الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مبحث الضد

كان الكلام في صورة تزاحم العبادة مع الامر الأهم أولوية فالمحذور هو ان الامر بالشيء الأولى يقتضي النهي عن ضده او هو انعدام الامر. ثم مر بنا نكات من جزئية الامر وكلية الامر وما شابه ذلك. أيضا تعرضنا الى انحلال الامر.

تعرضنا الى هذه النقاط لكي يحدّد ان الامر الذي تعلق بالعبادة هل يتعلق به النهي ام لا؟ هل ينعدم الامر ام لا؟ بالتالي هناك عدة مراحل او عدة حيثيات او عدة نقاط لابد من الالتفات اليه. مثلا الامر الكلي والامر الجزئي وكليته بماذا وجزئيته بماذا؟ ثم ما الذي يترتب على كلية الامر وما الذي يترتب على جزئية الامر؟ هذه كلها أبحاث صميمة في بحوث مراحل الحكم. لاسيما معروف في الكلمات ان المراحل الانشائية للحكم كلية اما المراحل الفعلية وما بعدها مراحل جزئية يعني ان الامر والحكم جزئي ومر بنا مقصودهم من جزئية الحكم والامر انما من جهة الموضوع فالامر يمكن ان يكون جزئيا ويمكن ان يكون كليا في مرحلة واحدة وفرض واحد. يعني من ناحية المتعلق يكون كليا ومن ناحية الموضوع يكون جزئيا. فاذاً كلية الامر تارة من ناحية الموضوع وتارة من ناحية المتعلق. فبالحقيقة في الامر عمومان وحيثيتان كليتان.

طبعا تكثر الامر بالعموم الاستغراقي سواء من جهة الموضوع او من جهة الطبيعة المتعلق. مثلا المرأة الأجنبية موضوع واحد ولكن جميع الاستمتاعات كأفعال متعددة محرمة. هنا تكثر الحرمة من جهة المتعلق ولو ان الموضوع واحد. العموم الاستغراقي سواء في الموضوع او المتعلق يقتضي الكثرة في الحكم. واما العموم البدلي فلا يقتضي تكثر الامر لكن يقتضي كليته.

فنلاحظ كلية الحكم تارة من جهة الموضوع وقيود الوجوب وتارة من جهة المتعلق وهذه الكلية تارة استغراقي وتارة بدلي وتارة مجموعي مثلا بلحاظ أجزاء الصلاة. فلاحظ عدة حيثيات للعموم وليس ضروريا ان يكون العمومات على منوال ووتيرة واحدة. اصل المبحث كلية الحكم وجزئيته مبحث حساس بغض النظر عن المقام.

مبحث آخر مستقل: ان الامر تارة يتعلق بالطبيعة ويسري الى الأفراد والأفراد في سراية طبيعة متعلق الحكم الى الأفراد على نمطين: تارة المراد من الافراد حصص الطبيعة النوعية وهذا يطلق عليه بعد فردي وتارة يراد من الافراد ليس فقط حصص الطبيعة بل يراد من الافراد المشخصات لكل حصة وعادة يطلقون على هذا المعنى الثاني الهوية الفردية ومر بنا انه قد تكون الهوية الفردية مستحبة والحال ان الطبيعة سواء الصنفية او النوعية او الجنسية هي واجبة ولا منافاة بينها. من جهة الطبيعة واجبة ومن جهة الهوية الفردية مستحبة مثل صلاة الظهر انها من جهة الموضوع جزئي كزوال هذا اليوم ودلوك هذا اليوم. لكن من جهة الطبيعة المتعلق هي واجبة ولكن اول الوقت او وسط الوقت او آخر الوقت افراد طولية وهي في المسجد او في المنزل او المشهد المشرف افراد عرضية وهوية فردية ويقال مستحبة. اذا استحباب هوية الفردية والماهية الفردية لا يعني ان اصل الطبيعة مستحبة. كما ان استحباب الطبيعة الصنفية لا يعني ان الطبيعة النوعية مستحبة بل قد تكون واجبة او قد الطبيعة النوعية مستحبة لكن الطبيعة الجنسية واجبة. هذه مراتب يجب ان نلتفت اليها. فهذا بحث آخر وهو ان متعلق الحكم ماهو؟ هل هو الطبيعة يسري الى الافراد بمعنى الحصص او الافراد بمعنى الهوية الفردية وهذا التعدد في معنى الفرد او الافراد يثمر في مباحث أصولية وفقهية. مثلا سيأتي في مبحث اجتماع الامر والنهي وكذلك سيما في الاحكام العقلية المفسرة للاحكام الشرعية. يعني موضّح وتبع للحكم الشرعي مثل التنجيز واستحقاق العقوبة انه حكم عقلي لكنه تابع للحكم الشرعي.

