45/05/07
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد
كان الكلام في ثمرة ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.
استشكل المرحوم البهائي ان الفساد ليس مترتبا على القول بالتلازم بل الفساد محقق وان لم يكن في البين نهي عن الضد.
في قبال الشيخ البهائي دعوى الميرزا النائيني وهو يشكل على الثمرة لكن بشكل معاكس وهو ان العبادة صحيحة وان التزمنا بالنهي عن الضد. فكلاهما يقول بان النهي عن الضد عديم الثمرة.
المحقق الكركي قال بالتفصيل في الثمرة وهذا قول ثالث فقال: ان القدرة ان كانت بحكم العقل فالثمرة مترتبة بمعنى انه ان قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيفسد العبادة والا فلا وان كانت القدرة لا بحكم العقل بل ذاتية في الحكم والتكليف ونابعة من نفس التكليف فالثمرة منعدمة يعني انه وافق في هذا القسم الشيخ البهائي في عدم الثمرة يعني ان الفساد لا محالة متحقق وان لم نلتزم بهذه الملازمة. فاذا عنده تفصيل وهذا التفصيل لم يوافقه عليه النائيني لانه يقول بالصحة سواء قلنا بالضد او لم نقل.
لا يخفى عليكم ان الكركي هو من ابتكر نظرية الترتب وشيدها اكثر الشيخ جعفر كاشف الغطاء. اذا ثلاثة اقوال عند الاعلام في الثمرة.
اما القول الأول و هو قول الشيخ البهائي أن الفساد مقرر قلنا بالنهي عن الضد او لم نقل. ان قلنا بالنهي فالامر واضح لان العبادة منهي عنها. وان لم نقل بالنهي عن الضد لان التقارن والتزاحم بين المضيق والموسع او الأهم والمهم (بسبب الوقت فيكون المضيق والموسع أو بسبب أهمية الملاك، من ثم لو كان احدهما اهم ملاكا لكن كان موسعا والآخر اقل ملاكا لكن مضيق فالأهم هو المضيق فضيق وتوسعة الوقت ينتج الأهمية ودونه من الأهمية وكذلك الملاك اذا كانا ضيقين فملاك الأهم يقدم على الملاك المهم) يُعدم الامر بالعبادة في ظرف التقارن. مثلا العبادة موسعة وإنقاذ الغريق مضيق فينعدم الامر بالعبادة واذا انعدم الامر لا يصح إتيان العبادة لان العبادة لابد فيها من قصد الامر وليس الامر موجودا. هذا كلام الشيخ البهائي.
طبعا الشيخ الكركي متقدم زمنا على الشيخ البهائي. ان الشهيد الثاني ادرك أواخر حياة المحقق الكركي ووالد البهائي تلميذ الشهيد الثاني والبهائي تلميذ والده. فلم يدرك بعضهما البعض.
فالقول الأول يقول ان النهي عن الضد عديم الفائدة لان الفساد على أي حال متحقق لان التزاحم يعدم الامر ولا نحتاج الى النهي عن الضد. ولكن لو يتم التدقيق بغض النظر عن صحة كلام الشيخ البهائي او عدم صحته بعض الأحيان نفس المدعى تفسيره الصناعي مفيد للبحث بغض النظر عن صحته. وهذه هي الضرورة التي يجب ان يتشبع بها الجو العلمي التحليل الصناعي.
كلام البهائي ان النهي عن الضد يقتضي الفساد في مقام تعلق النهي المتعلق؟ هل يعدم الامر بالعبادة او لا يعدم لكنه في مقام الأداء الخارجي تكون العبادة مبتلاة بالحرمة. وجه الفساد في النهي عن الضد انه في مقام الأداء الخارجي يعتور المتعلق والفعل والعبادة حزازة الحرمة فيفسد في مقام الأداء. هذا هو النهي عن الضد. بينما الوجه الذي يذكره الشيخ البهائي في الفساد هو انعدام الامر لا ابتلاء المتعلق بالحزازة. فوجه الفساد الذي يذكره الشيخ البهائي يختلف عن وجه الفساد في النهي عن الضد. فالفساد نمطان وليس من نمط واحد. تارة انعدام الامر بسبب التزاحم وتارة ليس بانعدام الامر بل انما الأداء الخارجي يبتلى بمفسد له. الا ان يقال ان النهي عن الضد ينافي وينافر تعلق الامر بالمتعلق فهذا وجه آخر.
النائيني عنده إشكالية في الثمرة لكن كما مر بنا في القول الثاني انه يقول بانعدام الثمرة لكنه يصحح العبادة مطلقا ويقول سواء قلنا بالنهي عن الضد او لم نقل تصح العبادة. فالامر بالشي يقتضي النهي عن الضد لا ثمرة له لكن عكس الشيخ البهائي من جهة ان الصحة مترتبة قلنا بالملازمة او لم نقل.
