الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في محذور التزاحم بين المضيق والموسع وسياتي بحث المضيق أيضا. وسيأتي بحث علاج الترتب باعتبار ان الترتب يتفادى استدام الامرين او الحكمين سواء كانا متفاوتين في الأهمية او متساويين حسب معالجة االكركي. لكن لو غمضنا النظر عن الترتب فمحذور التصادم او التنافي بين الامرين او الحكمين يتمّ بماذا؟

طبعا ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يزيد في محذور التزاحم لان نفس وجود الامرين مع عدم القدرة بنفسه محذور. التزاحم بنفسه من جهة عجز المكلف عن امتثال الامرين بنفسه محذور اما اذا تولد من الامر بالشيء النهي عن ضده يستلزم التنافي الأكثر فاذا النهي عن الضد لابد من معالجته.

من جانب آخر نفس التزاحم هو بنفسه محذور فيلزم انعدام الامر الآخر حينئذ ان انعدم الامر كيف تتحقق العبادية وقصد الملاك هل هو علاج او ليس بعلاج؟ مثل حلقات وزوايا وقواعد يجب ان تترتب كيف نخرج بصحة العبادة الموسع المزاحمة بالامر المضيق الفوري مثل انقاذ الغريق.

نفس مبحث استكشاف الملاك مع اننا بينا انه ليس بمعالج الا على مبنى من لا يحصر العبادية بقصد الامر ويقول ان قصد الملاك كاف في العبادية. مر بنا امس ان قصد الملاك وقصد المحبوبية يوجب الإضافة الى الله ويوجب العبادية لكنه لا يكتفى به في العبادية. عبادية العبادية نستطيع ان نقول مغلظة يعني لابد ان تقصد الامر الذي تعلق بها. مر في التعبدي والتوصلي ان مقابل العبادة المغلظة هو العبادة التوصلية. كيف يكون العبادة توصليا؟ يعني العبادة التي يمكن ان تأتي بها بغير قصد امرها بل تأتي بها بقصد امر آخر.

لتوضيح هذا اكثر: الفقهاء والاصوليون ميزوا بين أداء المأمور به وبين امتثال المأمور به. ما الفرق؟ أداء المأمور به يعني ان تأتي به من دون ان تتقيد بقصد الامر الذي تعلق بالمأمور. الأداء مسقط لا في كل مكان وان لم تقصد الامر الذي تعلق بالمأمور. هذا نوع من لون التوصلية يعني ان التوصلية لها خمس معاني ذكرها النائيني في اجود التقريرات. كما ان التعبدي في مقابل التوصلي له خمس معاني. طبعا ان التعبدي له اكثر من خمس معاني. فيه التعبدي مقابل التوصلي له خمس معاني لكن فيه تعبدي ليس في مقابل التوصلي بل في مقابل العرفي والتكويني. لكن فيه التعبدي مقابل التوصلي والتوصلي لها خمس معاني والتعبدي أيضا لها خمس معاني ومراجعة هذه المعاني ضرورية في يوميات الفقه وابواب الفقه في العبادات وغير العبادات. بامكانكم مراجعة اجود التقريرات.

