الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

 

خلاصة الجلسة السابقة

كان البحث في المانع الثالث الذي عنونه الميرزا النائيني على الترتب في صحة الخلل في العبادات وفي الشبهة البدوية او الشبهة بعد الفحص او موارد العلم الإجمالي او الاحتياط الشرعي.

(بيان الميرزا النائيني في رد الترتب في الموارد)

المانع هو ان الترتب أخذ فيه عصيان الأهم ومع الجهل المركب لا يتصور تحقق العصيان لأن وجوب المهم لابد فيه من تحقق موضوع المهم وتنجيزه. فإذا لا يمكن تصوير الترتب.

و أيضا توسع الميرزا النائيني في الكلام وقال أن موارد الجهل التقصيري أيضا مع أنه يعاقب عليه لا يمكن القول بالترتب فيها لأن المكلف وإن يعاقب لكنه لا يلتفت الى تحقق موضوع الترتب لأن موضوع الترتب هو العصيان وحيث لا يلتفت فكيف يكون الامر بالمهم فعليا في حقه.

وأضاف الى ذلك ان العقوبة في موارد الجهل القصوري أيضا ليس على الواقع وانما على الطريق والمنجز وما شابه ذلك. فصحيح انه في موارد الجهل التقصيري لكن العقوبة في الحقيقة ليست على الواقع وانما على الطريق.

وأيضا في موارد النسيان لا يمكن تصوير الترتب لانه في هذه الموارد ورد «اذا نسيت كذا فافعل كذا» فكيف يلتفت الى المنسي لانه اذا يلتفت الى المنسي فليس منسيا واذا لم يلتفت اليه فكيف يتحقق موضوع الترتب؟ فمن ثم في موارد الخلل للنسيان في العبادات لا يصور الترتب.

(الجواب عن الاشكال)

ولكن هذه الإشكالية وهذا المانع يمكن دفعه وجوابه. لانه في الحقيقة أن الذي يوجب الحل في باب الترتب ليس اخذ العصيان وانما هو اخذ الترك. اصل العلاج الموجود في الترتب هو لاجل عدم طلب الجمع لان المشكلة الرئيسية في التزاحم هو طلب الجمع المستحيل فيمكن علاج طلب الجمع بأخذ ترك الأهم سواء تركه من باب الجهل المركب او الجهل البسيط او الالتفات والعمد فهو جمع الطلب من دون طلب الجمع.

هذا اعتراض من السيد الخوئي قدس سره على استاذه رحمة الله عليه وهو في محله والنقطة المركزية فيه ان الترتب ما اخذ فيه عصيان الأهم بل النقطة المركزية في الترتب هي ترك الأهم فلذلك قلنا ان العصيان ليس بالمعنى المصطلح لانه من أسباب سقوط الامر بل العصيان هنا بمعنى الترك المستمر حتى السقوط. هذا معنى آخر من العصيان ليس بمعنى التنجيز و استحقاق العقوبة لان العصيان يستعمل بمعاني عديدة. اذا هذا المانع الثالث أيضا ليس في محله.

فمن ثم يمكن تصوير الترتب في النسيان أيضا بأخذ الترك لا بأخذ العصيان او النسيان وكذلك في موارد الشبهة البدوية او الشبهة بعد الفحص او موارد العلم الإجمالي او موارد الاحتياط الشرعي كلها يأخذ فيها الترك وهو ممكن تصوير تحققه سواء علم او لم يعلم او ينجز او لم ينجز. حتى في موارد عدم التنجيز يمكن فرض الترك المستمر الى ان يسقط. فلا يستلزم حينئذ طلب الجمع بل هو جمع الطلب.

