45/07/09
الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/الترتب
كان الكلام في ان المطاردة بين الحكمين الأهم والمهم يمكن حلها بان في ظرف ترك الأهم او عصيان الأهم مجالا لتأثير المهم وتحريك المهم وان كانت فاعليته تامة لكن انقياد المكلف له وانفعال المكلف له مجمد فلما يكون مجمدا بالتالي يمكن للمهم ان يؤثر فلا يكون هناك اصطكاك باعتبار ان الأهم لم يصل الى درجة ان المكلف ينقاد وينفعل فكانما تأثيره مجمد فليس القصور والنقص من ناحية الحكم وتأثيره بل من ناحية استجابة المكلف له. فالمطادرة من هذا الجانب ترتفع.
كما ان المهم ما دامت قيدت فاعليته وتنجيزه بترك الأهم فليس للمهم مصارعة مع الأهم سيما قيد ترك الأهم كالموضوع للفاعية وتنجيز المهم وان لم يكن قيدا للفعلية وللملاك. لطيف ان عند الميرزا النائيني تصريحا ان الترتب متوقف على احراز الملاك يعني فكك بين الفعلية والفاعلية وان لم يصرح بالفعلية والفاعلية بل عبر عن الفعلية بالملاك. دائما المرحوم النائيني يفكك بين المراحل وآثارها.
اذا المطاردة بالدقة لا من طرف الأهم مع المهم لان المأخوذ في فاعلية المهم عدم انفعال وتأثر المكلف فكانما تأثير الأهم منجمد وليس منجمدا من ناحية الحكم بل منجمد من ناحية انفعال ومطاوعة المكلف له. ولا من طرف المهم للاهم يعني ان التداعيات والتحريكات الباعثية الموجودة بين الحكمين لا تصطك من احد الطرفين مع الاخر فليس هناك اصطكاك وتدافع بالتالي المحذور على صعيد الفاعلية مرتفع.
أيضا محذور آخر سجل على الترتب او لمنع الترتب وهو طلب الجمع اجيب عنه بان هناك ليس طلب الجمع. طلب الجمع ان يكون كل الحكمين مطلق والحال ان هنا ليس مطلقا. احد استعمالات ومعاني الطلب لمرحلة التنجيز والفاعلية مثل ما يعبر الخطاب. الخطاب اسم للحكم في مرحلة الفاعلية الناقصة او التامة. الفعلية لا يقال لها الخطاب سيما الفعلية الناقصة وان كان توهم ذلك جملة من الاعلام فمحاذير الخطاب والفاعلية تختلف عن مرحلة الفعلية. اذا المحذور الثاني ليس موجودا. ان هنا ليس طلب الجمع لان طلب الجمع لما يكون كل من الحكمين مطلق او كل من الحكمين مقيد بالاخر بتعبير السيد الخوئي الصحيح او اذا كان المهم يدعو الى ترك الأهم والحال ليس هكذا ان المهم في فاعليته مقيد بترك الأهم فكيف يدعو الى ترك الأهم. فلا المهم يطارد الأهم ولا الأهم يطارد المهم أيضا.
نعم الأهم يدعو الي إزالة ترك الأهم لكن بالتالي لم يستجب المكلف واذا لم يستجب ليس هناك اصطكاك في التأثير ولا هناك طلب للجمع نعم هناك جمع في الطلب يعني جمع في التحريك من دون اصطكاك فرق بين جمع الطلب وطلب الجمع. اما جمع الطلب ليس في البين موجودا وما المانع في ذلك. جمع الطلبين لا يؤدي الى طلب الجمع لان المفروض ان المهم مقيد بترك الأهم او كلاهما متساويان في الأهمية وكلاهما مهمان أيضا ليس هناك طلب الجمع لان كلا منهما مقيد بترك الاخر في الفاعلية لا في الملاك.
