45/06/26
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الترتب
كان الكلام في ادلة الترتب ووصلنا الى احد اركان الترتب وهو قضية ان الاحكام لا توجد موضوعاتها او بعبارة أخرى هي مرتبطة بالواجب المعلق والمشروط. العنوان المركزي الذي كنا فيه ارتباط الترتب بالواجب المعلق والمشروط وفيه صياغة أخرى ان المهم الذي اخذ فيه ترك الأهم ليس الترك في البدء بل الترك المستمر. وان قلنا ان هذين ليسا صياغتين بل ركنان مستقلان. احدهما ارتباط الترتب بالواجب المعلق والمشروط والنقطة الأخرى هي ان ترك الأهم المأخوذ في وجوب المهم ليس الترك في اول الوقت بل الترك المستمر الى آخر الوقت. هذا هو البحث المركزي. بمناسبة هذا البحث دخلنا في طبيعة اخذ الأجزاء سواء في المتعلق او في قيود الوجوب او الحكم.
نكتة لا بأس بتوضيح معترض ومختصر: الاعلام مثل الميرزا النائيني او قبله كالميرزا الكبير وكذلك من بعدهم مثل السيد الخوئي ذكروا ان موضوع الوجوب المهم اخذ مقيدا بعصيان الأهم. هنا تعبيرهم بالعصيان يمكن ان يقال مسامحة او يمكن ان يقال ان العصيان يستعمل بمعنيين.
هناك معنى للعصيان يراد منه احد الأسباب المسقطة للحكم لان الانسان اذا عصى الحكم يسقط. هذا المعنى انما يتحقق في نهاية الوقت وليس في بداية الترك واواسط الترك بل يتحقق في نهايته. مثلا الحج واجب وزيادة على وجوبه انه فورية والوجوب الفوري وجوب زيادة على نفس وجوب حجة الإسلام. وهل عصيان الفورية كبيرة من الكبائر ام لا محل البحث.
هذه الفورية لها امد واذا ترك الانسان المقدمات يعصي فورية الحج لكن لا يصدق انه عصى وجوب الحج ويمكن ان يأتي بها في العام القابل او بعده.
التفكيك بين الوجوبات امر مهم ان الوجوب الواحد مثل الحج يجتمع على اصل وجوب حجة الإسلام وفورية الوجوب وهي وجوب آخر. بالاستطاعة يستقر اصل وجوب الحج والفورية بحث آخر والأكثر على ان ترك الفورية كبيرة وهو الصحيح.
المقصود ان العصيان يستعمل تارة بمعنى نهاية الوقت بحيث ان القدرة على الامتثال غير موجودة. نظير الامتثال انه نهاية ايتاء الشيء يصدق عليه انه مسقط للوجوب. الامتثال والعصيان تارة يستعملان بمعنى النهايات وأخرى يستعملان ليس بمعنى النهايات بل يستعمل بالمعنى التوسطي او القطعي. معنى النهايات لا هو توسطي ولا هو قطعي بل هو اسم مصدر بمعنى وجود نهائي وغايات.
هذا المعنى بالنهايات من العصيان والامتثال في مبحث الترتب غير مراد لانه اذا سقط احد الوجوبين او كلا الوجوبين ليس محل البحث بل محل البحث اذا كان الوجوبان متزامنين ومتدافعين والورطة هنا انه في وقت ضيق يتزاحم واجبان يعجز المكلف عن اتيانهما معا والترتب يوجب العلاج والحل في هذا الفرض. مع وجود وجوب الأهم ولم يسقط الا انه ترك هل يمكن تصوير فعلية وجوب المهم. اما بعد سقوط وجوب الأهم بالعصيان بمعنى اسم المصدر ما عندنا وجوبان متزاحمان فلا يأتي الترتب.
فلم يعبر الاعلام بعصيان الأهم انه قيد وجوب المهم. إما يأخذون العصيان بمعنى النتيجة والشرط المتأخر فممكن. اذا اخذ العصيان بالمعنى العواقب لا المعنى التوسطي ولا المعنى القطعي يعني في علم الله ان هذا الأهم يسقط بالعصيان حينئذ يجب المهم. هذا يمكن تصويره اذا اخذ العصيان بنحو الشرط المتأخر. اما اذا اخذ العصيان بنحو الشرط المقارن لا يمكن ان يأخذ العصيان بمعنى نهاية الوقت. لابد ان يكون العصيان بمعنى الترك التوسطي او القطعي. بنحو الوجود التوسطي او الوجود القطعي. ظاهرا تركيز الاعلام انه اخذ بنحو الشرط المقارن فلامحالة لابد ان يكون مقيدا بالعصيان بمعنى الترك بنحو الوجود القطعي حتى لا بنحو الوجود التوسطي. هم يؤكدون عليه وان لم يعبروا بالقطعي.
