غير او مأمور بالتيمم فلابد من التيمم فمن ثم في موارد العذر يستشكل في صحة الوضوء والغسل في جملة من الموارد عند الميرزا النائيني وكل الموارد عند السيد الخوئي.
لذلك اصل القضية في الارتباطية انه كيف نتصور الارتباطية؟ هذه النتائج نتيجة تصور الارتباطية بالارتباط البتّي وكانما كل الأجزاء لا فرق فيها بين الأركان وغير الأركان فكلها كانما اركان. والقول بان الأركان لابد منها يفسر انها مأمور بها في مراتب أخرى وغير الأركان غير مأمور بها لا انها مأمور بها ويكتفى بالناقص لان هذا خلاف الارتباطية. وكذلك في بحث الصوم وبحوث أخرى ينطلقون من نفس النقطة والنكتة.
(الجواب عن مبنى النائيني والسيد الخوئي)
الجواب عن كل هذه كما عليه المشهور ان الارتباطية هي درجات. من قال ان الارتباطية درجة واحدة ومعناه ان الكل ينتفي بانتفاء الجزء؟ ليس كذلك لا عرفا ولا تكوينا ولا شرعا.
(تصوير اول) مثل ما مر بنا مرارا هذا المثال في الطبيخ المركب وجبة تسمى غوزي ووجبة تبسي ووجبة تسمى الشاي فيها أجزاء إلزامية لكن لو لم يأت بها يبقى المركب موجودا وباقيا وان كان ناقصا لا ان الطبخة تنتفي تماما بخلاف بعض أجزاء الطبخة المركبة اذا انتفت اصل الطبخة تنتفي وهذا صحيح.
(تصوير ثاني) بل حتى في الأركان ليست الاركان الخمسة على تساوي في الركنية بدرجة واحدة. الركوع والسجود والطهور والاستقبال والوقت ليست في درجة واحدة كما انه في البناء التكويني هكذا. الأركان مهمة لكن ركنية الأركان تختلف في الركنية مع بعضها البعض فضلا عن الأجزاء غير الركنية.
تصوير ثالث في نفس الركن الواحد مراتب. ليس كل الوقت بتمامه ركن. او كما يقولون في الفقه ليس كل ما في الركن ركنا. ولا في الركن بما هو ركن بكل مراتبه ركن بمرتبة واحدة بل له مراتب. الايماء بدل الركوع والايماء درجات والسجود من جلوس وقيام والركوع من القيام والجلوس. «كما ورد» من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت. بالتالي الوقت لها درجات في الركنية. إذًا نحن أمام مشهد من المركب إن طبيعة الارتباطية فيه درجات. شبيه اللاصق الشديد واللاصق غير الشديد. او شبيه بدن الانسان اذا راح القلب يموت وكذلك المخ لكن بقية الأجزاء ليس كذلك. مع ان جملة منها اركان. فالصحيح اذا ان الارتباطية ليست كالخشبة او الحديد الصلبة غير القابة للتبعيض بل هي قابلة للتفكيك مع ذلك يمكن ان يكون الكل اسمه باقيا. حتى الكل يمكن ان يتنزل في الركن والاركان. أما ان نفترض انه كتلة واحدة غير قابلة للتبعيض فهو خلاف الحقيقة التكوينية والعرفية والشرعية في باب المركبات. فاذا يمكن تصوير المراتبية.
بل أصل دلالة الأدلة في كل الأبواب على التفرقة بين الأجزاء في الركن وغير الركن وان الركن على درجات دليل على هذا.
شبيه ما ذهب اليه السيد الخوئي في حجية خبر الواحد ان الطريق ركن الأركان مع انه لابد ان ينضم اليه حجية الدلالة وحجية المدلول وحجية جهة الصدور سبعة جهات و احدى عشر جهة تنضم اليه حتى يكون الخبر حجة. فمن الأول هو ارتباطي لكن الارتباطية درجات.
هذا المبحث بعينه يثار على السيد الخوئي في تصوير صياغة صناعية في حجية الخبر. كذلك الحال في قرائن التوثيق في الرجال عند السيد الخوئي كما مر بنا مرارا. بعبارة أخرى الفرق بين القسم الأول من الظنون المعتبرة والقسم الثاني وبين القسم الثالث هي ان القسم الثاني تشكل مرن على اشكال عديدة والقسم الأول قوته اكثر لا انه لا يتشكل.
نواصل البحث غدا في قضية الارتباطية لانها في الأصول والحجج والفقه سببت مخالفة الميرزا النائيني والسيد الخوئي والاصفهاني عن المشهور.