احد الإشكالات التي ذكر علي الترتب ان الترك او العصيان يسقط الأهم فاين اجتماعهما؟ من ثم كاشف الغطاء استبدل الترك او العصيان بالعزم على العصيان. اذا اخذ الترك او العصيان يفرض سقوط الأهم بينما الترتب لتصوير الجمع بين الحكمين لا لتصوير ان احدهما ينفرد لانه اذا كان احد الحكمين ينفرد ليس من باب التزاحم. لكن كما مر ان العصيان له عدة معاني. ليس المراد من العصيان في نهاية المطاف بل المراد من العصيان هو الترك المستمر الى النهاية. هذا المعنى وان لم يكن اصطلاحيا لان العصيان في الاصطلاح يستعمل بمسقط الحكم وانما المراد من العصيان هنا الترك المستمر ولا محالة يكون الترك المستمر وجودا قطعيا مركبا وليس وجودا توسطيا بالتالي سوف يكون بنحو الشرط المتاخر او الواجب المعلق وان ادعى السيد الخوئي ان هذا لا يتوقف على الواجب المشروط بالشرط المتاخر او الواجب المعلق.
هنا نكتة لطيفة: ان الاعلام لم يذكروا في الواجب المعلق والمشروط بالشرط المتاخر لكن هنا ذكروا ان هنا توسعة في تعريف الواجب المعلق والمشروط بالشرط المتاخر يمكن تصوير الواجب المعلق بلحاظ القيود العقلية وليس فقط بلحاظ القيود الشرعية. هذا مطلب صحيح. الواجب المعلق يعني وجوب متقدم وقيده العقلي متأخر ويمكن تصويره. وهو قيد الواجب ولا يدعو اليه الواجب. يعني هذا اقسام الواجب التي ذكرها الاعلام في مقدمة الواجب لا تختص بالقيود الشرعية بل تعم القيود العقلية وهذا بيان لطيف. كما ان الواجب المشروط بالشرط المتاخر يمكن ان يعم القيود العقلية كما يعم القيود الشرعية.
نكتة أخرى من كلام الاعلام مع انهم لم يوضحوها في بحث مقدمة الواجب واقسام الواجب وهي ان الواجب المعلق والواجب المشروط بالشرط المتاخر في الاذهان دائما انه بلحاظ قيود الفعلية واصل الفعلية وهكذا متبادر. هنا افصح الاعلام على ان المراد بهذه التقسيمات للواجب وان كان متبادر في المرحلة الفعلية التامة او الناقصة لكن هذه الأقسام يمكن ان تجري في المراحل الأخرى من الحكم كالفاعلية والتنجيز وليس فقط مرحلة الفعلية. لطيف حكم بلحاظ القيود الشرعية الفعلية ليس متاخرا ولا معلق لكن بلحاظ قيود التنجيز من قبيل الواجب المعلق والواجب المشروط بالشرط المتاخر. فاذا فيه واجب منجز وواجب مشروط بالشرط المنجز والحاضر وهذا بلحاظ الفعلية لكن بلحاظ الفاعلية يمكن تقسيمه بتقسيمات أخرى. اذا هذه التقسيمات التي ذكرت في بحث مقدمة الواجب يمكن ان تتصور بلحاظ كل مرحلة من مراحل الحكم. فحكم بلحاظ مرحلة ليس مشروطا بالشرط المتاخر بخلاف مرحلة أخرى. كثيرا ما تعريفات العناوين والمصطلحات ربما يذكر لها الاعلام في العلوم في مواضع أخرى اكثر مما بينوا في موضعه في التعريف المصطلح. شبيه الواجب الكفائي كما سياتي. الواجب الكفايي في المكاسب المحرمة عرفوه اضبط مما عرفوه في الأصول. تعريفهم في الأصول للواجب الكفائي مخل جدا. تعريف الأشياء كثيرا ما سواء عنوان مصطلح او قاعدة تصوريا او تصديقيا تجده في الأبواب الأخرى افضل مما قد ذكر في موطنه الأصلي. مثلا ابن الزنا ذكروا انه لا نسب له ولكن عندما يصلون الى بداية بحث النكاح ومحرمات النكاح يقولون انه له نسب تكويني ومرادهم لا نسب له حلال ولا نسب له طاهر. ليس مقصودهم نفي النسب المطلق بل المقصود نفي النسب الطاهر. ملؤوا الأبواب بنفي النسب وحتى الاكابر قد ينغرون بهذا التعبير لكن كثير منهم صرحوا في باب واحد ان المراد من المنفي ليس المنفي المطلق بل مقيد. أقول لازم ان يلتفت كما يقول صاحب الكفاية ان الانسان لا ينغر بالادلة لان الأدلة يفسر بعضها بعضا حتى كلمات الفقهاء يفسر بعضها بعضا. من هذا القبيل الى ما شاء الله.
