الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظگ/ مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في العبادة المزاحة بالامر الأهم والاهمية كما مر ليست بالضرورة من جهة الملاك بل من جهة الأوليات الأخرى. وكان محاذير منها ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يفسد الضد العبادي ومر الكلام عنه.

محذور آخر هو ان المزاحمة بين الامرين او بين الحكمين يسبب انعدام الامر بالمهم ومع انعدام الامر لا يمكن قصد امتثال الامر فكيف يمكن يصحح العبادة. فحينئذ تصل النوبة الى تصحيح العبادة بقصد الملاك وفيه اعتراضات أيضا منها انه من اين نستكشف الملاك مع سقوط الامر؟

فكرة انعدام الامر مرتبطة ببعض الضوابط الأصولية في باب الامر والاحكام وهو ان الامر والحكم في الحقيقة كلي او جزئي؟ كلية وجزئية الامر والحكم كيف هي؟ هذا مبحث مهم. مثلا الامر او الحكم في المرحلة الانشائية الثالثة هو حكم كلي كما هو معروف هو قضايا حقيقية كلية مقدرة الوجود ومر ان الامر والحكم مرتبط وله علاقة بجهتين؛ الجهة الأولى قيود الوجوب والموضوع الاصولي كدلوك الشمس للامر بالصلاة. وهناك كلية او جزئية للامر من جهة ارتباطه بالمتعلق باعتبار انه طبيعة كلية بدلية او استغراقية. اذا الامر والحكم عمومه وشموله يمكن ان يكون استغراقي وغالبا من جهة الموضوع الاصولي عمومية الحكم تكون استغراقية. اقم الصلاة لدلوك الشمس فاي دلوك موضوع الحكم. الشهر عموم استغراقي لصيام شهر رمضان «فمن شهد الشهر منكم فليصمه» «حرمت عليكم الميتة والدم» الميتة موضوع اصولي وله عموم استغراقي. بالتالي عمومية الامر او الحكم من جهة الموضوع الاصولي استغراقي غالبا وأيضا من جهة المتعلق له شمولية أيضا سواء بدلية او استغراقية.

مر بنا «صم للرؤية» الرؤية موضوع اصولي واختلف فيه انه استغراقي او بدلي او قد يكون استغراقي من جهة وبدلي من جهة كما هو رأي مشهور المتاخرين. يعني في آن واحد استغراقي وبدلي. اذا كلية الحكم من ناحيتين. الموضوع الاصولي والمتعلق الطبيعة.

هذه الكلية الموجودة في الحكم والامر الى المرحلة الثالثة الانشائية. المرحلة الرابعة وهو الحكم الفعلي الناقص او الفعلي التام الحكم يكون جزئيا. دلوك هذا اليوم واستطاعة هذا الفرد. حينئذ يكون الامر والحكم والقانون جزئيا من ناحية الموضوع الاصولي لكن تبقى كليته من ناحية الطبيعة والمتعلق. كالحج وصلاة الظهر او الشرب. طبعا في شرب الخمر العموم استغراقي في الطبيعة. عادة في النواهي الموضوع الاصولي استغراقي والطبيعة أيضا استغراقي. أي شرب للخمر واي اكل للميتة حرام. اما في الواجبات غالبا الطبيعة يكون عموما بدليا سواء بين الافراد الطولية الزمانية او الفراد العرضية. اذًا في المرحلة الفعلية التامة او الناقصة الامر جزئي من ناحية الموضوع الاصولي وكلية من ناحية المتعلق.

