45/05/19
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مبحث الضد
محذور ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيما كان الضد موسعا كالعبادة والامر الأول فوري مضيق فتزاحم الواجب المضيق بالواجب الموسع. فهنا الأولوية للمضيق من باب أولوية التدبير بغض النظر عن أولوية الملاك. فبالتالي اذا كان هناك النهي عن الضد هل يفسد العبادة ام لا؟ او ان الامر بالمضيق المزاحم يعدم الامر بالعبادة؟ هذا محذور آخر ذكره الشيخ البهائي.
المحذور الاخر الذي ذكره الشيخ البهائي عالجه الميرزا النائيني بقصد الملاك انه يكفي في تصحيح العبادة. هذه الفذلكة من المحذورين كلها تترتب ضمن منظومة معرفة مراحل الحكم ومعرفة ان المحذور سواء في باب التزاحم او في باب التعارض او باب الورود او التوارد او الحكومة او أبواب أخرى هو مقرر في أي مرحلة من مراحل الحكم. من ثم معرفة مراحل الحكم امر مهم.
كما ان معرفة شئون كل مرحلة وما يطابع الحكم فيها أيضا هو نوع من المعرفة التفصيلية بكل مرحلة من مراحل الحكم. مثلا الامر في المراحل الانشائية امر وحكم كلي اما في المراحل الفعلية جزئي من ناحية الموضوع وقيود الوجوب لا من ناحية المتعلق والطبيعة والفعل الذي يتعلق به الحكم. فكل هذه الحيثيات في كل مرحلة الالمام بها امر بالغ الأهمية.
مر بنا كلام الاعلام ان الامر والحكم من ناحية الموضوع في المرحلة الفعلية سواء الناقصة او التامة يكون جزئيا واما من ناحية المتعلق والطبيعة يمكن ان تتصور استغراقية وبدلية الحكم. فكلية وجزئية الحكم بالعموم الاستغراقي او العموم البدلي امر متصور وقد يكون الحكم استغراقي وبدلي من ناحيتين في موضع واحد او يمكن ادماج الاستغراقي والبدلي.
الاستغراقية مثل افراد الشرب او افراد الاستمتاع لمرأة اجنبية فكل افرادها حرام وان كان موضوع الحكم واحد فهنا يتكثر الحكم مع ان الموضوع واحد بسبب العموم الاستغراقي في متعلق الحرمة. يعني عادة وغالبا في المحرمات الامر والحكم استغراقي من ناحية المتعلق والموضوع. اما في الواجبات غالبا يكون الموضوع استغراقيا وقد يكون بدليا استغراقيا. مثلا في استطاعة الحج للمكلف الواحد العموم بدلي وصرف الوجود. بالنسبة الى عموم المكلفين العموم استغراقي. بنسبة طبيعة الحج أيضا العموم بدلي وفوري وليس استغراقيا. فعموم الحكم والامر بتلون بحسب الحيثية المرتبطة بالحكم والامر فيجب ان الانسان يلتفت اليه.
ماذا بعد استغراقية وبدلية الحكم؟ الاعلام يقولون ان تكثر الحكم يعني انحلال الحكم لان الحكم في مراحل الانشاء بوجوده الكلي بسيط وحداني لكنه لما يتكثر يعني الانحلال ومر بنا ان تكثر الحكم وتكثر افراد طبيعة الحكم بادراك العقل وحكم العقل هنا يعني ان العقل يدرك لكن المدرك ليس حكما عقليا بل المدرك حكم شرعي. المدرك المتكثر حكم شرعي. فالانحلال في الاستغراقي او البدلي يعني سريان هذا الحكم في حصص الطبيعة. صلاة الظهر للمكلف الواحد و اليوم الواحد انحلالها بدلي سواء في الافراد العرضية زمانا او الطولية زمنا. ربما يفسر في كلام بعض الاعلام كالسيد الخوئي وغيره ان الحكم البدلي في البدلي يقف عند الطبيعة ولا يسري في الحصص. هذا البحث ليس طرفا علميا بل له اثار في الأبواب العديدة. ان الحكم يسري او لا يسري؟ ظاهر كلمات بعض الاعلام ان العموم البدلي الطبيعة او الحكم المتعلق بالطبيعة فيه لا يسري الى كل حصة والذي يتكثر هو الترخيص العقلي. الشارع امرني بصلاة الظهر والعقل يرخص لي جواز صلاة الظهر في المسجد او المنزل وأول الوقت او وسط الوقت. هنا يتكثر حكم عقلي بالترخيص في تطبيق الطبيعة على أي فرد من الافراد. هذا الترخيص من العقل استغراقي. رخصة كل فرد فرد. لكن الصحيح انه في العموم البدلي أيضا الحكم يسري لكنه على نحو البدل. يسري في حصص الطبيعة.
