الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

 

كان الكلام في الموانع التي ابداها الميرزا النائيني عن جريان الترتب في موارد صحة خلل الصلاة سواء في الجهر والاخفات او القصر والاتمام او الموارد الأخرى التي ذكرها المشهور ولم يذكرها المتاخرون حيث ذكر المشهور ان الخلل بالمرتبة التامة يعاقب عليه وتصح المرتبة الناقصة.

هنا الكلام في تخريج هذا المطلب. طبعا في نهاية المطاف لا يقبل السيد الخوئي العقوبة وسنذكر مدعاه ويقول اما الصحة مطلقا في الناقص وبالتالي لا عقوبة واذا كانت عقوبة فلا صحة وهذا ممشى مدرسة الميرزا النائيني في كيفية تركب الأجزاء والشرائط وهو كلام الكمباني الى حد ما ولكن سنذكر ان ما ذهب اليه المشهور صحيح وما بنى عليه السيد الخوئي محل التأمل.

اذا الوجه الأول هو الترتب ومنع الميرزا النائيني عن الترتب وكذلك منع عن مورد آخر للترتب وهو الشبهات البدوية يعني تجري البرائة في المركب او غير المركب. كما انه مضى ان السيد الخوئي يستشكل في الترتب في الواجبات الضمنية ومورد آخر بنى عليه الميرزا النائيني موارد الشبهة قبل الفحص فيلزم به الاحتياط ولا يمكن ان يجري البرائة او التمسك بالعمومات قبل الفحص حتى النص الخاص انه لا يصح التمسك به قبل الفحص عن المعارض. هنا أيضا منع الميرزا النائيني عن الترتب باعتبار انه لو ارتكب المركب الناقص قصورا وتقصيرا ومستعجلا في الاستنباط او المقلد في المراجعة فهنا منع عن الترتب ومورد آخر العلم الإجمالي أيضا منع الميرزا عن الترتب وأيضا موارد الاحتياط الشرعي كما في الاعراض والدماء. هذه جملة من الموارد منع الميرزا النائيني عن الترتب فيها.

هنا نكتة لطيفة في بحث الشبهة قبل الفحص او الفحص عن المعارض للنص الخاص فلا يسوغ لك الاعتماد على النص الخاص من دون ان تبحث عن المعارض. هذا بحث اصولي مهم. ما هو المنجز للشبهة قبل الفحص حتى لو لم يكن العلم الإجمالي موجودا. فميز الاصوليون والفقهاء والمتكلمون بين الشبهة البدوية فتجري فيها البرائة وبين الشبهة قبل الفحص وبعد الفحص اذا لم تقف على الدليل تسمى شبهة بدوية لكن قبل الفحص ليس شبهة بدوية ولو لم يكن لديك علم اجمالي. ادلة كثيرة لكن الاحتمال في الدين والفروع والمعارف بصرف الاحتمال منجز.

بعبارة أخرى: ان السند له دور وشأن ولا ريب في ضرورة علم الرجال لكن ان نقول انه ركن الأركان في التنجيز مقولة غير صحيحة. لان الشبهة قبل الفحص للادلة الكثيرة التي يقولها الاصوليون في خاتمة البرائة وهناك وجوه كثيرة لمنجزية الاحتمال قبل الفحص. يعني انه حتى الخبر الواحد الصحيح قبل الفحص ليس بحجة بل مجمد. الفحص والاحتمال والوصول التكويني تحتمل حكما معينا سواء التكليفي او الوضعي منجز ويحتاج الى معذر عنها لا ان تنجيز الواقع يحتاج الى طريق صحيح معتبر او يقين بل صرف الاحتمال التكويني منجز. السيد الخوئي في اول مبحث منجزية العلم الإجمالي اعترف به وقال ان الاحتمال في نفسه منجز والوصول التكويني بنفسه علم بالمعنى العقلي لان العلم العقلي اما تصور او تصديق. نفس الاحتمال هو العلم ومنجز. حتى في الشبهة البدوية قالوا ان الاحتمال في نفسه منجز ويحتاج الى مؤمن عقلي او عقلائي او شرعي. الكمباني قال ان المؤمن العقلي ما عندنا في الشبهة البدوية وانما عندنا عقلائي او شرعي وكلامه صحيح. البرائة العقلية مكانه موضع آخر وذكرناها في الدورتين. البرائة العقلية في الجهل المركب القصوري والا في الجهل البسيط البرائة العقلية ما عندنا بل برائة عقلائية اذا أمضاها الشارع. اذا نفس الاحتمال في الشبهة البدوية فضلا عن الشبهة قبل الفحص بنفسه منجز والسيد الخوئي يقول لا يحتاج الى ان نكلف انفسنا عن منجزية العلم الإجمالي بل نفس الاحتمال منجز.