احد معاني التوصلي ان تأتي بالمأمور به بدون قصد الامر وهذا قد يتحقق في العبادي مثلا الوضوء تأتي به لا للامر النفسي المتعلق بالوضوء بل تأتي به من جهة الامر الصلاتي او امر قرائة القرآن او الامر بالزيارة. المهم ان تأتي به لا لاجل الامر بالوضوء. فيكون بناء على انه في العبادة ليس من اللازم ان تقصد الامر الذي تعلق بنفس العبادة فيكون توصليا لا بقول مطلق بل توصلي بهذا المعنى على من يبني بهذا المبنى. الشيء الواحد والمأمور به الواحد قد يكون توصليا من جهة وتعبديا من جهة. حينئذ اذا سقط العبادي بان تأتي به بامر آخر غير امره وقلنا بصحة هذا فهذا تعبدي فيه شيء من التوصلي لان الأداء يثمر سقوط العقوبة ولا يثمر الثواب الا ما استثني اما الامتثال يثمر الثواب ان تأتي بالمأمور به مثولا وانقيادا للامر. فاذا فيه فرق بين الأداء وبين الامتثال. الامتثال يحقق الثواب لان فيه الانقياد والخضوع لنفس الامر الذي تعلق بالمأمور به اما الأداء تنبعث لاتيان الشيء بامر اخر. فالعبادة التوصلية يعني ان تأتي بها بقصد آخر وباضافة عبادية أخرى غير الامر الخاص الذي تعلق بها فهنا لا تثاب على هذا الامر فيكون الاتيان أداء. ولكن ثمة مر بنا في بحث التعبدي والتوصلي ان الصحيح الا ما استثني ان التعبدي لابد ان يكون ذاتا تعبديا وينبعث المكلف من نفس الامر الخاص الذي تعلق بالمتعلق ولا يكفي ان يضيف العمل اليه تعالى فقط. ولو ان الإضافة عبادية. مثل الركوع انه ذاتا عبادة والسجود ذاتا عبادة بل كل أجزاء الصلاة ذاتا عبادة لكن لا يكفي عباديتها الذاتي عن قصد الامر الخاص الذي تعلق بها. فاذا قصد الملاك يحقق العبادية او قصد المحبوبية لكنه لا يعدامتثالا وفي باب الأوامر العبادية لابد من الامتثال ولا يكفي العبادي التوصلي الا ما دل الدليل عليه والا الأصل ان تكون العبادة مغلظة من الامر الخاص المتعلق بالعبادة. فمن ثم قصد الملاك ليس عندنا يسمن ولا يغني من جوع لو انعدم الامر طبعا. لكن بغض النظر عن بحث المقام وصحة العبادة وكيف نصحح العبادة بحث استكشاف الملاك مبحث في نفسه مهم. ولذلك تعرضنا اليه والنقاشات الموجودة فيه. اذا هذا بحث في نفسه مهم ومستقل بغض النظر عن اثماره في المقام.

فالذين بنوا على إشكالية التزاحم التي بينها الشيخ البهائي انه يوجب انعدام الامر بالعبادة فكيف تصح العبادة فالنائيني وغيره من الاعلام حاولوا ان يصح العبادة بقصد الملاك. الكلام في كشف الملاك كيف يمكن كشف الملاك مع ان الامر منعدم؟

وجه من الوجوه ذكر صاحب الكفاية: اننا نقطع هنا ان المأمور به المزاحَم وكان عباديا او غير عبادي الذي انعدم امره بسبب التزاحم نقطع ان فيه الملاك. لانه لا فرق بينه وبين بقية افراد الطبيعة. مجرد عروض التزاحم الذي هو شيء اجنبي عن ذات الطبيعة لا يسبب انعدام الملاك.

اعترض على صاحب الكفاية بان القطع والجزم من اين؟ لان عدم الامر لعل لخلل للملاك. لكن هذا الاعتراض خلف الفرض لان العدم ليس للملاك بل بسبب التنافي او التنافر مع المزاحم. اعترض جماعة منهم السيد الخوئي من قال ان الخلل من جهة المانع والعارض؟ بل يمكن الخلل بسبب الملاك في هذا الفرد الذي زوحم وانعدم امره. او من اين العقل يصيب الملاكات. الطريق الحصري للملاكات هو الجعل الشرعي وبدونه لا يمكن يستكشف. هذا اعتراض

وجه آخر قيل في استكشاف الملاك. هذا في نفسه مبحث مستقل ومهم وكثيرا ما قواعد تعتمد على بعضها البعض. استكشاف الملاك مبحث في نفسه مستقل يفيد في المقام والمقام شيء آخر بحث التزاحم وصحة العبادة. هذا الاستكشاف يعتمد على قاعدة أخرى وهذه القاعدة في نفسها مهمة مستقلة. هذه القاعدة ان الدلالة الالتزامية لا تسقط بسقوط الدلالة المطابقية. هذه قاعدة اذا تمت تفيد في أبواب الفقه وابواب الأصول. سقوط الدلالة المطابقية لا يستلزم سقوط الدلالة الالتزامية.

