الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مبحث الترتب

 

كان الكلام في ادلة الترتب ومر بنا ان الترتب نوع من تضييق او تقليص المحذور بقدر الضرورة وعدم توسعة المحذور الى مساحة او مرحلة لا يتمد اليه المحذور وهذا كثيرا ما يغفل عنه الاكابر او يؤاخذ الاكابر بعضهم بعضا عليه.

مثلا في مقتضى القاعدة في التعارض قسم من الاعلام بنوا علي تساقط المتعارضين بقول مطلق بينما المشهور فضلا عن الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية ذكروا ان مقتضى القاعدة ليس التساقط مطلقا لكلا الطرفين بل مقتضى القاعدة سقوط احدهما وليس كلاهما. فلا يمكن ان يوسع العملية الجراحية الى الأعضاء الأخرى لا يحتاج العملية لان العملية يسبب التداعيات. هذا جدا مهمة في التعارض والموارد الكثيرة فتوسعة المحذور تصرف بلا موجب.

من ثم رأينا الفرق بين حقيقة التخصيص عند متأخري الاعصار عن المتقدمين ان المتقدمين لا يجعلون العام محوا في منطقة الخاص بل يجمدون العام لا انهم يبنون على فناء او إفناء العام بالمرة في منطقة الخاص. لان الضرورات تقدر بقدرها والتصرف يحتاج موجب وبقدر ما هو موجود من المحذور يعالج. او حتى معالجة المحذور تارة معالجته بين الحكمين بان يزال الطرف الآخر وتارة ليست المعالجة بالإزالة بل يمكن بتجميد طرف وتفعيل طرف آخر. التجميد غير الإزالة في حقيقة التخصيص او التقييد. كل هذه النكات ثمينة جدا لان الأصل الاولي هو عدم التصرف الا في محدودة المحذور وفي محدودته يعالج بقدر الضرورة ولا يجب توسعة العلاج في دائرة المحذور بالإزالة.

شبيه علم الإدارة وما يعرف بعلم المفاوضات أي بدل ان يكون المتنازعان خاسرين في نزاع معين او احدهما رابحا والآخر خاسرا يحاولون أن يكونا رابحين اذا يمكن وما المانع فيه. هذه من احدث النظريات في إدارة النزاع والاختلاف. هذه النظرية تستمد نفس المطلب أولا لا نوسع دائرة المحذور «لان المحذور نوع من النزاع بين الدليلين او الحكمين» وثانيا في دائرة المحذور مهما امكن يمارس التوليف والتأليف والمؤالمة بقدر الضرورة لا اكثر. هذه الضوابط جدا مهمة عند عموم مشهور الفقهاء وهذا صحيح. في علم الكلام كذلك وفي باب الاثبات والأدلة الاثباتية أيضا كذلك ومر ذكرها في باب التعارض.

اذا حقيقة الترتب تقليص وتحديد دائرة المحذور وزيادة في دائرة محدودة المحذور العلاج بقدر الضرورة لا اكثر. هذه هي عمدة النكتة اجمالا. اما التفاصيل التي يذكرها النائيني او الميرزا الكبير التي بلورها النائيني باعمدة اربع في نظرية الترتب.

مر بنا امس ان الترتب تارة يعالج التنافي في مرحلة التنجيز في كلا الطرفين كما في صورة التزاحم المطلق وتارة يعالج الترتب منطقة الفعلية لاحد الطرفين والتنجيز للطرف الاخر وتارة منطقة الفعلية في كلا الطرفين في الورود وتارة في التوارد او الصور الأخرى ستأتي.

بالتالي ان الترتب عبارة عن تقليل وتقليص التصرف في قيود الوجوب وقيود الواجب بقدر الضرورة وحتى في منطقة المحذور المعالجة بقدر الضرورة وزيادة على ذلك افساد وليس اصلاحا.

عمدة استدلال القائلين باستحالة الترتب ما هو؟ وفي الحقيقة ادلة المثبتين تريد ان تعالج محاذير ادلة المانعين.

محذوران اساسيان او اكثر تشبث بهما القائلون باستحالة الترتب. والترتب باركانه الأربعة في بلورة الميرزا النائيني يحاول ان يعالج هذين المحذورين او اكثر. فلابد ان نلاحظ هذين المحذورين ثم معالجتهما.

