الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

 

كان الكلام في جريان الترتب في مواطن أخرى التي منها بحث صحة الخلل غير العمدي في العبادات سواء القصر والتمام او الجهر والاخفات لا سيما اذا كان عن القصور وطبعا المراد من الجهل ليس الجهل البسيط بل المراد هو الجهل المركب لانه في الجهل البسيط مع الالتفات الصحة مشكل سواء في موارد لا تعاد او كل موارد تصحيح الخلل. مع عدم الالتفات وفي الجهل المركب وان كان عن تقصير هناك تخريج لصحة الخلل. نعم تارة يشك ويفحص فيكون النتيجة كنتيجة الجهل المركب فلامانع عن تصحيح الخلل اما ان يقصّر في الفحص في الشك البسيط فتصحيحه مشكل ويكون بمثابة العمد بادلة كثيرة.

فوجه لتصحيح الخلل هو الترتب ومنع عنه الميرزا النائيني بثلاث موانع:

المانع الأول: انه من باب التعارض وليس من باب التزاحم والترتب في مورد التزاحم والتنافي الاتفاقي لا التنافي الدائمي والقصر والتمام من قبيل التنافي الدائمي.

فاعترض عليه السيد الخوئي بنظرية أخرى من انه لا مانع من الترتب في الجعل لكنه فرق بين الترتب في الجعل والترتب في التزاحم ان الترتب في الجعل يحتاج الى دليل ثالث وسبق ان بينا انه يمكن بوجوه ان نقرر ان الترتب في الجعل لا يحتاج الى دليل ثالث أيضا.

من جهة ان مفاد الأدلة اقتضائي والمدلول ثبوتا يكون من قبيل التزاحم لكن ليس من التزاحم الاصطلاحي في الامتثال وانما هو تزاحم في الجعل.

ويمكن ان يكون التزاحم في الكاشفية وهذه نكتة جدا مهمة واكد عليها علماء البلاغة في البيان والمعاني ان القرائن كانها مقتضيات ثبوتية لكنها ليست مقتضيات ثبوتية للملاك بل مقتضيات ثبوتية لملاك الكاشفية فما يفرط في أي قرينة من القرائن شبيه التحريات والتحقيقات الجنائية لان كل قصاصة لها اقتضاء حكاية وكاشفية والخبير يوفق بين هذه الاقتضاءات في الكاشفية.

ليس فيها اقتضاء كالاقتضاء الثبوتي في الملاك الثبوتي لكنه اقتضاء في الحكاية كالمرآة مثل مرايا متعددة تعطيك نتائج متخالفة لكنه بالتدبر والتوفيق بين الحكايات يمكن الخروج بصورة مرتبة عن المحكي فهذا أيضا مبنى القدماء مبنى صحيح على علوم اللغة من ان الحكاية أيضا في مقام الاثبات اقتضائات ولايفرط في هذه الاقتضائات وهذا نوع من التزاحم لكن ليس تزاحما ثبوتيا في الجعل ولا التزاحم الثبوتي في الامتثال بل هو تزاحم في المقتضيات في الحكاية.

من ثم يمكن الجواب عن دعوى السيد الخوئي بانه يحتاج الى دليل ثالث من انه لا يحتاج الى دليل ثالث ان نفس الأدلة واقتضائات الكاشفية والحاكية تتزاحم والخبير يؤلف بينها ولا يحتاج الى دليل ثالث. طبعا المقصود من الدليل الثالث ليس عدد الثالث لانه ربما تكون طائفتان متقابلتان بل المقصود من الدليل الثالث بلحاظ المضمون لا بلحاظ عدد الأدلة. فلا يحتاج الى طائفة ثالثة. من ثم القدماء عندهم الأصل في التعارض سيما اذا كان في الاطلاق ليس التساقط ثم الضرورة تقدر بقدرها كما مر وهو الصحيح.

طبعا فيه فرق بين الترتب والتزاحم في الاثبات عن الترتب في المقتضيات في الجعل شبيه التخيير الفقهي الثبوتي عن التخيير الاصولي. ان التخيير الاصولي بين الخبرين والحجتين بنمط آخر. هذا بحث الترتب في التعارض لا اشكال فيه ولا غبار عليه.

المانع الاخر الذي يذكره الميرزا النائيني عن صحة الترتب في موارد صحة الخلل في العبادات هو ان الترتب انما يجري في الضدين الذين لهما ثالث اما الضدين الذين ليس لهما ثالث لا يجري فيهما الترتب. لان الضدين الذين لا ثالث لهما وقوع احدهما ضروري. مثل المتناقضين فسواء امر الشارع او لم يأمر بالتالي هو سيقع وما حاجة للامر والترتب لاجل تصوير الامر وايقاع المتعلق وهو موجود في هذه الموارد. فاذا هذه ضابطة للترتب لتضييق الترتب.