(مبحث مستقل آخر يوجب التمهيد لبحث المقام مع التجميع للمباحث المستقلة الأخرى) في الاحكام العقلية عموما سواء التابعة او المستقلة دقّة الى نهاية المطاف. لان المفروض ادراك الأمور تكوينية وفي التكوين ليس تلاعبا وبالتالي مداقات. بخلاف الاحكام الشرعية قد يوكل الشارع موضوعاتها الى العرف. بينما في الاحكام العقلية ليس هكذا والتدقيق فيها مطلوب. فالكلام في الدقة او عدم الدقة والتسامح او عدم التسامح والمدار على العرف او على العقل؟

الدقة والمداقة متى يعول على العرف ومتى يعول على العقل؟ ومر بنا موجزا.

في العرف والموارد التي يعول على العرف أيضا فيه مسامحة عرفية ومداقة عرفية. العرف على نمطين. التعويل ليس على المسامحة العرفية بل التعويل على المداقة العرفية. لكن مداقة العرف تختلف عن مداقة العقل. مداقة العرف يعني روية العرف بالدقة. ففيه فرق بين المداقة العقلية والمداقة العرفية.

نرجع الى النقطة المستقلة قبلها وهي كلية الحكم وجزئية الحكم ونوع كليته مبحث مهم. كما مر بنا مثال «صم للرؤية وافطر للرؤية» هل الرؤية عموم استغراقي او عموم بدلي او عموم مزدج من الاستغراقي والبدلي؟ من ذهب الى ان الرؤية الواحدة كافية فيكون العموم بدليا. الرؤية قيد للموضوع لكن قيد اثباتي وليس ثبوتي وهو بدلي. بينما من يذهب الى رؤية كل موطن فهي عموم استغراقي بلغ ما بلغ. اما اذا قلنا انها عموم مزدوج. اذا رؤي في الشرق يكفي في الغرب اما اذا رؤي في الغرب لا يكفي في الشرق. تقريبا متاخروا الاعصار يبنون على هذا القول.

أيا ما كان تحديد العموم في ناحية قيود الوجوب او ناحية متعلق الحكم امر مهم انه استغراقي او بدلي او مزدوج. يعني حيثية واحدة قد يكون العموم فيها مزدوج.

فاذا الامر كلي وجزئي يتعلق بالطبيعة. أي امر يتعلق بالطبيعة الكلية؟ ليس المراد منه الامر الانشائي فقط بل يمكن ان يكون الامر الفعلي والحكم الفعلي الجزئي من جهة الموضوع. مثلا الامر الجزئي هذا اليوم للزوال الخاص في هذا اليوم يتعلق بالطبيعة الكلية للصلاة. مع انه امر جزئي من جهة الموضوع ومن جهة المكلف لكن يبقى الامر من جهة المتعلق كليا. فكون الامر جزئيا من جهة الموضوع لا يعني جزئيته من جهة المتعلق. ففي آن واحد امر جزئي وكلي من ناحيتين وهذا ليس امرا غريبا. فعندما يقولون ان الحكم الفعلي جزئي فمرادهم جزئي من جهة الموضوع وقيود الوجوب.

لماذا هذا التدقيق في هذه المباحث؟ لاجل ان نلاحظ ان الذي يزاحم الامر الأهم هو الفرد من الطبيعة او الطبيعة نفسها؟ ما يزاحم الامر الأهم أولوية هو الفرد ام الطبيعة؟ رغم ان الامر جزئي من جهة الموضوع لكن من ناحية المتعلق فيه جهة كلية.