اذا ثلاثة أنواع اما وجود قطعي او وجود توسطي او وجود نتائجي وعواقبي واسم مصدر. المصدر وجود للحدث توسطيا او قطعيا. اما اسم المصدر نتيجة الحدث ومعنى ثالث. فسيأتي ان هذا القيد عصيان الأهم مرادهم ترك الأهم وليس العصيان بمعنى النتيجة والمعنى الثالث. هذا العصيان والترك المزامن يريدون ان يفترضون في تزامن ومحاذاة زمانية واحدة جمع بين الامرين وجمع بين الطلبين من دون طلب الجمع. اذا محل كلامهم ليس في فرض سقوط الأهم بل في فرض وجود الأهم مع ذلك موضوع المهم يتحقق. نعم، العصيان بمعنى النتيجة بنحو الشرط المتأخر يمكن ان يأخذ قيدا على ان المهم مشروط بالعصيان بمعنى النتيجة ولو كان شرطه متأخرا عند سقوط الأهم ووجوب المهم متقدم. لكن النائيني لا يبني على الشرط المتأخر ولا يريدون الشرط المتأخر وما صوروه لكن احد تصويراته ما ذكرنا بنحو الشرط المتأخر لمن يرى الشرط المتأخر. هذا أيضا يحل المشكلة كما سنوضح. فاذا اخذنا العصيان بالمعنى الثالث معنى النتيجة والمسقط شرطا متأخرا يمكن الحل.
كذلك الامتثال يستعمل بثلاث معاني: اما يستعمل بحال الامتثال بنحو التوسطي او القطعي. التوسطي كان فلان في سفره الى كربلا في أي نقطة من سفره يصدق عليه انه في السفر. اما القطعي فكما اذا قلنا انه وصل الى الحيدرية او نقطة فلان فهنا لاحظ جانب تصرمي وهو وجود قطعي. فالشيء يلاحظ بالوجود القطعي او التوسطي او النتيجة. مثل ما اذا قلنا ان فلان سافر الى كربلا وهو الان في كربلا ويعبر عنه بوجود النتيجة واسم المصدر. فالمصدر والفعل وجود سيال اما بنحو التوسطي او بنحو القطعي بخلاف اسم المصدر.
بالتالي هنا لما يقولون ان وجوب المهم مقيد بعصيان الأهم اذا يريدون ان ظرف عصيان الأهم ووجوبه متزامن مع ظرف فعلية وجوب المهم فليس مرادهم من العصيان النتيجة بل معنى الحدث القطعي او التوسطي.
لماذا يأخذون الوجود القطعي ليس الوجود التوسطي؟ ما الضرورة لان يأخذوا القطعي؟ هنا نكتة مهمة. اذا اخذوا عصيان الأهم قيدا في وجوب المهم بمعنى النتيجة فيكون بنحو الشرط المتأخر وممكن واذا اخذوا لا بنحو النتيجة بل بنحو الترك فهذا الترك قطعي وليس توسطيا. لماذا؟ السر انهم قالوا اذا اخذناه توسطيا فالتوسطي ينوجد في اول الآن ويستمر. اذا انوجد يسبب فعلية المهم من دون سقوط الأهم ومن دون فرض ترك الأهم يعني أنه اذا اخذنا الوجود التوسطي فالترك آنا ما يوجب فعلية المهم. التوسطي يعني بالوجود الآني يتحقق كمن هو في سفر الى كربلا فبصرف خروجه من النجف يصدق عليه انه في السفر. ففي الآن الأول يتحقق الوجود التوسطي ويستمر بينما الوجود القطعي هل يتحقق كاملا بوجود القطعات الأولى؟ لا لان الوجود القطعي لابد ان يكون مجموعيا. ما الفرق بين ان ناخذ الترك المجموعي للاهم وبين ان نأخذ الترك الآني للاهم؟ في الترك الآني لازال المجال للأهم موجودا. فيصير نوعا من التضاد بين الأهم والمهم اذا اخذ في موضوع المهم ترك الأهم آنا ما. مثل الصلاة وتطهير المسجد فيمكنه الأهم في الآن الثاني والثالث. اذا اخذنا ترك الأهم بنحو آنا ما حينئذ سوف يكون التضاد بين الوجوبين في الدعوى الى متعلقيهما. فيصير طلب جمع الضدين. اما اذا اخذنا الترك القطعي السيال كمجموع ابدا لم يكن تحريك المهم لمتعلقه في ظرف وجود الأهم فلم يزاحم ولم يشاغل المهم الأهم بتاتا. فلا يكون هناك طلب الجمع بل جمع الطلب من دون طلب الجمع. انما المهم يؤثر ويحرك في ظرف ترك المكلف للأهم. حينئذ يقال انك تمردت على الأهم ففي هذا الظرف انا ابعثك على المهم. فاذا لابد ان يأخذ الترك بنحو المستمر القطعي لا النتيجة ولا الوجود التوسطي اذا اخذ الشرط مقارنا.