اركز على روح الصناعة الأصولية وهي اكثر جذابية من المعادلات الرياضية الجافة في الأصول و هذا يوجب مزيد الفهم.

المحاذير التي تمسك بها القائلون باستحالة الترتب كالشيخ الانصاري او غيره من الاعلام هي ان الترتب لا يعالج المشكلة الاصلية في التزاحم. التزاحم يعني ان المولى يطلب الجمع بين الضدين والمكلف عاجز عن الجمع بين الضدين. هذا محذور التزاحم ان القدرة على كلا الفعلين غير موجودة لدى المكلف عند الامتثال وانما يقدر على امتثال واحد منهما. فهذا طلب بالجمع بين الضدين وهذا مستحيل. هذا احد الإشكالات المهمة في مبحث الترتب التي يعالجها الترتب انه كيف يتخلص من طلب الجمع بين الضدين.

المحذور الثاني الموجود في الترتب او قل التزاحم ان الترتب هو فيه دعوى او تحريك المكلف لعصيان الأهم. فيه نوع من تسويغ التفريط في الأهم فيما اذا كان الأهم والمهم. وان كان الترتب غير منحصر في صورة الأهم والمهم التي بعض مواردها الورود وبعض مواردها المتزاحمان لكن بالتالي هذا محذور في نفسه

محذور آخر ان الأهم او الوارد مطلق فله شمولية لموارد فعلية المهم وامتثال المهم وفي ظرف امتثال المهم. المهم والمورود مقيدان وليس لهما شمولية لموارد الأهم والوارد لكن الأهم والوارد مطلقان. اذا كان للاهم والوارد شمولية سيجتمع في ظرف طلب المهم والمورود طلب الضدين.

او اشكال آخر على الترتب وقبل ان اذكر الاشكال ان الترتب ما هي هيكلته وهندسته سيأتي لكن حقيقة الترتب وروح الترتب انه يريد ان يجمع بين الامرين والطلبين في الفعلية في زمان واحد من دون ان يستلزم الجمع بين المأمورين والمطلوبين في الفعلية ولا بين الفعلين وبين الضدين. هذه حقيقة وروح الترتب. لان التضاد بين الفعلين فهو جمع بين الامرين والطلبين في الفعلية. فالجمع مضاف الى الامرين وليس مضافا الى المطلوبين والفعلين والمأمورين. هذا نوع من توليف الهندسة الرياضية بين القوانين وفي الحقيقة هو نوع من المعالجة القانونية.

شبيه هذا المطلب ذكره الفقهاء لا عينه في إجازة الفضولي في أي عقد من العقود الفضولي يعني انشأ من دون ان يكون من رضى ولي العقد. لان الاقوال في إجازة الفضولي وصحة العقد الفضولي او العقد الذي انشأ من دون رضى ولي العقد ثم يجيز الولي بعد أمد هي سبعة اقوال رئيسية معقدة. الاجازة الكاشفة او الاجازة الناقلة والكشف الحكمي والكشف الحقيقي والاجازة البرزخية ووالاجازة بالانقلاب في اللغة العربية أي ان ينقلب على عقبيه.

التشابه من أي جهة؟ ان يفكك بين الحكم او الحكمين وبين متعلقي الحكمين. او يفكك بين الحكمين وبين موضوعي الحكمين. عندنا الموضوع الاصولي للحكم وهو قيود الوجوب وعندنا الحكم وعندنا المتعلق كالصلاة. هذه من الابجديات الخطيرة في الاستنباط ان نفكك بين الاضلع الثلاث. زمان الحكم ليس ضروريا ان يقارن زمن الموضوع وليس ضروريا ان يقارن زمن المتعلق. يمكن ان يقارن وطبيعة الامر هي التقارن لكن ليس ضروريا. ليس التفكيك بلحاظ الزمان فقط بل قد يكون التفكيك بلحاظ غير الزمان. أتذكر كبريات البحث اهم من الترتب الذي هو مهم في نفسه. انه عندنا في القضية القانونية او الشرعية او العقلائية ثلاث اضلاع وهذه من ناموس الاستنباط والذي لا يلتفت اليه يترجل في الاستنباط. جملة من التعقيدات في باب المعاملات او باب الخمس او باب خلل الصلاة او صلاة المسافر عدم التفكيك بين الاضلاع الثلاثة الموضوع والحكم والمتعلق. ذكرنا ان هذه الاضلاع الثلاث رئيسية وقد يكون هناك ضلع رابع وهو متعلق المتعلق مثل الماء للوضوء. عندنا الزوال وهو الموضوع والوجوب الحكم والصلاة المتعلق والماء متعلق المتعلق وعين الكعبة متعلق المتعلق. بعضهم كالنائيني يجعله يرجعه الى الأول والموضوع. لكن مشهور القدماء لا يقبلون رجوع الضلع الرابع الى الضلع الأول وهو الصحيح خلافا للميرزا النائيني والسيد الخوئي. نفس هذه الكبروية مهمة تثليث او تربيع الاضلاع في القضية القانونية.