فرض المسألة كما ذكر الاعلام المزاحمة بين المضيق والموسع. يعني أن هناك صورتين رئيسيتين في التزاحم. التزاحم بين المضيق والموسع كإنقاذ الغريق والصلاة. في قبال صورة أخرى في التزاحم هو تزاحم المضيق مع المضيق. مثل الصلاة في آخر الوقت مع انقاذ الغريق او إزالة النجاسة من المسجد وامثلة أخرى كثيرة.

مبحث مستقل آخر لكن ممهد للمقام: الأهمية تارة بحسب الملاك وشدة وضعف الملاك وتارة ليست للملاك بل لأجل شيء آخر. مثلا إزالة النجاسة من المسجد ليست لاجل أهمية ملاك الازالة ولكنها فورية ولضيق وقت الازالة لها أولوية في التدبير. فاهمية إزالة النجاسة من المسجد أهمية تدبيرية واولوية تدبيرية. مر بنا ان الأهمية في الاحكام او الواجبات او المحرمات ليس من الضروري ان تكون نابعة من قوة الملاك بل يمكن الأولوية من جهة ضيق الوقت. نعم اذا انتفت الجهات الأخرى من الأولوية يبقى قوة وضعف الملاك معيارا. فالاهمية عند الاعلام ليست منحصرة بقوة وضعف الملاك. بل من زوايا أخرى في أولوية التدبير. هذه نقطة أخرى مستقلة.

مثلا بدن النبي اعظم من حجر الأسود لكن سيد الأنبياء يقبله ويدعو بالدعاء. لا من جهة ان الحجر اهم ملاكا بل من جهة الأولوية في التدبير من وزوايا أخرى. مثلا «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله» لم لا يركز على يوم النبي . يسئلون هكذا. لها أجوبة عديدة. لكن احد الأجوبة هو ان الأهمية لعاشورا ليست لاجل ان الامام الحسين اعظم درجة من سيد الأنبياء العياذ بالله. ولكن أولويات أخرى. يعني نفس ذكر الرسول وحرمة الرسول في سيد الشهدا انتهكت اشد من إعطاء السم خفاء لسيد الأنبياء. مع ان فقد سيد الأنبياء خسارة عظمى لكل البشر وكل المخلوقات. هذه عظمة الملاك لسيد الأنبياء. لكن من جهات أخرى حرمة سيد الرسل ممتدة الى سيد الشهدا وهنا انتهكت بشدة اكثر فجورا. من ثم لا يوم كيومك يا أبا عبدالله.

مثلا ان الله عزوجل اعطى سيد الشهدا خاصية دون بقية الائمة لكن هذا لا يعني انه سلام الله عليه اعظم من امير المؤمنين سلام الله عليه. المقصود هذه نكتة عقلية ووحيانية شرعية ان الأهمية ليست فقط بحسب الملاك بل قد تكون جهات تدبيرية. هذا بحث مستقل.

حينئذ يأتي اصل صورة البحث. التزاحم تارة بين المضيق والموسع. والا بين الموسعين ليس تزاحما لان فيهما قدرة على امتثال كليهما. مع ان كلا منهما لا قدرة للمكلف للاتيان بهما في آن واحد. البعض قال ان الموسعين أيضا فيه تزاحم لكن يمكن علاجه. بعض قليل من الاعلام. لكن الأكثر قالوا انه بين الموسعين ليس تزاحما. اذا كان المضيق والموسع قالوا تزاحم. البعض قال اذا عالج المسألة ليس تزاحما. الذي يعالج التوليف بين المضيق والموسع حتى لو اتيت الموسع في آن المضيق اذا تم له العلاج لا تزاحم لانه عالج التزاحم. اذا هكذا يعتبرون ان معالجة التزاحم ترفع موضوع التزاحم كما ان معالجة التعارض يرفع موضوع التعارض. فالتعارض بدوي وابتدائي وبالمعالجة يرفع التعارض. يعني موضوعا تعارض اجمالا لكن بالدقة بالمعالجة يرتفع التعارض. هذه من نكات لطيفة. فالتعارض بالترائي الأولي والاجمالي. فالتزاحم تزاحم لكن بالعلاج يرتفع التزاحم. على كل هذه خارطة للبحث اجمالا ونواصل بقية البحث.