الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب

 

كنا في مبحث أن القدرة في الوضوء والغسل بالقرائن التي استشهد بها الميرزا النائيني قيد الفعلية ام هي قيد التنجيز؟ ومر بنا ان المشهور شهرة عظيمة ان القيود التي هي موضوع للقواعد الست في حديث الرفع كالنسيان والاكراه والقدرة والخطأ والحرج والاضطرار والضرر هذه القيود التي هي موضوع للاحكام والقواعد الثانوية اذا أتت في الدليل الخاص او الدليل العام عند المشهور لا يحملونها على قيد الفعلية ودخيلة في الملاك بل يعتبرونها قيد التنجيز او الفاعلية سواء أتت هذه القيود في دليل خاص او في دليل عام مع ان اخذها شرعي. هذه نكتة مهمة ولابد من الالتفات اليها.

كما ان المشهور عدا مشهور المعاصرين عندهم ان القيد الشرعي الذي يأتي في الدليل العام غالبا يكون قيد التنجيز او قيد الفاعلية وليست قيد المشروعية والملاك والفعلية لا دائما. كما ان القيد الذي يأتي في الدليل الخاص كثيرا ما يكون قيد الملاك وقيد المشروعية لا دائما. ربما يأتي دليل خاص ويحملونه قيد التنجيز.

هاتان النكتتان مهمتان ان نلتفت اليهما. ونلتفت الى ان القواعد الست في حديث الرفع ليس دليلها حديث الرفع فقط. الرفع يعني قيد التنجيز ورفع المؤاخذة. كما انه ليس أسماء هذه القواعد الست هي العناوين التي وردت في حديث الرفع كما انه ليس أسماء هذه القواعد الست هي العناوين التي وردت في حديث الرفع مثلا قاعدة الحرج نفس ما لا يطيقون فعنوان «ما لا يطيقون» شيء وعنوان «الحرج» شيء وكذلك عنوان «بعثت على الشريعة السمهة السهلة» فكل قاعدة من القواعد الست لها ادلة أخرى بعناوين أخرى. جملة من الاعلام ربما توهموا ان هذه العناوين غير القواعد الست. مثلا «ما اضطروا اليه» نفس «لا ضرر ولا ضرار» فكل هذه القواعد لها أسماء عديدة. كما ان البرائة لها ادلة متعددة غير حديث الرفع بعناوين أخرى «الناس في سعة» ومن هذا القبيل. هذه نكتة مما يدل على ان الاستنباط ليس يدور مدار حرفية العناوين وجمود العناوين وانما يدور مدار المعنى مع ان المعنى الاولي للسعة غير معنى «رفع» والمعنى الاستعمالي والتفهيمي يختلف لكن المعنى الجدي واحد فيهما. فكل هذه العناوين قاعدة واحدة بحسب المعنى الجدي.

فالمدار ليس على المعنى التصوري ولا على المعنى الاستعمالي والمعنى التفهيمي بل المدار على المعنى الجدي بل ربما المعنى الجدي الثاني. من يجمد على حرفية اللفظ لا خبرة له في الاستنباط. فلاحظ ان القواعد الست لكنها لها أسماء عديدة وعناوين عديدة ربما بعض الاكابر يغفلون عنها. الفقيه يعني فهم المراد الجدي وليس ينحبس على المراد التصوري والاستعمالي والتفهيمي بل ليس المراد الجدي الأول بل فهم الجدي الثاني والثالث ومراتب الجدي.

فإذاً القيود التي تأخذ في القواعد الست الثانوية قيود شرعية عادة يحملونها على قيود التنجيز. من ثم القدرة في الوضوء «لم تجدوا» يعني الواجدية والقدرة على الوضوء لا يعتبرونه المشهور قيد الفعلية خلافا لمشهور المعاصرين. أولا الاية اخذت القدرة في التيمم واخذها في التيمم يدل على ان الشواهد التي أتت بها الميرزا النائيني غير مقبولة. وجه آخر عند المشهور لان الوضوء والتيمم عبارة عن تحقيق شيء واحد وهو الطهارة المعنوية غاية الامر هذه الطهارة المعنوية لها مراتب كالوضوء التام والجبيرة والتيمم. وكذلك في الغسل التام والغسل الجبيري والتيمم فهي في الحقيقة قيود لمراتب النازلة للشرط لا انها قيد للمرتبة الكاملة. هذا بيان آخر ووجه آخر. فاصل مشروعية الوضوء والغسل غير مرهونة بالقدرة والصحة. فاذا لو كان مريضا ولا يدري وتوضأ او نسي او غفل لا مانع والمشهور يصححون الوضوء والغسل. فمن ثم الدليل الوارد مر بنا لابد ان ينظر ان المورود قيده في أي مرحلة يزول. والا يمكن ان لا تزول المرتبة الفعلية في المورود وانما يزول في المورود مرحلة التنجيز فيه. مثل قضية الاستطاعة والحج والدين كما بنى عليه السيد الخوئي.

