الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ مبحث الأوامر/مبحث الترتب

 

كان الكلام في كيفية تصوير التزاحم في أجزاء وشرائط المركب الواحد وعمدة اشكال الميرزا النائيني او السيد الخوئي في ذلك ان هذه واجبات مجموعية وارتباطية وحينئذ كيف يمكن تصوير التفكيك فيما بينها. فهي كانما لوحة واحدة إما الكل معا او لا تثبت منها شيء. هذه إشكالية في عدم تصوير التزاحم بين الواجبات الضمنية سواء الأجزاء او الشرائط او بينهما.

مر بنا ان البحث في العموم المجموعي بحث مهم وصياغات العموم المجموعي وتنوعها وتعددها امر بالغ الأهمية. اذا كان الباحث والمستنبط يتبادر الى ذهنه شاكلة واحدة من العموم المجموعي ربما يجد هذا النوع والقالب من العموم المجموعي لا يتوافق مع الأدلة فمن ثم لا يحكم بكونه عموما مجموعيا او ما شابه ذلك. او يرى جهة استقلالا فيحكم بانه استغراقي والحال ان التركب بين الاستغراقي والمجموعي او البدلي يكون عموما معجونا متشكلا من الاشكال من العموم بالتالي تغير هندسة وشاكلة الوجوب والواجب المركب. فعلى كل اصل إشكالية الميرزا النائيني محل تأمل اجمالا

تفصيلا ان الأجزاء ارتباطيتها مع بعضها البعض ليست على شاكلة واحدة كما مر بنا. لدينا في المركب اركان ولدينا في المركب غير الأركان. من الواضح ارتباط الكل بالاركان يختلف عن ارتباط الكل بغير الأركان.

نفس الأركان درجة الركنية فيها ليست على درجة واحدة وأيضا ليس كل ما في الركن ركن كالركوع ليس كل ما فيه ركن وكذلك السجود. هذا تفسير آخر في الارتباطية يجب التفات اليه. كذلك مر بنا ان الأركان على مراتب فالاستقبال أي درجة منه ركن واي درجة منه ليس بركن. فهذه الخمسة أعمدة مثل الركوع والسجود والطهور والنية ليست علي درجة واحدة في الركنية. النية ركن فوق كل الأركان. اين النية وأين تكبير الاحرام وأين الركوع. النية هي كل شيء. تعبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء مسامحة عند الفقهاء والاصوليين ان النية شرط بل هي صورة نوعية للعبادة. بعد ذلك الركوع له مراتب والاستقبال له مراتب.

هنا فائدة معترضة: احد دلائل ان ولاية اهل البيت شرط الصحة طبق تسالم علماء الامامية. نقنقة بعض الاعلام من المعاصرين في انها شرط الصحة او شرط القبول من باب الاثارة العلمية والا هو شرط الصحة.

أقول: حتى لو استفاد المستنبط ان الأدلة غاية ما تفيد في الولاية انها شرط القبول وليست شرط الصحة فأولا مع ذلك هي شرط الصحة. لان هذا المطلب انها شرط الصحة او شرط القبول انما يتصور تفكيكه في المركب العبادي اما في النية شرط القبول مع شرط الصحة لا يمكن تفكيكه. لان النية انما يتقرب المكلف بما له قابلية واهلية لان يقبل. المكلف في العبادة انما يتقرب بما له قابلية ان يتقرب به. اما الذي ليس له قابلية ان يتقرب به فلا يكون النية عبادية. لا نقول ان المكلف يتقرب ما يتحقق منه القبول الفعلي. طبعا هذا ليس بشرط. لكن المكلف انما يتقرب بما يكون له قابلية ان يتقرب به والا لا يكون النية عبادية. فمن ثم اجمع كل الفقهاء على ان الكافر لو اتى بصلاة صحيحة فصلاته ليست بصحيحة وعندنا دليل خاص على ان الكفر مانع عن صحة الصلاة ومانع عن صحة الصوم. لان الكافر عمله لا يمكن ان يتقرب به لانه متمرد على الله وجاهد للباري تعالى وليس خاضعا. فالخضوع والطوعانية ليست لديه. كذلك الحال في غير المؤمن مع قيام الدليل الضروري انه لا يتقبل منه اذا الخلل عنده في شيء لا يقبله الله. قطعا لا يقبله الله فحينئذ كيف يتقرب به؟ هو اعمل شيئا لا يقبله الله فكيف يتقرب به كما في الريا. فالنية بدون الولاية في العمل وبضميمة العمل لا يمكن ان يتقرب به. من ثم المستبصرون في زمن الأئمة علیهم‌السلام كانوا يسألون هل نعيد صلاتنا وصيامنا وحجنا؟ فاجابوا سلام الله عليهم: ما دام لحقت الولاية عملك السابق ولو بنحو الشرط المتقبل فعملك صحيح. الكلام كان في صحة العمل لا في قبوله لان الكلام في الإعادة والقضاء. من ثم بنينا على آن الصلاة مشروطة بالشهادة الثالثة لان الولاية لا يكفي فيها الاعتقاد القلبي بل لابد فيه من التلفظ بالشهادة. فكل العبادات مشروطة بالشهادة الثالثة. بتقريب سبق ان ذكرنا مرارا. شرط وجوبي وليس شرطا ندبيا. هو شرط ركني. يعني من غفل عن الولاية لا يقبل منه العبادة.

