45/05/28
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد
مر بنا ان كشف الملاك لتصحيح العبادة عند التزاحم انه عند التزاحم في الاحكام يوجب انعدام الاحكام والتناقض او التنافي باعتبار ان التنافر او التناقض بين الاحكام يوجب انعدام احد الحكمين او كلا الحكمين. بالتالي توصل الاعلام الى قاعدة كشف الملاك وفي كشف الملاك الى قاعدة عدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية والاعتبار وان تبعتها في الوجود التكويني.
مر بنا ان اصل البينونة بين الوجود التكويني في الامارات والظنون عن الوجود الاعتباري والاعتبار مبحث في غاية الأهمية. يعني ان المفروض ان يكون نصب العين. فالوجود التكويني لا صلة ولا يتوقف على الأسباب الاعتبارية. الأسباب الاعتبارية بالنسبة الى الوجود التكويني والوصول التكويني لا يسمن ولا يغني من الجوع سواء في الظنون المعتبرة او غير المعتبرة. الذي يوصل الظنون كالوجود الخارجي هو الأسباب التكوينية ولا صلة فيها بالاعتبار ابدا. ولابد من الأسباب التكوينية كالتدوين والحفظ وكتابة الكتب. من ثم إصرار شديد من أئمة اهل البيت علیهمالسلام على كتابة الحديث وحفظ الحديث ومذاكرة الحديث. هذه كلها أسباب تكوينية وليست أسباب اعتبارية. فالدور الاعتبار في الوصول والايصال التكويني صفر والذي له الدور فقط هو الأسباب التكوينية. ولا فرق بين القسم الأول والقسم الثاني من الظنون عدا القسم الثالث الذي اعتبر عدمها. والاسف فيه خلط كثير من الاكابر بين عدم اعتبار القسم الثاني واعتبار العدم. كما مر بن امس ان اعتبار العدم مثل القياس او السحر او الكهانة او الجن والعلوم الغريبة انها لايستصلح ان يتراكم ويتولد منها القطع ولا تصلح ان تكون معاضدة ولا تصلح ان تكون مؤيدة. كما هو الحال في القضاء لا يصح له ان يعتمد على العلوم الغريبة. اعتبر عدمها بقول مطلق يعني الاعتماد عليها حتى بنحو مضاعف لم يعتمد عليها. مثلا قول الفلكيين في الهلال من القسم الثاني وليس من القسم الثالث. يعني قول الفلكيين لا يعول عليه في الاعتبار لكنه يصلح لإزالة الريبة عن البينة التي تشهد حسا برؤية الهلال او يصلح ان يحدث ريبة في البينة اذا كان الفلكيون قاطعون بامتناع. تارة عندهم صعوبة الرؤية او امتناع الرؤية. فلا نخلط بين اصطلاح الفلكيين بين الاستبعاد والصعوبة والامتناع.
فاذا فيه فرق بين الوصول التكويني والوجود التكويني والوجود الاعتباري. هنا في الدلالة المطابقية اذا افترضنا انه فيها الوصول التكويني وصل لها وان لم تكن معتبرة تلقائيا الدلالة الالتزامية موجودة. اذا كانت موجودة حينئذ الدلالة الالتزامية وصلت وان لم يعول على الدلالة المطابقية.
بعبارة أخرى: الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية تارة على صعيد الدلالة التصورية وتارة على صعيد الدلالة الاستعمالية الالتزامية وتارة على صعيد الدلالة التفهيمية وتارة على صعيد الدلالة الجدية. فمراتب في الدلالة الالتزامية. بالتالي الوصول التكويني للدلالة المطابقية لا يتوقف على الاعتبار. سيما التصورية والاستعمالية والتفهيمية. نعم في الجدية يتوقف على الاعتبار لان تكون كاشفة انه حجة او ليست بحجة. اما الدلالة الالتزامية اذا كانت ملازمة تصورية فالتصورية وجدت تكوينا. التبعية في الاعتبار اول الكلام. او الدلالة الالتزامية تابعة للاستعمالية او التفهيمية في الوجود التكويني فهي وصلت. سيما اذا كانت الدلالة الالتزامية تابعة للتصورية والاستعمالية فالامر يكون أوضح. لان الاستعمالية يحتاج الى الإرادة وهي نوع من الكشف. اجمالا الوصول التكويني للدلالة المطابقية على صعيد التصورية لا اشكال في عدم تبعية الدلالة الالتزامية في الاعتبار لاعتبار الدلالة المطابقية. قد يتأمل على صعيد الدلالة الاستعمالية والتفهيمية والجدية وقد يقال بالتفصيل.
لنأخذ امثلة نوعية في التفصيل او ماذكره الاعلام. هذا مبحث من مباحث علم البيان وليس من مباحث علم المعاني في البلاغة. لانه مرتبط بشئون الدلالة والدال وهي مرتبطة بعلم البيان كالكناية والحقيقة والمجاز. بخلاف علم المعاني انه يبحث في المعاني في نفسها والمدلول بغض النظر عن الدلالة. قوالب المعاني كيف تتناسق في ما بينها. وقدمه علماء البلاغة لانه اخطر من البيان. وعلم البيان اقرب من علم الأصول من علم البيان.
