45/07/16
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب
كان الكلام في الجهر والاخفات والقصر والتمام. يعني اذا جهر في ما ينبغي ان يخفت او اخفت في ما ينبغي ان يجهر والقصر فيما ينبغي الاتمام والعكس. في هذه الموارد من الخلل تبنى المشهور على انه يصح من الجاهل المقصر فضلا عن الجاهل القاصر والناسي يعني ما عدا العمد يصح ومر بنا ان هذا لا يختص عندهم بهاتين المسألتين وانما ذكروا هاتين المسألتين من باب المثال والا المشهور غالبا في موارد الخلل في العبادات يستثنون خصوص العمد. يعني اذا اتى دليل على صحة الخلل الغير الركني غالبا المشهور يبنون على ان هذا ليس خاصا بالنسيان او بصورة خاصة من الجهل بل يعتبرونه مطلقا في ما لم يكن عمدا. طبعا الشك مع الالتفات الذي هو جهل بسيط يتعاملون معه مع التقصير معاملة العمد واما في خصوص مطلق موارد الجهل عند كثير منهم يدرجونه في الصحة ولا يرون تنافي بين الصحة وبين الاثم على ترك المرتبة التامة. طبعا في ما ورد لا سيما في دليل الخلل في الطواف والسعي قوبل بين العمد والنسيان فيرون ان التقابل قرينة واضحة ان المراد ليس خصوص النسيان بل مطلق ما قابل العمد. فالبحث ليس كما بنى عليه متأخروا العصر. فتصح العبادة لكنه يأثم عند المشهور حتى انه معروف عن صاحب الكفاية والميرزا محمد تقي صاحب ثورة العشرين انهما قائلان بان لا تعاد «ولعل كلاهما ليس خصوص لا تعاد» لو كنا نحن والفاظ لا تعاد شاملة للعمد أيضا وليس فيها تعارض وتناقض باعتبار ان الأدلة الأولية هي اللزوم والجزئية ومقتضى الجزئية هو الفساد لكن المراد فساد مرتبة العليا ولا تعاد تدل على صحة المراتب اللاحقة. وهذا هو الوجه الثاني غير الترتب لتفسير الجهر والاخفات او أي خلل بالمرتبة العليا مع تصحيح المرتبة التالية لها والمتعقبة لها مع الاثم والمؤاخذة على المرتبة العليا. المهم ان صاحب الكفاية والميرزا محمد تقي يبنيان على هذا المطلب في لا تعاد وبقية ادلة الخلل انها لا تختص بالنسيان والجهل القصوري والتقصيري، غاية الامر فيه اثم وما فيه منافاة بين ترتيب الاثم وصحة المرتبة اللاحقة الا انا رفعنا عن خصوص اليد بدليل خاص. فاذا هذا لا يختص بالمسألتين عند المشهور. هذا من حيث اصل المسألة.
اما حل المسألة بحث الترتب الذي التزم به الشيخ جعفر كاشف الغطاء انه اذا ترك الجهر فيما ينبغي الجهر فيطلب منه الاخفات واذا ترك الاخفات فيما ينبغي الاخفات فيطلب منه الجهر فكذلك في القصر والتمام. هذا ما ذهب اليه الشيخ جعفر كاشف الغطاء في هذه المسألة. ومر بنا ان الشيخ الانصاري يتبنى الترتب لا باسم الترتب ولا بعنوانه بل بمضمونه والمدار بالمضمون لا العنوان. يتبناه في مبحث التعارض بناء على السببية. فمن ثم اعترض على الشيخ انك لم اعترضت على الشيخ جعفر كاشف الغطاء على الترتب. هذا اجمال الكلام.
ههنا بهذه المناسبة يطرح مواطن للترتب مهمة. المهم ان الميرزا النائيني لم يرتض تفسير صحة الصلاة الناقصة كالجهر في موضع الاخفات او القصر في موضع التمام او موارد الخلل بنظرية الترتب. اذا يمنع الترتب في هذه المسألة وفي جملة من موارد أخرى التي يتم استعراضها تبعا كالشبهة البدوية والشبهة قبل الفحص والعلم الإجمالي والموارد الأهمية والمهمة اربع او خمس موارد أخرى أيضا منع الميرزا النائيني من الترتب فيها مواطن أخرى نوعية من الترتب بسبب موانع مشتركة. هنا ابرز الميرزا النائيني ثلاث موانع على اجراء الترتب ونظير ذلك في الشبهة البدوية والشبهة قبل الفحص والعلم الإجمالي والموارد المهمة هناك منع عن الترتب بنفس هذه الموانع كلها او بعضها.
