الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في مبحث الضد والتزاحم ومحذور انعدام الامر او محذور النهي عن الضد يقتضي فساد العبادة ومحذور انه كيف يمكن استكشاف الملاك ومن هذا القبيل من المحاذير التي ذكر في مبحث الضد والتزاحم.

مر بنا ان تحليل التدقيق في مراحل الحكم وقيود الحكم يوفّر الطريق لمعالجة كثير من المحاذير المترائية عند المتاخرين لا سيما فالتدقيق في هذه المراحل شيء مهم.

عندما يفرض ان هناك تنوع في القيود الشرعية بحسب مراحل الحكم او التنوع او التعدد في مراحل الحكم بلحاظ القيود العقلية. التعدد بحسب المراحل ماذا يعني؟ سواء في القيود الشرعية او القيود العقلية أيا ما كان. هذا هو بيت القصيد.

يعني في ما يعني ان انتفاء القيود سواء الشرعية او العقلية في بعض المراحل لا ينسحب على المراحل الأخرى السابقة بل ربما في موارد انتفاء القيود في بعض المراحل المتوسطة لا يستلزم انتفاء الحكم حتى في المراحل اللاحقة.

فاذا انتفاء القيود سواء الشرعية او العقلية عن بعض المراحل المتوسطة لا ينسحب ولا يتصاعد ولا يستلزم انتفاء الحكم في المراحل الأسبق لا سيما. لان كل مرحلة لها قيود واذا توفر قيودها تنوجد تلك المرحلة وان انعدمت المراحل الأخرى وهذا هو معنى تنوع القيود في المراحل والا أي معنى محصل له. اما انتفاء القيود في بعض المراحل ان نجعله نتصاعد الى المراحل الأسبق باي وجه وهذا مؤاخذة كبيرة على مدرسة الميرزا النائيني رحمة الله عليه ومنها السيد الخوئي رحمة الله عليه مع انها مدرسة رصينة. عندهم انه اذا كان محاذير في عالم اامتثال يتصاعد هذاا لتنافي او التنافر بين الحكمين الى مراحل اسبق فاسبق الى ان تصل الى اصل الانشاء واصل الجعل والحال انه لا موجب له. لان المحذور في مرحلة ثالثة او خامسة لماذا نصاعدها الى المراحل الأسبق. بل في بعض الموارد وبعض الصور اذا انتفى القيد سواء الشرعي او العقلي في بعض المراحل المتوسطة بعض المراحل اللاحقة لا تنتفي فضلا عن المراحل السابقة. هذه نكتة جدا ثمينة. فاذا انتفاء أي قيد في أي مرحلة يزلزل الحكم حصرا في تلك المرحلة اما ان نصاعد المحذور والاشكالية الى ما قبله او ربما الى ما بعده خطأ.

نعم، الوضع الطبيعي في المراحل اللاحقة ان تكون اخذ فيها ما اخذ في جميع ما تقدم من المراحل من القيود، هذا صحيح لكن سنرى في بعض الحالات وبعض الصور ان المراحل اللاحقة لا تتأثر بانتفاء بعض المراحل السابقة. ما فيه مانع فضلا عما سبق.

من ثم مدرسة النائيني واكثر تلاميذه والسيد الخوئي واكثر تلاميذه مثلا محذور التزاحم ان لم يتحلل يصاعدونه الى التعارض ماذا ربط التزاحم بالتعارض ذلك في مراحل الانشاء والتزاحم في مرحلة الامتثال. واللطيف ان طبقات المتقدمين عندهم في المراحل الانشائية اذا ارتكبوا التخصيص في المرحلة الثالثة لا يصاعدونه الى المرحلة الثانية من الانشاء او المرحلة الأولى. الضرورات تقدر بقدرها. من ثم مر بنا ان معنى التخصيص عند المتقدمين يختلف كنها عن التخصيص عند المتاخرين. التخصيص عند المتقدمين نوع من تزاحم المقتضيات وليس من قبيل محو العام في منطقة الخاص. بل تجميد للعام. لان المتقدمين يقولون ان التخصيص في المرحلة الثالثة من الانشاء فيبقون المرحلة الثانية والأولى على حالهما بينما عند الميرزا رحمة الله اذا كان التزاحم في المراحل الفعلية والفاعلية يصاعدونه الى الانشائية فكيف بك في الانشائية. اذا هذه نكات جدا مهمة ان أي محذور في مرحلة من المراحل لا نصاعد به الى المرحلة السابقة. لا معنى ان نجعل المراحل كلها مسير واحد وقالب واحد وظرف واحد بل كل منها له مسير. لان معنى المراحل هي هذه وهذه من المباحث أصول القانون عند المتقدمين.

