الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الترتب

 

كان الكلام في مقدمات او أركان الترتب او الأعمدة التي يعتمد عليها الترتب وفي الحقيقة هي معالجات لأدلة إبطال ومنع الترتب فتفهم هذه الأعمدة بشكل أوضح باستعراض أدلة منع الترتب فتكون تلك الاعمدة معالجة الى قضية الترتب وأنها تتفادى محاذير التي سجلت قبال الترتب لإبطاله.

المحذور التي ذكر في الترتب هو المطاردة بين الامرين او بين الحكمين، أن الأمر بالأهم يطارد الأمر بالمهم والأمر بالمهم يطارد او يطرد الأمر بالأهم فتكون محذور الترتب باقيا على حاله.

المحذور الثاني انه كيف تسجل العقوبة على كلا الحكمين وعلى شيء محال إذا تركهما؟ لأن غاية الترتب تفعيل فعلية كلا الحكمين وكلا الأمرين وبالتالي فإذا تركهما سيعاقب عليهما لأن كلا منهما يصبح فعليا. أما الامر بالاهم فهو مطلق وأما الامر بالمهم فيكون فعليا بترك الأهم فيعاقب على كلا الحكمين. سواء في الموطن الأول من الترتب فيما لو كان كلا الحكمين مقيدين بالقدرة العقلية او في الموطن الثاني وهو الورود او في الموطن الثالث وهو التوارد أو غيرها.

فهذا هو المحذور الثاني وهو العقوبة على شيء مستحيل.

المحذور الثالث أن الترتب يؤول الى طلب الجمع بين الفعلين والمحذور الرابع أن المفروض في الترتب أن يصور فعلية كلا الامرين والحكمين والحال إذا أخذ عصيان الأهم في المهم لم يكن اجتماع بينهما. فهذه محاذير ذكرت لممانعة الترتب وربما غيرها.

أعمدة الترتب بالنسبة الى المحذور الأول وهو المطاردة وطرد كل أمرين للآخر. هذا المحذور يعالجه الترتب بالتقييد الذي يقوم به. فهذا التقييد بترك امتثال الأهم «مر بنا ان العصيان او الامتثال يستعمل بمعاني عديدة وهنا ليست بمعنى سقوط الامر كما مر» وهذه الآلية القولبية الهندسية التي يؤسسها الترتب كيف تعالج التنافي بين الامرين؟

بيان الاشكال قبل ان نبين كيفية المعالجة: الامر بالاهم في مدعى الترتب فعليّ متزامن مع فعلية الامر بالمهم ولو عند ترك الأهم لكن متزامنان وهناك معية في الفعلية بينهما ببركة الترتب وتصوير الترتب. فإذا كان الأمر بالاهم فعليا في ظرف الامر بالمهم فالأمر بالاهم يطرد محركية المهم ويزاحمه ففيه تنافي. يعني فيه مطاردة او طرد من الأهم مع محركية الامر بالمهم لان الفرض ان الامر فعلي وليس مقيدا بشيء. فهذه المطاردة من الأهم او طاردية الأهم للمهم.

من ناحية أخرى، افترض المهم أنه يكون فعليا بعد ترك الأهم ومر بنا ان الترك او العصيان او الامتثال يستعمل بمعاني ولابد ان نلتفت. فبالتالي المهم سيكون فعليا عند ترك الأهم ومقتضي محركية الامر بالمهم نوع من المشاغبة او الممانعة لتأثير ومحركية الأهم. فبين المحركيتين او الفاعليتين مطاردة وممانعة. هذا هو المحذور الأول. فكيف يعالج الترتب هذا المحذور؟

اركان الترتب نعيدها قبل بيان المعالجة. طبعا المحذور الثاني العقوبة على جمع الترك وهي عقوبة على فعل غير مقدور لان فعلهما ليس مقدورا معا فكيف يعاقب عليهما. والمحذور الثالث ان الترتب يستلزم طلب الجمع يعني كلاهما سيكونان فعليين وبالتالي يكون طلبا للجمع.

اركان الترتب التي هي تعالج هذه المحاذير. ليكون هناك نوع من المقارنة الصناعية.