المانع الأول: ان الترتب انما يجري في موارد التزاحم وهو التنافي الاتفاقي. بغض النظر عن كونه مانعا ماذا معنى الاتفاقي والدائمي؟ التنافي الدائمي تعارض والتنافي الاتفاقي تزاحم. طبعا هذا كلام مشهور متاخري العصر من الأصوليين ان احد الضوابط الفارقة بين التعارض والتزاحم ان التزاحم اصطكاك اتفاقي والتعارض دائمي. تسالم عليها متاخروا العصر. من ثم في باب اجتماع الامر والنهي اذا كان تصادق الامر والنهي في مورد اتفاقيا فالمشهور يبنون على انه تزاحم واذا كان اجتماع الامر والنهي دائميا قالوا هذا من باب التعارض. الضابطة في التمييز بين التزاحم والتعارض. ففي باب التزاحم وهو العجز عن امتثال الحكمين اذا كان ذلك بنحو الدوام قالوا ان هذا ليس تزاحما بل تعارض. يعني ثلاث مسائل مسألة التزاحم ومسألة اجتماع الامر والنهي ومسألة ان النهي يقتضي الفساد اذا كان بنحو الدوام ولو ضوابط هذه المسائل مختلفة عن بعضها البعض فيكون تعارضا واذا كان اتفاقيا يكون تزاحميا. ضابطة كاصل قانوني للتمييز بين التعارض والتزاحم. في باب التزاحم مجرد العجز عن امتثال كلا الحكمين مع ذلك اذا كان دائميا يكون تعارضا. كذلك في مبحث الاجتماع بناء على الامتناع او بناء على الجواز. المشهور في اجتماع الامر والنهي لم يبنوا على انه اذا كان اجتماع الامر والنهي ممتنعا فيكون تعارضا او اذا جائزا فتزاحم كما بنى عليه النائيني بل المشهور قالوا سواء قلنا بالجواز او الامتناع ان كان اتفاقيا فهو تزاحم وان كان دائميا فهو تعارض. حتى على الامتناع يكون تزاحما اذا كان اتفاقيا. المظفر ذكر مبنى استاذه النائيني خلاف المشهور انهم لم يفصلوا على مدارية جواز الاجتماع او الامتناع بل المدار على اتفاقية او دائمية الاجتماع. في ان النهي يقتضي الفساد انه اذا كان النهي دائميا يكون تعارضا خلافا لما كان اتفاقيا. لاحظوا باب الخاص والعام لماذا يلتزمون بالتخصيص مع انه نوع من العلاج في باب التعارض وان كان علاجا للتعارض غير المستقر والتعارض بالمعنى الاعم عبارة عن علاج في مقام الجعل والتنظير الكلي والمحذور موجود في المقام الكلي والجعل الكلي. اما التزاحم يعني لا غبار على الجعل والتنظير الكلي والقضية الحقيقية الكلي وانما المحذور في مقام التطبيق والامتثال. اذا الموطنان يختلف سنخهما فالتخصيص ليس من قبيل التزاحم عند مشهور المتاخرين حتى عند المتقدمين وانما هو من قبيل ان تعالج الامر في مقام الجعل والانشاء حتى عند المتقدمين لانه نوع من التزاحم في المقتضيات. فاذاً اذا كان دائميا يكون في مقام الجعل والانشاء واذا كان اتفاقيا يعني في مقام التطبيق والامتثال.
فتصادق الدليلين في مقام التطبيق اتفاقا وان كان النسبة قد يتوهم انها عموم وخصوص من وجه او مطلق لكنها لانها اتفاقية فيقولون انها من باب التزاحم ولا يتصرفون في الجعل والقالب الكلي بتاتا. والنهي يقتضي الفساد في العبادات والمعاملات هكذا وكذلك مبحث اجتماع الامر والنهي. هذه نكتة مهمة واصل اصولي نفيسة.
الميرزا النائيني يستفيد من هذه الضابطة هنا ويقول ان الجهر والاخفات التعارض فيها دائمي فتعارض دائمي بينهما واذا كان دائميا ليس من مقام الترتب. هذه هي المؤاخذة الأولى على اجراء الترتب في مسائل الخلل.