نلاحظ في المحرمات تكثر الامر استغراقي طبعا. في العموم الاستغراقي الامر يتكثر اما في العموم البدلي الحكم لا يتكثر وان كان له شمولية وعمومية. ففي المحرمات او الحرام والحرمة تتكثر الحرمة من ناحية العموم الاستغراقي في الموضوع وتتكثر الحرمة من ناحية افراد الطبيعة والمتعلق. فتكثر وتعدد الحكم في الحرمة حرمات مستقلة سواء من ناحية الموضوع او ناحية افراد الطبيعة. هذا بخلاف الوجوب ان الوجوب من ناحية الموضوع الاستغراقي يتكثر الوجوب اما من ناحية الطبيعة فلا يتكثر الوجوب فيبقى الوجوب والامر واحدا في العموم البدلي وهذا فارق بين باب الحرمة وباب الوجوب.

فاذا الوجوب والامر بلحاظ الطبيعة يبقى بدليا ويبقى حكما واحدا. في الحرمة هذا الشرب حرام وذاك الشرب لنفس الخمر حرام وهلم جرا كل شرب حرام بحرمة مستقلة ووصول الحرمة الى افراد الشرب وافراد الخمر انحلال للقضية الحقيقية الكلية المنشأة في المرحلة الثالثة في مراحل الحكم. لانه مر بنا ان الانشاء ثلاث مراحل. والمرحلة الثالثة يقال لها القضية الحقيقية الفعلية المقدرة. فعلية كلية مقدرة. فعندما ينحل الحكم استغراقا لا محالة يتكثر الحكم سواء من ناحية المتعلق كما في الحرمة او من ناحية الموضوع الاصولي. ينحل يعني ان الحكم الشرعي لا يقف على الاطار الكلي والقالب الكلي بل متن الحكم الشرعي يواصل مسيرته الى الافراد المتكثرة سواء من ناحية الموضوع او من ناحية المتعلق الاستغراقي كما في الحرمة. ففي العموم الاستغراقي تكثر حقيقي للحكم. طبعا قد يكون بعض الوجوبات عمومها استغراقي لكن كلامنا الان في غالب الوجوبات انها من ناحية الطبيعة عمومها بدلي وليس استغراقي. في العموم الاستغراقي الانحلال يدركه العقل ويحكم به العقل ويقال الانحلال العقلي. يحكم به العقل يعني يدركه العقل لكن ذات المنحل والمتكثر هو متن الحكم الشرعي. فعندما يعبر الاصوليون والفقهاء بان الانحلال عقلي لا ان الحكم عقلي والوجوب ولحرمة عقليان بل الحكم شرعي والمتن شرعي لكن الذي يدرك الانحلال والتكثر هو العقل. والمنحل هو متن الحكم الشرعي. لماذا هذا التدقيق سيتبين.

اذًا في باب الانحلال للعموم الاستغراقي التكثر والانحلال لمتن الحكم الشرعي. الانحلال يعني تكثر وجزئية افراد الحكم في العموم الاستغراقي. فيكون حكما جزئيا شرعيا. هذا الشرب بخصوصه محرم وهذا الخمر بخصوصه محرم. جزئية الحكم من ناحية افراد طبيعة الفعل و من ناحية افراد موضوع الحكم. فجزئي جزئي في نهاية المطاف.

اما في الوجوب فيه عموم استغراقي من ناحية الموضوع ومر انه ينحل ويتكثر في افراد الموضوع. اما من ناحية افراد الطبيعة كيف؟ هل الحكم الشرعي يتوقف عند كلية الطبيعة؟ ام انه ينحل الى الصلاة اول الوقت وآخر الوقت ووسط الوقت طولا او الصلاة في المسجد او في البيت او في العتبة المقدسة او الصلاة جماعة عرضا؟هل يتكثر الحكم من ناحية افراد الطبيعة او لا؟ الكركي والشيخ البهائي والنائيني والسيد الخوئي بنوا على التكثر ولو بدلا. ولو ان السيد الخوئي بعده يتراجع. هذا البحث ليس مختصا بباب التزاحم. بل في كل الأبواب الأصولية والفقهية كلية وجزئية الحكم وهذا التكثر استغراقي او بدلي؟ مر بنا الاختلاف بين السيد الخوئي والاعلام في هلال الشهر من هذه الجهة. السيد الخوئي بنى على ان الرؤية استغراقي. هل الاستغراقي بقول مطلق وهذا قول نادر او استغراقي من جهة وبدلي من جهة أخرى؟ اذا كلية وجزئية الحكم بحث مهم.