امس مر بنا ان الفرد في كلمات الفقهاء والاصوليين والعلوم العقلية يطلق على معنيين. معنى الحصص من الطبيعة ومعنى المشخصات المنظمة الى كل حصة حصة فيقال لهذه المشخصات هوية فردية. فالفرد في العلوم العقلية او علم الأصول والفقه يطلق على معنيين وهذا يجب ان يتنبه الباحث في مباحث الأصول والفقه. سواء كان العموم استغراقيا او بدليا.
وصلنا الى ههنا التحليل الصناعي لمراحل الحكم وكيفية انحلال الحكم وهلم جرا.
المدعى في المحذور الأول النهي عن الضد والمحذور الثاني وانعدام الامر، أي امر ينعدم؟ الامر الانشائي الكلي فلا ينعدم، الامر الجزئي ينعدم او لا؟ الامر الجزئي الذي وجد لزوال هذا اليوم ولهذا المكلف. هذا الامر متعلق بالطبيعة بنحو البدل فهل ينعدم؟ لاينعدم. لان ليس كل طبيعة مزاحمة لوجوب انقاذ الغريق بل حصة من الطبيعة مزاحمة اما بقية الطبيعة فليست مزاحمة.
فان كان مراد الشيخ البهائي من انعدام الامر مراده هذا الامر الجزئي من ناحية الموضوع والكلي من ناحية المتعلق الطبيعة فهذا الامر جزئي بلحاظ الموضوع لكنه بلحاظ الطبيعة كلي ومتعلق بالطبيعة الكلية فلا ينعدم. ان كان مراده ينعدم سريانه الى تلك الحصة المزاحمة فليكن لكن انطباق الطبيعة عليه قهري. بتعبير السيد الخوئي اطلاق الطبيعة المأمور بها غير ممتنع ان يشمل الفرد الغير المقدور. هذه قاعدة.
ان الطبيعة لو كانت كلها غير مقدورة او ان الامر منحصر بالحصة الغير المقدور فهذا محذور اما اذا كانت الطبيعة تعم المقدور وغير المقدور فلا مانع من ذلك. اطلاق للطبيعة لاي عنوان يشمل المقدور وغير المقدور، ما المانع من ذلك اذا كان العموم بدليا. لا محذور في البين. فاذا يشمل العموم المقدور وغير المقدور فانطباق العموم والطبيعة على المبتلى بمحذور التزاحم قهري فيصح أجزاء. فكانما بهذا التحليل نستطيع ان نتلافى المحذور الذي عنونه الشيخ البهائي. اجمالا الان في صدد استعراق كلمات الاعلام الى ان نصل الى تمحيص اكثر. اذا جواب محذور الشيخ البهائي بتحليل كلية وجزئية واستغراقية وبدلية الامر والحكم بتعلقه بالطبيعة. اذا لم يرتض الاعلام كلام الشيخ البهائي باجماله بل قاموا بالتحليل الدقي للامر والحكم هل هو كلي او جزئي وينعدم او لا ينعدم لا سيما بقاعدة العموم البدلي انه يمكن ان يشمل المقدور وغير المقدور. اما العموم الاستغراقي فيه محذور لانه ينحل ويتكثر بشكل مستقل فشموله للفرد الغير المقدور فيه محذور. اذا فرق بين الاطلاق البدلي والعموم البدلي مع العموم الاستغراقي. لازلنا في كلام الاعلام. فاذا العموم البدلي والاطلاق البدلي لا مانع من سعته للافراد المقدورة وغير المقدورة اما في العموم الاستغراقي فيه اشكال. لان الاستغراقي كل فرد حكمه مستقل فالفرد الذي فيه محذور عدم القدرة تعلق الحكم بذلك الفرد فيه محذور. اذا فرق بين العموم الاستغراقي وبين العموم البدلي في الشمول لغير المقدور.
اما معالجة الميرزا النائيني انه سلم بالمحذور انه ينعدم الامر حتى في البدلي. كانه تبنى محذور انعدام الامر لكن عالجه بعلاج بديل آخر وهو وجود الملاك وقصد الملاك. قصد الملاك يجزي عن قصد الامر قاعدة مستقلة أصولية.