الترتب أخذ فيه أنه في الامر بالمهم اخذ قيد ترك الأهم وليس المراد من الترك هو الترك الدفعي بل المراد منه هو الذي بنحو قطعي يعني قطعات مجموعها أخذ في المهم. لأنه مر بنا انه اذا كان أحدهما او كلاهما آنيا فلا حاجة للترتب ولو كان الصحيح لدينا انه للترتب مجال هنا أيضا. لكن الصحيح انه اخذ الموضوع بنحو وجود امتدادي قطعي. مر بنا هذا المبحث وهو في نفسه مهم وليس فقط محورا بنيانيا في الترتب وهو ان المركب سواء كان متعلق الحكم او موضوعا اصوليا للحكم فالمركب ترقصه الهندسي يعني تشكله وتنوعه متعددة وليس بوتيرة واحدة. قطعة منه دفعي وجزء منه توسطي وجزء منه وجود قطعي وهلم مجرا. فقضية المركب وتعقيده سواء في المتعلق او في قيود الوجوب مثل صلاة المسافر شاكولة من أشكال متعددة فلابد من أن يكون هناك مداقة. قيود الوجوب او قيود الواجب بما يشكل الأجزاء والشرائط والموانع وكيفية التركب بين هذا الخليط يتخذ أشكال متعددة.

فلامحالة وان ذكر السيد الخوئي انه لا توقف في الترتب على الواجب المعلق او الواجب المشروط بل الارتباط بنفس طبيعة الترك لكن الصحيح لا محالة في الشيء التدريجي ان يكون من قبيل الشرط المتأخر او الواجب المعلق. على كل هنا مقدمات عديدة أخرى تبتني عليها اركان الترتب واوضحناها لكن تحتاج الى مزيد من التوضيح.

كل ركن من اركان الترتب بغض النظر عن الترتب هي كبريات من الدرجة العالية في بحوث الأصول يعني منتشرة في كل أبواب الأصول والفقه بمثابة أصول القانون في الأصول والفقه. هنا الاستفادة من الكبريات العالية جدا.

الكبرى الأخرى في الترتب التي يعتمد عليها الترتب قضية ان الحكم كيف يتعلق بالمتعلق؟ الحرمة كيف تتعلق بشرب الخمر؟ هذه الكيفية مبحث كلي مهم في الأبواب. هل تتعلق بوجود الشيء أو تتعلق عدم الشيء. وجود الشيء في الوجوب يصير تحصيل الحاصل وفي العدم في الحرمة يكون تحصيل الحاصل وفي الوجوب يكون ممتنعا. او تتعلق بالماهية بما هي هي؟ فالحكم بم يتعلق؟ هذا تقريبا شبيه كلام الفلاسفة ان إيجاد العلة تتعلق بالوجود وهو تحصيل الحاصل وهل تتعلق بالعدم وهو ممتنع فماذا توجد العلة؟ يقولون توجد الماهية وتتعلق بالماهية لا بقيد الوجود ولا بقيد العدم. هذه بحوث تتكرر في العلوم المتعددة. او لما تقول: زيد موجود فتقصد أي زيد؟ زيد الموجود موجود تحصيل الحال وزيد المعدوم موجود محال او تقول زيد بما هو زيد موجود. المهم من هذا القبيل بحوث مهمة وهذا شبيه ممتنع الوجود قبل عالم المشيئة. فالمقصود هنا أيضا في باب الترتب البحث في هذا المبحث.

ذكروا هذا المبحث على أساس انهم يستطيعون يصورون فعلية كلا الحكمين مع فرض عدم سقوط احدهما في المحور الثالث من الترتب.

الركن الاخر سيأتي انه مرتبط بالمحذور الرابع.

قبل ان نبين كيفية معالجة المحاذير نلفت الى نكات عالية في مراحل الحكم. ما معنى الفعلية الناقصة ومر بنا وما معنى الفعلية التامة وما معنى الفاعلية الناقصة والتامة؟ هذه الأربع مراحل ما هي معناها؟ مجموع كلمات صاحب الكفاية وتلميذه العراقي أربع مراحل. ذكر غيرها عند الاخرين لكنه بنحو جمع مرتب عند هذين العلمين.

من جهة آخر يقرر ان هناك تلازما بين الفعلية التامة والفاعلية الناقصة. يعني كانما يريدون ان يقولو انه يمتنع فرض الفعلية التامة من دون الفاعلية الناقصة وان كانتا مرحلتين متعددتين وليستا مرحلة واحدة. كما انهم يقولون ان الفاعلية التامة ممتنعة ان تنفك عن التنجيز. وان كانتا مرحلتين مختلفتين. المقصود انهما ذاتا متتعدتان. ولكن التلازم لا ينفي التعدد. مثل ان العلة تلازم المعلول والمعلول يلازم العلة لكن ليس بمعنى ان العلة عين المعلول.