اذا في البدلي هل ينحل الحكم او لا ينحل كما انه ينحل في الاستغراقي؟ البعض قال انه لا ينحل لانه حكم واحد ولا يتكثر فيبقى المتعلق مع اطار الطبيعة. ولا يتعلق الحكم بالافراد. غاية الامر لدينا حكم عقلي آخر بترخيص او الرخصة في امتثال هذا الامر المتعلق بالطبيعة على وجه العموم البدلي والجزئي من ناحية الموضوع فنقول صلاة الجماعة مستحبة لصلاة الظهر. طبيعتها واجبة لكن هويتها الفردية وهي الجماعة مستحبة. فلاحظ في موطن واحد الحكم مستحب والحكم واجب. شبيه استحباب إعادة الفريضة جماعة. فعندما تأتي بالفريضة إعادة هل مستحبة او واجبة او كلاهما؟ بل كلاهما. واجبة يعني ذات الظهر واجبة. لا ننوي النافلة. هذا البحث اثاره الشهيد الثاني في شرح اللمعة. فاذا صلاة الظهر المعادة لا تنويها النافلة. ذات الطبيعة النوعية فيها واجبة. تكرارها فرد له هوية فردية مستحبة. هذه النكتة جدا مهمة. في بحوث الشعائر والابواب الفقهية. نفس هذا البحث قيم بغض النظر عن بحث التزاحم ويثمر في الأبواب العديدة.

مر بنا في مبحث تولي ولاية الجور قالوا انها مستحبة او مكروهة؟ المقدس الاردبيلي قال اذا تقول مستحبة كيف المستحب يزاحم ويرفع الحرمة؟ اصل التولي والدخول في نظام الجور حرام مغلظ فكيف يمكن الاستحباب يزيحه؟ جماعة من الفقهاء اجابوا منهم الشيخ الانصاري والسيد الخوئي ان الدخول في ولاية الجور ذاتا لدفع الضرر عن المؤمنين او عن بيضة الإسلام او الايمان ذاتا واجبة وانما هذا الواجب كفائي لكن بلحاظ هذا الشخص يكون مستحبة.

الواجب الكفائي كلف الله جماعة من المؤمنين على البدل. خصوص هذه الجماعة او هذا الفرد استحباب. في طبيعة المكلف واجب وخصوص هذا المكلف مستحب. فاجتمع الاستحباب مع الوجوب لكن من الجهتين اذا لم نلتفت الى تعدد الاحكام في موطن واحد في الطبيعة النوعية والهوية الفردية او الهوية الصنفية في مقابل الطبيعة النوعية او الهوية النوعية في مقابل الطبيعة الجنسية. عندما يقال ان الزيارة مستحبة فالمراد منها الهوية الزمانية الفردية او الهوية المكلفة والا طبيعة الزيارة منطوي على واجبات يقام بها ركن الدين. عندما يقال الحج المستحب بعد حجة الإسلام بلحاظ هوية الفردية للمكلف والا إقامة الحج كل عام واجب كفائي على المسلمين وواجب كفائي على المؤمنين. حسب الأدلة قام بالحج المسلمون عدا المومنين لا يسقط الواجب الكفائي عن المؤمنين. روايات عديدة. يجب حضور المؤمنين كفاية في الحج وهذه سياسة تشريعية ان في الشعائر الدينية حضور المؤمنين لابد منه ولا يكفي حضور المسلمين. تخطيط معين في باب إقامة معالم الدين وليس خصوص الحج حتى في الزيارة. ففي إقامة معالم الدين يجب للمؤمنين حضور. وهذه سياسة عامة تشريعية. البحث له تتمات مهمة اهم من المقام وله آثار فقهية كثيرة التزم بها الفقهاء في الأبواب.