45/05/25
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد
كان الكلام في مبحث الضد او التزاحم وتسمية التزاحم نظرا للتزاحم فالتزاحم نوع من التضاد بين الاحكام ويختلف عن التضاد او التناقض في التعارض. التزاحم تضاد لكنه في أي مرحلة وكيف يعالج؟ بينما التعارض أيضا هو تضاد لكنه في مرحلة أخرى من المراحل الشرعية.
فالتضاد او التزاحم فيه محذور إما ان الامر الأهم او المساوي يقتضي النهي عن ضده او المحذور هو انعدام الامر الاخر فيما اذا كان الأول اهم والثاني مهما.
معالجة انعدام الامر تارة بكشف الملاك وقصده واعترض عليه بانه كيف يتم كشف الملاك؟ عدة وجوه منها الوجه الذي تبنى عليه الميرز النائني وهو عدم تبعية الدلالة الالتزامية عن الدلالة المطابقية وجودا دون التبعية في الحجية.
هذا المبحث اثاره جملة من الأصوليين حتى القائلين بالتبعية المطلقة في الجملة يتبنون ان الدلالة الالتزامية لا تتبع في الحجية الدلالة المطابقية وان تبعتها في الوجود التكويني.
اصل هذه الفكرة كليا بحث مهم وهو انه وصول ووجود للدلالة المطابقية غير حجة لكن الوجود التكويني موجود والوصول التكويني موجود مع ذلك يفرض ويولد وجودا تكوينيا للدلالة الالتزامية. لعل بالنظرة الأولى يمكن ان يقال ما المانع من ذلك؟ اذا افترضنا الوجود التكويني للدلالة المطابقية غير مرهونا بحجيتها. هذه المقولة التي تقال انه كالعدم فيه مغالطة كبيرة. مثل ان نقول ان الظن الغير المعتبر كالعدم فيه المغالطة. لان فيه وجود وليس كالعدم. لا يعول عليه ولا يعتمد عليه بحث آخر لا انه كالعدم. من هذا الباب الخبر الضعيف يحسبون ان الخبر الضعيف هو الخبر الموضوع او الخبر المدسوس ووهذه غفلة قاصمة الظهر. أي صلة بين الخبر الضعيف والخبر الموضوع؟ بل حتى الخبر الموضوع او المدسوس خبر موضوع ومدسوس بجزم نظري يمكن للاخرين ان يحكموا بعدم موضوعيته. كما مر بنا في امثلة كثيرة. حتى الموضوع النظري غير صحيح ان تفرغوا من موضوعيته. لانه يمكن ان يكون من الاجتهاد والاجتهاد يختلف بين الفقهاء. فالخبر الضعيف مع انه غير معتبر في نفسه بمفرده لكنه باجماع الأصوليين والاخباريين يحرم رده. ماذا معنى صناعي لحرمة الرد؟ ما هو الفرق بين عدم حجية الخبر وبين حرمة الرد؟ حرمة الرد يلزمك التدبر والفحص التصوري فيه. الامر القرآني «ان جاءكم فاسق بنبأ» تصورا اعتد به للفحص بشواهد غيره. بخلاف الحجة المعتبرة التي فيه نفسه حجة. فالظن الغير المعتبر او الظن الضعيف نعبر عنه انه كالعدم تعبير مسامحي. صحيح بمفرده ليس بمعتبر. عدم الاعتبار يعني في نفسه وبمفرده اما بانضمام وتراكم بحث آخر.
فاذا الوصول التكويني للظنون معتبرة او غير معتبرة والوجود التكويني عندنا هذا غير مرهون باعتبار الطرق او باعتبار الخبر. وانما مرهون باسباب تكوينية حث عليها الشارع. «لولا نفر من كل فرقة» هذه تعبئة نحو ترويج العلم. هذا امر كفائي امر بها الشارع للمحافظة التكوينية على أسباب الظنون وأسباب العلم. لذلك هذا بلاشك مفاد الاية واجب كفائي يعني وجوب كفائي للتعبئة وتحسين العلم. لذلك علم الرجال يخطأ من يظن ان علم الرجال علم لاحوال الرواة وتوثيق الرواة. علم الرجال عبارة عن المحافظة على ما لا يحصى من القرائن في الصدور وفي أحوال الكتب وفي أحوال الروايات. عبارة عن علم يستقصي كل شاردة وواردة حول الرواة وحول الكتب. هذا اهم من توثيق الطرق او تضعيفها. لان نفس استقصاء وتقصي والمحافظة على منظومة من القرائن والشواهد اعظم من خصوص توثيق للراوي. لذلك ذكرنا امثلةكثيرة نجاشي في اول صفحة من كتابه وكذلك الطوسي في اول صفحة من كتابه الفهرس وكذلك منتجب الدين ابن بابويه من احفاد الصدوق من القرن السادس وكذلك السيد محسن الأمين في اعيان الشيعة واغا بزرك في الذريعة او الافندي تلميذ المجلسي في كتاب رياض العلماء يذكرون ان الهدف الأول من علم الرجال كونه برهان تاريخيا على مطلب اعتقادي وهو تأصل مذهبية منهاج اهل البيت. هذا بحث عقائدي تاريخي. يستخرجون برهانا من هذه المنظومة. هذا هدف علم الرجال. من الخطأ محاربةعلم الرجال. علم الرجال على مدرسة سيد احمد بن طاوس بحث آخر. لكن علم الرجال لا ينحصر بمدرسة واحدة. علم الرجال مدارس. النجاشي يذكر في اول كتابه ان الهدف الأول والاكبر ان يكون برهانا على تأصل تاريخي لمذهب اهل البيت ولا يفتأ يذكر هذه الفائدة في تضاعيف كتابه. كذلك الشيخ الطوسي وهلم جرا.