فنلقي مزيدا من الدقة المجهرية حول هذه الأربع مراحل. لا سيما بين الفعلية التامة والفاعلية الناقصة لان مبحث المطاردة مرتبط بهذا المبحث. سيما مانعية أحد الامرين للآخر يعني فيما يعنيه مرحلة الفاعلية. فاعلية ناقصة وتامة. لان الفاعلية تعني محركية الامر او زاجرية النهي فتكون مطاردة. إذا الكلام في مرحلة الفاعلية و أنه كيف الترتب يعالج هذا التشنج والمطاردة بين تأثيري فاعليتي الحكمين او الامرين.

اذا نستوضح معنى الفاعلية الناقصة والناقصة والفعلية الناقصة والتامة. هذه المباحث فوقية ويحتاج اليه الباحث في كل الأبواب الأصولية وطبيعة الاجناس الكلية هي هكذا.

من بيان الخطورة في هذه المراحل الأربع ان مشهور القدماء التزموا بمشروعية عبادات الصبي وليست مشروعية عبادات الصبي بل التزموا حسب ارتكازات كثير منهم بان الشريعة شاملة حتى للرضيع. فحتى غير المميز فضلا عن المميز وان كان فيه الفرق بين تمييز العقل النظري وتمييز العقل العملي. على أي تقدير وعلى أي مرتبة ان المهم انهم التزموا بعمومية الشريعة والتشريع. إذاً تقع الفعلية ومقصودهم الفعلية الناقصة. الفعلية الناقصة تعريفها عند الاخوند حكم فعلي من قبل المولى لكن الرضيع او غير البالغ فعلية الحكم من قبل العبد ليست بالغة لا ان الفعل ليس فيه ملاك. من ثم ورد في الأطفال الرضاع يستحب الاعتمار بهم ويستحب الحج بهم وكيفية ذاك ويترتب الاحكام على نفس الرضيع. القابل يحتاج الى مساعد وهو وليه لا ان الفعل في نفسه ليس تام الملاك. يعني فيه ملاك لكن القابل فيه ضعف. اذا الفعلية الناقصة فعلية من قبل المولى والفعلية التامة يعني الفعلية من قبل العبد والمكلف.

هنا استشكل المشهور مع انهم يبنون بمشروعية اعمال الرضيع استشكلوا في صحة صلاة الميت من المميز غير المراهق مع أنه مشروع لكن في كونها مجزئة استشكلوا. لان في الفعلية التامة عندهم استشكال. هذا بحث طويل يرتبط بأحكام الصبي لازم ان نلتفت اليها. وهذا صحيح.

اذا عندنا فعلية ناقصة وفعلية تامة. حينئذ ما هي معنى دعوى التلازم بين الفعلية التامة والفاعلية. بالفعلية الناقصة لا تترتب فاعلية ناقصة بل لابد ان تكون الفعلية تامة. حينئذ بالكاد تأتي الفاعلية الناقصة يعني التحريك.

لماذا عندنا فاعلية ناقصة وفاعلية تامة؟ فاعلية الناقصة تحريكها خفيف والفاعلية التامة تحريكها قوي وحتم وبت. الفعلية التامة لابد ان تتلازم مع الفاعلية الناقصة لماذا؟ قالوا في الفاعلية الناقصة يجب ان يكون هناك احتمال وليس شرطها العلم بمعنى التصديق انما شرطها العلم بمعنى الاحتمال والقدرة. الفاعلية الناقصة شرطها العلم بمعنى الاحتمال والقدرة. لكي يحرك الحكم. اما الفاعلية التامة فيشترط فيها العلم بمعنى التصديق زيادة على قيود الفاعلية الناقصة وهناك تحريك تام وبات.

هنا لازم ان نوضح التلازم بين الفعلية التامة والفاعلية الناقصة وان لم تكن القدرة في البين أصلا الفاعلية الناقصة ما موجودة ويستشكل في الفعلية التامة لأن فيهما التلازم. القيود ولو عقلية لكن يستشكل. مر بنا انه عند القدماء الملاك التام لابد في الفعلية التامة. كأن الحكم بعد ما بلغ. ففيه التلازم بين بلوغ الملاك نضج الملاك في الفعلية التامة وبداية تحريك الحكم والتحريك التام يكون في الفاعلية التامة. هذه تعالج قضايا كثيرة في علم الأصول. ان شاء الله نعاود غدا.

كيف التلازم بين الفعلية التامة والفاعلية الناقصة او بين الفاعلية التامة والتنجيز؟