فاذا الاحكام الشرعية بوصولها الاحتمالي ولو بخبر ضعيف منجز ولو بدلالة ضعيفة وفي المؤمّن تحتاج الى الدليل. اذا تجري البرائة في قبال الخبر الضعيف. فالمقصود ان التراث في الحقيقة بوجودها التكويني لا باعتباره هو سبب للتنجيز ولو بدرجة الاحتمال والتصور وقد يتصاعد الى التصديق بالتواتر او شيء آخر. هذا بيان آخر ان القسم الثاني من الظنون الذي اعتبرها السيد الخوئي في الرجال كالعدم لكن هو في مبحث الظن يقول ان الاحتمال الضعيف في نفسه منجز ويحتاج الى مؤمن في قباله. هذا هو مبنى المشهور وهذا الذي ذكرنا مرارا ان الوصول التكويني عند الشارع اهم من الوصول الاعتباري التعبدي لان الوصول التكويني قد يتراكم ويصل الى درجة الاطمئنان واذا لم يصل الى الاطمئنان نفس الوصول التكويني منجز لكن هو منجز ليس بنحو العلية. هذه هي الخفايا الصناعية التي هي نخاع كل باب.

اذا هذه جملة من الموارد التي منع النائيني فيها الترتب. امس مر بنا ان النائيني ذكر ان التنافي الدائمي تعارض وليس تزاحما. اذا كان التنافي اتفاقيا حينئذ يكون تزاحما. فالتنافي في الجعل والانشاء تعارض اما التنافي الاتفاقي هو التزاحم والترتب حسب مدعى الميرزا النائيني مخصوص للتنافي الاتفاقي.

هنا وقفة: يمكن ان يقال ان التنافي بين الجهر والاخفات دائمي وليس اتفاقيا. لانه اذا كان الجهر فيه مصلحة والاخفات فيه مصلحة وبينهما تضاد فالتنافي فيها دائمي. هذا هو الوجه الأول عن الترتب في موارد تصحيح خلل العبادات في هذا المثال او امثلة أخرى.

هذا الكلام ما وافق السيد الخوئي كما مر وسنأتي الى كلامه. هذا الكلام ضابطة لطيفة متينة ان التنافي اذا كان دائميا يكون تعارضا واذا كان اتفاقيا يكون تزاحما. طبعا السيد الخوئي علق بنكتة لطيفة وقال ان الترتب كتوليف وتوفيق بين الطرفين لا يفترق فيه سواء كان بنحو اتفاقي او بنحو دائمي بالتالي يمكن التوفيق وإمكانية التوفيق في كلا القسمين عقلا متصورة وكلامه صحيح ومتين. نعم هو يوافق استاذه في ان التنافي الدائمي التوفيق فيه بنحو الترتب يحتاج الى دليل ثالث غير متعارضين يدل على ان التوفيق هكذا مرضي عن الشارع. هذا هو المانع الأول لعدم قبول الترتب. فمآلا يرتضي مبنى استاذه لكن ابتكر ان لترتب في الجعل متصورة.

غاية الامر هذا الترتب الممكن في الجعل والتعارض يحتاج الى دليل ثالث بخلاف التزاحم لا يحتاج الى دليل. هذا الكلام من السيد فيه نقاط إيجابية يجب ان نستثمرها وفيه نقاط لا نقبلها.

نقاط إيجابية: السيد الخوئي في باب التزاحم ارتضى ان الدليلين فعليان والحكم فعلي والتنافي في المتزاحمين ليس في الفعلية. بل في الفاعلية والتنجيز. بينما بلورة الميرزا النائني والسيد الخوئي كانما هو في اصل الفعلية. هذا نوع من التجاذب بين ما يرتكز عند العلمين وبين بلورتهم.