لذلك سيأتي في مبحث اجتماع الامر والنهي ان اجتماع الامر والنهي عند المشهور سواء الاخوند او الشيخ الانصاري او صاحب الجواهر او الطبقات المتقدمة من الاعلام حتى بناء على الامتناع ليس تعارضا وانما نوع من التزاحم والتجميد لا ان نجعله تكاذب. بينما الميرزا النائيني واغلب تلاميذه منهم السيد الخوئي انهم يقولون انه اذا لم نستطع من معالجة اجتماع الامر والنهي يسلتزم التعارض. بل حتى عند المتقدمين التعارض نفسه ليس تكاذبا بل التعارض بمعنى التناقض يجعلونه قرينة على التصرف في دلالة احد الدليلين او كلا الدليلين لا ان نسقطهما. الأصل في التعارض ليس التساقط بل الجمع مهما امكن حتى الجمع التبرعي عندهم صناعي وان كان متأخرا رتبة. لان الدلالة فيه اقتضاء للكشف وذاك الدلالة فيها اقتضاء للكشف والمحاذير تقدر بقدرها. اذا هذه نكتة جدا مهمة وهي انه في باب الخلل او المحذور سواء بسبب التزاحم او بسبب الحكم بنفسه منفردا كان يكون فيه الخلل في بعض قيوده لا ينسحب الى ما قبله. افترض ان المكلف عاجزا والتكليف بالمحال محال. التكليف اسم لاي شيء؟ التكليف ليس اسما لكل المراحل. هذه نغمة عجيبة يتمسك بها متاخروا الاعصار. التكليف اسم لمرحلة التنجيز فقط. فمرحلة التنجيز فيها محذور وليس في المراحل السابقة محذور. شبيه موارد جريان البرائة الشرعية انه ترفع التنجيز والمؤاخذة عند الأكثر. لا انه يرفع الوجود الواقعي للحكم فاذا هذه نكتة جدا نفيسة ان معنى تعدد القيود في المراحل هو هذا المعنى. فيه محذور بسبب التنافي او باي سبب بالتالي هذه المراحل موجودة ولا تتدخل.

فانه اذا صار الخلل في احد من المراحل لا يتصاعد الى ما قبله وربما لا يتصاد وتسري الى ما بعده بحسب بعض الأبواب لا نظن كل ما انتفت مرحلة حتما انتفت المراحل اللاحقة. هذا هو الذي التزم به النائيني قال بصحة العبادة وان انتفى الامر وصححه بالملاك والسيد الخوئي قبل ذلك كبرويا وان لم يقبله صغرويا وتطبيقا. فاذا ليس لدينا ضابطة كليا انه اذا انتفت مرحلة فتنتفي كل المراحل اللاحقة. بل التفصيل فيه فضلا عما قبلها. سواء في المراحل الحكم الشرعي التكليفي او مراحل الحكم الشرعي الوضعي.

نكتة أخرى في هذا المقام لم يفصل فيه متاخروا الاعصار انه مر بنا ان القيود الشرعية ليست لمرحلة واحدة بل ربما تكون في مراحل متعددة. يمكن ان تكون مرحلة عقلية لكن الشارع يتصرف فيها مع ان المرحلة عقلية للحكم. لان الحكم الشرعي له مراحل عقلية وله مراحل شرعية وله مراحل تكوينية سواء الحكم الشرعي الوضعي او التكليفي. هذه المراحل الثمان بعضها شرعية واعتبارية وبعضها عقلية وتكوينية.

معنى المرحلة العقلية للحكم ان هناك حكما عقليا يترتب على الحكم الشرعي في تلك المرحلة. مثل استحقاق العقوبة انه حكم العقل ووجوب الطاعة ووجوب الامتثال ووجوب احراز الامتثال اليقيني واحكام عقلية متعددة وبتعددها يتعدد المراحل للحكم. فاذا كانت احكام عقلية كيف يتصرف فيها الشارع؟ لان هذه المراحل ليست عقلية مستقلة بل تابعة بالحكم الشرعي والشارع يتصرف في موضوع الحكم العقلي كان يضيف اليه قيد مثلا.