هل في التعبديات قصد الملاك مغني عن قصد الامر؟ مشهور طبقات الفقهاء ان قصد الملاك وقصد المحبوبية واي إضافة اليه تعالى وان كانت عبادية لكنها لاتغني عن قصد الامر. الا ان متأخري العصر في القرنين الأخيرين او القرن الأخير قالوا ان أي إضافة اليه تعالى تحقق العبادية والعبودية وهي تغني عن قصد الامر فتحقيق الإضافة والنسبة تكفي. قديما في الدورة الأولى كنا تبنا هذه المبنى لكن في الدورة الثانية والثالثة وجدنا ان كل إضافة اليه تعالى توجب العبادية لكنها لا تغني عن قصد الامر. ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي في هذه الدورة انه لابد من اطاعة خاصة لكل امر. أي إضافة اليه تعالى يحقق العبادية حتى في التوصيليات لكن لا يغني عن قصد الامر لان كل امر آمرية من المولى تقتضي خضوعا خاصا من العبد. لابد من المثول والخضوع والانقياد عن هذا الامر او الامرية الموجودة في هذا الامر ولا يغني خضوع العبد في نفس الفعل لآمرية أخرى للمولى. كانما يعصي المولى من جانب ويطيعه من جانب. شبيه هذا المطلب ان سيد الرسل صلوات الله عليه وآله في تشريع الصلاة في مدينة المنورة بهذا الشكل والنحو في المعراج ركع لان الله عزوجل تجلى له تجلي خاصة فركع النبي ثم اذن له ان يرفع رأسه فحصل للنبي تجلي اعظم فسجد فاذن له ان يرفع رأسه ثم تجلى تجلي اعظم أخرى ثم سجد سجدة أخرى فاذن له فرفع رأسه. من ثم وجب في كل ركعة ركوعا وسجدتين. لاحظ كل تجلي عظمة يقتضي خضوعا خاصا له. أوامر الله في كل امر هي نوع تجلي كبرياء والعظمة لله تعالى وهي تقتضي الخضوع. هذا الامر بنفسه يقتضي خضوعا خاصا له. فالصحيح ان العبادية وان تحققت باي إضافة لكن يشترط في العبادية ان تكون خضوعا لهذا الامر فالعبادية مضاعفة. فقصد الملاك او المحبوبية لا تغني عن قصد الامر ولابد من قصد الامر. اذا حل الميرزا النائيني فيه اشكال من هذا الجهة لو سلم انعدام الامر. العبادية الحاصلة من خصوص هذا الامر لازمة ان تلون هذا الفعل المتعلق بالامر ولا يكفي عبادية أخرى. ولتكن تجتمع عباديات لكنها لا تغني عن قصد الامر.
بغض النظر عن هذا الاشكال وهذا الخلاف لو سلمنا ان قصد الملاك يغني عن قصد الامر هل علاج الميرزا النائيني تام؟ استشكل جملة من الاعلام انه ان انعدم الامر من اين نستكشف الملاك؟ ذكر وجوه لاستكشاف الملاك.
احد الوجوه لمعالجة الامر هو الترتب. الترتب ليس فقط لاستكشاف الملاك بل هو يعالج انعدام الامر ان الامر لا ينعدم مطلقا بل بنحو الترتب ينوجد الامر بالمهم في ظرف مزاحمته بالاهم. الكركي ابتكر الترتب وفكرته لمعالجة مزاحمة الامر وانعدام الامر. يقول ان الامر بالموسع والاقل الاهمية لا ينعدم مطلقا ببركة الترتب. هذا علاج آخر. سيأتي بحثه مفصلا. فالترتب يقول ان عصيت الأهم المولى يأمرك بالمهم. فالترتب يعالج اصل محذور انعدام الامر انه لا ينعدم مطلقا هذا بحث آخر.
غير علاج الترتب وقصد الملاك انه يصحح العبادة لكنه كيف يستكشف الملاك؟ هذا المبحث قاعدة أصولية مهمة اهم من هذا الباب. مهمة في الأبواب الأصولية والابواب الفقهية. بغض النظر عن التزاحم والتعارض والترتب اصل مبحث كيفية استكشاف الملاك في الأبواب والأدلة من دون الامر قاعدة مهمة. يعني في الحقيقة النقاط الممهدة كل نقطة هي قاعدة مهمة. اليوم كنت اجيب عن جواب عن الزراعة في رحم امرأة. هذا السؤال فيه عشرة قواعد تتركب كل واحد منها في نفسها مهم. كذلك هنا كل قاعدة ذكرناها في هذه الأيام في نفسها هي قاعدة مستقلة وانما تركب وتألف وتطلع النتيجة. الصناعة هي هذه ان تركب المعادلات والحلقات من المعادلات والصغرى والكبرى تطلع النتيجة المجموعية. هو هذا الاجتهاد والاستنباط. فلا نظنن ان هذه المباحث فقط اثمارها في المقام. بل المقام هو نقطة من القواعد.