نرجع الى كلامنا في الترتب. فالتزاحم هل يتصور في الأجزاء؟ الأجزاء ركنية او غير ركنية ليست على وتيرة واحدة. فحينئذ دعوى الميرزا النائيني او السيد الخوئي ان الواجب الارتباطي المجموعي كلوحة واحدة إما يثبت او لا يثبت ويرتفع كله برمته ليس كذلك. عقلائيا وعقليا ان المركبات ذات مراتب بل تكوينا هكذا. معنى التفريق بين الأركان وغير الأركان هو هذا. الأركان يشد بها لكن الباقي لازم لكن ليس بدرجة الأركان. بل حتى الأركان ليست على وتيرة واحدة. لزوم الأجزاء والشرائط ليس على وتيرة ارتباطية ومجموعية واحدة بل حتى الأركان بل حتى أربعة او خمسة نقاط. فهذه اذا اول الكلام. اذا هو مجموعي لكن مجموعي بشاكلة وقالب. حينئذ تصوير التزاحم فيه متحقق. لان دخالة الأجزاء في المركب ودرجاتها تختلف عن بعضها البعض. وهذا هو حلال المشاكل في مبحث قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور. عند مشهور المتقدمين احد مواليد قاعدة الحرج قاعدة الميسور وليس شيئا آخر حتى تقول ان سندها ضعيف. نفس ادلة قاعدة الحرج ادلة قاعدة الميسور مع ان قاعدة الحرج ليست قاعدة واحدة بل قاعدتان او ثلاث كذلك قاعدة الضرر انها ثلاثية او ثنائية القواعد. وقد أشار الى نسبة ذلك الى المتقدمين الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتاب له قواعد ستة عشر.

المقصود انه اذا تصوير التزاحم في الواجب المركب ممكن فمن ثم في حين ان نقول ان لا تعاد عند مشهور المتقدمين مشهور طبقات الفقهاء تعالج الامتثال فيه مفاد يعالج مرحلة الانشاء باعتبار ان الأجزاء ليست على مرتبة واحدة بل على مراتب وهذا صحيح. بهذا اللحاظ هي تتعرض الى مرحلة الانشاء

من ثم باعتراف الميرزا النائيني والسيد الخوئي ان الأجزاء في ما بينها والشرائط فيما بينها اختلف قيود الوجوب لكل جزء جزء لان القيود ليست على وتيرة واحدة. وجوب واحد للصلاة تختلف قيوده الشرعية بلحاظ ابعاضه. كانما يتفكك. وجوب الوضوء له قيود خاصة ووجوب الركوع له قيود خاصة وكذلك وجوب السجود والقيام. مع ان وجوب الصلاة وجوب واحد الا انه يتبعض بلحاظ قيوده. فضلا عن قيود الواجب كانما يتعامل معاملة المتعدد. فهذه المجموعية فيها شيء من الاستقلالية. فليس مستقلا بقول مطلق ولا مجموعية بقول مطلق. او قل أنواع المجموعية كثير وليست على مصدر واحد او قياس واحد. هذه نكتة.

فالصحيح اذا قابل للتصوير الترتب بين ادلة الأجزاء فبدل ان نسقطها بالتعارض نستطيع ان نجري الترتب فيها. ما فيه أي مانع ما دامت الأدلة قد بينت اختلاف قيود الوجوبات الضمنية عن بعضها البعض. لا سيما ان السيد الخوئي يعترف ان الترتب ليس منحصرا في مرحلة الفعلية او التنجيز بل يمكن تصوير الترتب في الجعل وهذا الترتب في الجعل نوع من التوليف بين دلالة الدليلين.

من ثم حتى لو لم يأت دليل «لا تسقط الصلاة بحال» فمع ذلك نقول ما دامت الأدلة الأولية تخالف بين مراتب الأجزاء بل بين مراتب الأركان اذا اصل الطبيعة ذات مراتب ويأتينا قاعدة الحرج وهي تقول كما يمكن رفع الوجوب المجموعي كذلك يمكن رفع الوجوب الضمني. الحرج في الجزء لا في الكل فتشمل الابعاض لاسيما ان المركب ليس لوحة واحدة كحديد صلب لا يمكن تفكيكه. فيمكن تصوير الترتب او التوارد او الورود في مركب واحد ولا اشكال فيه.