لذلك ترى النجاشي في ترجمة ابان بن تغلب وهو ثقة وهو كالنار على المنارة. يذكر شئونه واحواله وموقعيته بين الناس وليس فقط ابان بل النجاشي والطوسي وغيرهم من الاعلام الكبار يسحبون في الثقات المفروض وثاقتهم اكثر من اسحابهم في غيرهم. لماذا؟ اذا كان الهدف توثيق حال الرواة لماذا هذه الحالة؟ واضح ان القضية حال التراث وتجميع كل ما يحتوي على زرارة لتوجب العلم بحال زرارة. هدفهم تجميع القرائن والشواهد للوصول الى العلم لا الظن. لذلك هذه معالجة لقضية المراسيل في أقوال الرجاليين. هذه نكتة صناعية مهمة في باب الحجج ان الوصول التكويني لا صلة له ببحث الحجية والاعتبار الظني. الوصول التكويني للظنون المعتبرة او غير المعتبرة لها أسبابها التكوينية وهذه الأسباب التكوينية حث عليها الشارع كثيرا «لولا نفر من كل فرقة» يعبر بالنفرة كواجب كفائي لتحصيل الأسباب التكوينية. شبيه الايات الأخرى «ان جاءكم فاسق بنأ فتبينوا» في الأصل التبين تحصيل العلم بالوصول التكويني. الأصل في التبين هو الفحص وهلم جرا والموارد الأخرى التي استدل بها لخبر الواحد باعتراف الكمباني وغيره من الاعلام اكثر تلك الأدلة واردة في تأسيس الوجوب الكفائي للمحافظة على التراث بالاسباب التكوينية. طبعا يستدل بها لحجية الخبر الواحد الظنية لكن في الأصل هي الايات والروايات في صدد تأسيس الوجوب الكفائي. «حفظ الله امرء حفظ حديثنا» الحفاظ على التراث وايصالها للأجيال جيلا بعد جيل. هذه الأسباب الأهم عند الشارع من بحث طريق واحد او ثقات. من ثم العين النابعة من علوم اهل البيت عليهم السلام كانوا علیهمالسلام ينفدون الداني والعاصي والعامي والخاص بعلومهم. هذا هو المفروض ان يكترس به اكثر. طبعا لا بأس بتمحيص الطرق لكن لا بمعنى ان نحصر الطريق به. من باب انه جمع القرائن وتكوين الشواهد. شبيه الباحثين في الاثار التاريخية والحضارات السابقة بلحاظ الجغرافي وهلم جرا انهم يجمعون كل الشاردة والواردة سيصير اللوحة كاملة.
«فاسئلوا اهل الذكر» الأصل هو تحصيل العلم لا الظن. ابن قبة لما يقول انا لا اعتبر خبر الواحد ليس اشكاله في خبر الواحد كقرينة او وثاقة الرواة كقرينة. اشكاله انه لا تحصر بخبر الواحد. لانه ما عندنا حجية مستقلة وهذا هو مبنى الشيخ المفيد والمرتضى والاخرين. انه ليكن الهم على تقصي والوقوف والحفاظ على كل الشواهد ضعفت او توسطت او قويت. كلها لازم ان تجمع. كما هو السيرة العلمائية والسيرة العقلائية بنسبة اقوال اللغويين. اقوال اللغويين في النحو الصرف والاشتقاق والعروض وكل العلوم اللغوية. الكلام والكلام. صحة الكتاب وتاخر الكتاب وتقادم الكتاب واذا نحن حول منظومة من البحث.