من ثم لاحظوا في الروايات الواردة في خلل الطواف والسعي حصرها المتاخري الاعصار في النسيان كما اذا نسي الطواف او نسي السعي اما اذا نسي الوضوء او نسي الشرائط الأخرى يقولون لا دليل عليه او لا دليل على صحة عمرة من نسي شرائط الطواف فيبطل عمرته بينما المشهور يقولون ان ما ورد في خلل السعي والطواف علل ان النسيان من باب انه غير متعمد وغير عالم فكل مناشئ خلل غير العالم والعامد تصح سواء في اصل الطواف او شرائط الطواف او اصل السعي او شرائط السعي، حينئذ حجه صحيح وعمرته صحيحة غاية الامر يلزم بالقضاء وهذا هو الذي نبني عليه. كل الموارد في خلل السعي والطواف يمكن ان يقضى لا ان تبطل عمرته. فهذه النكتة اعتمد عليه المشهور ان القيود يعتبرونها ليست دخيلة في اصل المشروعية طبعا هذا في قيود المتعلق وليس في قيود الحكم. كان قبل قليل الحديث عن قيود الوجوب والان الكلام في قيود الواجب.

من ثم هنا ما ذكره الميرزا النائيني او السيد الخوئي ان المشهور في الاخفات والجهر «اخفت حيث ينبغي ان يجهر او بالعكس» اذا كان عن جهل او تقصير او نسيان تصح صلاته وكذلك في ما اذا اتم موضع القصر تجزي صلاته مع عدم العمد اذا كان جاهلا قاصرا او مقصرا او ناسيا او العكس قصر حيث ينبغي ان يتم لانه مقيم عشرة أيام او مطلقا فتجزي صلاته قصرا بعد خروج الوقت سواء كان جاهلا او ناسيا. الميرزا النائيني والسيد الخوئي بنيا على ما بنى عليه المشهور في خصوص هاتين المسألتين الاخفات والجهر او التمام والقصر اما في بقية موارد العفو عن الخلل في أبواب الصلاة او غيرها انما يعفي عن النسيان فقط مثل لا تعاد. هكذا بنى الميرزا النائيني والسيد الخوئي وافق النائيني الا في تعاد قال ان الجهل القصور مشمول للا تعاد. وادعى السيد الخوئي الاجماع على ان الجاهل المقصر لا تصح منه الاعمال واعتمد على الاجماع او القرائن الأخرى والحال ان هذا ليس بصحيح لا اجماعه بالعكس المشهور شهرة عظيمة في كل موارد الخلل في العبادات الا ما استثني ان غير العامد العالم عبادته صحيحة لكنه يأثم لا انها يختص بخصوص الجهر والاخفات والقصر والتمام كما ادعى الميرزا النائيني والسيدالخوئي. كما مر بنا في قضية الخلل في الطواف والخلل في السعي. غالبا لسان ادلة الخلل عند المشهور في عموم العبادات على انها تصحح الخلل الغير الركني عدا العالم العامد غاية الامر المقصر يأثم ويؤاخذ. لانه فوت الرتبة العالية اما انه يختص ذلك بخصوص مسألة الجهر والاخفات والقصر والاتمام حسب التتبع خلاف ما ادعى الميرزا النائيني والسيد الخوئي. والصحيح ان المشهور مطلقا في باب الخلل وادلة الخلل المتعددة في الأبواب العبادية لا يحملونها على النسيان فقط. بل النسيان مثال. نفس ادلة الخلل غالبا تأتي في مقابلة النسيان مع العامد الذي يقابل العامد ليس النسيان بل مقابل العامد يعني غير العامد وغير العالم.

فسواء تصحيح الخلل وهو الصحيح في عموم العبادات لا خصوص هاتين المسألتين او في خصوص هاتين المسألتين كما زعم الميرزا النائيني والسيد الخوئي فكيف يمكن تصوير الصحة مع الاثم؟ اذا صحيح فلماذا مأثوم واذا مأثوم لماذا صحيح؟ هنا عدة وجوه واحد الوجوه ان نصور الترتب في هذه المسألة وسياتي. هذا البحث له مناسبة مع الترتب وهو بحث الإجزاء مع الاثم. وفيه مواطن أخرى ستأتي.