اعيد استذكار حقيقة الترتب قبل ان ندخل في ادلة الترتب. هذه فهرسة اجمالية مهمة قبل ادلة الترتب التي هي بمثابة خارطة تشريحية لحقيقة الترتب.

الترتب نوع من تقييد سقوط الأدلة في أي مرحلة من المراحل ونوع من تقليص وتضييق حدود المحذور بين الاحكام في أي مرحلة. من ثم الترتب معاكس تماما تجاه الورود. الورود يلغي المورود مطلقا والترتب يقول ليس لك الحق أيها الوارد ان تلغي المورود مطلقا. انما تلغي اذا اطعت والا اذا عصيت يأتي المورود.

مر بنا ان عندنا الورود من الطرف الواحد و التوارد من الطرفين كذلك الترتب قد يكون من طرف واحد في الأهم والمهم وقد يكون في الطرفين كما في المهمين ويعاكس التوارد.

استذكر هذه الأمور لانه اذا دخلنا في الأدلة يجب ان لا نضيع اصل الخارطة الكبيرة للبحث ومر بنا ان المحذور في باب التزاحم حقيقة ليس في اصل الفعلية الناقصة ولا الفعلية التامة وانما المحذور في التنجيز او قل في الفاعلية التامة فنحتاج للترتب من هذا الباب. نعم المتزاحم الذي مقيد بالقيود الشرعية مثل الاستطاعة في الحج مع الدين تختلف عن التزاحم في الدين مع الدين. الدين مع الدين كل منهما واجب مطلق اما الدين مع الاستطاعة يختلف لان الدين وارد على موضوع وجوب الحج على مبنى مشهور متاخري الاعصار. فهنا اصل فعلية الحج مرهونة بالترتب واذا امكن الترتب فعلية وجوب الحج يمكن ان تتصور. الميرزا النائيني لا يقبل الترتب في هذا القسم الثاني. ومر بنا مواطن الترتب خمسة او اكثر. الموطن الأول المتزاحمان بنحو مطلق يعني ان يكون كل منها القدرة فيهما قيد عقلي والموطن الثاني واحد منها عقلي والثاني شرعي وهو الورود والموطن الثالث التوارد يعني كل منهما مقيد بقيد شرعا. فيمكن تصور الترتب. وفيه موطن آخر وهو الترتب في الواجبات الضمنية.

اذا الترتب محذور في التنجيز في الموطن الأول على المختار او في الفاعلية التامة. اما الموطن الثالث وهو الورود مثل الاستطاعة مع الدين والوضوء مع وجوب سقي الماء للعطشان على معرضية الهلكة. في الورود الترتب يوجد فعلية المورود. هنا البحث في الفعلية صحيح. فالترتب هنا حلال المشكلة لاصل الفعلية. كما في التوارد يعني الترتب من الطرفين كل منهما مقيد بالقدرة الشرعية. هنا المحذور في اصل الفعلية. اذا الترتب تارة يعالج التنجيز فقط او الفاعلية وتارة يعالج الفعلية من الطرف وتارة يعالج الفعلية من الطرفين.

الترتب الذي ذكره السيد الخوئي وهو الصحيح وهو الترتب في الجعل في المتعارضين. هذا حتى في الفعلية المقدرة في المرحلة الانشائية. الجمع بين الدليلين في مقام التعارض ما الفرق بينه وبين الجمع بين الحكمين في مقام الفعلية؟ الفرق هو ان المحذور في مقام التعارض في اصل الانشاء. تكاذب وغير التكاذب. فانت لما تجمع تجعل دائرة كل دليل لا تتعارض ولا تتكاذب مع دائرة أخرى على صعيد الانشاء قبل الفعلية. على صعيد المرحلة الثانية او الثالثة من الانشاء. بينما الترتب في الفعلية ليس المحذور في الانشاء وليس بينهما تكاذب في مرحلة الانشاء. بل فيه المحذور في اصل الفعلية. او قل فيه محذور في اصل انوجاد الموضوع خارجا ولا ربط له بتكاذب الدليلين. مثل ان الدين يعدم موضوع الحج. فلاحظ ان الترتب حلال المشاكل بحسب مرحلة المحذور. هذه نكتة مهمة. نوع من توليف بين التنافي والتجاذب بين الحكمين بحسب مرحلة المحذور.

ان شاء الله ندخل غدا في ادلة الترتب او ادلة امتناع الترتب. وسنرى انها دقة في الهندسة والهندسة جدا مهمة في قيود الاحكام وموضوعات الاحكام. وهذه تربي الباحث في الاستنباط في باب العبادات والمعاملات وهي تدقيق في موضوع الوجوب كيف فيه تنافي او تنافر ام لا. دقة في قيود الحكم في كل المراحل لازمة.