كيف يصور الصحة؟ يصور النائيني من جهة انه يقول ان النهي من العبادة ليس نهيا نفسيا اصاليا وان عبر نهي غيري لكنه مسامحة بل هو نهي تبعي. نعم اذا قلنا ان النهي التبعي معتمد على الغيري تعبيره صحيح. قال ان النهي الغيري لا ينشأ عن الفساد في المنهي عنه والمتعلق. فاذا لم ينشأ عن الفساد فلا يفسد العبادة. فاذا لا ثمرة في القول بالملازمة. لان هذا النهي لا يفسد العبادة. فتصح العبادة مطلقا.
هنا نقاشات عند السيد الخوئي مع استاذه النائيني وانا اوجدها ان هذه النقاشات بعينها مع معركة الكركي. لذا نستعرض أولا كلام الكركي.
القول الثالث قول الكركي وهو قال بالتفصيل. قال ان بنينا على ان القدرة مأخوذة بحكم العقل في الاحكام الشرعية فالثمرة تظهر. وان بنينا على انها مأخوذة لا بحكم العقل بل من ذات الحكم الشرعي والتكليف فحينئذ الحق مع الشيخ البهائي والفساد مطلقا قلنا بالملازمة او لم نقل فتنعدم الثمرة.
هذا التفصيل بغض النظر عن كونه صحيح او لا وهذه النكات في كلامه التي فيها معركة عند النائيني والسيد الخوئي اعيده لكن نقوم بعملية التشريح الصناعي.
الكركي قال ان بنينا على ان القدرة بحكم العقل فتظهر الثمرة يعني ان بنينا على الملازمة تفسد العبادة وان لم نبن على الملازمة فلا تفسد العبادة. اما بناء على ان القدرة نابعة من ذات التكليف العبادة فاسدة مطلقا بسبب انعدام الامر غير سبب النهي عن الضد.
نفس تصور كلام الكركي رحمة الله عليه صناعيا بغض النظر عن صحته مهم. ما هو معنى كلام الكركي ان القدرة تارة بحكم العقل وتارة ليس بحكم العقل؟ هذا نخاع البحث في التزاحم. هنا بيت القصيد ومربط الفرس.
ما الفرق بين القيود العقلية والقيود غير العقلية؟ وهذا البحث مرتبط صميميا بمراحل الحكم الشرعي. خارطة البحث في التزاحم او التعارض او كل الأبواب الأصولية انما تتضح وتتنقح وتتبلور بمعرفة حقيقة مراحل الحكم. اذا لابد ان نشرح مراحل الحكم ثم نحاول ان نستفهم مدعى الكركي.
مثلا «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» الاستطاعة قدرة وقيد شرعي لانه ورد هذا القيد في الأدلة الشرعية في نفس انشاء الشارع. «اقم الصلاة لدلوك الشمس» الدلوك قيد ورد في لسان الشارع في الانشاء. «وقرآن الفجر» الفجر ورد في لسان الشارع و«غسق الليل» يطلق الغسق على الغروب وعلى زوال الليل. فلاحظ هنا القيد سواء الزماني او غير الزماني تارة يأخذ في لسان الدليل. اذا اخذ في لسان الدليل فيكون قيدا شرعيا غالبا. تارة القيد ليس شرعيا بل العقل يحكم به. فما الفرق؟
هذا السؤال ذكرها في صدد التوضيح علماء الأصول ان الحكم الشرعي اطواره أي مراحله (كل مرحلة من الحكم الشرعي طور) ليس كلها شرعيا بل بعضها شرعي وبعضها عقلي وبعضها تكويني خارجي مثل مرحلة الامتثال.
ففي المراحل الشرعية يأخذ القيد الشرعي وفي المراحل العقلية يأخذ القيد العقلي. المشهور غالبا هكذا يقسمون وان لا يلتزمون به ارتكازا بنحو الكلية. ففيه ضابطة امتن منها. هذه ضابطة أولى ولا بأس بها في الجملة لكنها ليست مطردة. لان الضابطة الثانية امتن ان القيد الشرعي ما ورد في دليل الشارع في أي مرحلة من مراحل الحكم. سواء في المراحل الشرعية او المراحل العقلية او التكوينية. يمكن للشارع ان يأخذ قيدا شرعيا في المراحل العقلية والمراحل التكوينية. غالبا القيد الشرعي هو في المراحل الشرعية لكن ليس دائما. ولكن بالإمكان بل وقع ورود القيد الشرعي في كل المراحل بعضها في المراحل العقلية. اذا ضابطة القيد الشرعي ان يأخذ في دليل الحكم. اما القيد العقلي ما لايأخذه الشارع قيدا وهو غالبا في المراحل العقلية لكن يمكن ان يأخذ العقل قيدا في المراحل الشرعية وليس ممتنعا. هذه الضابطة ادق.
نكتة أخرى ان القيد الشرعي بضابطته الثانية رب قيد عقلي في مرحلة متقدمة ورب قيد شرعي في مرحلة متأخرة. لا نستعجل نوقف عند هذه النقطة غدا ان شاء الله.