مثلا في روايات الرجعة اغلب الروايات يبين انه لا يرجع الا من محض الايمان ومحض الكفر. في طائفة واحدة من الروايات يبين انما يحاسب في الرجعة كما يحاسب في القبر من محض الايمان ومن محض الكفر. القبر كالرجعة لكن الحساب في الرجعة اشد من الحساب في القبر وانما يحاسب في الرجعة من محض الايمان اما من لا يمحض الايمان ولا يمحض الكفر يلهى عنه. طائفة واحدة تقيد طوائف عديدة. كما ذكر الاعلام في الأصول ان المخصص الواحد يخصص عشرين عموما او عشرين اطلاقا. فاذا تتبع الانسان يجد ويلتفت الى هذه الأمور ومن هذه الأمور كثير في الروايات او في كلمات الفقهاء والاعلام. فالواجب الكفائي الذي ذكروه دون الواجب العيني والحال ان الواجب الكفائي الذي ذكروه في المكاسب المحرمة اخطر جدا من الواجب العيني. ومن هذا القبيل كثير. يعني بحسب الشرع المسؤولية تجاه الواجبات الكفائية اشد من المسؤولية تجاه الواجبات العينية. مع انه في الاذهان عكس ذلك والحال انه في المكاسب المحرمة صرحوا عليه. فاذا المصطلحات يجب الالتفات اليه وغالبا المصطلحات او الأدلة او القواعد من الخطأ ان الانسان يستوفي في موطن واحد لذلك يعبر بالمظان المتعدد. هذه نكتة جدا مهمة. الاصطلاحات او العناوين تكون مغرية للخطأ لانها يفسر بعضها بعضا.
اذا المحذور الثالث اجيب عنه. المحذور الرابع يرتفع ان الترتب يستلزم اذا تركهما في صورة الأهم والمهم او في صورة المهمين اذا تركهما يستلزم عقوبتين والعقوبة على ترك الجمع وهذا محال لان نفس الجمع غير مقدور وكيف يعاقب على شيء غير مقدور.
أيضا هنا الاعلام يبينون ان العقوبة ليست علي ترك الجمع بل على جمع الترك. تركت الأهم فلم جمعت بينه وبين ترك المهم فتعاقب عقوبتين ويمكنك ان تتخلص من كلا العقوبتين بان تأتي بالاهم او تأتي بالمهم ولكنك ستعاقب على الأهم. فخيارات ثلاثة او أربعة. فاذا ليست العقوبة على ترك الجمع. ترك الجمع صورة تكوينية مختلفة عن جمع الترك.
اذا بهذا المقدار الترتب متصور وان كنا نعتبره علاجا لمحذور التزاحم في المراحل العقلية في الحكم الفاعلية والتنجيز ولا لمرحلة الفعلية الا اذا كان هناك ورود والورود والتوارد يختلف سنخا عن التزاحم المطلق. مر بنا موارد اقسام الترتب اما تزاحم او ورود او التوارد او غيره.
فاذا الترتب تكييف عندنا في القسم الأول في المرحلة الفاعلية والتنجيز. نعم في القسم الثاني من الترتب والورود والتوارد في مرحلة الفعلية. وسنبين امثلة أخرى من الاعلام في الورود والتوارد. فالورود أيضا مر بنا قد يكون بلحاظ الفعلية التامة وقد يكون بلحاظ الفاعلية وقد بلحاظ التنجيز وقد يعدم موضوع المورود بوجوده وقد يعدم بامتثاله.
قبل ان نواصل بقية الأمثلة أيضا تبين ان الترتب والتزاحم لا يختص بالواجبات المستقلة بل يعم كما مر بنا الواجبات الضمنية. هذا لازم ان نلتفت اليه. سابقا بيناها ولم نحتاج الى الإعادة وان كان البحث تمامه في تنبيهات البرائة. وهذا بحث اجتهادي. كثير من البحوث في الأصول العملية ليست من الأصول العملية بل بحوث اجتهادية والا الأصول العملية خطبها اهون. كثير من البحوث الاجتهادية وبحوث أصول القانون الثبوتية بحثها الاعلام في الأصول العملية. وقيمتها اكثر من قيمة الأصول العملية.