الكلام ما ذهب واختار اليه السيد الخوئي ان اذا كان العموم المجموعي او العموم الاستغراقي اذا سقطت بعض الدلالة المطابقية في بعض الافراد وبعض الحصص ان السيرة جارية على عدم سقوط الدلالة الالتزامية في ذلك الفرد الذي سقطت فيه الدلالة المطابقية. لان الدلالة المطابقية كقالب كلي موحد موجودة وسقطت في ذلك الفرد فالدلالة الالتزامية موجودة بالتالي بتبع القالب الكلي وتشمل هذا الفرد الذي سقط فيه المطابقية. ولا مانع من ذلك.
بعبارة أخرى: اذا خصص العموم الاستغراقي او العموم المجموعي او البدلي لم يقل احد بسقوط الدلالة الالتزامية. شبيه هذا المطلب ما استثمره القدماء على ان حقيقة التخصيص عندهم تختلف عن حقيقة التخصيص عند المتاخرين. التخصيص عند القدماء تجميد ملاك العام في منطقة الخاص لا محو ملاك العام. او باصطلاح آخر ان التخصيص عند القدماء عبارة عن تزاحم غير اصطلاحي يعبر عنه التزاحم في مقام الجعل. فيقدم الخاص على العام في التشريع ويعبر عنه بتدافع المقتضيات في مقام الجعل والتشريع مع ان العام سقط في منطقة الخاص بعض مفاده المطابقي الا ان دلالة العام الالتزامية على وجود ا لملاك في طبيعة العام اين ما كانت لم يسقطوها القدماء. من ثم قالوا ان ملاك العام في منطقة الخاص جمد. حتى في النسخ ان حقيقته عند كثير من القدماء او اكثرهم تختلف عن حقيقة النسخ عند المتاخرين انها عند القدماء من قبيل تزاحم المقتضيات في عمود الزمان.
السيد الخوئي في دلالة العام ارتضى به ان الدلالة الالتزامية لا تسقط. مثلا الاخوند الخراساني ولعل الشيخ في باب التعارض سواء تعارض الخبرين او تعارض الآيتين فرضا او جدلا. في باب التعارض نفي الثالث عند الاخوند كدلالة التزامية لكلا الخبرين لا يسقط. انما تعارض الخبرين في المطابقية ولم يتعارضا في الدلالة الالتزامية. بل المرحوم الاخوند صاغ الدلالة الالتزامية اكثر من ذلك وقال يمكن ان يقال ان مجموع الخبرين في المدلول المطابقي ان احدهما مطابق للواقع علاوة من نفي الثالث. هذا المفاد المطابقي المجمل ما المانع من العمل به.
بعبارة أخرى: في باب الدلالات في علم البيان تفكيك طيات الدلالة شيء مهم وممتاز. تفكيك التصورية عن الاستعمالية والاستعمالية عن التفهيمية والتفهيمية عن الجدية والجدية الأولى عن الثانية، هل شريحة الدلالة كلها ذهبت او بعضها هذانوع من التحليل البلاغي في علم البيان ضروري جدا في مبحث التخصيص والتقييد ومبحث انقلاب النسبة ومبحث التعارض والتزاحم ومباحث كثيرة. تصطك الأدلة مع بعضها البعض بغض النظر عما سيأتي في بيان المختار ان مرحلة الاصطكاك بين الأدلة والاحكام مهمة جدا ان نشخصها. ربما يحصل خلط تقييم الحال وعلاج الحال اذا لم نشخصها.
هذا المطلب فيه تفاصيل بلاغية ان الدلالة الالتزامية مرهونة بالمطابقية في الوصول التكويني والوصول التكويني المطابقية ليس كالعدم ولم يعتبر عدمه والوصول التكويني لها أسباب تكويني حينئذ وصلت الدلالة الالتزامية حتى لو سقطت المطابقية في الحجية والاعتبار. ونمط تلازم التلازمية يعني الارتباط مع المطابقية ذكروا في علم البيان انه على أنماط وبالتالي لا يمكن بقول مطلق انه تسقط ااو لا تسقط. اجمالا لا تسقط لان المدار على الوجود التكويني.
