الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

1-الترتب فذلكة صناعية للتدقيق في موضوع و قيد الوجوب

كان الكلام في ان الترتب بالدقة هو فذلكة صناعية توجب التدقيق في موضوعات قيود الوجوب بشكل أمتن ، فبالتالي في الحقيقة كما هناك حاجة ماسة في الاستنباط للتدقيق في الواجب والمركب الواجب والقيود وأجزاء الواجب كذلك هناك حاجة ماسَّة للتدقيق في موضوعات الاحكام ـ المقصود من الموضوع هنا هو باصطلاح الاصولي يعني قيود الوجوب ـ لما لنمط قيود الوجوب وموضوع الوجوب من تأثير على علاقة الحكم بأحكام أخرى سواء في باب التزاحم او باب الورود او باب التوارد او باب التعارض او أبواب أخرى حتى باب الامتثال او احراز الامتثال.

التجاذب بين الاحكام او الملائمة تعتمد في جانب منها على التدقيق في الموضوعات الاصطلاحية للأحكام ـ يعني قيود الوجوب ـ فمن ثم كان الترتب نوعاً من فذلكة التدقيق في موضوعات الاحكام ، ومن هذا الجانب يأخذ أهمية خاصة بغض النظر عن وجود المحاذير او عدمها.

فالكلام كفهرسة اجمالية ـ بغض النظر عن ادلة الترتب وبراهين الترتب التي بنى عليها الكركي وكاشف الغطاء والميرزا الكبير والميرزا النائيني وما بعدهم من الاعلام القائلين بالترتب ، او بين منكري الترتب باشد الانكار مثل الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية بغض النظر عن الأدلة والنقض والابرام فهرسة مهمة في بحث الترتب هي مواطن وموارد الترتب.

وهي مواطن قد تعد خمسة لكن في الحقيقة سبعة او اكثر.

من ضمن موارد الترتب ـ كما مر بنا ـ في المتزاحمين فيما اذا كانا مضيقين او مضيقا وموسعا

فعلية الحكم الناقصة و توقفها على القيود الشرعية

ومن ضمن موارده فيما اذا كان التقييد بالقدرة عقلياً في احد الطرفين وفي الطرف الاخر شرعياً لأن التزاحم تقييد القدرة في كلا الطرفين يفترض ان يكون عقلياً في موارد التزاحم الاصطلاحي.

فالتزاحم الاصطلاحي هو: فيما اذا كان الواجبان او الحكمان ـ سواء الواجبان او الحرمتان او الحرمة والوجوب ـ الالزاميان غير مقيدين بالقدرة شرعاً بل مقيدان بالقدرة عقلا.

فكلا الواجبين في صور التزاحم المتعددة ما لو كان القدرة في كلا الطرفين عقلية وليست شرعية ، لما مر بنا مرارا ان فعلية الحكم ـ لا سيما الناقصة ـ مرهونة ومتوقفة على القيود الشرعية فقط ولا تتوقف على القيود العقلية ، وبالتالي مع تحقق القيود الشرعية ـ وان انتفت القيود العقلية ـ تكون فعلية الحكم موجودة .

في كلمات الميرزا النائيني والسيد الخوئي نجد أنهما يجريان هذه الضابطة ومع ذلك يبنيان على انه في موارد استحالة القيود العقلية يسقط الامر.

وبالتالي فعلية الحكم الناقصة غير متوقفة على القيود العقلية بل متوقفة على القيود الشرعية.

فعلية الحكم الناقصة والقيود الشرعية أو العقلية

وإذا دققنا لنرى ان الفعلية متوقفة على أي قيود شرعية ؟ نجد انها متوقفة على القيود الشرعية المأخوذة في الفعلية ـ الناقصة او التامة ـ واما القيود الشرعية المأخوذة في التنجيز او الامتثال او إحراز الامتثال فلا تتوقف الفعلية عليها اذا كانت الفعلية مأخوذة في مراحل متأخرة ، ولا معنى لتوقف المراحل السابقة على المراحل اللاحقة . فالقيود الشرعية التي تتوقف عليها فعلية الحكم هي القيود الشرعية المأخوذة في الفعلية. فليست الفعلية متوقفة على كل قيد شرعي ـ وان كان هو مسلك الميرزا النائيني والسيد الخوئي ولكن ليس صحيحاً ـ بل الفعلية الناقصة لا تتوقف على القيود الشرعية المأخوذة في الفعلية التامة.

لذلك جملة من المتقدمين ووافقهم الشهيد الأول بنوا على أنَّ البلوغ قيد شرعي مأخوذ في الفعلية التامة لا الفعلية الناقصة وهذه من ثمرات تعدد وتفكيك مراحل الحكم الشرعي.

