45/05/12
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مبحث الضد
كان الكلام في ان محذور فساد العبادة هو اقتضاء الامر بالشيء عندما تكون العبادة مزاحمة بما هو اهم منها. لاباس بالتنبيه ان الأهمية بحسب باب التزاحم لاتنحصر بقوة الملاك وشدة أهمية الملاك. رب ملاك متوسط او دون المتوسط ولكنه مضيق وملاك بالغ الأهمية لكنه موسع فمع ذلك بحسب باب التزاحم يقدم المضيق الأقل شدة في الملاك لضيقه وهذا مما يدل على ان الأوليات في التدبير ليست منحصرة بدرجة رتبة الملاك. أيضا مرتبطة بالضيق والسعة والفوت وعدم الفوت. هذه نسميه الأهمية في التدبير والمراعاة ولو هذا البحث سيأتي لكن التنبيه به ظريف. في عهد امير المؤمنين لملاك اشتر في حين انه يؤكد على الأوليات والاهم لكنه يبين هذه النكتة وهي «لا تتخذن أهمية الملاك ذريعة للتفريط في سائر الأمور» باعتبار انه قد تكون الأمور الصغائر مضيقة ولا مبرر للتضييع بها ولا تشاغل الأمور الأخرى الأهم في الملاك لانها موسعة. فالتفريط في الأمور ذات الفورية لا يسوغ. باب التزاحم لا ينحصر بلحاظ أهمية الملاك بل بلحاظ أهمية التدبير والاولية. هذا باب كبير في المعرفة سواء في الفقه السياسي او الاجتماعي او الفقه العقائدي ان الأهمية ليست منحصرة بالاهمية في الرتبة والملاك وقد تكون الأهمية بلحاظ الإدارة والتدبير وإن لم يكن اهم. فالاوليات بلحاظ التدبير لا تعني الأهمية في شدة الملاك. شبيه ان السيد الأنبياء صلى الله عليه واله آخر الرسل بعثة وهذا لا يعني انه في الرتبة دونهم. الإعداد لسيد الرسل يتقدم له زمنا وله الأولية بلحاظ الإعداد لا الأولية بلحاظ شدة الرتبة. ان الأولية لا تنحصر بلحاظ شدة الملاك بل لها مناشئ أخرى في الإدارة والتدبير.
مثلا لم خصص احد المعصومين بكذا مع ان بقية المعصومين فيهم اعظم رتبة منه. او لماذا الشيعة تركز على مصاب سيد الشهدا اكثر من مصاب فقد رسول الله مع انه في بيان اهل البيت اعظم الخسائر ولا يصاب احد من البشر او من الثقلين كمصابه بسيد الرسل. هذا في محله. لكن التركيز على الحسين علیهالسلام فيه أجوبة عديدة. أولا ان التركيز بلحاظ حرمة جده وأيضا بلحاظ انه امام معصوم واجوبة أخرى. خصوصية الفاجعة وتطاول الهتك على رسول الله في الحسين اعظم من تطاول الهتك على سيد الرسل في شربه السم مثلا. على كل هذه النكات لازم ان نلتفت اليه ان الأهمية والاولية لا تنحصر بدرجة الملاك بل فيه اوليات في التدبير والإدارة والضيق وكذا.
شبيه ما ورد ان الوالدين اذا منعا المكلف من الذهاب الى الجهاد ان كان الجهاد كفائيا. فطاعة الوالدين مقدمة. لا لان طاعة الوالدين ملاكها مقدمة من ملاك بيضة الإسلام. لكن بيضة الإسلام فيها سعة كفائية او طلب العلوم الدينية كفائي والوالدين عيني فيقدم العيني على الكفائي. فليس تقديم العيني على الكفائي لتقديم ملاك الكفائي على العيني. غالبا كون الواجب كفائيا لأهمية الملاك. والشارع يحمل المسؤولية على الكل مثل الواجبات في الفقه السياسي والفقه الديني والشعائري. لكن لم يقدم العيني على الكفائي؟ لا لدرجة الملاك بل لانه في الكفائي هناك من يكفيك. فهذه نكتة مهم ان تقديم الواجب على واجب ليس بالضرورة أن يكون بأهمية ملاكه ورتبة ملاكه بل له مناشئ أخرى. فلا يبادرن في ذهن الانسان ان العيني دوما اهم من الكفائي بل غالبا بالعكس.