في المقام في صحة خلل العبادة لا يجري الترتب لان الجهر والاخفات ضدان لا ثالث لهما كما ان القصر والتمام هكذا. فلا فرض للترتب في المقام.

السيد الخوئي يعلق على كلام استاذه النائيني ويقول: دع كبرويا ان الترتب لا يجري في الضدين لا ثالث لهما وهذا صحيح لان وقوع احدهما ضروري كالمتناقضين ولا معنى لدعوى تصوير الامر كي يحرك نحو متعلقه الثاني ان لم يكن الأول. هذا صحيح لكن صغرويا هذه الموارد في صحة خلل العبادة ليست من الضدين لا ثالث لهما. هذه نكتة يقظة كبروية صغرى لكبرى اكبر منها جيدة.

يقول ان المأمور به هو القراءة اخفاتا او القراءة جهرا وهذان لهما ثالث وهو ان لا يقرأ. فالميرزا رحمة الله عليه جعل الخيارين في الصفتين الجهر والاخفات والحال ان الامر لا يتعلق بالصفتين بل تعلق بالقرائتين لا انه يفرض القراءة موجودة. فالامر بالقراءة اخفاتا والامر بالقراءة جهرا كما ان القصر والتمام هكذا يمكنه ان لا يتم ولا يقصر كان يأتي بثلاث ركعات ويعصيهما معا. هذه غفلة صغروية من الميرزا النائيني رحمة الله عليه.

هذه نكات جيدة لكنها تنبه على ان السيد الخوئي ارتكازا يقول بشيء من الاستقلالية للاوامر الضمنية. مر بنا ان السيد الخوئي تبعا للنائيني والكمباني بنى على ان التزاحم في الواجبات الضمنية لا يصح وكذلك الترتب فيها. مع ان هنا صورها وهذا ارتكاز منه ان الواجبات الضمنية شيئا ما تعامل معها كانها واجبات مستقلة. وبعبارة صناعية مفيدة في بحوث المركبات ان العمومات وقوالب الاحكام سواء في الواجبات الضمنية او غيرها ليس من الضروري ان يكون فيها حكم مستقل بقول مطلق ولا لامستقل بقول مطلق بل يمكن ان يكون من حيثية مستقلا ومن حيثية غير مستقل. مر بنا ان العموم الاستغراقي يعني الاستقلال والعموم المجموعي يعني لا استقلال.. مر بنا ان الحكم يمكن ان يكون معجونا من الاستغرائيا ومجموعيا مثل النظام الفدرالي بين الاستقلال ولا استقلال وبينهما اشكال وقوالب متعددة. هذابحث مهم جدا في باب صلاحيات الفقهاء ودور الاعلم وغير الاعلم وصلاحية السلطة القضائية وصلاحية السلطة التنفيذية والاجرائية. هل هم من قبيل الوزراء في حكومة واحدة كحكومة الامام سلام الله عليه مع ان كل وزير مستقل عن وزير آخر لكن ليس مستقلا بقول مطلق ولا هو مندمج مع وزارة أخرى. هذا تصوير لكتلة الفقهاء مثلا. من قبيل هذا البحث موجود. في العروة الوثقى في السلطة القضائية او الفتوائية او التنفيذية ذكروا ان المرجع لا يقدر ان يدخل على خط مرجع آخر لانهم مثل الوزراء حتى لو كان ذلك المرجع غير الاعلم. اذا سبق ان تصرف معينا واجد الشرائط لا يقدر الاعلم ان يتصرف فيها. صوروها من قبيل كتلة الوزراء وهذا تصوير من الصور. في الأمور المهمة المسيرية لا يجعلونها بدليا مثل ثورة العشرين ميرزا محمد تقي شاركه وتوافقه في موقف واحد مجموع الفقهاء كان آنذاك اثنا عشر مرجعا مقلّدا في النجف الاشرف في طبقة واحدة او مقاربة كالخليلي وزين العابدين والشربياني غير الاخوند والسيد اليزدي. وكذلك مثل الولي والمرأة الرشيدة.