اذا اخذ الترك مجموعيا وقطعيا لا محالة نحتاج الى الشرط المتأخر. لانه ليس الترك في القطعة الأولى مأخوذا فقط بل لابد من الترك للقطعات الأخيرة. فالترك للقطعات الأخيرة ما تتحقق عند المهم فلا محالة من الشرط المتأخر. فسواء ان اخذنا الترك بنحو الشرط المتأخر او اخذنا الترك بنحو الوجود القطعي لا محالة من الشرط المتاخر الا ان يعنون بعنوان التعقب بدل الشرط المتأخر وهو شرط فعلي وموجود في ظرف وجوب المهم. هذا بحث آخر. فاذا دعوى السيد الخوئي ان الترتب لا صلة له بالشرط المتأخر غير صحيحة بل لابد من الشرط المتأخر. هذا بالنسبة الى هذا الركن.
اعيد تذكير الاخوان ان السيد الخوئي يبني علي ان الواجب المعلق قسم من الشرط المتأخر ومندرج فيه. بينما صاحب الفصول مبتكر الواجب المعلق وغيره من الاعلام قالوا ليس من الضروري ان يكون مندرجا في الشرط المتأخر. فما هي ضابطة الواجب المعلق والواجب المشروط بالشرط المتأخر.
الواجب المشروط يعني قيد الوجوب المتأخر عن الوجوب. لا مانع أوسع قليلا في الحديث عن الشرط المتأخر. لان هذه الأمور اذا ما نتذكرها يسبب إخفاقات في الاستنباط. الشرط المتأخر هو قيد متأخر لوجوب متقدم. انفكاك بين زمان قيد الوجوب وزمان الوجوب. لنستوعب الأقسام سواء القيد العقلي او القيد الشرعي. عندنا قيد الوجوب العقلية وعندنا قيد الوجوب الشرعية وما منحصر بالشرعي.
قد نصور قيد الواجب متأخرا عن الواجب. كما افتى القدماء ان اغسال المستحاضة المتأخرة عن الصيام دخيلة في الصحة وله وجه. هذا قيد الواجب لكنه متأخر. فعندنا قيد الواجب المتاخر عن الواجب وعندنا قيد الوجوب المتاخر عن الوجوب وان كان هذا الاصطلاح متركزا في قيد الوجوب لكن الأصوليين ذكروا قيد الواجب المتاخر عن الواجب. مثلا ولاية اهل البيت قيد الصحة عند علماء الامامية الا النادر منهم والنادر أيضا من باب تفنن علمي والا عملا لا يبنون عليه. قالوا لكن الأدلة تدل على الولاية شرط الصحة بنحو اعم من القيد المتقدم او المقارن او المتأخر. يعني اذا في نهاية عمره استبصر في اخر عمره واعترف هذا الدين الكامل «اليوم أكملت لكم دينكم» وحقيقة الدين وولاية الله وولاية الرسول وولاية اهل البيت والا السقيفة شيء من العلمانية ودرجة من درجات العلمانية. يعني حصر لولاية الله وديانة الله. فاذا استبصر في آخر حياته تصح صلواته. كثير في الروايات من المستبصرين او الفقهاء يسألون عن الائمة هل يعيد صلاته وصيامه وحجه فقالوا انه مادام هداه الله لهذا الامر فلا يعيد ويكتب الله عزوجل امر ما صلاه الا الزكاة لانه وضعها في غير موضعه. المقصود ان هذا قيد واجب لكن اعم من كونه مقارنا او متاخرا. فعندنا قيد وجوب متأخر وعندنا قيد واجب متأخر. هذا هو الشرط المتأخر.
الواجب المعلق ما هو؟ لماذا المشهور عدا جماعة قالوا ان الواجب المعلق لا يندرج في المتاخر حصرا. اصل الواجب المعلق بدون تبديله عما ابتكره صاحب الفصول هو تقدم زمان الوجوب على زمان الواجب. في الشرط المتاخر زمان الوجوب متقدم على زمان قيد الوجوب. ربما الوجوب مع الواجب في زمن واحد الا ان قيد الوجوب متأخر ويمكن. فاذا الشرط المتاخر تفكيك زمان قيد الوجوب عن زمان الوجوب. لكن المعلق تفكيك زمان الواجب عن زمان الوجوب. الحيثية تختلف لكن هل يتصادق في بعض الموارد ويفترقان في الموارد الكثيرة امر آخر. حيثية الواجب المعقل لا صلة له بحيثية الشرط المتاخر حتى المتاخر بمعنى قيد الواجب لان زمان قيد الواجب متأخر لا زمان الواجب نفسه عن الوجوب. هذه اصل فكرة صاحب الفصول.
اذكر هذا المطلب واختمه. فاذا في المعلق زمان الوجوب متقدم مثل الحج ان زمان الوجوب متقدم. مثلا في شهر ربيع فجأة حصلت المال فلا بد من تمهيد المقدمات للحج في زمانه. ولو عند السيد الخوئي يجب عليك التسجيل قبل سنتين والسيد الكلبايكاني قال حتى قبل عشرين سنة لابد ان تسجل ويجب عليك الحج بالوجوب الفعلي وان تأخر الواجب. تفكيك بين زمان الوجوب وزمان الواجب.
نتعرض غدا للدمج بين الشرط المتاخر والواجب المعلق هل صحيح او لا وله تأثير في الترتب.