شبيه مثال آخر: ابن المتوكل كان مستبصرا باهل البيت سلام الله عليهم. وسمع متوكل انه يشتم الصديقة سلام الله عليها فاستفتى هل يجوز لي ان اقتله فجاءه الجواب ان قتلته يقصر عمرك. هنا المحافظة على شعائر الدين واساس الدين اعظم من الحفاظ على صلة الرحم حتى ورد في النبي سلام عليه وآله انه قطع في سبيل الله الارحام الكافرة له. المقصود أيا ما كان تقديم الواجب على واجب ليس ضروريا ان يكون لأهمية الرتبة بل له زوايا إدارية تدبيرية أخرى. هذه فائدة اصوليةفقهية ستأتي في مبحث التزاحم لكن لاهميتها قدمتها.
نرجع: اذا زوحمت العبادة بواجب اهم من جهة الإدارة و التدبير كانقاذ الغريق فحينئذ محذور صحة العبادة لا ينحصر بالنهي عن الضد بل من جهة انعدام الامر لان مزاحمة الموسع من المضيق يعدم الامر بالعبادة. فرق المحذور الأول عن المحذور الثاني ان المحذور الأول ان النهي عن العبادة يتعلق بالعبادة كفعل ويفسدها اما التزاحم هنا يعدم الامر العبادي واذا اعدم الامر العبادي بناء على حصرية النية العبادية بقصد الامر لا يتمكن حينئذ من قصد الامر في تلك الحصة المزاحمة. فاذا المحذور الأول يوجب الخلل في المتعلق وهو ذات الفعل العبادي والمحذور الثاني يوجب انعدام الامر وحينئذ يمتنع قصد الامر وامتثال العبادة. المحذور الثالث او البديل كعلاج وربما فيه علاج تصل النوبة الى الملاك ان قصد الملاك مغني عن الامر ويعالج النهي عن الضد انه نهي تبعي لا يوجب الفساد . لكن يبقى إشكالية أخرى ان الملاك من اين يحرز؟ اذا سقط الامر وزال من اين يحرز الملاك كي يقصد؟ ودخل الاعلام في المحذور الثالث منشأ احراز الملاك كي يكون علاجا للمحذورين الاولين.
امس مر بنا ان نفس بحث الملاك كيف يحرز، مبحث اصولي فقهي هام في كل أبواب الفقه واهم من مبحث التزاحم وفي نفسه مبحث مستقل ذو أهمية. كيف نحرز ملاكات الاحكام؟ سواء نحرز اصل وجود الملاك او درجة الملاك. مثل ما مر بنا من معنى الأهمية. هذا بحث مهم حساس.
خلاصة الخارطة الخطيرة التي مرت بنا امس ان هذا المبحث بالدقة هو العلاقة السلبية او الإيجابية بمعنى العلاقة التنافرية او التوافقية بين الاحكام ونظام العلاقة بين الحكمين او بين الدليلين امر بالغ الأهمية. تعيين مرحلته ثم تعيين المرحلة من كلا الطرفين ونقطة التماس بعبارة أخرى. سواء التماس التوتري للتنافر او التماس التعاضدي والتوافقي. هذه النقطة التماس في أي مرحلة من مراحل الحكم؟ وهل هي المتحاذية والمتوازية في الحكمين او غير المتوازية. هذا بحث حساس جدا وغامض جدا وما وراء الاستنباط.
اجمالا دع عنا نذكر مبنى المشهور وهو المختار في قبال مبنى الشيخ البهائي والكركي رحمة الله عليهما. الاخوند والسيد اليزدي والشيخ وصاحب الجواهر أيضا مبناهم مبنى المشهور ومدرسة الوحيد. الا ان جماعة من الاعلام منهم الكركي والشهيد الثاني وربما المقدس الاردبيلي والشيخ البهائي الى ان نأتي بمدرسة النائيني والسيد الخوئي وجل تلاميذه خالفوا مبنى المشهور. لان هذه المحاذير التي ذكرناها مبنية على القول الثاني تقريبا وليست على القول الأول من المشهور وان كان فيه فائدة ان نذكر القول الثاني كي يبين ان القول المشهور سهل سلس وكل هذه الشبكة التعقيدات خيالية.
نذكر القول الثاني: في القول الثاني النهي عن الضد يوجب فساد العبادة. وهو المحذور في المتعلق ان الفساد ينشأ تعلق النهي بالمتعلق. فأجاب عنه الميرزا النائيني ان النهي تبعي ليس ناشئا من الملاك فلا يفسد العبادة. بالتالي ليس بمحذور واصل ثمرة البحث تنتفي.