ما الفرق بين البحوث الثبوتية والبحوث الاجتهادية؟ البحوث الثبوتية أصول القانون والبحوث الاجتهادية اثباتية. القطع ثبوتي والظنون اثباتية ادلة اجتهادية ثم الأصول العملية. مراتب ثلاث في الحجج ذكرها الاصوليون. بحوث ثبوتية في الالفاظ والقطع. بحوث اثباتية صغروية في الالفاظ وبحوث كبروية اثباتية في الظنون. اذا فرق بين البحوث الثبوتية والأدلة الاجتهادية.
فتوى علمية فتوى لكن لا لعمل العوام بل فتوى علمية لنفس المفتي يعمل بها في الاستنباط. مثل نظرية الترتب وجواز اجتماع الامر و النهي يعني انها تصلح للعلم والاستنباط لا لعمل المكلف. هو فتوى بل اعظم من الفتوى. لما يصرح المجتهد ان المبنى هنا هكذا جزما فتواه العلمية وقد لا يعمل بفتواه العملية كالاحتياط لكن الفتوى العلمية كانما يقول انا قاطع جازم او وصلني الدليل المعتبر انه في الاستنباط لازم ان يراعى هكذا. لذلك ذكرت مرارا ان هنا شيء من مستجدات الأصول ان الاحتياط في الاستنباط غير الاحتياط في العمل للعوام. الاحتياط العلمي غير الاحتياط العملي.
نذكر شيئا آخر قبل ان نواصل امثلة تطبيق الترتب وامثلة جدا مهمة وحساسة. في مبحث الفتوى العلمية والعملية الشيخ الطوسي والسيد المرتضى ينسبون الى الطائفة اجماعات في مسائل أصلا تلك المسائل ما معنونة. فكيف ينسبون؟ حاشاهما ان يكذبا. يسمونها اجماعا تقديريا. مقصودهم ان الطائفة افتت بالكبرى الكلية وتلك الكبرى الكلية التي افتوا بها والتزموا بها وان لم يصرحوا بالتطبيق الجزئي فما دام انهم التزموا بالكبرى الكلية اذا ملزمون بان يلتزمون بالتطبيق. اجماع بلحاظ الكبرى. الفقهاء والعلماء يسندون الى الشريعة والى الدين مسائل واحكام عديدة لم يرد فيه النص الخاص. فكيف يسندون الى الله؟ يسندون الى الله بلحاظ الكبريات. فيسند هذه التطبيقات المترامية نزولا الى الكبريات الكلية. مثلما يقولون ان هذا القانون الوزاري دستوري مع انه ليس في القانون الدستوري فيسند بلحاظ ان القانون الوزاري يسند الى الدستور. الاسناد صادق. بخصوصه لم يتلفظ به الدستور او الشرع لكن الكبرى التي قننها الشرع تنطبق على الجزئي الى ان يقال ان الجزئي النازل الفلاني حكم الشارع. ليس كذبا على الشارع.
عندما يقال ان الشيء صدر من الدين او من المعصوم، صدر باي معنى؟ بمعنى صدور متني او صدور طريقي؟ الصدور وحجية الصدور هو صدور كلي او صدور خصوصي؟ الصدور الكلي صدور متني وصدور خصوصي عمل الرواة. هذا المتن صدر بمعنى انه صدر متنا وتقنينا وان لم يصدر الفاظه. يقال: قال الصادق علیهالسلام لكن لم يقل هذه الالفاظ بل هذا المضمون ينشعب من كبرى نبوية قالها النبي فهذا حكم النبي وحكم الله. لا تدليس ولا لعب. والا كان الفقهاء والعلماء في الكلام والفقه والأخلاق كلهم مدلسون. يستندون الى كبرى كلية. لذلك عند القدماء الى ابن ادريس والى الشهيد الأول عندهم الصدور المتني كان مهما. هذا صادر تقنينا لا انه صادر لفظا. الرواة يهمهم الصدور اللفظي ويجمدون على الصدور اللفظي اما الفقهاء يهمهم المعنى والمتن. هذا قنن او لا. خلاف الاصوليون مع الاخباريين هذا. الاخباريون يقولون لابد من اللفظ من شفاه المعصوم والاصوليون يقولون هذا حشوية وقشرية. ليس ضرورية ان تصدر خصوص اللفظ بل لابد من صدور المعنى. لذلك عندنا عشرات الروايات ان رواة الحديث كثيرون لكن وعاة الروايات قليلون. امس مر بنا في الأصول او في الفقه ان المشروعية بالدليل العام او المشروعية بالدليل الخاص.