القيود الشرعية في الحكم الشرعي ليست على وتيرة واحدة بعضها دخيل في الملاك وبعضها دخيل في غير الملاك كالتنجيز. لذلك لدينا في الشريعة قيود شرعية للتنجيز كعدم النسيان وعدم الخطأ وعدم الحرج وعدم الضرر. هذه قيود شرعية للتنجيز والمؤاخذة. فلدينا قيود شرعية في كل من المراحل لكن مفاد القيود في كل مرحلة يختلف عن المرحلة الأخرى. مكاييل مختلفة وموازين متعددة هذه نكتة لطيفة ان القيود الشرعية كيفية تأثيرها مختلفة عن بعضها البعض.

ما الفرق بين القيود الشرعية والعقلية؟ القيود العقلية يمكن ان تكون حتى في المراحل الشرعية للحكم. تصويرها بحث آخر. مع ان المرحلة شرعية كيف يمكن القيد العقلي؟ ليست القيود العقلية منحصرة بالمراحل العقلية والتكوينية بل يمكن في المراحل الشرعية. لكن لابد ان نلتفت الى نكتة ان القيد العقلي حتى في المراحل الشرعية ليس له دخل شرعي. يعني ليس له دخل في الملاك ومشروعية العمل. دائما القيود العقلية بلحاظ الاثار العقلية والاطوار العقلية ولا دخل له في الشرعية.

منها مؤاخذة على مدرسة النائيني واكثر تلاميذه ان القيد العقلي اذا كان في المرحلة الشرعية يستلزم دخله في الملاك مع ان الميرزا في الأصول يفرق بين العقلي والشرعي ولعله يغاير بين القيد الشرعي والعقلي في المرحلة العقلية اما القيد العقلي في المرحلة الشرعية يوحدها مثلا والحال انه ليس صحيحا هو التفت الى ذلك لكنه لم يراعيها في اكثر الموارد وهذا يترتب عليه آثار فقهية كثيرة ومن قبيل المعادلات التي تجري في يوميات الفقه والاستنباط ومن ثم اختلفت كثير من الفتاوى للمعاصرين عن القدماء. طبعا الشيخ الانصاري والاخوند مبناهما مبنى المشهور. وقد يرى في بعض كلمات الشيخ الانصاري والاخوند بعض كلام الميرزا النائيني انه يراعي القيد العقلي ان يختل الحكم الشرعي من رأس. موارد كانما حالة تذبذب في مباني الشيخ الأنصاري او الاخوند او صاحب الجواهر لكن القدماء على وتيرة واحدة.

شبيه بحث حجية خبر الواحد ان المتقدمين عندهم المدار على متن الخبر وليس على طريق الخبر وعلم الرجال يعتنى بها لكنه كضميمة وقرينة وليس كالركن الأساسي. لا انهم لا يعتنون باحوال الرواة والطريق لكن الركن الركين عندهم الحجية بالمتن. ركن الأركان هو المتن والركن في المرتبة الثانية هو صحة الكتاب والمرتبة الثالثة هو الطريق والرواة. الوحيد البهبهاني أيضا مبناه هكذا والشيخ الانصاري هكذا. العلامة الحلي يتذبذب بين المبنيين بسبب استاذه السيد احمد بن طاوس. الشهيد الأول كالقدماء لكن الشهيد الثاني جعل الركن الركين هو الطريق والمتن ذيل عنده عكس الشهيد الأول تماما. المتن أولا ثم صحة الكتاب ثم صحة السند.

للكلام تتمات.

اذا عرفنا هذه القيود والمراحل لابد نشخص التزاحم انه في أي مرحلة. مر بنا ان التزاحم على أنواع عند المتقدمين والتضاد يعني المقتضيان موجودان وفرق جوهري بين التزاحم باي نوع من أنواع التزاحم وبين التعارض التعارض هو التناقض والتكاذب اما التضاد وجود الموجودين قد يجمد احدهما لا انه يمحى ويزال عن الوجود. فحين انه يكون التزاحم بهذا المعنى باي نوع من التزاحم بسبب مرحلة التنافي بين الحكمين حينئذ سيتبين لدينا ان التزاحم انما يعرقل فاعلية او امتثال او تنجيز الحكم ولا يترقى الى فعلية الحكم او فاعلية الحكم الناقصة. هذا لابد ان نبينه بشكل جيد.