 

هنا يقظة مهمة في البحوث الصناعية وبحوث الاحكام الشرعية ان العناوين البديلة والعناوين المرادفة ربما يبحث المجتهد في عنوان واحد وآثاره والحال ان له عنوان بديل وهو الأصل وليس هذا العنوان مأخوذا في الموضوع. سواء في الاستظهار من الأدلة اللفظية او ما حكم به العقل. هذه نكتة لطيفة. مثلا رتب الميرزا النائيني منظومة من الأبحاث على عنوان العصيان واخذ العصيان في فعلية المهم والحال ان الترك هو المعالج والمأخوذ وليس العصيان.

 

ثم يسجل السيد الخوئي مؤاخذة اخرى على النائيني لابأس به وهي أن الطريق في العقوبة على الواقع في موارد التقصير مصحّح لا ان العقوبة على دون الواقع فالطريق نوع من الموصل للواقع ومصحح للعقوبة لا ان العقوبة عليه نفسه. هذه نكتة لا بأس به ومتينة.

هذا هو وجه الترتب سواء في الجهل القصوري او التقصيري او النسياني فيمكن اخذ الترك من دون اخذ العصيان. وكلامنا في واقع خالفه المكلف، هل العقوبة على الواقع بشرط الوصول او على الطريق؟ ظاهر كلام النائيني انه على الطريق فحسب لا على الواقع لانه مغفول عنه. لكن الصحيح ان العقوبة على الواقع والمصحح لها ايصالية الطريق. فالطريق شرط لتصحيح العقوبة. مثلا اذا عصى الانسان حكما معلوما فالعقاب على الحكم والمصحح للعقاب علمه على ذلك لا ان العقوبة على العلم. كلامنا في المخالفة الواقعية الثبوتية والعقوبة على الواقع.

فالترتب في أبواب الشبهة البدوية متصور أيضا وفي الشبهة بعد الفحص والموارد الأخرى التي ذكرنا متصور أيضا وهذه زاوية مشتركة وكلامنا في الرسم الكلي في بحث الترتب. اذا ما ذكره الشيخ جعفر كاشف الغطاء متين انه في موارد الجهل التقصيري يصح العمل ويعاقب ومر بنا ان هذا البحث عند المشهور ليس في خصوص القصر و التماما او الجهر والاخفات بل في كل مسائل الخلل يجري هذا المبنى.

(بيان صاحب الكفاية في تصحيح العقوبة وصحة الناقص: مراتبية المركبات)

هناك وجه آخر ذكره المرحوم الآخوند في الجهر والاخفات لصحة الناقص مع العقوبة على ترك الكامل غير الترتب وكذلك في موارد القصر والتمام بالعقوبة على الواقع الصحيح وصحة الناقص.

هذا الوجه متين جدا وان اشكل عليه الاعلام كالنائيني والسيد الخوئي، لكنه انصافا متين وهو متبنى للمشهور وهو عبارة عن مبحث صناعي في المركبات العبادية او غير العبادية ولا سيما العبادية وهي قاعدة صناعية في المركبات لا سيما العبادية يوجب حل كثير من الإشكاليات في الأبواب العديدة. وان لم يكن هو تمام الحل لكنه الحجر الأساس في الحلول وينضم اليه القواعد الصناعية الأخرى.

(قاعدة: ان المركبات ذات مراتب وطبقات الزامية)

هذه القاعدة عرفية وعقلائية وشرعية وهي ان المركبات طبيعتها ذات مراتب وذات طبقات الزامية حتى في الفرائض فضلا عن المندوبات. المراتب العليا تامة الزامية ثم المرتبة الأنقص فالأنقص وهلم جرا، مثل صلاة القائم وصلاة الجالس وصلاة المضطجع، كلها مراتب للصلاة وكذلك في غير الصلاة من الحج والوقوف، مثلا الوقوف في العرفات او المزدلفة هو ماهية مركبة ضمن ماهية أكبر وهي الحج ولكنها ذات مراتب والحج أيضا ذات مراتب والطواف ذو مراتب أيضا. كمن يطاف به ومن يطاف عنه ومن يوقع الطواف به، ست مراتب في الحج ومن هذا القبيل كثير سواء في الطواف او السعي او الوقوفين او رمي الجمرات وكذلك في كل الحج حتى في بعض الصور ان حج الافراد مجزء عن حج التمتع مع ان وظيفته الاصلية هي حج التمتع. حتى في الصوم مثل من اكل بظن كذا إذا لم يكن مقصرا. فنرى ان المركب ذو مراتب.