بغض النظر عن صحة القاعدة ودليلها كيف هنا يطبق كي يستثمر؟ في المقام ان الامر هو المفاد المطابقي لدليل الامر والمدلول الالتزامي ان هذا الامر بناء على مذهب العدلية ناشئ من الملاكات والمصالح والمفاسد. فاذا استكشاف الملاك مدلول التزامي للمفاد المطابقي للامر. تطبيق القاعدة هذه بهذا النمط. ان المدلول الالتزامي لا يسقط مع ان المدلول المطابقي سقط والامر سقط وانعدم بسبب التزاحم لكنه لا يسقط المدلول الالتزامي. هذا المبحث والقاعدة يفيد في باب التعارض سواء باب التعارض الاصولي او تطبيقات باب التعارض في الفقه. ويفيد خصوصا في باب القضاء لانه في باب القضاء تتعارض البينات والقاضي كيف يعالج الموقف. لانه قد يكون بين البينات مدلول التزامي فيأخذ به ام لا. طبعا مطلق الأدلة اذا تعارضت مثل الإقرار مع البينة والاقرار مع الإقرار. عموما كل الامارات اذا تعارضت وسقط المدلول المطابقي هل تسقط المدلول الالتزامي ام لا؟ مثلا قاعدة أولية ان الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية او لا تتبع مبحث مهم في علم البلاغة او علم الفقه او التفسير. نعم استثمر هنا في استكشاف الملاك. فمبحث مهم. هذه القواعد كلها في نفسها مستقلة لكن يثمر بعضها للبعض.

لتفسير هذه القاعدة اكثر نخوض فيها. قالوا ان الدلالة الالتزامية تتبع المطابقية حدوثا لا بقاء. هذا تعبير من التعابير. او تعبير آخر ان الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية ثبوتا لا اثباتا. اثباتا يعني حجيته وثبوتا يعني تكوينا. هذا المبحث في نفسه مستقل. ماذا هو التكوين وما هو الاعتبار. هذه قاعدة فيه قاعدة اكبر منه وهي التبعية في التكوين دون التبعية في الاعتبار. هذه قاعدة اكبر واعظم من تبعية الدلالة الالتزامية عن الدلالة المطابقية. اكبر خلط حصل في علم الرجال في مبنى السيد الخوئي هو الخلط مع التبعية التكوينية مع التبعية الاعتبارية وحسبوا ان التبعية التكوينية تعني التبعية الاعتبارية. هذا اشتباه كبير في العلوم الدينية.

ما هو معنى التبعية التكوينية والتبعية الاعتبارية؟ احد مصاديق هذه القاعدة اذا تمت هو تبعية الدلالة الالتزامية عن الدلالة المطابقية. قبل ان ندخل هذا مبحث حججي وجيد ان نتوقف فيه والكبار ربما يغفلون عنه.

اذكر تفاصيل الاقوال لتبعية الدلالة الالتزامية عن الدلالة المطابقية. بعضهم مثل السيد الخوئي قال اذا كان الدلالة المطابقية انحلالية استغراقية ومجموعية فلا تتبعها الدلالة الالتزامية. اذا كانت مفادا شخصيا وليس فيها انحلالا هنا تتبعها الدلالة الالتزامية ثبوتا واثباتا. تكوينا واعتبارا. هذا تفصيل السيد الخوئي.

فيه تفصيل آخر التزم به السيد الخوئي ان الدلالة الالتزامية اذا كانت تضمنية لا تتبع المطابقية اما اذا لم يكن تضمنية فتتبع ثبوتا واثباتا.

فيه من ذهب ان الدلالة الالتزامية لا تتبع المطابقية اثباتا ابدا. يجب ان نستيغظ ان هذا المبحث يندرج تحت كبرى خطيرة هي التبعية الاعتبارية والتبعية التكوينية.