النقطة الأخرى في كلامه ان الترتب امكانيته موجودة في التعارض فلماذا نحتاج الى دليل ثالث؟ اليس الضرورات تقدر بقدرها؟ اذا كان التعارض المستقر يرتفع بتقييد احدهما او كل منهما لماذا نحتاج الى دليل ثالث؟ اعترف ان المحذور هو اطلاق الدليلين او اطلاق الحكمين في الدليلين المتعارضين فاذا يرتفع الاطلاق يرتفع المحذور. ليس التعارض في اصل الدليلين فيرتفع التعارض إما في الترتب في كلا الطرفين او الترتب في احد الطرفين. فما الدليل على ان نسقط الدليلين ونحتاج الى دليل ثالث؟ ما الموجب لاسقاط الدليلين من رأس لان الضرورات تقدر بقدرها. لذلك مشهور المتقدمين عندهم هذا النوع من التقييد الترتبي لا يعتبرها من الجمع التبرعي لان المحذور هو مقدار الدليلين بين الاطلاقين فيه اشكال لكن بدون الاطلاق ما فيه اشكال. لذلك الأصل في التعارض ليس التساقط.

بتقريب آخر: مر بنا ان دلالة الأدلة على الاحكام الغالب فيها والطبع الاولي في المدلول فيها والاصل الاولي والاحكام والأدلة ا لدالة على الاحكام بنحو الاقتضاء لا الفعلي البات. هذا مصطلح لازم مثمر مفيد في الأبواب الفقهية الكثيرة. ان دلالة الاحكام يسمى حكما اقتضائيا او يسمى حكما طبعيا او حكما حيثيا وان كان بالدقة هذه العناوين الثلاثة ليس مترادفة بل متقاربة. الان اجمالا واهمالا نعتبرها معنى واحدا لكن بالدقة ليس مترادفة. في مقابل الحكم الاقتضائي الحكم الفعلي او الحكم البات او الحكم الاطلاقي. وأيضا بين هذه الثلاث فرق دقيق لكن نبني على انها مشتركة ومترادفة. المهم هذه اصطلاحات أصولية موجودة في زوايا خفية في علم الأصول.

اذا كانت الأدلة غالبا ودائما حكمها طبعي واقتضائي يكون نوعا من التزاحم في مرحلة الجعل. اذا ليس تعارضا وتكاذبا. غاية الامر يقيد شبيه التزاحم في الامتثال فالترتب يكون على القاعدة. لذلك الأصل الاولي عند المتقدمون عدم سقوط احد الدليلين.

بين القوسين احكام الدلالة فرقها عن احكام المدلول في بحث التعارض وابواب الأصول وابواب الفقه في غاية الأهمية. احكام المدلول شبيه البحث الثبوتي تقريبا واحكام الدلالة بحث اثباتي ويجب ان نفرغ بينهما. من ناموس علم الأصول وهذا هو الفرق بين البحث الثبوتي واصول القانون وبحث دليلية الدليل. البحوث الثبوتية بحوث تكوينية عقلية او شرعية يقينية. وهما غير الأصول العملية. فثلاث مراتب يجب ان نحفظها. فلاينسى ان احكام الدلالة تختلف عن احكام ذات المدلول. الامر دلالة والنواهي دلالة لكن الوجوب ثبوت والحرمة ثبوت. لازم ان لا نخلط بين الثبوت والاثبات.

نرجع: فصورنا التزاحم في الثبوت والترتب فيه. يعني حتى في التعارض الترتب ضروري ولا يحتاج الى دليل. خلافا للنائيني والسيد الخوئي. اثباتا كذلك باعتبار انه عندنا الأصوليين سيما المشهور المتقدمين ان الدلالة فيها الاقتضاء وفيها الفعلية. المشهور والاخوند عندهم ان الدلالة اقتضاء كاشفي. يعني مثل المصباح يريك. فليس الاقتضاء يقتصر على الثبوت وهو المدلول. هذا هو الاقتضاء في الطريقية فقدر الإمكان لا يمكن ان يفرق فيه فيتمسك بالتزاحم في الدلالة. هذا قسم جديد من التزاحم يسمى التزاحم في الدلالة ويمكن التوفيق فيه. باعتبار ان الدلالة فيها الاقتضاء الطريقي الكاشفي. غير التزاحم في الجعل وغير التزاحم في الامتثال وغير التزاحم في الفعلية وغير التزاحم في التنجيز وغير التزاحم في احراز الامتثال. التزاحم قابل للتصوير في كل مراحل الحكم حتى في الاثبات.

تتمة الكلام ان شاء الله نواصلها.