نفس ورود الأدلة الشرعية في المركبات أن فيها أركان وغير الأركان معناه أن الركن دوره غير دور غير الركن ودخالته اشد في المركب بل الأركان أيضا ذات مراتب والركن الواحد أيضا ذو مراتب. اذا عملية المراتبية في المركبات تكوينا وعرفا وعقلائيا وشرعا امر مقر به رسميا.

طبعا هذا البيان بيان إجمالي مبهم لأنه يحتاج له من ادلة خاصة في التفاصيل لكن كشيء اجمالي وابهامي اصل المركبات هي ذات مراتب.

حتى في الطبخ والاكل فيه أشياء مركبة اركان وغير الأركان والاركان ذات مراتب يعني ان طبيعة المركبات دائما هكذا انها ذات درجات وطبقات.

(تركبات الماهية من شرائط للماهية النوعية والفردية والأداء)

هذه الطبيعة إذا أردنا ان نستوسع فيها أن عندنا أجزاء لازمة وشرائط وموانع ولدينا شرائط للأداء مثل حجاب المرأة بنمط معين هل هو شرط في الماهية او شرط في أداء الماهية إذا كانت المصلية امرأة. فالمقصود ان بعض الشرائط شرائط لازمة لكنها ليست في الماهية الطبيعة النوعية وانما في الماهية الفردية. عندنا شرائط وأجزاء لازمة في أصل الماهية وعندنا شرائط في الماهية الفردية وعندنا شرائط في الأداء وهلم جرا. يعني الماهية تتركب بتركبات عديدة كثيرة لا انها بنمط واحد.

لذلك في الصلاة عن الميت اذا كان الميت امرأة والمصلي رجلا فيلزم ان يصلي بالجهر مع ان الميت امرأة وما كان يلزم عليها الجهر لان الجهر والاخفات من أجزاء الهوية الفردية اللازمة ومرتبة بالأداء. والعكس لو كان الميت رجلا والتي تنوب عنه امرأة فتلزم في الصلاة ان تتحجب وفي الحج هكذا لو كان المنوب عنه رجلا فيلزم ان يقف عنه بين الطلوعين في المزدلفة. طبعا الصحيح الركن ليس بين الطلوعين بل انما آنا من الليل الى طلوع الشمس كما عند المشهور وعندهم انه لو ترك بين الطلوعين عمدا لا يبطل حجه ويتعلق به الكفارة لان الوقوف الواجب الركني ليس خصوص بين الطلوعين. في بيان اهل البيت «ان الحج مزدلفة وليس العرفة» الركن الركين هو المزدلفة ومعه ليس في المزدلفة هو بين الطلوعين كما ذهب اليه السيد الخوئي وتلاميذه بل الصحيح ان الركن هو ما بعد غروب ليلة العيد الى طلوع الشمس آنا ما. البقية واجبة. مثل العرفة ان الركن فيها الوقوف آنا ما والبقية واجبة ومع تركه يتعلق الكفارة.

 

اذا طبيعة التركب في الماهيات مراتبية مع ان كلها الزامية. مثلا صلاة الغريق صلاة بلاوضوء وبلا تيمم وصلاة من تورط في وحل ومنصوصة مع ان هذه الموارد يندر من يفتي بالتيمم والصلاة والحال ان النصوص المعتبرة نص في ان فاقد الطهورين يجب عليه الصلاة ولا تسقط. من هذا القبيل موارد عديدة وفي الحقيقة تركبات للمركبات. هذا بحث صناعي مفيد.

في الجزء الأول من الشهادة الثالثة في الاذان والإقامة والتشهد ذكرنا ست وجوه صناعية وفي الجزء الثالث استقصينا ما يزيد على العشرة من كيفية تركب الأجزاء مع بعضها البعض وربما اكثر.