الفعلية الناقصة و التامة وتوقفهما على القيود الشرعية أو العقلية

نعم لدينا فعلية ناقصة وفعلية تامة وتفكيك مراحل الحكم الشرعي يحتاج الى ادلة ونحن انما استعرضنا الدعاوى والاقوال من دون ان نستعرض ادلة وجود هذه المراحل بشكل تفصيلي.

اذن لا تتوقف الفعلية الناقصة على القيود الشرعية المأخوذة في الفعلية التامة فضلا عن المراحل اللاحقة كالتنجيز والامتثال . فالفعلية التامة او الناقصة لا تتوقف على القيود العقلية ولا تتوقف على جميع القيود الشرعية ، وانما تتوقف على القيود الشرعية المأخوذة في خصوص الفعلية.

5 ـ باب التزاحم والعجز في القدرة العقلية لا الشرعية

اذا باب التزاحم فيما لو كانت القدرة عقلية يعني مأخوذة عقلا او مأخوذة شرعا في المراحل اللاحقة. ففي باب التزاحم كل من الحكمين فعلي، من ثَّم موضوع باب التزاحم يختلف عن باب الورود وان كانا يتشابهان صورة ـ وقد يشتبه الامر على الباحث ـ لكنه موضوعاً يختلف لأنه في باب التزاحم كلا الحكمين فعليان وموضوع الحكمين موجودان لكن باب التوارد أحد الحكمين يريد أن يزيل ويعدم موضوع الحكم الاخر.

التزاحم وباب الورود والتوارد

وهكذا يختلف باب التوارد عن باب الورود وباب التزاحم لأنه في باب التوارد كل من الحكمين يريد ان يعدم ويزيل موضوع الحكم الاخر وهو غير باب التعارض ، فالأبواب الأصولية التي تعتني بحالات الاحكام مع بعضها البعض يجب ان يميز الباحث تعدد موضوع تلك الأبواب والا يكون هناك خلط ودمج عشوائي.

7 ـ تصور الترتب في باب الورود

الآن هذه الصورة وهي صورة ان أحد الحكمين مثل الحج مقيد بالاستطاعة بينما وجوب الدين ليس مقيداً بالقدرة فبتالي يكون وجوب الدين واردا ومعدما ومزيلا لموضوع الحج ، فهل يا تُرى ان الترتب يُتصور في هذا الباب الذي هو غير باب التزاحم بل من باب الورود. هل الترتب يتصور فيه ام لا ؟

الميرزا النائيني منع تصوير الترتب في باب الورود ، كما ان نفس البحث يأتي في أنَّ الترتب يُتصَور في باب التوارد ام لا ؟

والتوارد يعني كلا الحكمين مقيدان بالقدرة مثل وجوب الوضوء فهو مقيد بالقدرة القدرة الشرعية ـ عند متأخري الاعصار لا المشهور ـ وهذه نقطة فقهية فالوضوء والغسل هل مقيد وجوبهما بالقدرة الشرعية ام لا ؟ عند متأخري الاعصار هكذا واستدلوا بشواهد فقهية.

اجمالا مثال الوضوء والغسل في مقابل شرب الماء لحفظ النفس لعطش مهلك لنفسه ام لنفس أخرى محترمة. هذا مثال الورود وليس مثال التوارد.

الورود والتوارد بن الحج والنذر و الدين والحج

وأما النذر والحج فيمكن ان يكون مثال التوارد لا الورود ، باعتبار ان النذر مقيد بعدم عصيان حكم آخر ، وكذلك اليمين والعهد مقيدان بان لا تستلزم ان تدفع المكلف الى المعصية والحج أيضاً مقيد بالاستطاعة وايهما مقدَّم ؟ كما لو نذر زيارة الحسين × يوم عرفة وتحقق وجوب الحج للاستطاعة ؟ فعلى كل مثال النذر والحج يكون من التوارد ومثال الدين والحج يكون من باب الورود.

فالاستطاعة تنعدم اذا صار النذر فعلياً ، كذلك ينعدم النذر اذا صارت الاستطاعة فعلية والتوارد طبيعته هكذا وهل يمكن ان يقرر في باب التوارد الترتب؟ ثم باب التوارد هل هو تزاحم او تعارض ؟ هناك بين الأصوليين بحث والبعض بني على انه من التعارض ربما السيد الخوئي في جملة من كلماته يفهم هكذا ، ام هو التوارد شيء اخر لا من التعارض ولا من التزاحم. على أي حال هل يمكن معالجة التوارد بالترتب ام لا ؟ وهكذا باب الورود هل يمكن ان يتدخل فيه الترتب ام لا ؟

الورود يعني ان المورود مقيد شرعاً بخلاف الوارد مثل وجوب الدين واستطاعة الحج .