مر بنا امس ان الوصول التكويني اسمن من الحجية الاعتبارية. لان التراث لا يمكن ان يكون مرهونا على القسم الأول من الظنون أي المعتبرة. بل كما يذكر آغابزرك ان القسم الثاني هو يولد القطع ومتقدم على القسم الأول. لان نظرنا الى القسم الأول نظرة انفرادية مع ان نظرنا الى القسم الثاني نظرة مجموعية مع انه مر بنا انه ليست له صفة الاعتبار منفردة بل بالدقة هومجموعي غاية الامر مجموعي اقل من القسم الثاني. وانما هذا تقسيم للقسم الأول والثاني لتمييز قوة الظن وضعفه كماان في القسم الأول يميز درجات الاعتبار وفي القسم الثاني أيضا يميز الضعف. هذا تراكم الظنون بشكل صناعي وميزاني وليس بشكل عشوائي. ا لحكمة وفلسفة تمييز الأول عن الثاني او الأول في نفسه او الثاني في نفسه لاجل ان لايكون التراكم بشكل عشوائي. بل يبنى عليه بشكل دقيق تراكمي. لان لا يكون الاطمئنان متولدا بشكل جزافي. هذا تمام الكلام بحسب اقوال الاعلام في معالجة الضد والتزاحم وصحة العبادة لا بحسب المختار. والترتب أيضا نوع من العلاج وسيأتي. لان الترتب يبين ان التنافي والتضاد والتزاحم في منطقة عجز المكلف بين المتزاحمين اذا دققنا فيه ليس تنافيا وليس تنافرا وتضادا بقول مطلق.يعني المحذور ليس مطلقا بل الضرورات تقدر بقدرها. ويكشف انه في بعض حالات المتضادين ليسا متضادين وليسا متزاحمين بالتالي الامر بالذي هو بالدون في الأهمية لا ينعدم بقول مطلق كما يتخيل قبل ان تستحدث نظرية الترتب. اصل فكرة الترتب هي هذه. سنبين ان مختارنا انه لا يحتاج الى الترتب لكن اصل فكرته فكرة جيدة. بغض النظر عن القضايا في الترتب اصله يبين ان التضاد بين الحكمين مهمين او الأهم والمهم ليس تزاحما وتضادا بقول مطلق بل في بعض الحالات. اذا بعض الحالات التي ليس فيها التنافر لا يعدم الامر بالدون في الأهمية. الضرورات تقدر بقدرها. دقق وادرس الحالة. هذا المطلب الذي ذكره الاصوليون المتاخرون من زمن الكركي وبلوره الشيخ جعفر كاشف الغطاء الى وصل الى النائيني وبلوره اكثر بغض النظر عن قناعتنا انه لا حاجة الى الترتب لكنه فكرة جيدة. أقول ان هذا الذي ذكره الاعلام في الترتب ان الضرورات تقدر بقدرها هي في الحقيقة منهجية القدماء في مبحث التعارض. متاخروا الاعصار لما رؤوا التعارض يقولون بالتساقط بينما المتقدمون يرون ما هو حجم التعارض. قد لا يكون تعارضا بقول مطلق. من ثم يبحثون عن منطقة لا تعارض في المتعارضين بالتالي لا يسقط الخبران بقول مطلق. او هذه المنطقة ليس ضروريا ان يكون منطقة عرضية. بلحاظ ان هذه المنطقة في التعارض قد تكون طولية يعني ان التعارض بين بعض مراتب الدلالة وليس بين كل مراتب الدلالة في الخبرين. من ثم نادرا كالمعدوم عند القدماء ان يسقطوا خبرا من الاخبار فضلا عن ان يسقطوا خبرين او طائفتين من الاخبار. دائما يوجدون نوعا من التأويل وهو نوع من اكتشاف نقطة ملائمة الخبرين وبالتالي الضرورات تقدر بقدرها. ومن ثم عندهم قاعدة بلاغية في الأصل متينة ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح. على كل بحثنا عنه في الدورتين السابقتين.
اذا المسارعة في الحكم بالتناقض والتضاد والتعارض وتضاد الاحكام من دون التثبت ان هناك منطقة ليس التعارض فيها خطأ جدا. وهذا الامر ما شاء الله ليس فقط في فقه الفروع بل في العقائد والتفسير وسيرة المعصومين سلام الله عليهم. قد يكون معنى للجمع محتمل بين المفادين المتعارضين. كل منهما يلاحظ زاوية. بالتالي التضاد والتنافي البدوي لا يعول عليه ويجب التثبت والتروي.
نكتة لابأس ان نلتفت اليه ان التنافي في التعارض في اصطلاح الأصوليين يعبر عنه التناقض اما التنافي في التزاحم يعبر عنه التضاد. التضاد شيئان وجوديان يتنافيان. اما التنافي والتنافر الموجود في التعارض يعبر عنه التناقض. لماذا؟ نكتة واضحة لانه في التضاد فرض الوجود موجود في كلا الحكمين اما في التناقض امتناع وجودهما معا. احدهما موجود لكن كلاهما لا. هذا اذا كان التعارض حقيقيا ومستحكما اما اذا كان التعارض بدويا يعني تخيليا وفي النظرة الأولى ليس هكذا. التعارض المستقر وهو الصادق الحقيقي هوالتعارض اما التعارض المترائي بدوا وابتداء وسرابا ليس تعارضا مستقرا بل تناقض سوري. هذه بحوث
سنرجع قبل الترتب الى تتمة لكلام السيد الخوئي وبعد ذلك نذكر المختار في التضاد وما شابه ذلك والبنيان الذي نعتمده بحيث لا نحتاج الى الترتب.