انا بسطت الحديث في هذه القاعدة لان هذه القاعدة اهم من المسألة هذه واهم من الترتب ومفيدة جدا وهي معرفة المركب ذو مراتب وذو هندسات تركيبية. امس مر بنا في العموم ان طبيعته ذات تركيبات ومن اخطأ الأخطاء الاسترساس في الاستظهار والاستنباط في العمومات والمركبات «ان المركب عموم مجموعي» والسير بغفلة بمكان حسبان ان التركيب على وتيرة واحدة وعلى شاكلة واحدة بل غالبا فيه تشكيلات مختلفة ومتنوعة. مثل ان احد الفضلاء عنده كان مداقة وقال ان الولاية اذا كانت شرط الصحة فكيف اذا استبصر آخر عمره يقول الامام لا يعيد الصلاة. اذا دليل على انه ليس شرط الصحة. اجبت فكيف بالشرط المتأخر؟ اتفاقا تمركز ادلة المستبصرين في الروايات على صحة الاعمال لا القبول دليل على انه شرط ولو متاخرا. اصل السوال في الروايات عن الصحة بتعبير الإعادة وكذلك اذا يؤكد الامام على عدم الإعادة او الإعادة فدليل على انه شرط الصحة لا القبول وانما اكمال الفائدة ذكر سلام الله عليه بحث القبول. هذا بحث مهم في الأبواب الأصولية و الأبواب الفقهية ان يلتفت الانسان ان طبيعة المركب ليست على شاكلة واحدة.

في مركب واحد كل جزء له نغمة خاصة في التركيب. الموالاة اخذها بشكل والنية اخذها بشكل والركوع والسجود اخذها بشكل فلابد ان نلتفت اليه.

(رد الميرزا النائيني والسيد الخوئي على النظرية)

حينئذ يأتي سوال الميرزا النائيني والسيد الخوئي وهذا الاشكال يريد ان يناقض للقاعدة والاخوند استعرض عليه وأجاب والاشكال هو ان مقتضى الجزئية والشرطية والارتباطية ان الكل ينتفي بانتفاء الجزء. لان هذا هو معنى الارتباط. فلابد في مقتضى الجزئية ولو لم تكن ركنا من انتفاء الكل بانتفاء الجزء والبقية كالعدم. كانما لوحة مسطحة غير قابلة للتقطيع وهذا هو معنى الارتباط.

هذه النظرية بهذه الصورة توجد مشاكل كثيرة ولا تسبب ان يكون المركب قابلا لان تتشكل بل يجعله بشكل متماثل صلب ودليلها ان فرض أن المركب قابل لأن يتبعض خلف الارتباطية وانما هذا استحداث وجعل وانشاء لمركب آخر ويحتاج الى دليل والا فمقتضى ادلةالجزئية والشرطية والمانعية ان الكل سواء في المركب الركن وغير الركن.

على هذه النظرية يكون معنى الارتباطية ارتباط مسير الكل بالكل ولا يمكن التفكيك فيه. كيف يمكن ان يكون في حين انه ارتباطي لا ارتباطي.

لذلك هنا السيد الخوئي يقول انه ممتنع ان يجتمع العقوبة على الكامل وتصحيح الناقص. يمكن للترتب ان يصحح هذا المطلب اما هذه القاعدة ومراتبية المركبات لا يمكن تصحيح العقوبة مع صحة الناقص. فإما صحة الناقص بلاعقوبة او العقوبة بلاصحة. فالصحة والعقوبة تناقض عند مبنى السيد الخوئي والنائيني رحمة الله عليهما.

هذا المطلب يرجع الى التصور الصناعي حول المركبات ولا ننسى ان شاء الله في الجلسة اللاحقة ان نتعرض الى المندوبات لانها لها ارتباط بهذه القاعدة الصناعية ومفيدة في الأبحاث.