هذا كله بناء على ان الاستطاعة قيد شرعي في أصل فعلية حجة الإسلام كما هو مختار المشهور، خلافا لما نبني عليه مع جملة من المتقدمين وارتكاز المتأخرين في جملة من الفروع حيث لا يجعلون الاستطاعة قيدا شرعيا في الفعلية.

فبناء على ان الاستطاعة قيد شرعي لأصل فعلية حجة الإسلام يكون وجوب الدين ووجوب حج الإسلام من الورود. هل الترتب يتدخل في باب الورود ويجعله على التفصيل او ان الورود ورود بقول مطلق.

9 ـ مبنى النائيني في عدم جريان الترتب في الورود والتوارد :

الميرزا النائيني رحمة الله عليه في باب الورود فضلا عن باب التوارد قال ان الترتب لا يجري مطلقا. بينما السيد الخوئي قال انه في باب الورود يجري الترتب.

ولماذا ذهب الميرزا النائيني الى امتناع الترتب في باب الورود؟

قال: ان مجرد وجود الدليل الوارد ـ الذي ليس مقيدا شرعا بشيء ومجرد فعليته يعدم موضوع المورود وهو الحكم المقيد بالقدرة شرعا. بمجرد وجود وجوب الدين ينعدم موضوع وجوب الحج. لا بامتثاله تارة حكم بمجرد وجوده وفعليته يعدم موضوع المورود وتارة بامتثاله يعدم. الميرزا النائيني هنا يدعي انه بمجرد وجوده ينعدم.

10 ـ مبنى السيد الخوئي في جريان الترتب في الورود :

وخالفه السيد الخوئي ما الضابطة في ان نعرف انه بوجوده او بامتثاله؟

يستدل السيد الخوئي في دفع مدعى الميرزا النائيني بانه لو كان دليل احد الحكمين سواء نسميه الوارد او نسميه الأهم في باب التزاحم ويستشهد السيد الخوئي في باب الورود بباب التزاحم مع انه مر بنا انهما بابان مختلفان. يقول أنه لو بوجوده لا بامتثاله يعدم المورود لاستلزم ذلك ان الأهم في باب التزاحم بوجوده يعدم القدرة على المهم لا بامتثاله ، والحال ان الميرزا النائيني لا يقبل ذلك في باب التزاحم فاذا كان احد الحكمين مطلقا سواء في باب التزاحم او باب الورود ـ لأنه في باب الورود الحكم الوارد مطلق وفي باب التزاحم الحكم الأهم مطلق ـ اذا كان المقدَّم سواء الوارد او الأهم بوجوده يعدم القدرة اذاً لا مجال للترتب لا في باب التزاحم ولا في باب الورود.

فَلِمَ الميرزا النائيني التزم في باب التزاحم ان القدرة موجودة وفي باب الورود التزم ان القدرة ليست موجودة. هذا تفصيل من دون دليل. اذا كان القدرة موجودة في باب التزاحم ففي باب الورود أيضا موجودة.

11 ـ الحكم الوارد يعدم موضوع المورود بوجوده او امتثاله

هذه نكتة صناعية نفيسة ان الوارد يعدم موضوع المورود بوجوده او بامتثاله؟ وهذا بحث صناعي مهم ، اذا وجوب الدين يعدم الاستطاعة بوجوده او بامتثال أداء الدين ؟ السيد الخوئي لم يلتزم بصحة الدين مع وجود الدين الفوري مع انه هنا صناعياً وعلمياً يلتزم والصحيح هكذا.

فهنا اعترض السيد الخوئي واعتراضه متين انه لم تلتزم في باب التزاحم ان القدرة تنتفي في المهم بامتثال الأهم ، بينما في باب الورود تدعي انه بمجرد وجود الحكم الوارد ينتفي الحكم الثاني والمورود ، نعم هما بابان لكن نكتة القدرة واحدة.

هذا اعتراض السيد الخوئي واعتراضه متين. نعم يجب ان نفرق في حالات الورود نفرق بين كون الحكم الأول وأن الوارد يعدم موضوع الموورد بمجرد وجود الحكم الوارد وفعلية الحكم الوارد او انه يعدم بالامتثال؟ او انه يعدم بالتنجيز مثلا ؟ هذه احتمالات عديدة ، لا ان نظن ان باب الورود صورة واحدة بل الورود اقسام.

لذلك في باب الحج بناء على المشهور ان الاستطاعة مأخوذة كقيد شرعي في أصل فعلية حجة الإسلام يجب الالتفات الى ان الحكم الاخر المطلق المتدافع مع الحج يُعدم الاستطاعة بمجرد وجوده ام بامتثاله؟

السيد الخوئي عنده تنقيح صغروي فقهي جيد في باب الحج غدا نتعرض اليه ان شاء الله.