من باب المثال في الفقه السياسي والحكومة الاسلامية وصلاحية الفقيه او صلاحية نخب الشعب اذا يستطيع واحد في القضية القانونية السياسية ان يبوّب الفقه السياسي اين الحكم وأين المتعلق وأين متعلق المتعلق. المقصود ان الهندسة الصناعية في الأبواب الفقهية يعتمد على هذا المبحث التفكيك بين الموضوع الاصولي وقيد الوجوب وبين الحكم وبين المتعلق وبين متعلق المتعلق. هذا ليس خاصا للحكم التكليفي بل يعم الحكم الوضعي. بحث مهم حساس يعني الف باء الاستنباط. يجب ان يلتفت الى هذا التفكيك والرتبة الموجودة بين هذه الاضلاع.

نرجع: روح الترتب هو يريد ان يصل مهندس الترتب الى ان الترتب فيه جمع الحكمين والامرين وليس جمع المتعلقين المأمورين المطلوبين والضلع الثالث. فالجمع بين الضلع الثاني من دون ان يستلزم الجمع في الضلع الثالث وهو المتعلق. لان التضاد بالدقة هو بين الفعلين وليس بين الحكمين بالذات. هذه الكبروية مهمة.

فالمحذور الرابع يقول ان الجمع بين الحكمين والامرين يستلزم الجمع بين المأمورين وهو محال. هذه عمدة المحاذير في الترتب او محاذير التزاحم.

نكتة كبروية اهم من الترتب وان كان الترتب في نفسه مهم. الترتب بالدقة نوع من المداقة الشديدة العقلية الرياضية الهندسية بين القضية القانونية في الأهم ذات ثلاث اضلاع والقضية القانونية في المهم ذات ثلاث اضلاع. هذه الاضلاع في الأهم مع الاضلاع في المهم كيف تكون قواعد الاشتباك بينهم. قواعد التماس والارتباط بينهم كيف تكون. هذه جدا مهمة.

في صلاة المسافر بحوث معقدة سببه هذا المطلب كيف اربط بين القضيتين القانونيين في كل منهما اضلاع ثلاث وكذلك في بحث الخمس والربا والمصارف. وتارة تجيء قضية ثالثة ورابعة فكيف اربط بين هذه القضاء كل منها ذات ثلاث اضلاع. هو بالدقة هندسة صناعية بين اضلاع الحكمين او الثلاث او اكثر.

فكيف تنحل هذه المحاذير بالاركان الأربعة التي يذكرها النائيني:

الركن الأول في الترتب: صور عديدة في التزاحم قد تكون موجودة. نكتة الترتب انه في زمن واحد لطلب الضدين يعالج.

النقطة الأولى في الترتب تحديد موردي الترتب وقالب الترتب.

الركن الثاني في الترتب: هل العمر الزماني للحكم والضلع الثاني مع العمر الزماني للمتعلق والضلع الثالث بينهما وحدة بدء وانتهاء او لا؟ هنا دور الواجب المعلق والواجب المشروط. وان كان السيد الخوئي يقول انه لاربط بين الواجب المشروط والمعلق وبين الترتب وسيأتي توضيح الارتباط.

الركن الثالث في الترتب انه يقوم بتقييد المهم او قل المورود الذي هو في الأصل مقيد مثل استطاعة الحج والدين. المهم فكرة الركن الثالث ان الترتب لا يفسح مجالا لمشاغبة المورود او المهم مع الأهم والوارد. هذه نكتة مهمة. العدالة ليست المساواة للكل بل العدالة إعطاء كل ذي حق حقه. كيف تساوي الأهم مع المهم؟ لا تجعل المهم في رتبة الأهم. يا ترى ان الترتب يجرّئ المهم على الأهم او لا؟ هذه نكتة ثالثة.