لكن يمكن ابراز ان الفساد من النهي الذي يتعلق بالعبادة سيما العبادة والمعاملة الامر اهون من العبادة. وان تعلق بالمتعلق نهي تبعي لكن بالتالي هذا النهي التبعي حقيقته عبارة عن أمواج تداعيات الامر فكانما الامر بالاهم يزجر بالعبادة ولو انه ليس ناشئا عن الملاك والحزازة بل ناشئ عن الامر بالاولية فهذا نوع من الاصطكاك بين الاحكام ولعل هذا يسبب العبادة ذات شوب معين. ولو الزجر ليس ناشئا من مفسدة نفسية لكن الزجر بلحاظ أولية الامر بالتالي هذا نوع من الغضاضة ونوع من الاصطكاك. هذا هو المحذور الأول وكيفية علاجه على القول الثاني.
المحذور الثاني انعدام الامر الذي ذكره الشيخ البهائي بسبب التزاحم.
لابد من توضيح بعض المقدمات الأصولية المهمة في بحث الامر. مقدمات اعدادية لشرح هذاا لمحذور وكيفية علاجه. مر بنا ان الامر كلي او جزئي من جهات وزوايا عديدة. هنا يدعى انعدام الامر هل المراد انعدام الامر الجزئي او الامر الكلي بسبب المزاحمة؟ دعوى الشيخ البهائي ان لمزاحمة من تداعياتها انعدام الامر، أي امر؟ الامر الجزئي او الامر الكلي؟ وكلية الامر وجزئية الامر بماذا؟ هذا بحث مهم. من البحوث الحساسة في علم الأصول في الأبواب العديدة من الأصول او الفقه. كيف نشخص جزئية الامر وجزئية الحكم وكليتهما؟ هل يمكن امر واحد من جهة كلي ومن جهة جزئي؟ نعم يمكن. هذا المبحث في نفسه مستقل مهم. جزئية الامر والحكم بماذا وكلية الامر والحكم بماذا؟ طبعا فيه اختلاف بين قول المشهور وقول المتاخرين.
لاجل الالتفات الى زوايا جزئية الامر وكليته نتعرض الى شيء والبقية فيما بعد. الامر له ارتباط بالموضوع الاصولي وهو قيود الوجوب. اقم الصلاة لدلوك الشمس. أي دلوك؟ دلوك ما لا نهاية من الأيام. هذه كلية الحكم من جهة الدلوك والموضوع الاصولي. فقيود الوجوب تكسب الامر كلية وتكسبه جزئية. اذا تحقق الدلوك الخارجي اليوم بالتالي هذا الدلوك الخارجي جزئي يولد امرا جزئيا من ناحيته بصلاة الظهرين. فصلاة الظهرين في هذا اليوم امر وحكم جزئي من ناحية الموضوع الاصولي وكلي من ناحية كلية الدلوك واستغراقي من ناحية كلية الموضوع. امر واحد كلي قد يكون استغراقيا وقد يكون بدليا من ناحيتين وجهتين وقد يكون من جهة أخرى مجموعي. لان الامر الواحد له تعلقات وله زوايا وجهات.
فمن ناحية الموضوع قد يصير كليا وقد يصير جزئيا. ناحية ثانية للامر والحكم انه يكون جزئيا بلحاظ متعلقه وهو الفعل كالصلاة وشرب الخمر. الفعل زاوية ثانية للحكم والامر. صلاة الظهرين لهذا اليوم امر جزئي من جهة الدلوك لكن امر كلي بدلي من جهة صلاة الظهرين اول الوقت وثاني الوقت الى الغروب فعندنا اطلاق بدلي بين افراد طولية في الزمان وافراد عرضية في الزمان. فمن جهة كلية بدلية زمانية عرضية ومن جهة كلية بدلية عرضية زمانية. فمن جهة الموضوع جزئي لكن من جهة المتعلق كلي. هذه زوايا دقيقة مؤثرة جدا في أبواب الأصول وابواب الفقه. صم للرؤية وافطر للرؤية. أي رؤية؟ استغراقي او البدلي؟ السيد الخوئي يقول بدلي. البقية يقولون استغراقي. أي استغراقي؟ مشهور متاخري الاعصار يقولون اذا ثبت في الشرق يثبت للغرب اما اذا ثبت للغرب لا يثبت للشرق. هذا عموم بدلي من جهة واستغراقي من جهة. في آن واحد هو بدلي واستغراقي. انظر حيثيات الحكم والموضوع. بينما قول احد الاعلام المعاصرين انه استغراقي بقول مطلق في كل نقطة. السيد الخوئي يقول بدلي وهو الصحيح. مشهور متاخري العصر يقولون استغراقي من جهة وبدلي من جهة. بينما قول احد الاعلام الموجودين انه استغراقي للكل. هذه نكات مهمة في الاستنباط.