مثلا ماذا الفرق بين اصطلاح الفضاء السايبراني مع الانترنت؟ ماذا الفرق بين السايبراني والكمبيوتر وماذا الفرق بين السايبراني وبين البرامج الكمبيوتري؟ يقولون ان السايبراني هو مجموع كل هذه الأمور. وليس خصوص الأجهزة وليس خصوص البرامج وليس خصوص الانترنت وليس خصوص المبرمجين والمستمعين والمشاهدين. كل هذه الفضاء يسمى باسم واحد. مجموع الشيء غير ابعاض الشيء. المقصود انه في بحث الظنون والتراث تقصي كل ضعيف ضروري كما في تحريات الجنائية. ربما شعرة هي رأس الخيط لكشف الجريمة. ما صنعه الكشي والنجاشي والشيخ الطوسي في كتابيه الرجالي عظيم كمجموع. ما أورده الكليني من الاسانيد عظيم لا السند الواحد او الطريقين بل مجموع الطرق. لم الف العياشي مع ان القمي قد الف قبله؟طبعا لازم ان يؤلف لانهم يغطون مساحات. تفسير فرات الكوفي وتفسير ابن محيار تفسير عظيم ضاعت من عندنا والحمدلله كثير منه استطاع الحسيني ان يودع كتابا تفسير ابن محيار وهو تفسير عظيم ومن هذا القبيل المقصود ان تكثر الكتب وتكثر الطرق المجموع عليه التأويل. نعم بلاشك كل قرينة يجب ان ندرسها قيمة تكوينا على أساس ان لا يكون التراكم عشوائي غير علمي. لذلك اذا كانت الحجية عند النجاشي تلميذ المفيد و الطوسي تلميذ المفيد وابن غضائري وصف للمتن والكتاب لا وصف للطريق. لم اقف توصيف طرق الخبر بكلمة الصحة عند القدماء. يعني مورد تجزم صريحا ان القدماء يعبرون عن الطريق بالصحيح ما وجدت مع انه تتبعت النجاشي والفهرس سطر سطر كلمة كلمة وابن غضائري انهم لا يطلقون الصحة للطريق. يقولون ان الراوي ثقة او غير ثقة لكن لا يطلقون الصحة علي الطريق. كلمة الصحة يستعملونها لوصف المتن او الكتاب. لما الكليني يعبر الاثار الصحيحة في اول الكافي او الصدوق في اول كتابه يقول الاثار الصحيحة ليس مرادهم الطرق. بل مرادهم المتون. يعني كل ما أوردتها في الكتاب هي مطابقة لمنظومة مسير الطائفة ومتونهم. مراد من الصحة عندهم هو صحة المتون او الكتب. موردان او الثلاثة ابن غضائري يعبر هكذا ان القميين او غير القميين ضعفوا فلانا لكني وجدت له كتابا في الصلاة كله صحيح. يعني متنا.
هذه حجر الأساس في بحث الحجج في العلوم الدينية ان المهم استقصاء وخزن والحفاظ على اكبر قدر من الشواهد كل شاردة وواردة. المحافظة على التراث مهم. الصحيح هو مجموع التراث لا ان تقول الصحيح من الكافي. او الصحيح من البحار. علم الأصول مدارس مختلفة الضروري هو في الحقيقة استقصاء الأسباب التكوينية وتوفير الأسباب التكوينية لوصول اكبر حجم كما وكيفا مثل ما صنعه الميرزا النوري في الخاتمة او كتاب الذريعة هو بحر من الغنائم لكنه لا يستقصي المبحث الواحد في مكان واحد بل تجده غالبا متناثر. مثلا كتابا معينا ربما في ترجمته ذكر في مواطن متعددة كما ان النجاشي كذلك. ربما هو نوع من الاستدراك او ما شابه ذلك. الأهم في علم الرجال وعلم الفقه والعلوم الدينية هو استقصاء القرائن وتجميع المنظومة. لان العلم الإجمالي اعظم من الخبر الظني الواحد. بالوجدان خبر صحيح منفرد وخبر آخر صحيح لكن معاضد باخبار ضعيفة متعددة واضح ان الخبر المعاضد اقوى. هذا امر وجداني. لذلك كل الاعلام يعبرون من التأييد والتعاضد. المنهج الأعظم في الرجال والفقه والحديث هو عبارة عن استقصاء كل شاردة وواردة. بعض الوجوه ضعيفة مع ذلك يتعرضون اليه لان قيمة هذا الضعيف في جنب الأقوياء يسبب الوضوح الأكثر. هذه سيرة عقلائية. لذلك قال القرآن كلكم انفروا من كل فرقة طائفة وما قال فقط العدول لينفروا.
البحث حساس جدا وبصراحة وهذا هو جوهر مبحث الحجج في الأصول. هذا شاهد من المشهور مسكناه ونقوم بعملية التشريح اليه اكثر فاكثر.