ان العمومات باي شاكلة استغراقية بقول مطلق ومجموعية بقول مطلق وبدلية بقول مطلق ومعجونة من هذه العمومات ومعجونة بشاكلة واحدة او شواكل متعددة. الفدرالي غير الكنفدرالي وما فرقهما عن الحكم الذاتي. في دولة الروسيا عندهم خمس او ستة تركبيات متعددة. معجون اخماسي. فمن ثم الفقيه يجب ان يدقق في الأبواب انها باي نحو وباي قوالب ويعرف حدود الله. سواء بين الزوجين او بين الاقترانات الأخرى هل هي هرمية او منظومية او عرضية او باي شاكلة. من ثم ليس نظر الفقيه او المجتهد في باب على منوال الأبواب الأخرى بل كل باب له هندسة خاصة عند الشارع. هذا بحث جدا مسيري

مثلا مر بنا في نظام الحجج. كانما السيد الخوئي يبني على ان نوع من الحجة المستقلة والحال انه ليس عندنا حجة مستقلة بقول مطلق حتى اليقين. اليقين حتى في احكام العقل المستقلة ما عندنا يقين مستقل بقول مطلق بل لازم ان تتلائم مجموع اليقينيات. اذا هذا استقلال نسبي. بالدقة العقلية اذا اردنا التفرقة بين الظنون المعتبرة والظنون الغير المعتبرة القسم الأول والثاني ليس الفرق بالاستقلال واللااستقلال ابدا لان كلا الظنين ليسا مستقلين. بل الفرق في القوة و الضعف.

ما الفرق بين اللااعتبار في القسم الثاني واللااعتبار في القسم الثالث. القسم الثالث مسدودة بقول مطلق لا بالتراكم ولا باي شيء حتى لو حصل منها القطع. بخلاف القسم الثاني. اذا هندسة العموم في الظنون او في اليقينيات مؤثرة في نظرية المعرفة. بحث العمومات بحث خطير في الأصول والفقه وكل العلوم الدينية لان كل عام يمكن ترجمته بشكل معين. مثل حق الحضانة للزوجة وحق الولاية للزوج على الولد هل هما في دولة واحدة او دولتين ووجدنا ان الأدلة التي تعين سنتين او سبع سنوات لا ربط لها بحق الولاية ولا حق الحضانة بل لها ربط بتقديم احد الحقين عند التزاحم والا حق الحضانة الى البلوغ للمرأة وما ذهب اليه الصدوق صحيح. وبعد البلوغ يتخير المولود. كذلك حق الولاية لكن بيئة الولاية شيء في الأمور المسيرية الخطرة اما الرعاية العطوفة والمباشرة للام. فبيئتان مختلفتان.

اذا نكتة العمومات نكتة جدا مهمة انه كيف نخرج منها بصياغة وبيئات الاحكام والمتعلقات شيء مهم جدا. لان هذا العموم شيء غير المرئي وشبيه المعنى الحرفي وانما يلتفت اليه بالتدقيق. الرياضيات والهندسة غير موجودة بنفسها الا بالانتزاع لكنها مؤثرة في اصل البنيان وهكذا في بحوث القوانين الشرعية وعموم أصول القانون. اذا كلام السيد الخوئي في محله ان هنا صغرويا ليس محل الضدين لا ثالث لهما. وبعبارة أخرى كما مر هذا نوع من اعتراف السيد الخوئي ارتكازا ان التزاحم قابل للتصوير في الواجبات الضمنية غاية الامر ان الواجبات الضمنية ليست مستقلة بقول مطلق ولا هي غير المستقلة بقول مطلق. اذا هذا المانع الثاني أيضا غير وارد على الترتب في صحة الخلل

المانع الثالث الذي ذكره النائيني وقال انه ليس مانعا عن الترتب في صحة الخلل بل مانع عن الترتب في أبواب أخرى وهي الشبهة البدوية بعد الفحص والشبهة البدوية قبل الفحص. البدوية ليست مقيدة بقبل الفحص بل يقسم ببعد الفحص وقبل الفحص. قبل الفحص الاحتمال منجز وبعد الفحص تجري البراءة. والمورد الثالث موارد العلم الإجمالي والرابع موارد الاحتياط الشرعي وعندنا موارد الاحتياط التي ليس منشأها العلم الإجمالي بل حتى في الشبهة البدوية في الدماء ينجز الشك والشبهة والأموال والاعراض. الا في موارد الحروب وهذا بحث آخر لاجل أهمية الصالح العام. في هذه الأربع الموارد نفس هذا المانع الثالث مانع عن الترتب.

هذا المانع انه اخذ في الترتب عصيان الأهم كموضوع لوجوب المهم. وهذا العصيان في موارد الجهل المركب بوجوب الاخفات او بوجوب الجهر الحكم ما ملتفت اليه وحينئذ كيف يتحقق العصيان ولا يتحقق موضوع الترتب. هذه خلاصة كلام النائيني. لكن فيه تفصيل طويل نتعرض اليه غدا ان شاء الله.