السيد الخوئي رحمة الله عليه يوافق الميرزا النائيني في بعض الزوايا ويقول ان التعارض هنا ليس اتفاقيا بل دائمي لكن يقول هذه الضابطة بين التعارض والتزاحم صحيحة لكن من قال ان الترتب محبوس ومضيق بالتزاحم ولم لا يكون الترتب في التعارض؟ لعل هذا من الموارد التي ابتكره السيد الخوئي نسبة وهو الترتب في الجعل. يعني فكرة الترتب في التزاحم كلها تأتي في التعارض من حيث الإمكان. يقول من حيث إمكانية الترتب لا فرق بين كون عدم القدرة اتفاقية كالتزاحم او دائميا كالجهر والاخفات انهما لا يجتمعان دائما فيكون تعارض. يمكن الترتب فيها في عدم القدرة الدائمي والتعارض غاية الامر نسمي هذا الترتب في الجعل بدل ان نسميه الترتب في مقام الفعلية او الترتب في مقام التنجيز.
يقول السيد الخوئي اذا نلتزم بالترتب في موارد الترتب امكانا الا ان هناك مدعى للسيد الخوئي بلا دليل. في أيام الميرزا النائيني والكمباني والاصفهاني على ما ادركناها من تلاميذهم يقولون ان مباني الميرزا النائيني جذابة وواضحة وسريعة التقبل من الاخرين. الا انهم يعترضون عليه انه دائما عنده مدعيات بلا دليل. مباني جذابة وصريحة لكن بلا دليل. هنا السيد الخوئي رحمة الله عليه قبل ثبوتا امكان الترتب في الجعل لكن يقول هنا فارق بين الترتب في الجعل والترتب في الامتثال وهو انه بإمكان الترتب يكون ضروري الوقوع في الامتثال اما في الجعل امكان الترتب لا يكفي في وقوعه والالتزام به بل لابد على ذلك من دليل ثالث يدل على الترتب. هذا عجيب. صرف امكان الترتب لا يكفي بخلاف باب التزاحم انه صرف امكان الترتب يكون دليلا. لماذا؟ لان الدليلين موجودان والفعلية في كلا الحكمين موجودة وانما هو تكييف في مقام الامتثال والتنجيز اما في باب التعارض اصل المقتضي يدعي السيد الخوئي انه غير موجود. الترتب في الجعل ممكن لكن يحتاج الى دليل ثالث غير الدليلين المتعارضين.
هذا الكلام من باب ان الضابطة عند السيد الخوئي والميرزا النائني في إمكانية الترتب في باب التزاحم على القاعدة اما في باب التعارض ليس وقوع الترتب بناء على إمكانية الترتب على القاعدة وتحتاج الى دليل خاص. بينما مشهور الفقهاء من القدماء الى صاحب الجواهر عندهم ان الترتب وان لم يسموه بالترتب لكن نفس فكرة الترتب عندهم ان الترتب وقوعه مع إمكانه ضروري.
للوجهين والوجه الأول عند المشهور ان باب التعارض يمكن ادراجه في التزاحم لاصل من أصول القانون. يقولون ان ظاهر الأدلة في الاحكام في البحث الثبوتي ومفاد الأدلة بالتبع لكنه بحث ثبوتي أصلا. ظاهر ادلة الاحكام انها احكام اقتضائية حيثية. هذا المصطلح الاصولي يجب ان نلتفت اليه. الاحكام الاقتضائية. الحكم الاقتضائي يطلق على معاني عديدة. مثل ما مر من المثال ان الماء حلال. هذه حلية طبعية اقتضائية ولا تتعارض مع حرمة الغصب. هذه الأدلة في مقام الحكم الطبعي يعني طبيعة السمك ذو فلس حلال اما اذا حرمت بالغصب او جهة أخرى هذا بحث آخر. حرمة الغصب ليس حرمة طبعية بل حرمة فعلية. هذا اصطلاح عظيم في تقسيم الاحكام.
هذه نكتة من المحفوظات الابجدية وهي ان الحكم الاقتضائي والحكم الفعلي. هذا غير بحث مرحلة الانشاء مرحلة الفعلية. بل هذان قسمان سواء في مرحلة الانشاء او مرحلة الفعلية. الحكم الطبعي او اقتضائي او حيثي في مقام الفعلي او المطلق او البات. ثلاث أسماء.